كتب – مريم عبدالسلام

 مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة

 كانت منطقة غرب أفريقيا واحدة من المناطق المهمّشة، استراتيجيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا أثناء فترة الحرب الباردة، إلا أنّ التطورات التي شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير جعلتها تكتسب قيمة استراتيجية ودولية، وأعطتها مكانة هامة في التوازنات والصراعات الدولية التي تشهدها القارة الأفريقية، فقد أضحت المنطقة مصدرًا أساسيا لكثير من المشاكل التي ترتبط بعدة متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى طبيعية، وبالتالي أصبحت ساحة للتنافس الدولي خلال السنوات الأخيرة بين القوى الكبرى، وخاصة ما بين القوى الكبرى وهما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يضاف لهما صعود الصين.

ففي الوقت الذي تسعى دول الغرب الأفريقي إلى التحرر من نفوذ القوى الاستعمارية، تأتي مسألة الاهتمام بهذه المنطقة، وبروز التنافس الدولي حولها، في محاولة لإعادة التموقع من جديد، ذلك في إطار يضمن لها كسب معركة الصراع حول خيرات وثروات هذه المنطقة وبسط نفوذها، حيث برز الساحل الأفريقي بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ كمنطقة استراتيجية في ظل الحملة العالمية للحرب على الإرهاب[1].

أولًا: الأهمية الاستراتيجية لمنطقة غرب أفريقيا

تكمن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة غرب أفريقيا، التي تعتبر الخط الفاصل بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء شاملة دول: النيجر، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، وتعدها فرنسا منطقة نفوذ لها في موقعها الجغرافي والجيوبوليتيكي، فهي تطل على المحيط الأطلسي الذي لعب دورًا محددًا في توازن القوى العظمى، وذلك من خلال استراتيجية الردع المتبادل، كما تتضح أهميتها الجيوبولتيكية على المستوى الداخلي في ظاهرة معاناة مجتمعاتها من الصراعات المختلفة التي عادةً ما يتخللها اللجوء إلى العنف، ما سبب لها أزمات مستمرة للعديد من دولها، وما جعلها هدفًا للتواجد الأجنبي كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي لا تزال تدير العديد من شؤون دولها (الفرانكفونية) أو التدخلات الأجنبية الأخرى، وبالنسبة لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي للأمن والتنمية في الساحل (استراتيجية من أجل الساحل) فإن منطقة الساحل تمتد من موريتانيا إلى الغرب مرورًا بمالي جنوب الجزائر، شمال بوركينافاسو النيجر، وإلى غاية شمال تشاد في الشرق، واستنادًا إلى المعيار السياسي فإن منطقة الساحل تشير إلى منطقة جغرافية كبرى تضم الدول التي تواجه أزمة اقتصادية وسياسية وبيئية وأهمها: موريتانيا، ومالي، وبوركينافاسو، والنيجر، وتشاد[2]

ثانيًا: التنافس الاقتصادي الأمريكي الفرنسي في المنطقة

في إطار التنافس بين القوى الكبرى على التمركز في هذا الإقليم، تسارع باريس وواشنطن لحماية مصالحها في مواجهة الشركات الدولية الكبرى في المنطقة، حيث تشهد المنطقة تنافسًا دوليًّا للاستثمار في قطاع التعدين، خاصة بعد زيادة استثمار النفط واليورانيوم والفوسفات، وبمكن أن نستعرض الشركة الإيطالية التي اكتشفت النفط واليورانيوم والفوسفات في شمال مالي عام 2010، وفي مجال النفط فقد منحت حكومة الرئيس المالي السابق أمادو توماني توري عقود التنقيب لشركات أجنبية مختلفة، وهي شيفرون الأمريكية Chevron، وإیكسون موبیل Exxon Mobil، وإیلف الفرنسية ELF، كما نجد الجزء الشمالي من حوض تاودني Taoudenni، الموجود بموريتانيا والمتوغل شرقًا نحو مالي يحظى باهتمام عدد من الشركات وعلى رأسها الشركة الإيطالية إیني ENI، وبالتعاون مع الشركة الجزائرية سوناطراك اللتين تقومان بالتنقيب في المنطقتين المحددتين من جانب الحكومة المالية، هذا بالإضافة إلى الصين التي تستثمر في التنقيب على البترول في مالي، وتتواجد في موريتانيا والنيجر شركة غاز بروم الروسية، التي وجدت نفوذًا لها في الإقليم من خلال الجزائر ونيجيريا، حيث أمضت مع النيجر اتفاقًا عام 2011 يقضي بالبحث واستغلال اليورانيوم[3].

وبالتالي يعد العامل الاقتصادي عامل جذب مهم للمصالح الأمريكية الفرنسية في منطقة غرب أفريقيا، فالمنطقة إلى جانب ثرواتها النفطية المكتشفة خلال السنوات الأخيرة تزخر وتمتلئ بالثروة المعدنية مثل الذهب واليورانيوم والفوسفات، حيث إن استقرار منطقة الساحل والصحراء بصفة عامة يعني استقرار المصالح الغربية والأوروبية والمتمثلة في مصادر الطاقة واليورانيوم حيث تمثل موريتانيا مخزونًا هامًّا من الحديد الهام لصناعة الصلب في أوروبا، وتحتل النيجر المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم بنسبة 8.7 % من الإنتاج العالمي، وتغطي ما نسبته 12% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، كما تشير الدراسات إلى أن باطن الساحل (تشاد، موريتانيا، النيجر) يمثل ثروة بترولية هامة[4].

ثالثًا: التنافس العسكري الأمريكي الفرنسي في المنطقة

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فقد بدأ الاهتمام السياسي والعسكري بأفريقيا يزداد منذ انتهاء الحرب الباردة والإعلان عن ميلاد نظام عالمي جديد، فقد كانت للولايات المتحدة مبادرات وعمليات تدريب لقوات دول أفريقيا وتزويدها بالمعدات لكنها كانت لا تنطلق بهدف محاربة الإرهاب، وإنما ترتبط في معظمها بعمليات حفظ السلام والوقاية من النزاعات ومحاربة التمرد الداخلي وحماية منابع النفط[5].

ونتيجة لتدمير السفارتين الأمريكيتين بكل من تنزانيا وكينيا عام 1998 وسعت الولايات المتحدة من تعاونها لمحاربة الإرهاب مع كل من تنزانيا وكينيا وإثيوبيا وأوغندا، وهو التعاون الذي اتسع ليشمل معظم الدول الأفريقية بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أقيمت عدة شراكات مع دول أفريقيا لتعزيز الأمن ومحاربة الإرهاب، بيد أن هذا الاهتمام الأمريكي قد تركز بداية في شرق أفريقيا، وخاصةً منطقة القرن الأفريقي فإن وجود نشاط الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية في منطقة الصحراء الكبرى التي تحولت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقيامها بعمليات إرهابية وعدم اقتصار نشاطها على الجزائر[6].

حيث يمتد إلى كل من موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر بل واحتمال ربطها لعلاقات مع جماعات متطرفة أصولية أو ذات نزعات انفصالية في كل المنطقة، جعل من منطقة الساحل الرقم الثاني في الحرب على الإرهاب فيما يتعلق بأفريقيا، حيث كثفت الولايات المتحدة دعمها وتعاونها مع دول الساحل ودول المغرب العربي لاحتواء الجماعات المتطرفة وحرمانها من تكوين قواعد للتنظيم والتدريب والتجنيد[7].

وتعتبر “مبادرة عبر الساحل PAN SAHEL” لعام 2003 أول مبادرة أمريكية في المنطقة وخصص لها 6.2 مليون دولار، وهدفها المعلن هو تدريب قوات البلدان المشاركة فيها (موريتانيا، وتشاد، ومالي، والنيجر)، ومساعدتها على حماية ترابها الإقليمي من هجمات وتسلل الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، لكن اتساع خريطة هذه الصحراء توضح أن هذا الهدف يصعب تحقيقه بأضعاف هذه القوات المدربة، لهذا قامت الولايات المتحدة بالتوسع منها في مبادرتها الجديدة “مكافحة الإرهاب عبر الصحراء “Trans-Saharian Counter Terrorism Initiative”، التي أصبحت تضم المغرب وتونس والجزائر والسنغال ونيجيريا كملاحظين، إضافة إلى الدول الأربعة المنخرطة في مبادرة عبر الساحل، وقد تم الرفع من ميزانية المبادرة الجديدة لما بين 120 و132 مليون دولار لعام 2005 وما بين 350 و400 مليون دولار لتغطي السنوات الخمس لما بعد عام 2005، وهو ما يعني إمكانية تدريب عدد أكبر من القوات وتوفير وسائل ومعدات المراقبة والحراسة[8].

 وتتميز هذه المبادرة الجديدة بوضعها لاستراتيجية متعددة الأبعاد وبأوجه متعددة تهدف للانتصار على الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال تقوية القدرات الإقليمية على محاربة الإرهاب والرفع من التعاون بين القوات الأمريكية وقوات هذه الدول، كما تهدف كذلك إلى دعم التنمية الاقتصادية والتعليم والمؤسسات الحرة والديمقراطية[9].

وقد قامت الولايات المتحدة بمناورات عسكرية مشتركة مع دول المنطقة ابتداءً من 6 يونيو 2005 وعلى مدار ثلاثة أسابيع، حيث كان الهدف متمثلًا في التدريب على مكافحة الإرهاب، وأطلق على هذه العملية اسم فلينتلوك 2005، وشملت خمس دول عربية وأفريقية هي مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا والجزائر، وتزامن مع مناورات أخرى شملت أربع دول هي السنغال والمغرب وتونس ونيجيريا[10].

وقد شاركت الولايات المتحدة بطريقة غير مباشرة، في مارس 2004، في عملية عسكرية قامت بها أربع دول من الساحل (مالي، والنيجر، وتشاد، والجزائر) ضد الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ورغم أهمية هذه العمليات إلا أنها تعتبر عاملًا مساعدًا على زيادة عدد المجندين والمتطوعين في صفوف الحركات الإرهابية بدعوى محاربة الصليبين الذين يعيدون غزو شمال أفريقيا وبلدان الساحل المسلمة، وهو ما يوجب على دول المنطقة توحيد جهودها في حربها على الإرهاب بعيدًا عن التدخل المباشر للدول الغربية، وذلك حتى تستطيع القضاء على هذه الجماعات الإرهابية، حيث يجب أن يتم ذلك في إطار مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد تأخذ في الاعتبار جميع أسباب الظاهرة ومسبباتها[11].

بالنسبة لفرنسا: قادت فرنسا عشر عمليات عسكرية رئيسة في أفريقيا خلال الفترة من 2006- 2020، وتندرج بعض تلك العمليات في إطار المبادرات الدولية، مثل: “سانغاريس” (في أفريقيا الوسطى)، أو “هارمتان” في ليبيا (جزء من العملية العسكرية الدولية لحماية المدنيين الليبيين من هجمات قوات الرئيس الراحل العقيد معمر القذافي)، والبعض الآخر يشكّل مبادرات فرنسية، ومن ذلك بعثة “كوريمب” في خليج غينيا، الهادفة إلى دعم العمليات العسكرية الغينية في مواجهة القرصنة البحرية[12].

1- سرفال:

تم نشر هذه القوة العسكرية الفرنسية بطلب من حكومة باماكو، لمواجهة تفاقم الأزمة في مالي، إثر الانقلاب العسكري في مارس2012، في إطار مهمّة تقضي بمساعدة قوات الجيش المالي على وقف تقدم الجماعات المسلحة، من المنطقة الشمالية للبلاد، وضمان سلامة المدنيين، ولتصفية المتمرّدين المتحالفين في تلك الفترة، مع التنظيمات المتطرّفة، في هذا السياق قام الجيش الفرنسي بحشد قواته الخاصة المتمركزة في منطقة الساحل الأفريقي، والتابعة لجيوش البر والجو والبحر، وعقب انتهاء المعارك في أبريل 2014، تم التخفيض تدريجيًّا في عدد جنود “سرفال” الذين وصلوا إلى أربعة آلاف عسكري تقريبًا، لتحل محلّها البعثة الأممية التي تحوّل اسمها من “ميسكا” إلى “مينوسما”، وقد انتهت “سرفال” في أغسطس 2014، التي خلفت بدورها عملية “إيبرفييه”، لتفتح المجال لـعملية “برخان”[13].

2- سانغاريس:

انطلقت عملية “سانغاريس” في ديسمبر 2013في أفريقيا الوسطى، في إطار الأزمة الطائفية، وذلك بقرار من الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وبموافقة من منظمة الأمم المتحدة، وطبقًا للقرار الأممي الصادر بشأنها، فإنّ مهمّة هذه العملية تشمل “دعم البعثة الأممية في أفريقيا الوسطى (ميسكا) في تنفيذ مهامها”؛ ما يعني أنّ العملية الفرنسية مكلفة بحماية المدنيين، واستعادة الأمن والنظام، وتحقيق الاستقرار في البلاد، واستعادة سلطة الدولة على كامل أراضيها، بالإضافة إلى تهيئة الظروف الملائمة لتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين[14].

3- برخان:

 قامت هذه العملية العسكرية في الأول من أغسطس 2014، لتبرر مصالح فرنسا الاستراتيجية في إقليم الساحل الأفريقي والتهديدات التي يواجهها الإقليم، وفي مقدمتها محاربة الإرهاب، وتغطي هذه العملية العسكرية خمسة بلدان أفريقية، هي: بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد، على “منطق الشراكة” بين هذه البلدان، وتضم هذه العملية نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي، يتم تكليفهم بمطاردة المجموعات الإرهابية الناشطة في الساحل الأفريقي، وتم توزيعهم على خمس قواعد متقدمة مؤقتة، وثلاث نقاط دعم دائمة ومواقع أخرى، لا سيّما بالعاصمة البوركينية (واجادوجو)، وعطار الموريتانية[15].

4- دعم القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسية لإقليم الساحل:

تم تأسيسها عام 2017 في باماكو، كدليل على حرص بلدان الإقليم علي تولي زمام أمنهما وتنسيق إجراءاتهما في المناطق العابرة للحدود، وتشمل مهام القوة المشتركة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والاتجار بالبشر في الأراضي التابعة لبلدان المجموعة الخماسية لإقليم الساحل، وقد حظيت هذه القوة بدعم دولي كبير خاصة الدعم الفرنسي الكبير الذي مكنها من تحقيق بعض الإنجازات، وتنفيذ بعض العمليات التي جرى تنسيق بعضها مع عملية برخان العسكرية التي تزودها بالكثير من الدعم الضروري لاستمرارها في إنجاز مهامها[16].

5- الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل:

طالبت بوركينا فاسو الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن بتأسيس تحالف دولي ضد الإرهاب لإقليم الساحل، في 16 مايو 2019 ، على أن يكون هذا التحالف مماثلًا للتحالف الدولي ضد الإرهاب بالعراق وسوريا، وجاء رد الفعل الدولي خلال قمة مجموعة السبع بياريتز المنعقدة في أغسطس 2019، حيث أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لإقليم الساحل، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في إقليم الساحل، وتهدف هذه الشراكة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق الدعم الدولي وإلى دعم الصلاحيات الضرورية في هذين المجالين، وتعمل فرنسا حاليًا على إنشاء عملية جديدة تحت اسم “تاكوبا” تضم قوات خاصة من نحو عشر دول أوروبية[17].

6- قوة تاكوبا:

أعلنت فرنسا وعدد من حلفائها في أوروبا في  يناير 2020، عن اعتزامهم تشكيل قوة عسكرية جديدة باسم “تاكوبا” (Takuba)، وتتكون هذه القوة من عدد من القوات الخاصة، إلى جانب جيوش مالي والنيجر، وذلك لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة في إقليم الساحل، وكلمة تاكوبا تعني السيف، وهو ما يشتهر استخدامه في إقليم الساحل، لا سيما من قبل الطوارق وجماعات أخرى مثل الهوسا والفولاني، وقد أفادت بعض التقارير الصادرة في يناير 2020 بأن فرنسا واجهت صعوبات بالغةً في إقناع بعض الحلفاء الأوروبيين -مثل ألمانيا- ليكونوا جزءًا من قوة “تاكوبا” العسكرية، وقد أصدر ممثلو 13 دولة هي: (فرنسا، بلجيكا، جمهورية التشيك، الدنمارك، إستونيا، ألمانيا، مالي، هولندا، النيجر، النرويج، البرتغال، السويد، المملكة المتحدة) بيانًا في 27 مارس 2020، تعهدوا خلاله ببذل المزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب في الإقليم[18].

رابعا: الجهود الأمريكية في مكافحة الإرهاب عقب الانسحاب الفرنسي من المنطقة:

أقامت واشنطن مناورات “فلينتلوك” التابعة لبرنامج الولايات المتحدة التدريبي السنوي للقوات الأفريقية خلال الفترة من (20- 28 فبراير 2022)، التي تُعد من أكبر التدريبات العسكرية السنوية، ويشارك فيها أكثر من 400 جندي أمريكي، ما يعكس اهتمام الولايات المتحدة بمحاربة تمدد المسلحين المتطرفين في هذه المنطقة من أفريقيا، حيث تضمّ عدة جيوش غربية وأفريقية، يشمل القسم الأول منها الدول الأفريقية وهي الكاميرون والنيجر وساحل العاج وغانا، ويشمل القسم الثاني بريطانيا وفرنسا وهولندا والنرويج وكندا والنمسا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية[19].

 ولا تشارك غينيا ومالي وبوركينا فاسو في مناورات “فلينتلوك” بسبب تعرضها لهجمات إرهابية في الآونة الأخيرة، فضلًا عن كثرة حدوث الانقلابات العسكرية بها منذ عام 2020، وتأتي هذه المناورات عقب إعلان فرنسا سحب مجموعة “تاكوبا الأوروبية للوحدات القتالية الخاصة” من مالي، لإعادة نشرها في دول أخرى في المنطقة، لا سيما النيجر، ويشار إلى تمركز 900 جندي فرنسي في العاصمة العاجية أبيدجان، من بين مهامهم الرئيسة تأمين الشؤون اللوجستية لجنودها المنخرطين في عملية “برخان” ضد المتطرفين المسلحين في مالي وتشاد والنيجر[20].

ختامًا: في ظل الإشكاليات الداخلية أو الإقليمية والدولية في منطقة غرب أفريقيا لن يتحقق الاستقرار بها على المدى الطويل إلا في الدول التي تمتلك فهمًا حقيقيًّا للتحديات الأمنية والتنموية الداخلية، لذا فإنه من الأفضل أن يقوم الفاعلون المحليون في دول الساحل بتصميم استراتيجيتهم التي تعالج أسباب عدم الاستقرار، وتحديد أولوياتهم، خاصة الدول التي تعاني من تهديد لأمنها الوطني، ومن ثم يستطيع الشركاء الإقليميون والدوليون دعم هذه الأولويات من خلال التنسيق المشترك.  

  • وفيما يتعلق بالرؤية المستقبلية لمنطقة غرب أفريقيا في ظل التنافس الأمريكي الفرنسي، فهناك مجموعة من السيناريوهات:
  • السيناريو الأول: أن تظل العلاقة بين واشنطن وباريس من جهة، والأنظمة الأفريقية من جهة أخرى قائمةً على أساس الاستغلال ونهب الثروات، عبر التحالف مع الأنظمة السياسية الفاسدة والنّخب المتغربة، في ظلّ ما تعرفه القارة الأفريقية بما يسمّى بـ (العصبة العسكرية – المدنية)، والتي تحوّلت إلى حالة (مافيوية مالية – سياسية)، أنتجت حالة من الفساد البنيوي، وقتلت مفهوم الدولة.
  • السيناريو الثاني: أن تتشكل مقاربات مناهضة لهذه الاستراتيجيات والمشاريع الأمنية لمنع استنزاف ثورات القارة الأفريقية وخيراتها، والوقوف في وجه أي محاولة من شأنها إدخال دول القارة في حلقة التخلّف والفقر والتبعية، أو على الأقل محاولة إيجاد صيغة معينة من شأنها التمكين للاستفادة من هذه الثروات في عملية التنمية، والدفع نحو شراكة عادلة في عالم يزداد تعقيدًا وتركيبًا وتشابكًا.
  • السيناريو الثالث: إنشاء تيار سياسي مناهض للتيار الأنجلوسكسوني – الأمريكي، تجتمع تحت مظلته جميع الدول الهادفة إلى الحد من الهيمنة الأجنبية، وذلك من خلال توظيف أدواتها الاقتصادية والثقافية المختلفة، وإنشاء شبكات للتعاون لدعم التنمية في الدول الأفريقية.

قائمة المراجع


[1] عربي بومدين، “الساحل الأفريقي ضمن الهندسة الأمنية الأمريكية”، مجلة قراءات أفريقية (العدد 19، 2014)، ص40.

[2] المرجع السابق نفسه.

[3] Mado Ibrahim Kanti, ” The french intervention in Mali “, African perspectives( Vol.11 issue 38), 2013, p 21.

[4] voir Benjaminn Augé “le trans saharan Gaz pipeline Mirage ou réelle opportunité ?” note del’ Ifri programme subsaharienne ifri 2010.

[5]“Islamist terrorism in the sahel : fact or fiction ?” crisis group, Africa report (n° 92, 31, march 2005), p28.

[6]” More than humanitarianism, a strategic US approach toward Africa” independent ,council on foreign relations, :task force report n° 56, 2006.

[7] “Islamist terrorisme in the sahel : fact or fiction ?” , op,cit, p 26.

[8] Ibid, p6.

[9] M, Henry. Crumpton ” contre –terrorisme : les EU félicitent les pays africains pour : leur efforts ” , Available at: http//usinfo.state.gove /fr/archives/2006

[10] “حروب الاستئصال في الصحاري والبحار” ، جريدة المستقبل (العدد 1969، يوليو 2005 )، متاح على الرابط التالي:

www.almostagbal.com/stories.aspx?story

[11] المرجع السابق نفسه.

[12] “النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا.. حماية أم جباية؟”، متاح على الرابط التالي:

 http://smtcenter.net/archives/slider

[13] “في 10 سنوات.. 7 عمليات عسكرية فرنسية في أفريقيا“، وكالة الأناضول، متاح على الرابط التالي:

https://goo.gl/q5FVGx

[14]. MENA Analysis, Op.cit.    

[15] Ibid.

[16] شيماء محي الدين، “الوجود العسكري الفرنسي ومكافحة الإرهاب في الساحل: ماذا بعد برخان؟”، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية،2020، متاح على الرابط التالي:

[17] المرجع السابق نفسه.

[18] المرجع السابق نفسه.

[19] نداء كسبر، “مناورات “فلينتلوك” تكشف استراتيجية أمريكا لمكافحة الإرهاب بغرب أفريقيا“، شبكة رؤية الإخبارية، متاح على الرابط التالي:

https://roayahnews.com/articles

[20] المرجع السابق نفسه.