حسام عيد – محلل اقتصادي
لقد غيرت السنوات العشرون الأخيرة من الطفرة العقارية في شرق أفريقيا، مشهد البناء، الذي أصبح أشبه بلوحات طبيعة، كما كان ينبغي فعله تمامًا.
في البداية، كانت بلدان شرق القارة السمراء تفتقر إلى التنوع في أسواقها العقارية، من مساكن، إلى متاجر، ومستودعات، وفنادق، وحتى بيوت الطلاب؛ فالمشهد العقاري العام كان يعاني إشكالية العرض والطلب، ليتحول إلى سوق غير مستغل، لكن مع قدوم الاستثمارات وتدفقها، تحولت العقارات إلى فرص رائجة ومدرة لاقتصادات بلدان شرق أفريقيا، وباتت اليوم تحاكي وتنافس الأسواق العقارية في دول العالم المتقدم، كما تساهم في تحقيق الرفاهية للشعوب الأفريقية.
ووجد المستثمرون فرصة فريدة، قد تحدث طفرة أكبر بالأسواق العقارية في شرق أفريقيا، وستميز تلك المنطقة عن مختلف بقاع العالم، وهي الاستثمار في عقارات الطبقة العاملة التي تتميز بمرونتها وقت الأزمات والتحديات، توجهٌ ربما يستقطب المطورين العقاريين في المرحلة المقبلة، ما يعني تغيير المشهد العقاري العام، ليس في تلك المنطقة فحسب، بل في كافة ربوع القارة السمراء.
تراجع التهافت على الأصول الراقية
في السنوات الأولى من الاستثمار العقاري الضخم، ركز المطورون في المقام الأول على الأصول الراقية، لاعتقادهم أنها تحقق هوامش أعلى سواء فيما يتعلق بالربح أو الفائدة على الرهونات العقارية، وأيضًا عوائد وإيرادات أعلىـ في الواقع، لم يعد هذا هو الحال، وربما لم يكن كذلك.
ولكن، مع ذلك، عندما كانت منطقة شرق أفريقيا تفتقر إلى كل شيء، بدأ المستثمرون بمبانٍ باهظة الثمن، حيث قاموا ببناء العقارات من المنازل المنفصلة، وشقق الإيجار الراقية، ومراكز التسوق وغالبًا ما تكون ضخمة، ومباني المكاتب الشاهقة.
حتى في بعض المناطق، وبالنسبة للسوق الراقية، بدأ المستثمرون في الوصول إلى مرحلة السوق المشبع “فائض في المعروض وندرة في الطلب”. ونتيجة لذلك، فإن المستثمر الذي يطرح الآن شقق بنتهاوس في السوق الكينية (شقق تكون في أحد الطوابق العلوية من مبنى مكون من مجموعة وحدات. وعادة ما تتميز شقق بنتهاوس عن الشقق الأخرى بمميزات الترف)، بقيمة 100 مليون شلن كيني، ما لم يكن هناك طلب بالفعل تم تلبيته عليها، أما إذا كان تم تطوير شقق بنتهاوس في ظل غياب الطلب أو عدم دراسة أوضاع السوق جيدًا، ربما يكون المستثمر محظوظًا إذا استطاع خلق طلب عليها خلال 4 سنوات.
عقارات الطبقة العاملة.. استثمار المرحلة
لكن نسبة ضئيلة فقط من الكينيين يعيشون في أحياء راقية، فعندما ننظر إلى احتياجات الطبقات العاملة في الدولة، أبلغ باحثو السوق عن الطلب على مليوني وحدة، وأن هناك أكثر من الثلثين راغبين في تحمل إيجار يتراوح بين 18000 و50.000 شلن شهريًّا.
ويقول صامويل كاريوكي -المدير العام لشركة Centum Real Estate المطور العقاري الرائد في منطقة شرق أفريقيا، والمدرجة في بورصتي نيروبي وأوغندا، حيث توفر للمستثمرين إمكانية الوصول إلى مجموعة من الاستثمارات الفريدة غير المستغلة والتي يصعب الوصول إليها، لكنها متنوعة وذات جودة وتنافسية فائقة- إن “الاستثمار في هذا النوع من العقارات تُرك للمستثمرين غير المحنكين ومفتقدي الخبرة الاحترافية”.
وشدد على أن ذلك السوق يعتبر فرصة رائجة طيعة؛ إذا أُحسن استغلالها، فبإمكانه إلهام المستثمرين ومطوري العقاري برسم خطط تنافسية لإعادة هيكلة المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في العاصمة الكينية نيروبي، ومن ثم تزويد السوق الكيني بعقارات ذات نمط حضاري رائق، وفي متناول الطبقة العاملة من السكان في نفس الوقت.
وللاستثمار في عقارات الطبقة العاملة في شرق أفريقيا مزايا ومآرب أخرى، تتمثل في القضاء على ظاهرة المباني العشوائية التي تفتقد للتخطيط السليم ومعايير البناء القياسية، ما يعني تحسين نوعية العقارات وإضفاء الطابع الصحي والتنافسي أيضًا عليها.
كما ستساهم تلك النوعية الجديدة من الاستثمارات العقارية في خفض تكاليف البناء وإكمال المشاريع بسرعة أكبر لزيادة العوائد.
ورغم الإدراك بأن عوائد الإيجار في المناطق الراقية أعلى، وقد دفع بعض المستثمرين والمطورين إلى مناطق مثل حي كيليماني Kilimani الراقي في العاصمة الكينية نيروبي، ولافينجتون Lavington المشهورة بكونها أحد أحياء نيروبي العصرية، فقد أظهرت الأبحاث أن العوائد أعلى بالفعل اليوم في مناطق السوق العقارية المتوسطة في العاصمة الكينية.
على سبيل المثال، بلغ متوسط عائدات الإيجار في عام 2016 في السوق العقارية المتوسطة 6.5%، مقارنة بـ6.3% للشقق الراقية. وما يزال هذا التميز الاستثنائي لتلك السوق مستمرًا حتى الآن، ففي عام 2018، بلغت عائدات الإيجار في السوق المتوسطة 5.4%، مقارنة بعائدات الاستثمارات العقارية في السوق الراقية عند 5.3%.
طلب رائج
علاوة على ذلك، فإن الطلب على عقارات الطبقة العاملة “السوق المتوسطة” وفير في العاصمة الكينية، نيروبي.
وبالتالي، إذا كان الصندوق الوطني الكيني للضمان الاجتماعي NSSF سيطرح عقارًا مثل شقق Nyayo Estate الفندقية المنظمة في منطقة إمباكاسي الواقعة شرق نيروبي Embakasi والتي تعتبر واحدة من أسرع المناطق تطورًا في كينيا وكذلك تعد موطنًا لمعظم المشاهير الكينيين إضافة للمصانع والعلامات التجارية الرائدة، فلن يواجه صعوبة في الإيجار، حيث يبحث المستأجرون عن مخزون عالي الجودة على وشك الاختفاء في الوقت الحالي.
وتقدم عقارات الطبقة العاملة “عقارات السوق المتوسطة” نفس وسائل الراحة مثل تلك المتوفرة بمنازل كيليماني، من أنظمة أمن حديثة على مدار 24 ساعة، ومساحة واسعة لمواقف السيارات “الكراجات”، ومياه الآبار لتغطية نقص المياه، وخدمات الصيانة، ولكن بأسعار إيجار أقل بكثير.
وبالمثل، بالنسبة للمطورين الذين يبنون عقارات تجارية مثل الأكشاك أو مراكز البيع بالتجزئة، على عكس المراكز التجارية الكبيرة، لن يكون عملهم أو خططهم للتطوير العقاري أكبر تحدٍّ لهم على الإطلاق؛ لأنهم يجذبون الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الخاصة التي تتعامل مع الاحتياجات الروتينية للمستهلكين الكينيين.
وختامًا، يمكن القول: إن فرص الاستثمار في العقارات لا تزال هائلة، ولكن الآن جاء دور الطبقات العاملة، والعوائد مرتفعة للمستثمرين.
إنه تحدٍّ يرحب به كافة العاملين بأسواق العقار، خاصة مع اقتراب مؤتمر المستثمرين السنوي في المنطقة، “قمة شرق أفريقيا للاستثمار العقاري” والمقرر عقد فعالياتها خلال يومي 29 و30 يوليو 2020 في فندق راديسون بلو في العاصمة الكينية +نيريمي. وتعد قمة الاستثمار العقاري في شرق أفريقيا حدثًا رائدًا لسوق العقارات في المنطقة بأسرها، مدفوعًا بالمهنيين المتحمسين والاقتصادات سريعة النمو والمشاريع المثيرة، ومن المقرر أن تصبح منصة رئيسية لتطوير سياسة العقارات والأوراق البيضاء “خطط تسويقية” للحكومة.