كتبت – أماني ربيع
يوما بعد يوم تزدهر صناعة السينما والمحتوى الترفيهي في أفريقيا، التي بدأ المنتجون والمستثمرون في الغرب يدركوا أنها أرضا بكرا للمواهب الإبداعية، إلى جانب الثروات الاقتصادية.
وتعد السينما من الصناعات الواعدة في أفريقيا، وبخاصة في نيجيريا حيث مدينة السينما الشهيرة نوليود، لكن ربما تأخر الوقت كثيرا فيما يتعلق بصناعة أفلام الرسوم المتحركة التي تتطلب تقنيات معقدة أكثر وبرامج باهظة الثمن، بخلاف الأفلام السينمائية التي يمكن تصويرها بكاميرا موبايل وميزانيات محدودة جدا.
والجميل أن مخرجات صناعة الرسوم المتحركة في أفريقيا، ليست مجرد محتوى ترفيهي لأجل المتعة فقط، فهو يمزج الفن والمتعة بالفائدة، ولا يغفل الدور الاجتماعي للفن في المجتمعات النامية حيث الصورة أقدر على توصيل المعلومة والفكرة أقدر من آلاف الكلمات، وعالجت العديد من أعمال الرسوم المتحركة قضايا اجتماعية هامة بأسلوب بسيط للغاية، وليس موجها للأطفال فحسب بل وللكبار كذلك.
وفي خضم واقع صعب للغاية، صمم النيجيري رضوان مرشود على تحقيق حلمه في تعلم صناعة أفلام الرسوم المتحركة، كان يقضي أوقاته جالسا على مقاهي الإنترنت في لاجوس، من يراه يظنه يضيع الوقت على مواقع التواصل والألعاب الإلكترونية، بينما كان يتابع بشغف كل ما يخص عالم الأنيميشن الساحر من دروس وبرامج، وبدأ يتعلم ذاتيا عبر يوتيوب، ويدون ملاحظاته ليستخدمها فيما بعد.
ورغم كونه لايزال في السادسة والعشرين من عمر إلا أن اسم مرشود الآن، أصبح معروفا في مشهد الرسوم المتحركة الصاعدة في أفريقيا، وتم تكريمه منذ سنتين من قبل مؤسسة ” Cartoon Network Africa Creative Lab”، عن عمله ” Garbage Boy and Trash Can “.
انتقام جميل
استوحى موشود هذا العمل من تجربة صعب مر بها خلال دراسته الثانوية، لكن الفنان داخله حولها إلى إبداع حول فيها مضايقات المدرسة وحكاياته مع التنمر إلى انتقام جميل.
وبحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، قال موشود عن فيلمه ” Garbage Boy”: “أردت أن أظهر لكل من تعرضوا للتنمر، أن الأسماء التي يطلقونها عليك، لا تحدد هويتك أبدا.”
وأضاف: “فتى القمامة هو أنا، تعرض كثيرا للتخويف، وتم تسميتي بأسماء سيئة كثيرة، لكني قررت أن أجعل فيلمي منارة للتسامح والأمل.”
بعد هذه الخطوة، أسس موشود شركة إنتاج، ويعمل الآن على مشروع جديد بعنوان ” In My Hood”، قد يتحول إلى سلسلة.
تعليم ذاتي
ووفقا لموقع “بيزنس ديلي”، فهذه التجربة الخاصة بموشود، يمكن تطبيقها على الكثيرين في هذا المجال بالقارة السمراء، وقال مؤسس شبكة الرسوم المتحركة الأفريقية بجوهانسبرج نيك ويلسون، “نسمع عن هذه التجارب في جميع أنحاء القارة.”
وأوضح نيلسون أن صناع ورسامي الرسوم المتحركة المحليون بالقارة بدأوا في ترك بصماتهم وهم ينتمون للعديد من الدول مثل:
نيجيريا وغانا وكينيا وأوغندا ومصر وجنوب إفريقيا وموزمبيق وبوركينا فاسو.
وقال: “كلما بحثنا وجدنا موهبة استثنائية جدا، ومعظم المواهب التي نعثر عليها علمت نفسها بنفسها.”
لكنه وعلى الرغم من ذلك أشار إلى أن هذا المجال بحاجة إلى المزيد من فرص التدريب الرسمي ومنح التعليم، فاقتحام العديد من رسامي الأنيميشين ممن تعلموا ذاتيا للصناعة لا يعني إهمال الجانب الرسمي الذي يحمل فرصة حقيقية لآخرين موهوبون أيضا ولكن بحاجة إلى فرصة نظامية.
وتحدث دوه دي دايجا، من الكاميرون، والمسؤول عن المهارات والتطوير في شبكة الرسوم المتحركة الأفريقية، قائلا: “أظهرت لي تجربتي في هذه الصناعة، أن هناك مجموعة هائلة من العقول الشابة والموهوبة والمبدعة التي لا ترى النور.”
وأضاف: “المشكلة الوحيدة التي تجعل أفريقيا في مؤخرة ركب صناعة الرسوم المتحركة، هي نقص التدريب”.
ومؤخرا، تم الإعلان عن شراكات مع أستوديوهان دوليان للرسوم المتحركة هما Toonz Media Group و Baboon Animation.
تخطط الشركتان لإنشاء أكاديميات للرسوم المتحركة في أفريقيا ، إضافة إلى العدد القليل الموجود بالفعل.
واللافت هو أنه رغم ندرة فرص التدريب الرسمي، إلا أن بعض أعمال الرسوم المتحركة المصنوعة مخليا بدأت في الظهور ولفت الأنظار بالفعل.
واستعان كريس مورجان من Fundi Films بمجموعة المواهب الأفريقية في عمله الأخير ” My Better World”، وهي سلسلة تعليمية تستهدف تلاميذ المدارس والمراهقين الأفارقة، عبر فريق فريق من المبدعين يعملون عن بُعد في جميع أنحاء القارة.
وقال مورجان، من مبومالانجا بجنوب إفريقيا: “كان لدينا أكثر من 100 منتج يعملون في 7 دول مختلفة، قبل جائحة كورونا، والنتيجة النهائية هي سلسلة مكونة من 55 فيلم رسوم متحركة قصير متوفرة باللغات الإنجليزية والسواحيلية والهوسا والصومالية.”
في كل حلقة من ” My Better World”، تظهر شخصيات السلسلة في مجموعة من المواقف المعقدة مثل مفاوضات حول الزواج المبكر، ويتم مناقشة ذلك بأسلوب حيوي يصل بسهولة إلى المتلقي.
وبالإضافة إلى الرسوم المتحركة، يقدم كل فيلم لقاء من شخصية ذات إنجازات كبيرة على أرض الواقع مثل أول طيار في أفريقيا.
ووفقا لبي بي سي، عندما تم بث ” My Better World” في كينيا هذا العام، أصبح أفضل برنامج تلفزيوني للأطفال.، وتم ترشيح السلسلة لأحد أكبر مسابقات الرسوم المتحركة في العالم.
مضمون صعب بطريقة سهلة
ومن التجارب الهامة أيضا، تجربة الفنانة نيجندو موكي، التي تعيش في نيروبي، وصاحبة الفيلم الشهير ” Yellow Fever”، الذي كان وسيلة لإخبار قصة هامة بطريقة إبداعية.
وتناولت موكي فكرة استياء النساء الأفريقيات من لون بشرتهن واللجوء إلى كريمات تبييض البشرة، من أجل أن يشبهن الصورة النمطية العالمية عن الجمال والتي تروج للبشرة الفتحة باعتبارها الأكثر جاذبية.
تقول موكي: “أردت تسليط الضوء الطريقة التي تستخدم بها النساء منتجات تبييض البشرة في كينيا ، وما نعتقد أنه جميل”.
وأضافت: “أردت معرفة السبب وراء تخلينا عن لون بشرتنا الحقيقي، والاعتقاد أن لون آخر هو الأجمل”.
وتشمل الموضوعات الأخرى التي تتناولها أعمال الرسوم المتحركة في أفريقيا، الهجرة غير الشرعية والتهريب، وغيرها من القضايا الملحة داخل المجتمعات المحلية.
وبالنسبة إلى الفنانة نيجندو موكي، فإن الرسوم المتحركة، تعتبر وسيلة مثالية للتعامل مع القضايا الحساسة والصعبة، وبخاصة في دراسات الحالة والتحقيقات الاستقصائية، حيث تتيح للمشاركين إخفاء هويتهم، وألا يتعرضوا للهجوم بسبب ما يناقشونه.
حاز فيلم ” Yellow Fever”، على العديد من الجوائز الدولية بما في ذلك جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة قصير في مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي عام 2013.
مع فوز المزيد من رسامي الرسوم المتحركة الأفارقة بشهرة احترافية ، أخذت الاستوديوهات الدولية في دراسة الصناعة في القارة، وفي العام الماضي، أطلقت منصة نتفلكس الرقمية أول رسوم متحركة أفريقية لها، بعنوان: ” Mama K’s 4″ وهو عمل عن 4 فتيات مراهقات من لوساكا في زامبيا.
وقامت شركات عالمية مثل شركة بيكسار الرائدة في مجال الأنيميشن، بتوظيف رسامين من الدول الأفريقية في خدمات الإنتاج لأفلامهم.
ووفقا لروب سالكويتز، مراسل مجلة فوربس، هناك ازدهارا في السوق العالمية لمحتوى الرسوم المتحركة، وبخاصة بعد الجائحة، لأن شبكات البث كانت متعطشة لمحتوى جديد، والرسوم المتحركة طريقة فعالة لجذب المشاهدين من الأعمار المختلفة.
تحفيز الاستثمار في الصناعة
وتزايد الطلب على أعمال الرسوم المتحركة بعد كورونا، لأن المعلنين ومنتجي الفيديو، لم يعودوا قادرين على التصوير في مواقع خارجية، لذا بدأت الكثير من الأستوديوهات في اللجوء إلى الرسوم المتحركة لسد الفجوة.
لكن ورغم ارتفاع نسبة رسامي الأنيميشن في أفريقيا، بدأت هناك عقبة فرصة عرض المحتوى على الشاشات المحلية، حيث يعتبرون البرامج المستوردة الجاهزة بديلا أرخص، ويفضلونها عن تمويل إنتاج أصلي.
ولكن في الوقت الذي ينضم فيه المزيد من رسامي الرسوم المتحركة إلى المهنة في إفريقيا ، يواجه العديد منهم عقبة في عرض محتواهم على الشاشات المحلية.
وتأمل شبكة الرسوم المتحركة الأفريقية في التغلب على هذه المشكلة من خلال إطلاق شبكتها التلفزيونية الخاصة، وتعمل حاليا على جذب المزيد من الاستثمارات لتحقيق هذه الغاية، حيث المنتجون بحاجة إلى تحفيزات من أجل ضخ أموالهم في صناعة محتوى أصلي بدلا من الاستثمار في منتج أجنبي أرخص.
ولاتزال القناة حتى الآن في مرحلة البث التجريبي، ومن المتوقع أن تنطلق رسميا خلال الأشهر المقبلة.