كتب – د محمد فؤاد رشوان

باحث في الشؤون الأفريقية

شهدت مالي خلال الأيام الماضية مظاهرات حاشدة لرفض قرار منظمة إيكواس (الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) بشأن فرض عقوبات على مالي من أجل تسريع نقل السلطة إلى المدنيين، معتبرين ذلك دعما للموقف الفرنسي الغربي ضد دولتهم، وتشمل العقوبات غلق حدود الدول الأعضاء في إيكواس مع مالي وفرض حظر على التجارة (لا يشمل المواد الأساسية) والتعامل المالي معها، فضلا عن تجميد أصولها في بنوك غرب أفريقيا؛ هذا جعل الإيكواس متهمة من البعض بأنها نادٍ لزعماء معزولين عن الشعوب وأداة لدول أجنبية بينها فرنسا القوة الاستعمارية السابقة الحاضرة عسكريا في منطقة الساحل.

بداية الأزمة تعود إلى الانقلابين اللذين شهدتهما مالي، فلم تمض سوى تسعة أشهر فقط حتى حدث انقلاب عسكري على الانقلاب الذي سبقه في أغسطس 2020 على الحكم في مالي، حيث سيطر الجيش مرة أخرى على الحكم، حيث قام قائد الانقلاب بالإطاحة بالرئيس الانتقالي باه نداو، ورئيس الوزراء مختار عوين، عقب قيامهما بتعديل وزاري أطاحا خلاله باثنين من القادة العسكريين، وهو ما دفع العقيد أسيمي غويتا باتهامهما بتخريب عملية التحول في البلاد، ومن ثم اعتقالهما وتنصيب نفسه رئيسًا للمرحلة الانتقالية[1].

ونتيجة للضغوط التي مارسها المجتمع الدولي قام قائد الانقلاب بالإفراج عن رئيس الجمهورية الانتقالي ورئيس وزرائه، في الوقت الذي قامت فيه المحكمة الدستورية العليا بإعلانها غويتا رئيسًا انتقاليا للبلاد، وهو ما يعد استكمالًا للانقلاب الذي بدأه غويتا، حيث أضفت المحكمة الشرعية على الإجراء الذي اتخذه قائد الانقلاب[2].

وكان غويتا قد أعلن -عقب الانقلاب الذي قام به ضد الرئيس أبوبكر كيتا في أغسطس 2020- بتشكيل حكومة انتقالية مدتها 18 شهرًا، تستعد خلالها مالي لإجراء انتخابات ديمقراطية، إلا أنه عقب الانقلاب الأخير فقد الكثير من الثقة من قبل المجتمع الدولي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بالإضافة إلى فقد ثقة الأحزاب في إقامة انتخابات في فبراير من العام الحالي كاستكمال للفترة الانتقالية الأساسية، واتهمت الأحزاب السياسية في باماكو الرئيس بالتباطؤ في العملية الانتقالية من أجل البقاء في السلطة دون العودة إلى الحكم المدني[3].

الإعلان عن المرحلة الانتقالية الجديدة

وقد أعلنت الحكومة الانتقالية نتائج أعمال اللجنة المنظمة للحوار الوطني الأخيرة في مالي تمديد الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات، وبذلك تصبح الفترة الانتقالية للانقلاب تتجاوز الست سنوات نصف، الأمر الذي يمنح الحكومة الانتقالية الشرعية الشعبية فيما يخالف مطالب الشركاء الدوليين ولاسيما (إيكواس) التي أصرت على ألا تزيد الفترة الانتقالية عن الــ18 شهرًا المقررة.

ووفقًا لمنظمي الحوار الوطني، فقد شارك فيه ما يقرب من 80 ألف شخص عبر حوالي 794 جلسة نقاشية، مثّلت أغلب أقاليم مالي باستثناء المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة التي امتنعت عن المشاركة في الحوار، وحالت دون إجرائه في منطقتي كيدال وميناكا[4].

وعقب هذا الإعلان تم عقد قمة استثنائية لتجمع (الإيكواس) في العاصمة الغانية أكرا لمناقشة الوضع في مالي، رفض خلالها قادة المنطقة الجدول الزمني الانتقالي الذي اقترحه المجلس العسكري المالي، مشيرين إلى أن الجدول الزمني المقترح غير مقبول تمامًا، وتم فرض العديد من العقوبات تشمل[5]:

  • سحب جميع سفراء دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من مالي.
  • إغلاق كافة دول التجمع الحدود البرية والجوية مع مالي.
  • تعليق التجارة معها باستثناء السلع الاستهلاكية الأساسية، الإمدادات الطبية، المنتجات الصيدلانية.
  • تجميد أصول مالي والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا.
  • تعليق جميع المساعدات المالية والمعاملات المالية من المؤسسات المالية والدول المانحة.

الأصداء الدولية والإقليمية للعقوبات

فور صدور قرار الإيكواس بفرض العقوبات على مالي لاقت ترحيبًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي أشادت بالإجراءات القوية التي اتخذتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للدفاع عن الديمقراطية والاستقرار في مالي، عقب قمتها الاستثنائية في 9 يناير 2022[6]، كما أعربت فرنسا عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها (إيكواس) ضد مالي حتى عودتها إلى الديمقراطية والحكم الرشيد[7].

وعلى صعيد آخر، فقد نجحت كل من روسيا والصين في منع مجلس الأمن الدولي من دعم العقوبات على مالي، في ضربة قوية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حيث دعمت الدولتان الخطة الزمنية التي اقترحها قادة الانقلاب باعتبار أن استعادة الأمن في مالي يعد أولوية قصوى، وأن الوقت ليس مناسبًا لإجراء انتخابات نزيهه ومستقلة في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة.

 فيما أعرب سفير كينيا لدى الأمم المتحدة أنه يشعر بخيبة أمل لأن المجلس لم يتمكن من الاتفاق على إصدار بيان صحفي معتدل، وفشل مجلس الأمن في دعم إجراءات الإيكواس، الأمر الذي دفع أعضاء مجلس الأمن الأفارقة -كينيا والجابون وغانا- إلى إعلان دعم موقف التجمع الإقليمي بفرض عقوبات على السلطات في مالي من أجل ضمان انتقال سريع إلى الحكم الدستوري.

فيما وصفت نائب السفير البريطاني بالأمم المتحدة قرار مالي بتأجيل الانتخابات بأنه مخيب للآمال للغاية، معتبرًا أن القرار يثير الشكوك حول التزام السلطات الانتقالية بالديمقراطية وسيادة القانون، ومخالف للاتفاقات التي تمت خلال زيارتهم الأخيرة إلى باماكو في أكتوبر من العام الماضي[8].

فاعلية قرار الإيكواس

عقب نجاح الصين وروسيا في منع مجلس الأمن الدولي من دعم العقوبات التي فرضتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس على مالي والتي مثلت ضربة لاستعادة الديمقراطية في دولة مالي في الوقت القريب، وتكشف عن طبيعة التنافس المحتدم في منطقة الساحل الأفريقي بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا والصين، الأمر الذي يثير الشكوك حول جدوى العقوبات التي فرضتها الإيكواس على دولة مالي عقب تأجيل الانتخابات حتى 2026 وإطالة الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات بدلًا من 18 شهرًا .

ففرنسا تنظر إلى منطقة الساحل باعتبارها منطقة نفوذ تقليدية، حيث كانت القوى الاستعمارية المسيطرة على المنطقة واعتمادها على الكتلة التصويتية لمنطقة الساحل في القضايا التي تتبناها، كما تعتبر المنطقة سوقًا واسعة للصادرات الفرنسية، ومصدرًا هامًّا للحصول على الموارد الطبيعية، خاصة وأن المنطقة أضحت إحدى محددات أمن الطاقة بالنسبة للعديد من القوى الغربية، خاصة فيما يتعلق بالنفط والغاز واليورانيوم، كذلك تعتبرها فرنسا بمثابة حائط صد لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وكذلك مواجهة الهجرة غير الشرعية وأيضًا باعتبارها منطقة حيوية لمتابعة التفاعلات الهامة في المنطقة[9].

في حين تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى السيطرة على المنطقة من خلال العديد من المبادرات التي أطلقتها وتأسيس القيادة الأمريكية الموحدة لأفريقيا “أفريكوم”، وتحاول الولايات المتحدة -من خلال أدوات أمنية وتواجد وحداتها العسكرية وتدريبات مشتركة وطرح مشروعات استثمارية واقتصادية تخدم ذلك التوجه- خدمة المصالح الأمريكية، وهو ما أعطى الولايات المتحدة القدرة على التمدد والتعاون العسكري والتأثير على العقيدة العسكرية لجيوش دول الساحل، وكذلك تقديم المعونات الاقتصادية لدول المنطقة مثل مالي وتشاد والنيجر[10].

ومن ناحية أخرى تسعى روسيا لإعادة توكيد نفسها كقوة عظمى من خلال بوابة أفريقيا، وتزداد أهمية منطقة الساحل في السياسية الخارجية الروسية نظرًا لكونها مفترق طرق يربط بين الأقاليم الخمسة الأفريقية، مما يمكن روسيا من نسج علاقاتها بشكل جيد مع دول المنطقة، ويضمن حصولها على دعم أكبر في مواجهة العقوبات الغربية، والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة في المنطقة من أجل الوصول للثروات الطبيعية الأفريقية، وتأسيس تحالفات تجارية، وفتح أسواق جديدة وخاصة في مجال الأسلحة العسكرية؛ حيث تمثل مبيعات الأسلحة الروسية 37.6% في سوق الأسلحة الأفريقية، وتسعى إلى زيادة تلك النسبة، الأمر الذي يخفف من آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عام 2014، كذلك قامت روسيا بتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري وأمني مع العديد من دول الساحل وخاصة مالي والنيجر والتي تسمح لروسيا بتقديم برامج تدريبية وتعليمية وطبيه للأغراض العسكرية، ويظهر الدور القوي لمجموعة فاجنر الروسية وهي الذراع العسكري لروسيا في أفريقيا والتي تتهمها كل من بريطانيا والولايات المتحدة بدعم وحماية قادة الانقلاب العسكري في مالي[11].

وتحاول روسيا استغلال تنامي مشاعر العداء للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، بتقديم نفسها كبديل كفء في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، خاصة مع فشل الاستراتيجية الفرنسية في تحقيق نجاح ملموس في المنطقة، واتهام البعض لها بأنها تسعى لتأمين مصالحها الحيوية في المنطقة دون النظر لمصالح دول الساحل وخاصة مالي[12].

ويظهر ذلك التنافس بشكل جلي في ظل العقوبات التي فرضتها الإيكواس على المجلس العسكري في مالي، من أجل إرغامه على العودة إلى خارطة الطريق التي أعلنها عقب انقلاب أغسطس 2020، حيث إن تلك العقوبات لو حظيت بالتأييد من مجلس الأمن الدولي -خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها مالي- كانت ستجبر قادة الانقلاب على الانصياع لتلك العقوبات والعودة لخارطة الطريق من أجل تسليم الحكم لحكومة مدنية منتخبة، إلا أن الموقف الروسي الصيني من تلك العقوبات، والذي قد يخفف من حدة تأثيرها من خلال الدعم المقدم من الصين وروسيا، أو على أقل تقدير قد يجعل قادة الانقلاب العسكري يملكون أوراقًا أخرى يمكنهم المساومة بها دون الالتزام التام بخارطة الطريق، وإطالة مدة حكمهم دون إجراء انتخابات بشكل أو بآخر.


 [1] انقلاب مالي: قائد الانقلاب أسيمي غويتا يستولي على السلطة مرة أخرى، 25 مايو 2021 على:

https://www.bbc.com/arabic/world-57248402
[2]. مالي: لماذا لا يبدي المجتمع الدولي حماسا لفرض عقوبات بعد الانقلاب العسكري؟ 31 مايو2021 على:
https://www.france24.com
[3] Mali political parties demand junta respect transition schedule at:
https://www.africanews.com/2021/11/07/mali-political-parties-demand-junta-respect-transition-schedule//

[4] https://www.premiumtimesng.com/news/top-news/504333-analysis-malis-transitional-government-capitalises-on-festive-lull.html

[5] https://www.premiumtimesng.com/news/headlines/504960-mali-coup-ecowas-leaders-go-tough-close-all-borders-recall-ambassadors-freeze-assets.html

[6] https://www.state.gov/ecowas-action-on-mali/

[7] https://www.france24.com/en/africa/20220110-mali-s-military-leader-open-to-dialogue-with-ecowas-after-sanctions

[8] https://www.france24.com/en/africa/20220112-un-security-council-falls-short-of-imposing-new-sanctions-on-mali-after-elections-delay

[9] جميلة علاق، استراتيجية التنافس الدولي في منطقة الساحل والصحراء، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية،  (الجزائر، جامعة سطيف 2، العدد 19 ديسمبر 2014) ص .ص 333، 334

[10] د. باسم عدلي، التنافس العسكري الفرنسي الأمريكي بالساحل الأفريقي.. أسباب وأهداف على شبكة عين الإخبارية على الرابط:

https://al-ain.com/article/africa-terrorism22
[11] hamdi Basher, Russia’s Terrorism Role in the African Sahel Region: Opportunities and Challenges at:
 https://epc.ae/en/details/brief/russias-anti-terrorism-role-in-the-african-sahel-region-opportunities-and-challenges

[12] أحمد عسكر، دوافع التنافس الروسي الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء على الرابط:

https://acpss.ahram.org.eg/News/17104.aspx