في مقال لها بصحيفة “الرواية الأولى: السودانية، سلطت الصحفية المصرية سمر إبراهيم، الضوء على الإعلام المصري وكيف قام بتغطية زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان للقاهرة، كما أبرزت اهتمام وسائل الإعلام المصرية بتلك الزيارة وكيف كان البرهان مهتمًّا بالحديث للإعلام المصري حول عدة قضايا مهمة، فيما يلي نص المقال:

بقلم – سمر إبراهيم:

في الثلاثين من مارس الماضي، حرص رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، على لقاء عدد من الصحفيين ووسائل الإعلام المصرية على هامش زيارته إلى القاهرة.

ويُعد ذلك اللقاء الأول للبرهان مع عدد من الصحفيين ووسائل الإعلام المصرية بالرغم من زياراته المتعددة السابقة لمصر، لا سيما وأن رئيس مجلس السيادة السوداني لم يتحدث للرأي العام المصري منذ توليه السلطة في البلاد إلا عبر حوار صحفي انفردت بإجرائه لجريدة “الشروق” المصرية في نوفمبر عام 2020 أعقاب توقيع اتفاق “سلام جوبا”.

اللقاء الذي شرفت بحضوره استمر قرابة الـ90 دقيقة، بقصر القبة، تم عقده برغبة من رئيس مجلس السيادة وحرصه على الحديث إلى الصحافة والإعلام المصري ليشتبك مع قضايا عدة مهمة داخليًّا تطرح نفسها بقوة على الساحة السودانية، وأيضًا مع قضايا تهم  المجتمع الإقليمي والدولي، واستعرض البرهان مراحل تطور العلاقات الشعبية بين القاهرة والخرطوم، وما يميزها على مَر التاريخ، مشددًا حسب قوله: “إن علاقات الشعبين المصري والسوداني لم تتأثر بأي تجاذبات سياسية بين حكومات البلدين في أي مرحلة من المراحل”.

وفي بداية حديثه، أشاد باهتمام الصحف ووسائل الإعلام المصرية بقضايا السودان وشواغله الداخلية، معربًا عن أمله في زيادة ذلك الزخم والاهتمام الصحفي والإعلامي والتعاون المثمر بين البلدين في ذلك المجال.

كما تطرق الحديث إلى الأطراف التي تسعى جاهدة لـ”شيطنة” مصر حكومة وشعبًا للتأثير سلباً على عُمق العلاقات، وبكل شفافية أكد أن هناك أطراف سودانية لديها حساسية تجاه العسكريين في السودان، وهي التي ترى أن مصر تدعم العسكريين فقط!

ولكن في حقيقة الأمر مصر تقدم الدعم للشعب السوداني بأكمله، بهدف الحفاظ على أمن واستقرار ووحدة البلاد، مؤكدًا علي أن هناك جهات تريد تعكير صفو العلاقة بين البلدين، وهو ما لن يحدث – حسب قوله.

في حقيقة الأمر- واجهت مصر حملة شرسة في الداخل السوداني عملت على “شيطنة” الموقف المصري من أطراف عديدة عقب قرارات 25 أكتوبر، ووصلت الحملة إلى ذروتها مطلع العام الجاري وتم ربط ذلك بإغلاق الطريق القومي الرابط بين البلدين “شريان الشمال” والذي يُعد وصلة الحياة بينهما تجاريًّا واقتصاديًّا وبشريًّا.

المُتابع جيدًا للشأن السوداني والمصري، لا يُمكن أن يغفل التطورات الراهنة في إقليم شرق أفريقيا، والمهددات الإقليمية والدولية أيضاً التي تُحيط بكلا البلدين، والتي من شأنها التأثير على طبيعة العلاقات ومحدداتها وروابطها والمصالح المشتركة وربما العمق الشعبي لمن يريدون تحقيق هذا الهدف والغاية تبرر لهم الوسيلة، ووسيلتهم كانت ولا زالت تركز على استخدام الآلة الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر وترويج ادعاءات ليس لها أسانيد حقيقية.

إذن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة في هذا الوقت الدقيق من عُمر البلدين، هل “الخرطوم والقاهرة” في حاجة إلى الاهتمام الصحفي والإعلامي الذي يعبر عنهما بمنتهى الشفافية؟ ووضع رؤية إعلامية جديدة لضبط المشهد العام؟

لا شك أن الوقت قد حان لأن يُطلق البلدين لنفسهما العنان ويحققان ما يعزز وحدة مصيرهما عبر صياغة رؤية إعلامية جديدة تليق بالتغيرات التي واكبت الإقليم بأكمله، وتليق بسرعة عصر “السوشيال ميديا” وربما عدم دقتها، وتعزز من وصولهما إلى تفاهم وتناغم على المستويات كافة.

وبالنظر إلى أبعاد الأمن القومي بين مصر والسودان كـ “قضية سد النهضة، الإرهاب العابر للحدود، أمن البحر الأحمر، ومكافحة الأفكار المتطرفة” تأتي أهمية التفكير في صُنع مشروع صحفي وإعلامي ضخم يليق بخبرات وكوادر البلدين بهدف بناء رصيد جديد لدى الشعبين، بعيداً عن التجاذبات السياسية والصورة الذهنية النمطية، وربما تقاطع المصالح في بعض الأحيان، مع ضرورة التعويل على الرصيد الشعبي سواء على أرض الواقع عبر المشاريع التي تستهدف التنمية في قدرات البشر، أو عبر الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تحقيق الريادة الإعلامية للدولتين، وخلق وعي مشترك.

ومن ثم أظن أنه ليس هناك ما يمنع أن يتم إطلاق قناة تلفزيونية تدعم تحقيق تلك الأهداف، تعمل بفريق عمل مشترك “مصري وسوداني” وبإدارة مشتركة من الجانبين أيضاً، يعزز من انتشارها تواجد قوي على وسائل التواصل الاجتماعي بعدة لغات مختلفة، بدعم وتعاون من القطاع الخاص بالبلدين مع الجهات المعنية بهما.

وبالنظر إلى محتوى القناة يجب أن يتضمن ما يُجذب المواطنين بمختلف الفئات والمستويات الفكرية، وأظن أن أولى وسائل التقارب بين الشعوب هو “الفن” لاسيما أن الشعبين يتميزان بتذوق الفن بكافة صوره.

المضمون المرئي يجب ألا يغفل العمل على تعريف الرأي العام المصري، بالتاريخ السوداني عبر إنتاج أفلام وثائقية، والعكس كذلك صحيح، بشكل يعبر عن مدى عمق التراث المشترك بين الشعبين على مرّ التاريخ والتشابك القبلي كـ”امتداد قبيلة العبابدة والجعافرة في البلدين”، وروايات أخرى يُمكن أن تُروى عن تاريخهما، على سبيل المثال لا الحصر، “رحلة بيع الإبل من مراعي السودان وحتى مدينة شلاتين وصولًا إلى رحلة بيعها في القاهرة”، وقصة “حي المسالمة” الشهير بمدينة أم درمان العريقة وأصول سكانه المصريين الذين استقروا بالسودان”، وتاريخ “حي أولاد الريف” بإقليم دارفور وأصول سكانه المصريين” وغيرها من الروايات الطويلة بين مصر والسودان.

وبالعودة إلى “النوستاليجا” التي يميل إليها معظم البشر، في ظل تأثير العولمة والتكنولوجيا على الإنسان بصورة سلبية، يُمكن إعادة إحياء أرشيف الإذاعة الشهيرة “وادي النيل”، وبث أغاني سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” نظرًا لرصيد المحبة الكبير الذي تتمتع به لدى أهل السودان تحديدًا، فلا تزال زيارتها الشهيرة إلى الخرطوم عام 1968 محفورة في أذهان ووجدان السودانيين حتى الآن بكل الود والمحبة والتقدير.

فضلًا عن إنتاج برنامج “فني، ثقافي، غنائي، اجتماعي” للحديث عن الهوية المشتركة، ويناقش مستجدات تطورات المجتمعين بمحتوى جاذب، مع استضافة كبار الشخصيات الفنية، والثقافية، وكبار الصحفيين والكُتاب والروائيين، والشخصيات المؤثرة مجتمعياً، مع عرض أبرز الكتب الصادرة بالدولتين للتعرف على حركة الثقافة وتطورها في القاهرة والخرطوم، فربما عزيزي القارئ سمعت يومًا عن المقولة الشهيرة التي تقول أن “القاهرة تكتب.. وبيروت تطبع.. والخرطوم تقرأ”.

وفي ظل ذلك الزخم، لابد من تقديم وجبة سياسية للمشاهد مصنوعة بصورة احترافية وحيادية، تواكب تطورات الأوضاع بالبلدين ومستجدات المجتمعين الإقليمي والدولي.

كما لا بد من الحديث عن النيل ذلك الحبل السري الذي يربط البلدين ببعضهما البعض، كعامل لتقريب الشعوب وليس عامل للتفرقة، عبر إنتاج محتوى “اجتماعي – تاريخي” يتحدث عن النيل والحضارات التي نشأت على ضفافه. هذا بجانب عرض محتوى “رياضي، وسياحي” جاذب.

وبما أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، أظن أن البلدين في حاجة مُلحة للحديث عن الثروات الطبيعية الضخمة التي يتمتعان بها، وعرض الفرص الاستثمارية لجذب المستثمرين الوطنيين وتوفير فرص عمل للشباب ودفع عجلة الإنتاج الداخلي بما يعزز مصالحهما المشتركة.

أعتقد أن مواجهة الواقع الراهن، بآلية جديدة تعمل على ضبط التعامل الإعلامي بين البلدين، وتُمكن الصحفيين والإعلاميين بالبلدين من تغطية الأحداث الكبرى بالقاهرة والخرطوم عن عَلم ودراية ومعرفة دقيقة، يُعد رمانة ميزان العلاقات ولابد من النظر إليها بعين الاهتمام حتى نصل إلى الهدف المنشود، بعيداً عن مهاترات وإرهاصات اللجان الإلكترونية والسوشيال ميديا والخلايا النائمة للفتنة والكراهية التي تهب علينا من حين لآخر بهدف عزل السودان عن مصر، وإبعاد مصر عن السودان، لتحقيق مصالح بعينها لا يُمكن تنفيذها بدون التفرقة بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي.