كتب – حسام عيد
بعد عقود من العقوبات والعزلة، يمضي السودان قُدمًا في إصلاحات جريئة ذات واقع مؤلم نسبيًا على المدى القصير. لكن هل تنجح الحكومة في إصلاح الاقتصاد دون زعزعة استقرار الانتقال السياسي؟.
إلغاء دعم الطاقة.. وتداعياته
تصاعدت أعمدة الدخان الكثيفة الناتجة عن قطع الإطارات المحترقة في شوارع الخرطوم هذا الأسبوع مع اندلاع الاحتجاجات في أعقاب قرار الحكومة بإلغاء الدعم عن البنزين والديزل.
هذه الخطوة، التي تجعل أسعار الوقود تتماشى مع تكاليف الاستيراد، ستوفر على الحكومة عدة مليارات من الدولارات سنويًا. وهي أيضًا جزء أساسي من برنامج مؤلم لصندوق النقد الدولي مدته 12 شهرًا وينتهي في يونيو 2022، مع قرار من المقرر أن يتخذه الصندوق بشأن ما إذا كانت البلاد مؤهلة لمزيد من الإعفاء من الديون والتمويل.
في قمة باريس في مايو 2021، اقترب السودان من تأمين الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها من خلال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون “هيبيك” -الإطار الذي أنشأه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عام 1996- حيث تعهدت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بتقديم قروض مرحلية لسداد متأخرات الخرطوم للصندوق.
تحاول حكومة الائتلاف العسكري والمدني في السودان تغيير مسار الاقتصاد بعد عقود من العزلة عن الأسواق العالمية. وقد أدى رفع البلاد من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب في ديسمبر 2020 إلى إعادة اندماج البلاد في الاقتصاد العالمي بعد الإطاحة برئيس النظام السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية عام 2019. لكن البلاد لا تزال تواجه ديونًا خارجية بحجم 60 مليار دولار.
ويذكر أنه في عام 2011 أدى انفصال جنوب السودان الغني بالنفط واستئثاره بنحو 75% من إنتاج النفط إلى تفاقم المشاكل المالية للسودان. وكجزء من اتفاق سلام عام 2012 لإنهاء الحرب بين البلدين، تعهد جنوب السودان بدفع 3 مليارات دولار للشمال “السودان” لاستخدام بنيتها التحتية لتصدير النفط الخام من حقولها النفطية، وهو مبلغ تأمل جوبا أن تنتهي من سداده في عام 2021.
وقد تضررت عائدات القطاع المدفوعة من جنوب السودان إلى الخرطوم جراء تداعيات الجائحة الوبائية “كوفيد”، مما أدى إلى توقف الطلب على النفط. يدفع جنوب السودان حاليًا للسودان أربعة رسوم عن كل برميل نفط يتم إنتاجه -للنقل والمعالجة والعبور والتعريفات غير التجارية.
إصلاحات ضرورية.. وتطهير “الدولة العميقة”
التحدي الرئيسي الآخر للحكومة الانتقالية في السودان، التي ستحكم حتى انتخابات 2023، هو تفكيك “الدولة العميقة” الراسخة بعمق والتي تتمركز عليها سلطة النخبة. قد يؤدي تقليص شبكة الشركات والمؤسسات الحكومية والوكالات الأمنية التي يقودها مسؤولون حكوميون سابقون وأفراد عائلاتهم إلى استبعاد رؤساء هذه الشركات بالإضافة إلى المزيد من التحرير الأساسي. ولكن مع ترسخ بقايا ثلاثة عقود من حكم البشير في نسيج المشهد الحاكم، فإن التطهير الكامل يخاطر بعدم ترك “أي شيء”، كما حذر الخبراء.
بعد الاحتجاجات الشعبية الأخيرة ضد الإصلاحات الاقتصادية، دعا رئيس الوزراء السوداني، الخبير الاقتصادي عبدالله حمدوك، إلى إصلاح عاجل لقطاع الأمن المترامي الأطراف لمواجهة مخاطر “الفوضى والحرب الأهلية”.
وشدد حمدوك على أن “تدهور الوضع الأمني مرتبط بشكل أساسي بالتشرذم بين مكونات الثورة، الأمر الذي خلف فراغًا استغله أعداؤها وعناصر النظام السابق”.
وأضاف، “يمكن أن تقودنا هذه الانقسامات إلى حالة من الفوضى والسيطرة من قبل العصابات والجماعات الإجرامية، كما يمكن أن تؤدي إلى انتشار الصراع بين جميع الجماعات المدنية وقد تؤدي إلى حرب أهلية”.
ويحث صندوق النقد الدولي أيضًا على توسيع القاعدة الضريبية للبلاد، وهي خطوة من المرجح أن تضرب النخب الثرية في السودان وتخلق فائزين وخاسرين، كما يقول كوادو ساركودي الشريك في شركة ماير براون القانونية الأمريكية.
ويوضح، “تاريخيًا، ربما لم يدفع بعض هؤلاء الفاعلين العسكريين و”نخبة الدولة العميقة” الذين نشطوا في صناعات مثل احتكار الذهب والنفط، قدرًا كبيرًا من الضرائب كما كان ينبغي”.
ويتابع ساركودي، “لكن على الرغم من الصعوبات، فإن الإصلاحات ستمهد الطريق لتحرير وتنويع الاقتصاد وجذب استثمارات حيوية وقروض ثنائية”.
ويضيف، “إنهم يضعون الإجراءات التي ستسمح بالتحول نحو اقتصاد أكثر قوة. التحدي الكبير الذي يواجه السودان هو أن ذلك يتم وسط وباء كوفيد-19 وتقلبات أسعار النفط”.
وكجزء من حزمة الإصلاحات الأخيرة، سن السودان أيضًا خفضًا حادًّا لقيمة العملة أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 379% في مايو، مما ترك العديد من الناس العاديين غير قادرين على تغطية نفقاتهم. إلى جانب انقطاع الكهرباء والمياه، قد تؤدي تدابير التقشف الإضافية إلى زيادة تأجيج الاضطرابات وتقويض استقرار المرحلة الانتقالية.