كتبت – أسماء حمدي

يسافر آلاف الطلاب من مختلف دول العالم إلى أوكرانيا كل عام، خاصة من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط طلبًا للعلم، ومع بداية القصف الروسي على كييف تعقدت الأمور على الأوكرانيين وعلى الطلاب الأجانب الذين يحاولون مغادرة البلاد.

وعَلِق الأفارقة الذين كانوا يعيشون في أوكرانيا لعدة أيام عند المعابر إلى دول الاتحاد الأوروبي المجاورة، في البرد دون طعام أو مأوى، واحتجزتهم السلطات الأوكرانية التي دفعتهم إلى نهايات طوابير طويلة وحتى ضربتهم، بينما سمحت للأوكرانيين بالعبور.

“أمر مروع”

في الأيام الخمسة الأولى التي أعقبت الغزو الروسي، فر ما لا يقل عن 660 ألف شخص من أوكرانيا، معظمهم من الأوكرانيين، والبعض منهم طلاب وعمال مهاجرون من إفريقيا وآسيا ومناطق أخرى ممن هم في أمسّ الحاجة إلى الفرار، حسبما أفادت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. 

وفي حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قالت تشيني مباغو -وهي طبيبة نيجيرية تبلغ من العمر 24 عامًا وتعيش في بلدة إيفانو فرانكيفسك بغرب أوكرانيا- إنها قضت أكثر من يومين عالقة في بلدة ميديكا عند الحدود الأوكرانية البولندية، وأشارت إلى أن حرس الحدود الأوكراني سمح للأوكرانيون بالعبور لكنه منعهم.

وأضافت بصوت مرتجف: “لم يسمح لنا حرس الحدود الأوكرانيون بالعبور، كانوا يضربون الناس بالعصي وينزعون ستراتهم، كانوا يصفعونهم ويضربونهم ويدفعونهم إلى نهاية قائمة الانتظار، كان الأمر مروعًا”.

وبعد معاناة طويلة على الحدود تمكنت الطبيبة النيجيرية من الوصول إلى وارسو، قائلة: “كانوا يقولون النساء والأطفال فقط يمكنهم العبور، لكنهم سمحوا لبعض الرجال الأوكرانيين بالعبور”، مضيفة: “كلما حاولت سيدة إفريقية العبور، يقولون: “نساؤنا أولاً”.

وأشارت إلى أنه لم يكن هناك مأوى من البرد، ولم يكن هناك طعام أو ماء أو مكان للراحة، وتابعت: “كنت أهذي حرفيًّا من الحرمان من النوم”، ولفتت إلى أن شقيقها البالغ من العمر 21 عامًا، وهو طالب طب، مُنع في البداية من عبور الحدود لكنه وصل إلى بولندا بعد أربعة أيام من المحاولة.

“عوملنا مثل الحيوانات” 

من جانبه، قال أحمد الحبوبي -طالب الطب الفرنسي-التونسي البالغ من العمر 22 عامًا- إن جميع الرعايا الأجانب، بما في ذلك الأفارقة والكنديون والأمريكيون، طُلب منهم الذهاب إلى بوابة واحدة عند معبر ميديكا الحدودي مع بولندا، حيث سيتعامل مع أربعة أشخاص كل ساعتين، بينما سُمح للأوكرانيين بالمرور بحرية عبر بوابة أخرى.

وأضاف -في حديث لـ”نيويورك تايمز”- “ضربني الجيش الأوكراني بشدة لدرجة أنني لم أستطع المشي بطريقة صحيحة، هناك فوضى مطلقة، وعوملنا مثل الحيوانات، ولا يزال هناك الآلاف من الناس الذين تقطعت بهم السبل هناك، وعندما تمكنت أخيرًا من دخول بولندا، نقلتني السلطات البولندية مباشرة إلى المستشفى”، مشيرًا إلى أن بولندا رحبت بهم بحرارة.

ورأى دينيس نانا أبياه نكانساه -طالب الطب الغاني، والذي يبلغ من العمر 31 عامًا- نفس التمييز عند العبور من أوكرانيا إلى بلدة سيريت الرومانية، قائلًا: “هناك معامله خاصة للأوكرانيين ومعالة أخرى لأي شخص آخر”.

وأوضح نكانساه أنه تم توجيه الآلاف من الأجانب، بمن فيهم الزامبيون والناميبيون والمغاربة، إلى إحدى البوابات التي كانت مغلقة في الغالب، بينما كانت بوابة أخرى مخصصة للأوكرانيين مفتوحة ويتدفق الناس عبرها.

وتابع: “على مدار حوالي ثلاث ساعات، سُمح لأربعة أو خمسة أجانب بالمغادرة، بينما كان هناك «تدفق هائل» للأوكرانيين الذين عبروا الحدود”، مضيفًا: “هذا ليس عدلًا”، لكننا فهمنا أنه يتعين عليهم أن يروا شعوبهم تعبر أولًا”.

عنصرية وتمييز 

أما إيمانويل نولو -30 عامًا، طالب إلكترونيات نيجيري في جامعة خاركيف الوطنية- فيقول إنه عندما حاول ركوب قطار متجه غربًا نحو الحدود، قال له المسؤولون الأوكرانيون: “لن يتمكن “السود” من ركوب القطار”، لكن نولو وابن عمه تمكنوا من شق طريقهم بالقوة على متن سفينة.

يقول طه درعا -الطالب المغربي البالغ من العمر 25 عامًا، في سنته الرابعة بطب الأسنان في معهد دنيبرو الطبي-: “لقد عوملنا معاملة سيئة، ركبنا حافلات إلى الحدود الرومانية، وكان الأمر مخيفًا للغاية، ثم اضطررنا إلى السير عبر الحدود وكنا نسمع طلقات نارية، وكل ما فعلناه هو الصلاة، كما صلى آباؤنا كذلك من أجل سلامتنا، إنها الحماية الوحيدة التي نتمتع بها، لقد رأينا الكثير من العنصرية”.

يضيف: “كنت في مجموعة مع مغربيين والعديد من الأفارقة وطلبنا من أحد حرس الحدود الأوكراني السماح لنا بالعبور، لكن الحارس بدأ في إطلاق النار من بندقيته في الهواء لإخافتنا فتراجعنا، لم أشعر قط بهذا القدر من الخوف في حياتي، لقد طلب منا العودة، كان الثلج يتساقط علينا، لكن مع ازدياد أعداد الناس، استسلموا وسمحوا للجميع بالمرور”.

من جهته قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا معترفًا بهذه المزاعم: إن “الحكومة الأوكرانية لا تدخر جهدًا لحل المشكلة”، وأضاف -في بيان عبر “تويتر”- “الأفارقة الذين يسعون إلى الإجلاء هم أصدقاؤنا ويحتاجون إلى فرص متساوية للعودة إلى بلدانهم بأمان”.

عنف في بولندا 

انتشرت تقارير عن جرائم عنف في بولندا تجاه بعض الأفارقة الفارين من أوكرانيا، وذلك بعد أن هاجم القوميون البولنديون مجموعات من الأفارقة وجنوب آسيا والشرق الأوسط الذين عبروا الحدود وأساؤوا معاملتهم.

وفي حديث لصحيفة “الجارديان” البريطانية، قال صحفيان بولنديان، من وكالة الصحافة OKO، إن مهاجمين يرتدون الزي الأسود سعوا للبحث عن مجموعات من اللاجئين غير البيض، وبدؤو بالصراخ ضد اللاجئين الأفارقة والشرق أوسطيين وقالوا: ارجعوا إلى محطة القطار، ارجع إلى بلدك”.

قالت سارة -22 سنة من مصر، وهي طالبة في أوكرانيا، في حديثها لـ”الجارديان”- “كنت مع أصدقائي أشتري شيئًا لأتناوله في الخارج، جاء هؤلاء الرجال وبدؤوا في مضايقة رجال من نيجيريا، لم يسمحوا لأي أفريقي بالذهاب إلى مكان ليأكلوا بعض الطعام، ثم جاؤوا نحونا وصرخوا: ارجع إلى بلدك”.

وقالت طالبة طب من كينيا -تبلغ من العمر 24 عامًا، طلبت عدم ذكر اسمها- إنها قضت ساعات في انتظار السماح من حرس الحدود الأوكرانيين بدخولها إلى بولندا، وبعد عبورها الحدود في نهاية المطاف، استقلت حافلة مجانية، نظمتها منظمة غير حكومية، إلى فندق بالقرب من وارسو كان يقدم إقامة مجانية للاجئين الأوكرانيين، لكن الفندق رفض استقبالها هي وأصدقاءها الكينيين، حتى بعد أن عرضت دفع ثمن غرفة.

إفريقيا تندد

تأتي الهجمات على الأشخاص الفارين من الحرب وسط جهود تبذلها بعض الحكومات الأفريقية لإجلاء مواطنيها الذين مروا إلى البلدان المتاخمة لأوكرانيا بعد تقارير عن انتهاكات عنصرية وتمييز.

من جانبه، قال الرئيس النيجيري محمد بخاري: إن “كل من يفرون من حالة النزاع لهم نفس الحق في الممر الآمن بموجب اتفاقية الأمم المتحدة، ويجب ألا يُحدث لون جواز سفرهم أو جلدهم أي فرق”، مستشهدًا بتقارير تفيد بأن الشرطة الأوكرانية أعاقت عبور النيجيريين للحدود.

وقالت وزارة الخارجية النيجيرية، إنها تعتزم البدء في نقل أكثر من ألف نيجيري تقطعت بهم السبل في البلدان المجاورة لأوكرانيا.

وندد ممثلو الدول الأفريقية الثلاث في مجلس الأمن الدولي، كينيا وغانا والجابون، بتقارير عن التمييز ضد المواطنين الأفارقة على الحدود الأوكرانية خلال اجتماع في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.

وأعرب الاتحاد الأفريقي عن انزعاجه من التقارير التي تتحدث عن الفصل ضد الأفارقة في أوكرانيا، والتي وصفها بأنها “عنصرية بشكل صادم”، وقال: إن “التقارير التي تفيد باستهداف أفارقة بمعاملة مختلفة غير مقبولة ستكون عنصرية بشكل صادم وتنتهك القانون الدولي”.

وحث الاتحاد المكون من 54 عضوا الدول على إظهار نفس التعاطف والدعم لجميع الأشخاص الفارين من الحرب بغض النظر عن هويتهم العرقية.