كتب – د. محمد فؤاد رشوان

باحث في الشؤون الأفريقية

أعلنت بريطانيا، الخميس 14 أبريل الماضي، أنها توصلت إلى اتفاق مع رواندا يقضي بإرسال المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يعبرون بحر المانش إلى رواندا، في الوقت الذي تحاول فيه بريطانيا وضع حد لتدفق أعادا قياسية من طالبي اللجوء والهجرة غير الشرعية.

وقد صرح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في خطاب قرب دوفر في جنوب شرق إنجلترا أنه اعتبارًا من اليوم فإن أي أشخاص يدخلون إلى المملكة المتحدة بشكل غير شرعي، إضافة إلى أولئك الذين وصلوا بشكل غير شرعى منذ الأول من يناير قد يعاد نقلهم مرة أخرى إلى رواندا، مضيفًا أن رواندا لديها القدرة على إعادة توطين عشرات الآلاف من اللاجئين خلال السنوات المقبلة، واصفًا رواندا بانها واحدة من أكثر بلدان العالم أمانًا، وتعرف عالميًّا بسجلها في استقبال وإدماج المهاجرين.

وبناء على ما سبق، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة على تساؤل: هل تسعى بريطانيا إلى التخلص من اللاجئين عبر هذا الاتفاق؟ وكذلك هل تشكل رواندا ملاذًا آمنًا للاجئين المعاد توطينهم بها؟

أولًا: اتفاقية تعيد إلى الأذهان مرسوم إلغاء الرق في بريطانيا

تعيد هذه الاتفاقية إلى الأذهان ما لاقاه الأفارقة قديمًا من استعبدا من قبل المستعمر الغربي الذي تاجر ونقل أعدادًا كبيرة من شباب القارة الأفريقية لبناء نهضتهم الحديثة واستخدامهم نظرًا لقوتهم البدنية والعضلية في زراعة قصب السكر والقطن في المناطق الجديدة التي يتم اكتشافها، وعقب ظهور الثورة الصناعية والتحول من الصناعة اليدوية إلى قوة الماكينة خلال الفترة من (1760- 1840) باتت الحاجة إلى كل هذه الأعداد من العبيد ضعيفة جدًّا، فتم اللجوء إلى ما سمي بمرسوم عتق العبيد عام 1833، وهو ما يتزامن مع تحول الرأسمالية الأوروبية من الرأسمالية التجارية إلى الصناعية، وهو ما يتطلب ضرورة بقاء تلك الأيدي العاملة داخل أفريقيا والعمل في مزارعها ومناجمها تحت الإدارة الاستعمارية[1].

وهو نفس ما يحدث هذه الفترة، ولكن بصورة أخرى، فأوروبا السبب الرئيسي لكافة المشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية عبر تقسيم الحدود الذي لم يراع، عن عمد، الأبعاد الإثنية ولا الدينية والثقافية للدول الأفريقية ما أدخلها في دوامة من الصراعات والحروب الأهلية أو حروب على الحدود، كذلك استنزاف القوى الاستعمارية الأوروبية للموارد الأفريقية بكافة الطرق ما أدى إلى تفاقم مشكلات الفقر والجوع والحروب الأهلية التي كان أحد أسبابها تفاقم أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا التي تسعى الآن إلى التنصل من التزاماتها بشأن توفير الحماية الدولية للاجئين الذين تكفلت بهم اتفاقيات حقوق اللاجئين التي أقرتها الأمم المتحدة والتي تنص على عدم جواز إعادة اللاجئين أو ما يعرف بحظر الطرد أو الرد إلى بلد يخشى فيه من التعرض للاضطهاد.

ثانيًا: المقصود بإعادة توطين اللاجئين

هو أحد الوسائل لحماية اللاجئين المستضعفين مثل الناجين من التعذيب أو النساء اللواتي تعرضن لخطر سوء المعاملة، ويقصد به إعادة إرسال طالب اللجوء إلى بلد ثالث غير بلده الأصلي، وغير البلد الذي وصل إليه أول مرة إذا كان مهددًا بالخطر فيه، وينطبق هذا المفهوم فقط على من يتم الاعتراف بهم كلاجئين من قبل وكالة الأمم المتحدة لشئون اللاجئين[2].

وعادة ما يحدث خلط بين إعادة التوطين وإعادة التوزيع، حيث يكمن الفرق بينهما فيما إذا كان الشخص الذي يتم نقله إلى بلد آخر قد حصل على حق اللجوء، ففي حال لم يحصل الشخص على حق اللجوء أو لم يتمكن من الحصول عليه وتم نقله إلى بلد آخر فهنا يقصد به إعادة التوزيع، خاصة وأن هناك العديد من الدول تتعرض لضغوط كبيرة بسبب ازدياد أعداد طالبي اللجوء، وبالتالي يتم نقلهم إلى بلد آخر للبت في طلب اللجوء[3].

أما الأشخاص الذين تم الاعتراف بهم كلاجئين فعند نقلهم من بلد اللجوء إلى بلد آخر تعرف تلك العملية بإعادة التوطين التي يكون لها عدة شروط منها[4]:

  1. أن يكون الشخص قد نجا من التعذيب أو العنف الشديد.
  2. أن يكون بحاجة إلى العناية الطبية نتيجة لمعاناته من مرض خطير أو حالة طبية طويلة الأمد.
  3. إذا كانت امرأة أو فتاة معرضة للاعتداء أو الاستغلال.
  4. إذا كان طفلًا أو مراهقًا يعيش بمفرده.
  5. إذا كان الشخص يواجه اضطهادًا بسبب جنسه أو ميوله الجنسية.
  6. شخص يحتاج إلى حماية قانونية أو مادية مثل أن يواجه احتمال ترحيله إلى بلد قد يتعرض فيه إلى التعذيب أو القتل.
  7. إذا ظل الشخص ينتقل من بلد إلى آخر لمدة طويلة ولا يمكن أن يعود إلى وطنه في المستقبل المنظور.

وتنطوي عملية إعادة التوطين على اختيار ونقل اللاجئين من دولة التمسوا فيها الحماية إلى دولة ثالثة وافقت على قبلوهم كلاجئين في وضع الإقامة الدائمة، ويجب أن يضمن ذلك الوضع الحماية من الإعادة القسرية، وأن يوفر للاجئ الحماية له ولأسرته أو من يعولهم، وكذلك أن يتمتعوا بكافة الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية المماثلة لتلك الحقوق التي يتمتع بها المواطنون، مع توفير الفرصة لهم للحصول على جنسية البلد التي تم إعادة توطينهم بها.

وبناء على ما سبق، يمكن تعريف إعادة توطين اللاجئين على أنه “العملية التي يستطيع اللاجئ بعدها عقب وصوله إلى مكان اللجوء الدائم أن يعود لدية الإحساس بالسيطرة على مقاليد حياته، وأن الحياة تعود إلى طبيعتها”[5].

وهناك ثلاثة أساليب مختلفة لإعادة التوطين على المستوى الدولي، وهي كالتالي:

أولًا: وهي فكرة الاستيعاب والتي نادرًا ما تستخدم الآن في العالم، حيث يطلب فيها من اللاجئ أن يتعلم ويتبع المنظومة المعتمدة في المجتمع المستقبل بحيث يعمل هذا المجتمع على استيعاب اللاجئين، ومعاملتهم معاملة المواطنين من حيث إعطائهم كافة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا تحدث أي تفرقة بينهم وبين المواطنين العاديين.

ثانيًا: التكامل بحيث ينظر إلى إعادة التوطين على أنه طريق ذو اتجاهين بحيث يقوم اللاجئ بالتكيف مع ظروف وأوضاع المجتمع المستقبل، كما يتكيف المجتمع مع بعض عادات الوافد الجديد ويتعلمها، وتعد عملية التكامل بناءً معقدًا ومتعدد الأبعاد حتى يتم التكامل على المستويات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والتعليمية، وتشير التجارب إلى أن اللاجئين ذوي الخبرات العالية والمؤهلات التعليمية الأعلى يمكنهم التكيف بشكل أسرع مع المجتمعات الجديدة، بينما تظل مشكلة العنصرية والجهل هي أبرز تحديات التكامل التي تواجه اللاجئين[6].

ثالثًا: التعددية الثقافية التي تقوم على دعم الوافدين الجدد للاحتفاظ بثقافتهم الأصلية (ضمن بعض المعايير)، بينما يمكنهم في نفس الوقت أن يكونوا قادرين على المشاركة بالتساوي في المجتمع بشكل عام.

إلا أن التجربة العملية أظهرت أن هناك فجوة كبيرة بين الخطاب وممارسة التعددية الثقافية، حيث ينصب التركيز على المظاهر الشكلية للتبادل الثقافي، ولا يوجد حوار ثقافي حقيقي بين كافة أطياف المجتمعات وخاصة بين اللاجئين والمواطنين.

فقد أثبت فشل تجربة العيش في مجتمع متعدد الثقافات في أوروبا، حيث أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أكتوبر 2010 فشل جهود تحقيق مجتمع متعدد الثقافات واضطرت ألمانيا إلى استخدام نهج التكامل كسياسة للتعامل مع اللاجئين، وتم التعامل مع اللاجئين كأجانب عليهم العودة إلى موطنهم في نهاية المطاف، وبالتالي لا يتم بذل المزيد من الجهد لدمجهم في المجتمع الألماني، وكذلك الحال في فبراير 2011 حينما أعلن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون فشل سياسة التعددية الثقافية على المستوى الوطني في بريطانيا[7].

ثالثًا: إعادة توزيع اللاجئين إلى رواندا

بناء على التعريف السابق تصبح الاتفاقية الجديدة التي أقرتها الحكومة البريطانية عبارة عن إعادة لتوزيع طالبي اللجوء إلى رواندا لحين الفصل في طلبات اللجوء الخاصة بهم، وكان كل من وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل قد قدمت في مقال مشترك مع وزير الخارجية الرواندي فنسنت بيروتا، نُشر في صحيفة التايمز، أنهما اقترحا حلًّا مبتكرًا لمواجهة الاتجار في البشر، موضحين أن النظام العالمي للجوء ينهار تحت ضغط الأزمات الإنسانية والاتجار بالبشر[8].

  1. بريطانيا ليست الأولى

وقعت رواندا مع الدنمارك اتفاقيتي تعاون بخصوص الهجرة واللجوء مع رواندا ولم يتم الإعلان عن تفاصيلهما وسط تخوفات من أن تكون في إطار خطة الحكومة الدنماركية لإقامة مركز استقبال لطالبي اللجوء في بلد ثالث، وأشارت العديد من التقارير إلى الزيارة الرسمية التي أجراها كل من وزير الهجرة والاندماج ماتياس تسفاي ووزير التنمية فليمنج مولر إلى رواندا لتعزيز العلاقات بين البلدين وتعاون أوثق في قضايا الهجرة[9].

كما وقعت مفوضية شئون اللاجئين عام 2019 مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأفريقي تتضمن إجلاء لاجئين وطالبي لجوء مسجلين فيها من ليبيا إلى رواندا بحسب السكرتير الدائم في الوزارة المسئولة عن إدارة الأزمات في رواندا، وشملت الدفعة الأولى 306 أشخاص أغلبهم من القرن الأفريقي وبينهم أطفال وشباب معرضون للخطر، وقد عادت عملية نقل اللاجئين مرة أخرى بعد توقف بسبب إغلاق الحدود نتيجة لجائحة كورونا، حيث تم نقل أكثر من 114 لاجئ آخر وجارٍ استكمال نقل العديد من اللاجئين من الفئات الأكثر تعرضًا للخطر[10].

2. انتقادات لاذعة للحكومة البريطانية

عقب الإعلان عن الاتفاق أعلن زعيم حزب العمال سير كير ستارمر عن كون المشروع غير قابل للتنفيذ، وأن الهدف منه هو صرف النظر عن فضيحة الغرامات التي فرضت على أعضاء في حزب المحافظين بسبب مخالفتهم قوانين الإغلاق في بداية جائحة كورونا، فيما أعرب المدير التنفيذي لمنظمة الصليب الأحمر البريطاني عن قلقه مشيرًا إلى أن تكلفة مشروع الترحيل “المادية والإنسانية” ستكون كبيرة، خاصة بعد الوعود البريطانية بتوفير استثمارات مباشرة تقدر بحوالي 150 مليون جنيه استرليني في رواندا لتوفير فرص العمل لهؤلاء اللاجئين[11].

فيما أبدى مدير عام مجلس اللاجئين أنور سولومون ذهوله من قرار الحكومة الذي وصفة بالبغيض والذي لن يحول دون وصول اللاجئين إلى بريطانيا، خاصة وأنه قد أثيرت شكوك عديدة حول سجل حقوق الإنسان في رواندا ساخرًا من التناقضات في السياسة البريطانية، فقد عبّرت الحكومة البريطانية عن قلقها العام الماضي في الأمم المتحدة بسبب استمرار القيود المفروضة على حقوق الإنسان والحقوق السياسية وحرية الصحافة في رواندا، وذلك قبل 10 أشهر فقط من توقيع الاتفاق الجديد.

في المقابل وقعت أكثر من 160 جمعية في المملكة المتحدة تدعم اللاجئين على رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس الوزراء البريطاني تصف الخطة بأنها غير مدروسة وتحذر من أنها ستتسبب في زيادة الرحلات الخطيرة وليس تخفيضها[12].

وختامًا يثير الاتفاق الأخير العديد من المخاوف بشأن إعادة توزيع اللاجئين في رواندا نتيجة لسجلها السيئ في انتهاك حقوق الإنسان وعدم التحقيق في العديد من تلك الانتهاكات، الأمر الذي يواجه بانتقادات كبيرة داخل وخارج بريطانيا بسبب عدم ضمان توفير الحماية الكافية لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين أو اللاجئين في رواندا، إلا أن مصير هؤلاء اللاجئين يثير العديد من التساؤلات حال عدم استطاعة الحكومة البريطانية الوفاء بتعهداتها الاستثمارية وفشل منظومة دعم اللاجئين دوليًّا، والتغاضي عن مبدأ تقاسم المسئولية الدولية، خاصة في الشمال المتقدم، حيث فشلت المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في توفير الدعم المادي الكافي للاجئين في الدول النامية لتخفيف العبء على الدول المستضيفة للاجئين، كذلك عدم ضمان قيام الحكومة الرواندية بترحيلهم مرة أخرى إلى بلدانهم الأصلية، ما يشكل خطرًا جسيمًا على حياتهم، خاصة وأنهم من الفئات الأكثر احتياجًا إلى الحماية والرعاية.


[1] https://www.albayan.ae/paths/books/2008-07-20-1.658515

[2] Reem El-Radi, The Resettlement Experiences of Southern Sudanese Women Refugees in Minnesota, PhD Thesis, (Minnesota, University of Minnesota, 2015) P.P., 16-17

[3] https://arab-deutschland.com/%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9 %D8%AA%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86/

[4] https://www.amnesty.org/ar/latest/campaigns/2016/03/why-does-refugee-resettlement-change-lives/

[5] Dr. Brooke McDonald, (et.al), (Eds) Refugee Resettlement in Regional and Rural

Victoria: Impacts and Policy Issues (Carlton, Victorian Health Promotion Foundation, March2008) P.12

[6] Mihaela Robila, Refugees and Social Integration in Europe, (New York, Paper presented to The United Nations Expert Group Meeting , 15-16 may 2018 ), P 10

[7] Fumiko Tsutaki, Issue of Immigration and Refugees and Multiculturalism in Europe, at:

www.iop.or.jp/Documents/1626/%5B112-124%5DJournal26_Tsutaki.pdf

[8] https://www.bbc.com/arabic/world-61139833

[9] https://www.enabbaladi.net/archives/565840

[10] https://www.unhcr.org/ar/news/briefing/2020/11/5fb7c6be4.html

[11] ترحيل المهاجرين من بريطانيا إلى رواندا/ انتقادات لاذعة وترحيب دنماركي: 18/4/ 2022على الرابط:

https://www.infomigrants.net/ar/post/39936

[12]https://www.independentarabia.com/node/322051/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A1-%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%83-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86