كتبت – أسماء حمدي

يعد قرع الطبول تقليدًا ورمزًا يفتخر به الشعب البوروندي، تناقلته الأجيال لقرون مضت، واقتصرت الطبول في الماضي على المراسم الملكية، واليوم امتد استخدامها إلى الحفلات، لكن دقها يعد حكرًا على الرجال.

في موكب مهيب، يسير حوالي 30 رجلًا يحملون الآلات الثقيلة على رؤوسهم، يقودهم رجل مسن يحمل رمح ودرع، وشكلت المجموعة هلالًا، وبدأت بالعزف ودق الطبول على السائحين، ودوى صدى الموسيقى عبر التلال على بعد أميال قليلة من جيتيجا عاصمة البلاد.

قوة وحرية

يقول قائد عازفو الطبول الملكية في بوروندي، أوسكار نسيميليمانا: إن «الطبول في بوروندي تدور حول التاريخ، الأمر يتعلق بالقوة وبالحرية».

في بوروندي، لطالما برزت الآلات الموسيقية في السياسة والثقافة والاقتصاد، لكن لا يتمتع الجميع بحرية العزف على الطبول، ففي عام 2017، وقع رئيس بوروندي آنذاك بيير نكورونزيزا مرسومًا يمنع النساء من العزف على الطبول التقليدية، والتي غالبًا ما تكون مصحوبة برقصات وأغاني وأشعار احتفالية، لكن يمكنهن فقط أداء الرقصات الاحتفالية.

وبعد صدور القواعد الجديدة، اقتصرت الطبول بشكل أساسي على الاحتفالات الرسمية، وكان على منظمي الاحتفالات الخاصة الذين يرغبون في العزف على الطبال التقليدية الحصول على إذن من الحكومة ودفع رسوم مقابل ذلك. 

ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي، إلى أن بوروندي أحد أفقر دول العالم، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 239 دولارًا في عام 2020، ومع ذلك يتم تغريم أي شخص متهم بانتهاك القواعد بما يصل إلى 500 دولار، ورغم مرور خمس سنوات إلا أن الإجراءات لا تزال قائمة، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.

للرجال فقط

يقول الأمين العام لوزارة قضايا جماعة شرق إفريقيا والشباب والرياضة والثقافة في بوروندي، لويس كاموينوبوسا، والذي يدافع عن القانون باعتباره «يحافظ على ثقافة بوروندي ويحميها»: أن «السماح للنساء بالعزف يتعارض مع الممارسات القديمة، حيث لم تكن النساء عازفات طبول ملكية لعدة قرون، والحظر المفروض على عازفات الطبول يتماشى مع ذلك».

واتُهم هذا التقييد بأنه مؤشر آخر على أن نكورونزيزا، الذي توفي في يونيو 2020، وخليفته المنتخب، الرئيس إيفاريست نكورونزيمير، كانا يهدفان إلى إحكام السيطرة على المجتمع البوروندي. 

واتهمت جماعات حقوق الإنسان الحكومتين بقمع الحريات المدنية ووسائل الإعلام، وأيضا بالتعذيب والقتل، واستخدام معلومات الدولة مع مليشيات الشباب الموالية للحكومة لمراقبة تصرفات الناس.

بالنسبة للنساء مثل إميلي نكنغروس، التي كانت عضوا في فرقة الطبول النسائية في بوجومبورا، أكبر مدينة في البلاد، كانت القيود تعني خسارة مصدر مهم للدخل والشغف.

تقول نكنغروس، في حديثها لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، والتي تكسب رزقها الآن من بيع الخضروات: «أفتقد قرع الطبول، غالبًا ما أذهب لمشاهدة العروض وأحيانًا أريد العزف بعصا الطبل، لكن لا يمكنني ذلك».

لمحة تاريخية

بوروندي، بلد غير ساحلي ويبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة، وفي اللغة الكيروندية المحلية، تعني كلمة «ingoma» كلا من «الطبلة» و«المملكة»، مما يعني المكانة ومركزية السلطة.

وتصنع الطبول التقليدية من جذوع شجرة الطنب (كورديا أفريكانا)، والمعروفة أيضًا باسم خشب الساج السوداني، وفي اللغة المحلية يطلق عليه «Umbugangoma» ويتم ترجمته على أنه «شجرة تجعل الطبول تتكلم»، وتتشكل الطبول من أخشاب طويلة مجوفة وملفوفة بجلد البقر ومثبتة بأوتاد خشبية.

تاريخيا، استخدمت الطبول كأداة للتواصل عن بعد، كما أنها منتشرة في مراسم التتويج والجنازات الملكية، واستخدمت كمكافأة عند رفع راية النصر في المعارك، وكان الاستيلاء عليها من قبل قوات العدو بمثابة الهزيمة.

بعد الاستقلال، اشتهر قرع الطبول الملكي في بوروندي خارج الحدود مع نجوم مثل جوني ميتشل، الذي استخدم تسجيلات الطبول في ألبوم 1975 The Hissing of Summer Law.

حتى اليوم، فإن قرع الطبول يعزز من التواصل داخل المجتمع البوروندي، حيث تُستخدم الطبول بشكل شائع لمجموعة متنوعة من المناسبات مثل حفلات الزفاف والتعميد والمعارض التجارية وحفلات التخرج.

تراث ثقافي

في عام 2014، أضافت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أداء الطبول الملكي إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسان، باعتبارها «وسيلة لربط الناس من مختلف الأجيال والأصول، وبالتالي تشجع على وحدة المجتمع». 

ومع ذلك، عندما أثني على الطبول كأداة موحدة للمجتمع البوروندي، قامت اللوائح الحكومية بتقسيم الطبول بين الرجال والنساء، وبين أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف الرسوم المفروضة عليها وبين الذين لا يستطيعون تحمل تكلفتها.

تقول عازفة الطبول البوروندية الأمريكية آني إيرانكاندا، والتي شاركت فرقة طبولها في فيلم البطل الخارق Black Panther: «هذه صدمة بالنسبة لي»، وعندما عُرض الفيلم على ضفاف بحيرة تنجانيقا في بوجومبورا، أكبر مدينة في بوروندي، قالت إنها لا تستطيع قرع الطبول مع مجموعة من الرجال المحليين المدعوين إلى العرض.

من بين أهم الطقوس التي يتم قرع الطبول خلالها، هو  خلال الاحتفال بموسم الحصاد السنوي، وتشجيع الناس على التقاط المعاول والبدء في الحرث، وفي ذلك اليوم تعزف مقطوعتين هما Luciteme، والتي تعني «ازرع الحقول»، وMurimirwa، والتي تعني «الفلاح».

ومنذ حوالي 119 عامًا، لا يزال هذان المقطوعتان باقيتان تعزفان في محمية غيشورا تايكو في ضواحي جيتيغا، والتي يلعبها السيد نوشي ميريمانا وفرقته.

مكانة مهمة

وأسس المكان، الذي أصبح الآن معلمًا سياحيًا رئيسيًا مع عروض الطبول، من قبل الملك موامي مويزي الرابع جيسابو بيكاتا بيجوغا، آخر حاكم مستقل في بوروندي، قبل بدء الحكم الاستعماري الألماني في أواخر القرن التاسع عشر.

أصبحت بوروندي مستعمرة بلجيكية بعد الحرب العالمية الأولى، واستمرت الطبول في لعب دور مهم بعد الاستقلال في عام 1962، وظهرت الطبول إلى جانب مصنع الذرة الرفيعة، على أول علم للبلاد بعد الاستقلال.

ومع ذلك، في عام 2022، قال نشيميريمانا إنه كان قلقًا بشأن تدريب الجيل القادم من عازفي الطبول، معربًا عن تقديره للمكانة المهمة للآلة في ثقافة وتاريخ بوروندي.

ولم تقتصر التحديات التي تواجه قرع الطبول على القيود الحكومية فقط، ولكن قيود السفر المرتبطة بالوباء كان لها آثار خطيرة على الطبول والتي تعتبر عامل مهم لتعزيز السياحة، ومؤخرًا سمحت بوروندي لجميع الأجانب بالحصول على تأشيرات عند الوصول.

يقول نشيميريمانا أحد قارعي الطبول، وهو يرتدي جلباب باللون الأحمر والأخضر والأبيض لعلم بوروندي: “نحن هنا منذ قرون، ونأمل أن نكون هنا دائمًا”.