مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

للمرة الأولى منذ نحو 35 عامًا (1987)، تسلمت دولة الإمارات العربية المتحدة، في يوم السبت الموافق 1 يناير 2022 مقعدها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي.

ووفق ما أعلنته البعثة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة في بيان على حسابها الرسمي بموقع “تويتر”، تتشرف دولة الإمارات بشغل مقعدها في مجلس الأمن للفترة 2022-2023، مع كل من ألبانيا والبرازيل والجابون وغانا، وذلك بقيادة لانا نسيبة، مساعد وزير الخارجية والمندوبة الدائمة للدولة الخليجية في الأمم المتحدة.

وكانت الإمارات قد فازت بمقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي خلال انتخابات جرت في يونيو 2021، لتكون هذه المرة الثانية التي تشغل المقعد بعدما شغلته بين عامي 1986-1987.

أصبحت الإمارات اليوم نموذجًا عالميًا في التنمية المستدامة، وأيضًا في تلبية النداءات الإغاثة في العالم، تؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة أنها ستتطلع إلى عامين من الجهود المثمرة، وأيام منتجة قادمة، من خلال العمل مع الشركاء من أجل سلام وأمن العالم أجمع.

ويتكون مجلس الأمن من خمسة أعضاء دائمين ولهم حق النقض “الفيتو” (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين والمملكة المتحدة)، وعشرة أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنتين.

إحلال السلام والاستقرار في المنطقة والعالم

من المؤكد أن امتيازات عضوية الدولة في مجلس الأمن سترافقها مسؤوليات كبيرة، حيث ستواصل جهودها وسط عديد من التحديات العالمية التي تحتاج إلى تعزيز التعاون بين الدول وتوطيد العلاقات بين الشعوب.

وقد رفعت الإمارات شعار «نحن أقوى باتحادنا»، لتحقق بذلك إنجازًا دوليًا مستحقًا، ويمثل استكمالًا لجهودها من أجل قضايا السلم والأمن في المنطقة والعالم، انطلاقاً من رؤية الإمارات الاستراتيجية لقضايا العالم وهموم المجتمع الدولي، وخبرة كبيرة في التعامل مع مختلف القضايا.

جدير بالذكر أنه في أكتوبر الماضي، أكدت دولة الإمارات، في بيان أمام المناقشة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي حول “بناء السلام والحفاظ على السلام”، والتي ترأسها أوهورو كينياتا، رئيس جمهورية كينيا، أهمية تعزيز التعايش السلمي والتسامح للنهوض بمجتمعات يُثريها التنوع ويعمُها السلام.

وأشارت دولة الإمارات في بيانها إلى المبادرات التي أطلقتها بهدف ترسيخ أسس التعايش والتسامح والوئام بين المجتمعات والثقافات والأديان المختلفة، سواء محليًا أو إقليميًا أو دوليًا، لافتة إلى تجربتها الناجحة في استضافة أكثر من 200 جنسية، ومجتمعات دينية متعددة في بيئة يعمها السلام والأمن، بما يؤكد أن بناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة يتطلب اتباع نهج شامل مع وجود قيادة تلتزم بإدماج المجتمعات المتنوعة في سياساتها.

كما تطرقت إلى إقامة إكسبو 2020 دبي الذي يجمع 192 دولة، بما يؤكد أن التنوع الفكري والثقافي والديني يعد مصدر ازدهار وقوة للدول.

وأبرزت دولة الإمارات في بيانها أهمية تعزيز التماسك واللحمة، وتشجيع الوحدة بين المجتمعات، بما يدفع تحقيق المصالحة بين الشعوب.

وفي الرابع من فبراير 2021، احتفل المجتمع الدولي -للمرة الأولى- باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، بمبادرة قدّمتها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الأمم المتحدة هادفةً إلى نشر الوعي بضرورة تجسيد روح الوحدة والتضامن بين الشعوب.

كما أكدت دولة الإمارات ضرورة تصميم استراتيجيات عمليات السلام لتشجيع المجتمعات المحلية على تعزيز السلام واستدامته، حيث يتطلب ذلك التنسيق والتعاون على نطاق واسع مع كافة الجهات الفاعلة محلياً للتأكد من الاستجابة لاحتياجات جميع الفئات.

تسريع جهود مكافحة التغير المناخي

تقف دولة الإمارات في الصدارة باحتواء تداعيات التغير المناخي الذي يعتبر قضية القرن، فتغير المناخ يعتبر أحد التحديات التي تقوض السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم وخاصة في الدول التي تعاني بالفعل من نزاعات أو التي تمر بمرحلة ما بعد انتهاء النزاع.

وباعتبار دولة الإمارات من كبار الدول المنتجة للهيدروكربون والتي ركزت على تنويع مصادر الطاقة؛ فإنها تؤمن بقدرتها في المساعدة على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن السبل العملية لمواجهة العلاقة السببية بين تغير المناخ وانعدام الأمن بما في ذلك، من خلال تشجيع المجلس على اتباع نهج أكثر استباقي في مواجهة التهديدات الناشئة وتأييد استخدام عمليات حفظ السلام لمصادر الطاقة المتجددة.

المساواة في اللقاحات.. مسار تجاوز الجائحة

وعبر نقل رؤية قادة دولتها الثاقبة والناجعة في الاستجابة لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، أكدت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية، المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، أن الأمل الوحيد في انتعاش مستدام وسريع من جائحة كوفيد-19 هو المساواة في اللقاحات.

ومع بداية عام 2022، انضمت الإمارات إلى قرار رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عبدالله شاهد بشأن العدالة في اللقاحات، فذلك القرار أشبه بالأولوية القصوى لضمان تطعيم الجميع، ما يعني خلق عالم متحد ضد الجائحة وقادر على تجاوزها.

عضوية الإمارات بمجلس الأمن تعد بمثابة نجاح جديد يُضاف إلى ريادتها في مجالات عدّة، تجلّت بحملة التلقيح ضدّ فيروس كورونا، مؤكدة ما قاله مدير عام الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، عبيد راشد الحصان الشامسي، يوم تجاوز عدد جرعات اللقاحات المقدّمة لسكان الإمارات الـ10 ملايين جرعة، أنّ هذه الإنجازات تأتي “في إطار الرؤية الثاقبة لقادة الإمارات”.

ومن أبرز المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات لتسهيل نقل وتوزيع لقاحات كوفيد-19 حول العالم؛ مبادرة ائتلاف الأمل، ومبادرة مركز طيران الإمارات لتخزين وتوزيع اللقاح، وتحالف دبي اللوجستي لتسريع توزيع لقاحات كوفيد-19 ودعم “مبادرة كوفاكس”، ومبادرة الهلال الأحمر وطموح المشتركة لتوفير اللقاحات لعدة دول.

ويعد ائتلاف الأمل، تحالف تشاركي بين القطاعين العام والخاص، مقره أبوظبي، ويهدف إلى دعم الجهود العالمية في نقل وتوزيع لقاحات فيروس كوفيد-19 لجميع أنحاء العالم، وتقديم 18 مليار جرعة لقاح بنهاية عام 2021.

العمل من أجل أمن ورخاء أفريقيا

أسهمت دولة الإمارات في نشر ثقافة التسامح والسلام في العالم، ونجحت في نزع فتيل عددٍ من الأزمات والنزاعات، والتخفيف من حدتها، ويأتي على رأسها الوساطة الإماراتية لنزع فتيل أطول نزاع في قارة أفريقيا بين إثيوبيا وإريتريا.

كما كانت أكبر الداعمين لدولة ليبيا طوال السنوات العشر الأخيرة لتحقيق الاستقرار، حيث احتضنت عشرات اللقاءات والمؤتمرات لتحقيق السلام الغائب، فقد كانت الأكثر دعما لفكرة توحيد الجيش الليبي، ورفضت تواجد الميليشيات الإرهابية، ودعمت  طريق بناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة الخالية من التطرف لتكريس قيم الوسطية والاعتدال، لتوفير طموحات أبنائها في الحرية وتمكينهم من الحياة الكريمة التي يطمحون إليها بتحقيق السلام الدائم والعادل في البلاد.

وعلى المسار الاقتصادي، تتمتع حكومة دولة الإمارات بعلاقات تعاون وشراكة وثيقة مع الاتحاد الأفريقي، وتتشارك مع العديد من دوله أفضل نماذج العمل التي طورتها، والتجارب التي ابتكرتها في إطار جهودها لتعزيز الجاهزية الحكومية لمتطلبات المستقبل في مختلف القطاعات الحيوية. ومثال على ذلك؛ إطلاقها بالتعاون مع 9 دول أفريقية وبالشراكة مع الأمم المتحدة الإنمائي والآلية الأفريقية لمراجعة النظراء التابعة للاتحاد الأفريقي، برنامج للتبادل المعرفي بهدف مشاركة نموذج الإمارات التنموي وتجربتها الرائدة في التحديث الحكومي للاستفادة منها في تطوير القطاعات الأكثر حيوية، ومواكبة المتغيرات العالمية واكتشاف فرص جديدة لتنمية المجتمعات في القارة الأفريقية.

وفي سبتمبر 2021، كانت غرفة دبي قد أطلقت مبادرة  “لماذا أفريقيا؟” التي تعتبر مجموعة من الإحصاءات الحديثة حول مؤشرات النمو والاقتصاد في مناطق محددة من القارة الأفريقية لتمثل خدمة جديدة لمجتمع الأعمال للتعرف على الفرص الاستثمارية.

وتأتي مبادرة “لماذا أفريقيا؟” لاستكشاف وتحليل المؤشرات الاقتصادية الرئيسية في القارة الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى وذلك عبر تقسيمها لمناطق تشمل غرب أفريقيا وشرق أفريقيا ووسط وجنوب أفريقيا.

وسلطت المبادرة الضوء على المؤشرات الاقتصادية في منطقة غرب أفريقيا والتي نجحت في العام 2020 وبرغم تحديات جائحة كورونا في أن تستحوذ على 33.2% من تجارة دبي غير النفطية مع القارة الأفريقية وبقيمة تجارة إجمالية بلغت 16.8 مليار دولار.

بالإضافة إلى الأعمال الإنسانية التي تقوم بها الإمارات في أكثر من دولة أفريقية من دول جنوب الصحراء.

وختامًا، يمكن القول إنه وفق دبلوماسية نشطة وموقع استراتيجي ونموذج تنموي متميز، من المتوقع أن يكون للإمارات دور نشط في مجلس الأمن في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والتنموية.