كتب – حسام عيد

من مزارع الرياح عبر الساحل الأفريقي إلى مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية في الوادي المتصدع بشرق القارة، سلط تقرير مناخي جديد للأمم المتحدة يوم الاثنين الموفق 4 إبريل 2022، الضوء على إمكانات الطاقة النظيفة الهائلة للقارة السمراء.

التقرير كشف أن مشاريع الطاقة المتجددة هذه، إذا تم تحقيقها، يمكن أن تخفف من حدة آثار الاحتباس الحراري القاسية، وتدفع التنمية الاقتصادية المتوقعة للقارة، وتنقذ الملايين من براثن الفقر.

ووفق وكالة “أسوشيتد برس”؛ يأتي تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC)، في وقت تزدهر فيه أعمال الطاقة المتجددة في أفريقيا بالفعل، إذ تكثف العديد من الدول الأفريقية الجهود لتبني مسارات بديلة للطاقة المتجددة والابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، مثل كينيا وتنزانيا والمغرب ومصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا التي تتصدر تبني الطاقة النظيفة على نطاق واسع.

إمكانات هائلة للطاقة النظيفة بأفريقيا

تتجه أنظار القادة الأفارقة نحو الطاقات المتجددة التي تزخر بها القارة السمراء، لتوظيفها في منع الاحترار المناخي وتنمية الاقتصادات المتعثرة وتجنيب دولهم كوارث تهددهم أكثر من غيرهم نتيجة التغيرات المناخية.

ولم تجتذب أفريقيا سوى 2% -نحو 60 مليار دولار- من 2.8 تريليون دولار مستثمرة في مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم في العقدين الماضيين وتمثل 3% فقط من قدرة الطاقة المتجددة الحالية في العالم. وأوضح تقرير الأمم المتحدة إن الحد من ارتفاع درجة حرارة على مستوى العالم إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) أو 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت)، بما يتماشى مع اتفاقية باريس للمناخ لعام 2016، سيشمل تحولًا أكبر في نظام الطاقة.

وهذا يعني أن هناك حاجة إلى المزيد من مبادرات الطاقة المتجددة، مثل مشروع محطة بحيرة توركانا لطاقة الرياح في كينيا، والتي تم إطلاقها في عام 2019 على بعد حوالي 600 كيلومتر (372 ميلاً) شمال غرب العاصمة نيروبي وتشكل 18% من إنتاج الطاقة في البلاد. بالفعل، يمكن تكرار مثل هذه المشاريع الكبيرة، لكنها لا تزال تمثل تحديًا لوجستيًا، كما أفاد فيليب ليفرينك المدير التنفيذي للمشروع الذي يعد من بين أكبر مزارع توليد طاقة الرياح في أفريقيا.

وتعتبر ظروف الرياح في شمال كينيا فريدة من نوعها بالنسبة إلى القارة الأفريقية. وقال ليفرينك “لن يكون من السهل على المرء أن يعثر على موقع آخر في أفريقيا به نظام رياح مماثل. لكن هذا لا يعني أنه لا توجد إمكانية لمشاريع طاقة الرياح الأخرى في القارة. ويتمتع الساحل الأفريقي على وجه الخصوص، من جيبوتي على طول الطريق جنوبًا حول جنوب أفريقيا إلى الشمال مرة أخرى حتى الكاميرون، بإمكانيات جيدة للرياح ويستدعي بالتأكيد مبادرات في هذا الصدد”.

ويبدو المشروع بالفعل جيدًا، حيث تساهم الطاقة الشمسية خارج الشبكة أيضًا في إنتاج الطاقة داخل البلاد. وفي مقاطعة ناكورو الواقعة على بعد حوالي 167 كيلومترًا شمال غرب نيروبي، اشترك جيمس كاريوكي في شركة “إم كوبا M-Kopa للطاقة الشمسية” كي يولّد لمنزله الطاقة الشمسية خارج الشبكة.

وقال: “عندما قررت تركيب الطاقة الشمسية في منزلي نجحت في تحقيق توفير كبير نتيجة عدم استخدام مصباح الكيروسين للإضاءة وعدم استعمال الفحم في منزلي. وانخفضت فواتيري منذ ذلك الحين ولدينا الآن الإنترنت ونشاهد الرياضة الدولية في منزلي”.

ومنذ 2012 غطّت “إم كوبا” أكثر من 225 ألف منزل في كينيا وأوغندا وتنزانيا بالطاقة الشمسية خارج الشبكة. وتعمل كينيا أيضًا على توسيع قدرتها على إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الحيوية لعدة سنوات.

وتعتبر هذه المبادرات خطوة ثابتة في الاتجاه الصحيح، وفقًا لمؤلفة التقرير وخبيرة الطاقة يامينا ساهب التي قالت إن “مصادر الطاقة المتجددة هي بالتأكيد استراتيجية تخفيف مهمة لأفريقيا، حيث تقدم لمواطنيها مستويات معيشية لائقة من خلال تطوير البنية التحتية والمباني التي لا تتطلب حلولًا كثيفة الكربون. ويمكن للقارة بأكملها استخدام الطاقة الشمسية بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية الحرارية، ويمكن أيضا أن تتجه بعض البلدان إلى استخدام طاقة الرياح”.

تعميم مبادرات الطاقة الشمسية

وظهرت مبادرات الطاقة الشمسية -مثل مجمع نور ورزازات في المغرب، ومنتزه بنبان للطاقة الشمسية في مصر، ومحطة ريدستون للطاقة الشمسية في جنوب أفريقيا- في جميع أنحاء القارة. وجذبت الدول الأربع 75% من جميع تدفقات استثمارات الطاقة المتجددة في المنطقة.

وقال التقرير إن أفريقيا تتمتع بقدرة عالمية فائقة على إحداث ونشر مبادرات الطاقة الشمسية، فضلًا عن إمكانات الطاقة الشمسية الكهروضوئية التي تصل إلى 7900 جيجاوات. وتوجد خطط جارية لاستكشاف إمكانات الطاقة الحرارية الأرضية في نظام الوادي المتصدع بشرق أفريقيا، وتستثمر دول أفريقية عديدة -مثل أنجولا والسودان وزامبيا- في طاقة الرياح والطاقة المائية.

وأفاد تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بأن الانتقال إلى الطاقة النظيفة يُعد أيضًا “جذابًا من الناحية الاقتصادية” في بعض الظروف. وتقدر الأمم المتحدة أن استمرار استيعاب أفريقيا للطاقات المتجددة سيشهد خلق أكثر من 12 مليون وظيفة جديدة. ولا تزال الصين أكبر مقرض لاستثمارات الطاقة المتجددة في أفريقيا ، يليها البنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي وصندوق المناخ الأخضر.

يعد هذا التقرير الأخير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة مؤشرًا واضحًا على أن أفريقيا يجب أن تسخر فرص الطاقة المتجددة الهائلة المتاحة داخل القارة لتعزيز النمو الاقتصادي وبناء بنية تحتية مرنة”.

وقال ماكس بانكول جاريت، خبير الطاقة والمدير الإقليمي السابق لأفريقيا في وكالة الطاقة الدولية، “يجب أن تكون مصادر الطاقة المتجددة الواسعة في أفريقيا أولوية للقارة وللعالم الذي يتسابق على تحقيق طموح الصافي الصفري من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون”.

وقدّمت 53 دولة أفريقية بالفعل مساهماتها الوطنية الطوعية المحددة بموجب اتفاقية باريس للمناخ التي توضح بالتفصيل خطط الطاقة وتحدد أهدافًا للحد من انبعاثات الكربون. وأدرجت 40 من تلك البلدان أهدافا للطاقة المتجددة.

وتعاني أفريقيا من بعض الآثار الأشد خطورة والمترتبة على تغير المناخ، بالرغم من كونها القارة الأقل انبعاثًا لغازات الاحتباس الحراري مع أقل قدرة على التكيف. ولا تزال مساحات شاسعة من القارة تفتقر إلى الكهرباء ووقود الطهي، إذ تقدر وكالة الطاقة الدولية أن حوالي 580 مليون شخص كانوا بدون كهرباء في 2019، وتقول منظمة الصحة العالمية إن حوالي 906 ملايين شخص بحاجة إلى وقود وتقنيات طهي أنظف. لكن التقرير حذر من أن إتاحة الوصول الشامل باستخدام مصادر الطاقة غير المتجددة من شأنها أن تؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون العالمية. وقال إن “العمل المناخي يعدّ عنصرًا رئيسيًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.

كوب 27.. والتحول الأخضر في مصر

من جانبها، تستثمر مصر مؤخرًا بكثافة في مشاريع الطاقة الخضراء، تزامنا مع استضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين لتغير المناخ في نوفمبر 2022؛ كما أفادت وكالة “إيكو فين” الأفريقية والناطقة بالفرنسية، والمتخصصة في الشأن الاقتصادي الأفريقي.

الجهود المصرية في مجالي البيئة وتغير المناخ عديدة ومتنوعة، وتبرز في؛ توليد 20% من الكهرباء من مصادر طاقة جديدة ومُتجددة بحلول نهاية العام 2022 الجاري، واستهداف توليد 42% من الكهرباء من تلك المصادر بحلول عام 2030، بالإضافة إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.

وكانت مصر قد أصدرت الحكومة أول سندات خضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2020 بقيمة 750 مليون دولار، كما تم تمويل أول سندات خضراء للقطاع الخاص من قبل مؤسسة التمويل الدولية لصالح البنك التجاري الدولي خلال عام 2021 بقيمة 100 مليون دولار، وأصدرت هيئة الرقابة المالية تعليمات للقطاعات التابعة لها لتعزيز جهود التمويل الأخضر.

وتمتلك العديد من نماذج المشروعات الناجحة في جهود التكيف والتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية من بينها مشروع بنبان للطاقة الشمسية الذي ساهم في تمويله عدد من شركاء التنمية من بينهم مؤسسة التمويل الدولية،.

ستعمل مصر تعمل من خلال رئاستها لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP27 على تعزيز جهود العمل المناخي والتحول الأخضر في مصر وعلى مستوى قارة أفريقيا، والعالم أيضًا.

فيما تتمثل أهمية مؤتمر الأطراف الأطراف السابع والعشرين (COP 27) التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في كونه فرصة حقيقية لخلق تحول جزري في مجال استدامة المدن، حيث يعد فرصة مهمة لإلقاء الضوء على آثار التغيرات المناخية على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، باعتبارها دول تعاني من تأثيرات التغيرات المناخية الضارة دون أن تكون المتسبب الرئيسي فيه.

مصر لديها فرصة ذهبية لتقديم نموذج لأولويات القارة الأفريقية والدول النامية، التي تعتبر ضحية التغيرات المناخية، دون أن تتسبب بها، وهو ما ستركز عليه قمة المناخ المقبلة في شرم الشيخ.

وتعتبر كوب 27 في شرم الشيخ أول قمة تنظم خارج أوروبا بعد كوب 22 في المغرب، وهي لحظة مهمة لمصر وأفريقيا لتغيير نظرة العالم. ومن المتوقع أن تساهم قمة المناخ العالمية المرتقبة في تحويل شرم الشيخ إلى المقصد العالمي الأول المستدام للسياحة الخضراء الآمنة.

ومن المتوقع أن تصبح قمة شرم الشيخ محطة أساسية في مواجهة التحديات المناخية، وفي إطار المدن المستدامة يمكن أن تبرز مصر التقاليد المصرية في الحفاظ على البيئة والمدن، بل وقيادة المجتمع المدني الدولي نحو استشراف مستقبل صحي خال من الكربون وأكثر استدامة.