كتبت – أسماء حمدي 

صناعة الأمل

فيما يرى الكثيرون أن مباري حي فقير ومليء بالجريمة، اختار ماتسيكا، 40 عامًا، رؤية الجمال في الجدران القاتمة المرقعة لشقق ماتابي، التي أصبحت معرضًا للوحاته العملاقة، قائلا: «أحاول بفرشتي وألواني أن أنقل مشاعر أمل عميقة وسط المشهد الساحق للفقر».

يبدأ ماتسيكا برسم الصورة بقلم رصاص قبل تطبيق الطلاء، ويشير إلى أن الأمر يستغرق يومًا أو يومين ليستطيع إكمال جدارياته، إضافة إلى كتابة بعض المقولات على الجدران، مضيفًا: “عادةً ما نستبدل الرسومات المبتذلة على الجدران برسم الجداريات لأبطالنا المحليين”.

في حديثه لصحيفة “الجارديان” البريطانية، يشير ماتسيكا إلى أن فنه يهدف إلى حماية تاريخ مباري، وأيضًا حماية الأطفال والمجتمع من التعرض للغة بذيئة، يقول: “أقوم باختيار ورسم أشياء جميلة، أريد دائمًا الترويج للموضوعات الجيدة في فننا لأنه كما تعلم تشتهر مباري بالأشياء السيئة”.

“هؤلاء هم أبطالنا المحليون”

يرى ماتسيكا أن تاريخ مباري متشابك مع الموسيقى، حيث يفتخر بأن نجوم زيمدانسهول المشهورين، قد نشأوا هنا، لذلك غالبًا ما يرسم الموسيقيين، مضيفا: «هؤلاء هم أبطالنا المحليون، لقد وضعوا مباري على الخريطة، وبالمقابل قمت برسم هذه الجداريات للأجيال القادمة، هذا سيعلم أطفالنا أن لدينا أشخاصًا عظماء بيننا، فهذا يعتبر متحفنا الخاص، نحن نوثق تاريخنا، وبعد 100 عام من الآن، سيعرفون أن هناك فنانًا خرج من هذا المجتمع”.

على طول طريق ماتابي الموحل، يواصل ماتسيكا تحدي الفقر وذلك برسم أبطال محليين في شوارع مباري، بدءًا من لاعبي كرة القدم إلى الموسيقيين وصولا إلى الممثلين، ورسم بعضهم على الجداريات.

 يقول مدير فنون مباري أبراهام شيمويتا: «لا يفوت المارة أبدًا فرصة لالتقاط صورة هنا وهذا يجعلني فخورًا جدًا بأن فننا يتم تقديره، حتى الأشخاص من الضواحي يأتون إلى هنا لالتقاط الصور بجانب فنانيهم المفضلين».

في جيسكاس كورنر، وهي بقعة طعام شهيرة، يلعب الأطفال وفي الجانب الآخر تلعب مجموعة من الشبان الورق، وفي الخلفية تظهر جدران المنطقة التي أصبحت موطنًا للكتابات واللوحات التي تحكي قصة مباري، التي تفخر بفنانيها المرسومين على كل جدار.

Zimdancehall، هي كلمة مقتبسة من صالة الرقص الجامايكية، وهو تعبير موسيقى يتردد صداه خلال الحياة اليومية، وانتشرت كلمات أغانيه بشكل كبير، وغالبًا ما تكون رثاءً لتحديات الحياة وخسائرها وأمراضها الاجتماعية، مثل مشاكل المخدرات المتزايدة في زيمبابوي.

تضم اللوحات الجدارية صورة لنجم زيمدانشال الراحل، وسول جاه لوف، الذي جاء من هذه الشوارع وأعلن أنه بطل قومي بعد وفاته العام الماضي، يقول شيمويتا: “سيعيش فنانونا إلى الأبد بيننا، روحه تعيش من خلال هذا الفن، لا يوجد شرف آخر يمكننا أن نمنحه له”.

ومن بين نجوم Zimdancehall الآخرين الذين تم تكريمهم هنا Seh Calaz و Killer T، وتم رسم بوب مارلي وهايلي سيلاسي ورئيس زيمبابوي السابق روبرت موجابي.

التحليق في عالم الأحلام

لقد ألهمت مباري الفنانين الأجانب أيضًا، فخلال مهرجان هراري الدولي للفنون في عام 2010، رسم الفنان الهولندي روي فالك لوحة جدارية لشقيقتين سعيدتين في شقق ماتابي.

يقول ماتسيكا إنه حصل على نصيبه العادل من الفرشاة مع السلطات المحلية، مضيفًا: “عندما بدأت كان مجلس المدينة دائمًا يطاردني، وقالوا إنني خرقت اللوائح الخاصة بالرسم على الجدران، لكنني أوضحت أنه مشروع مجتمعي ويساعد في الحفاظ على الجدران والفن أيضا، أنا سعيد لأنهم فهموا في النهاية”.

ويضيف: “أفعل هذا لأنني أحب فننا، أنا لا أتقاضى أجرًا مقابل هذا أبدًا، أنا أستخدم المواد الخاصة بي، لكنها فتحت أبوابًا كثيرة لراتبي القادم، أنا مدعو الآن لعمل جداريات لمراكز الأعمال والاستوديوهات وفي الأماكن الخاصة”.

يحلم ماتسيكا بافتتاح استوديوهات وشراء سقالات لإنشاء جداريات أكبر، مضيفًا: “نحن مقيدون بسبب نقص القدرات، أحتاج إلى سقالات لأنني في الوقت الحالي لا أستطيع رسم لوحات عالية الجودة”. 

يرسم ماتسيكا أيضًا أعمالًا تجريدية على قماش ويأمل أن يعرض المعرض المحلي أعماله، قائلًا: “على القماش، أعبر عن نفسي بشكل أفضل ويمكنني حرفيًّا إحياء أي موضوع، لكنني أحب بشكل خاص سرد قصتنا في مباري”.

شعب مُنهك

منذ 20 عامًا، تخضع زيمبابوي لعقوبات أمريكية وأوروبية، منذ القمع العنيف لمعارضين لنظام روبرت موجابي خلال الانتخابات الرئاسية في العام 2002، ومنعت مئات الشخصيات والكيانات من دخول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فيما أصولهم مجمّدة.

ومنذ ذلك الوقت رُفعت العقوبات عن بعض الأفراد المُستهدفين، لكن لا يزال دعم الميزانية من صندوق النقد الدولي معلّقًا، وفي نهاية العام الماضي، رفض صندوق النقد الدولي تقديم الدعم بسبب الديون الطائلة التي تنوء تحتها زيمبابوي. 

واقترضت الدولة الواقعة في جنوب إفريقيا 9.3 مليار يورو بما فيها ستة مليارات من المتأخّرات، بحسب “فرانس برس”.

وتدفع العقوبات البلاد الغارقة في أزمة اقتصادية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين إلى حلقة مفرغة من الفقر، كما تعاني زيمبابوي من شحّ في الوقود والطعام والخدمات الصحية، ما أدّى أحيانًا إلى أعمال شغب.

ودعا الرئيس إيمرسون منانجاجوا عدّة مرات إلى رفع العقوبات الغربية التي يقول إنها تمنع بلاده من تحقيق أهداف التنمية المستدامة.