بقلم – د. نرمين توفيق
باحثة في الشئون الإفريقية والمنسق العام لمركز فاروس
استطاع فيروس كورونا منذ انتشاره أن يؤثر على كل الدول في قارات العالم، وشملت آثاره السلبية جميع المجالات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخلف ملايين من الوفيات والإصابات، وأثبت الطريقة السريعة التي انتشر بها أنه لا جغرافيا ولا حدود ولا مقومات قوة الدول كانت قادرة على منعه من الوصول إليها.
فمنذ الكشف عنه في الصين في أواخر 2019 لم يلبث سوى شهور قليلة حتى ضرب أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا، غير أن الدول المتقدمة يبدو أنها حتى الآن لم تتعلم درس انتشار كورونا، فبعد أن تنفس العالم الصعداء بالإعلان عن اكتشاف عدد من اللقاحات المقاومة للفيروس، بدأت الدول المتقدمة تركز على تحصين مواطنيها من الفيروس أولا وتوفير اللقاحات لهم وتحقيق المكاسب المادية الضخمة من إنتاج وتصدير اللقاحات.
ورغم أن هناك عددا كبيرا من الأصوات المناشدة بضرورة أن يكون هناك عدالة في توزيع اللقاحات وأن تقوم الدول المتقدمة بمسئوليتها الاجتماعية وتوفر اللقاحات مجانا للدول النامية وخاصة إفريقيا، فإن العالم لا يزال بعيدا عن تحقيق هذه المناشدات.
- غياب عدالة توزيع اللقاحات في إفريقيا
تشير الإحصائيات إلى غياب العدالة في توزيع اللقاحات في القارة السمراء بشكل صادم، فوفقا لتصريح مدير عام منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم جيبرييسوس، في سبتمبر الماضي فإن قارة إفريقيا حظيت بنسبة 2% فقط من جملة أكثر من 5.7 مليار جرعة لقاح تم إعطاؤها على مستوى العالم، ولا شك أن هذه النسبة منخفضة للغاية[1]، وسبق للمنظمة العالمية أن صرحت في مارس 2021 إن ما لا يقل عن عشر دول إفريقية من ضمنها تنزانيا وبوروندي وإريتريا والكاميرون وتشاد لم تحصل على أي جرعات من اللقاح، وأضاف الدكتور تيدروس إنه كلما طالت مسألة عدم المساواة في الحصول على اللقاحات، استمر انتشار الفيروس وتحوره، والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي الناجم عنه، وزادت فرص ظهور المزيد من المتغيرات التي تجعل اللقاحات أقل فعالية، وتجعل العالم كله في خطر انتشار المتحورات من الفيروس.
- في حرب اللقاحات الجميع خاسر
دخلت صناعة وتصدير اللقاح في إطار التجارة التي تجلب على الدول المصنعة ملايين الدولارات، وأصبحت الأسبقية لمن يملك ثمن اللقاح، حيث يعطي المصنعون الأولوية للصفقات الثنائية والعديد من البلدان ذات الدخل المرتفع تحتفظ بالإمداد العالمي من اللقاحات، وأدى نقص جرعات اللقاح وزيادة الطلب عليها عالمياً ومشاكل النقل اللوجستية إلى تعطيل شحنها إلى إفريقيا .
هذا جعل المسئولون الأفارقة يحذرون من خطورة الوضع، وحذر مدير المركز الإفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية جون نكينجاسونج من نشوب ما وصفه بـ”حرب اللقاحات” المضادة لفيروس كورونا المستجد بسبب تأخر وصول شحنات الجرعات إلى إفريقيا، وقال إنه يشعر حقاً بالعجز لأن هذا الوضع سيؤثر بشكل كبير على قدرة إفريقيا على مكافحة هذا الفيروس، وأضاف: “بدون تكثيف (زيادة) الوصول إلى اللقاحات، سنواجه تحديات، وسنظل نواجه تلك التحديات. ستُفقد الأرواح، “ليست هناك حاجة إطلاقاً، ولا حاجة إطلاقاً لنا كبشرية لخوض حرب لقاحات لمحاربة هذا الوباء. سنكون كلنا خاسرين”.[2]
وحذر منسق برنامج تطوير المناعة والتلقيح التابع لمنظمة الصحة العالمية في إفريقيا من أن التأخر في وتيرة تزويد القارة باللقاحات “سيزيد من الفجوة بين الشعوب التي تم تطعيمها وتلك التي لم تتلق التطعيم” ضد كورونا.
- متحور أوميكرون يعري الدول المتقدمة
مع إعلان جنوب إفريقيا عن متحور أوميكرون فوجئت بالعالم يرفع يده عنها ويتركها لتواجه موجة أوميكرون بمفردها؛ لذا خرجت تصريحات لمسئولين من جنوب إفريقيا بأن العالم يعاقبهم على الإعلان بصراحة عن أوميكرون، واتهم رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، الدول الغنية بخلق تمييز عنصري باللقاح من خلال تخزين الكميات التي لا تحتاج إليها وإعطاء الدول الفقيرة فقط “فتات من مائدتها لتحقيق المكاسب”.[3]
ورغم أن أكثر من دولة قامت بإغلاق حدودها ومطاردتها أمام القادمين من جنوب إفريقيا، فإن هذا لم يمنع المتحور أوميكرون من الوصول إلى هذه الدول، ليؤكد أن الأولى من الإغلاق أمام الدول التي تعاني من كورونا هو توفير اللقاح لمواطنيهم.
- وقف استخدام اللقاح كأداة ضغط على إفريقيا
من ضمن التحديات التي تواجه إفريقيا في مسألة الحصول على اللقاح ضد كورونا، أن الدول الكبرى تشترط مساعداتها للدول النامية على تنفيذ أجندتهم السياسية والاقتصادية، كذلك لا يجب أن تحدد الدول الكبرى إرسالها للقاحات في إفريقيا على جودة العلاقة بالدولة المستقبلة للقاح، فالهدف لا بد أن يكون تطعيم أكبر قدر من أبناء الدول الإفريقية دون أي شروط وذلك لتكوين المناعة الجماعية، ومن ثم حماية العالم من هذا الفيروس ومن المتحورات الجديدة.
- علاج انخفاض الوعي والتخوفات من اللقاح داخل إفريقيا
على الجانب الأخر لا نستطيع أن ننكر أن قلة الوعي الموجودة في بعض الدول الإفريقية تعد إحدى التحديات أمام خلق المناعة الجماعية في إفريقيا؛ لأن نسبة من المواطنين ليس لديهم ثقة في لقاحات كورونا، وذلك بسبب التجارب السلبية مع دول أوروبا، فمثلا قامت فرنسا أكثر من مرة بتجريب التطعيمات على مواطني غرب إفريقيا قبل أن يعتمدوها في فرنسا، مما جعل المواطنين الأفارقة ينظرون بعين الريبة للقاحات الغربية، غير أنه يمكن علاج هذه التخوفات بمزيد من الشرح والتوعية عبر وسائل الإعلام والوحدات الصحية، وتعريف المواطنين بأهمية اللقاح وأنه لا يشكل خطرا عليهم بل يحميهم من مخاطر كورونا وأن ملايين البشر حول العالم حصلوا على التطعيم ولم يصابوا بضرر، ومن ثم يظل انخفاض عدد اللقاحات التي تصل إلى إفريقيا هو المشكلة الأساسية وليس عزوف المواطنين في القارة السمراء عن التطعيم لأن هذا يمكن علاجه مع زيادة الوعي.
وفي ذات الوقت ظهرت حملات للتشكيك في فاعلية لقاحات دول معينة، والأمر يرجع إلى حرب المكاسب بين شركات الدواء العالمية؛ مما انعكس على خوف المواطنين من هذه اللقاحات؛ وهنا يأتي دور منظمة الصحة العالمية التي تتابع اللقاحات المنتجة في دول العالم والتأكد من فعاليتها وأمانها لتفويت الفرصة على حملات المشككين.
ختاما:
يجب على دول العالم أن تعي أن فيروس كورونا ومتحوراته لن يختفي من تلقاء نفسه، ولن تكون أي دولة في مأمن منه مهما كانت قدراتها المادية والطبية والعلمية، هذا سيحدث فقط عندما تتكون المناعة العالمية الجماعية؛ مما يجعل توفير اللقاحات بعدالة لكل دول العالم وخاصة إفريقيا هو الحل الوحيد، وعلى منظمات العالم الدولية والإقليمية سواء مجلس الأمن الدولي وأعضائه أو منظمة الصحة العالمية أو الاتحاد الإفريقي وغيرهم أن يكون لها دور في دفع الدول المتقدمة لتوفير لقاحات كورونا، فلكسب الحرب على الفيروس لا بد أن تتعاون جميع الجهات من خلال التشخيص والعلاج وتوفير اللقاحات، والأمر لا يتوقف على كورونا فقط وإنما أي جائحة أخرى قد تصيب العالم في المستقبل.
[1] الأمم المتحدة، كوفيد-19: إفريقيا تحصل على 2% فقط من مجموع 5.7 مليار جرعة تم إعطاؤها عالميا، منشور في 14 سبتمبر 2021 ، الرابط: https://news.un.org/ar/story/2021/09/1083082
[2] خبراء إفريقيون يحذرون من “حرب اللقاحات” بسبب تأخر وصول شحنات أسترازينيكا، يورو نيوز، منشور في 25 مارس 2021، الرابط:
[3] Financial Times. Africa is being punished by richer nations in the Covid battle, published on 8 Dec. 2021, https://www.ft.com/content/12924b55-679d-4b31-b2d4-596f16dd6f4a