كتبت – أسماء حمدي

تحت الحرارة الشديدة لأشعة شمس غرب إفريقيا، تسير «أميناتا جامبا» في وقت متأخر من الصباح وهي حاملة منجل بجوار سيقان الأرز الذهبية، وفي الخلفية ينبعث صوت موسيقى، بينما يحصد ابنها سامبا الحبوب بصمت.

في حين كان من الممكن أن تتوقع جامبا ذات مرة حصاد ما يكفي من الأرز لمدة عام كامل، فإنها تعتقد أن هذا العام سيستمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، بعد ذلك، سيتعين عليها البحث في مكان آخر عن طريقة لإطعام أسرتها وكسب ما يكفي من المال للعيش، تقول جامبا: «الأرز جميل، ولكن حتى لو كانت الجودة عالية، فالكمية ليست كذلك».

«الأمور مختلفة الآن»، تشرح ماندينغ كاساما، وهي مزارعة وأم لتسعة أطفال: «كانت حبوب الأرز طازجة نحصدها من الحقول، والمياه في متناول اليد، واعتادت الأمطار أن تأتي بغزارة، والناس يعملون ويحصلون على حصاد جيد، أما الآن، نعمل بجد ولكننا لا نحصل على نفس القدر من الأرز الذي اعتدنا عليه».

كارثة

تقليديا، تقوم النساء بزراعة الأرز في جامبيا، بينما يعتني نظرائهن من الرجال بالفول السوداني، لكن على مدار سنوات، تواجه المزارعات صعوبة في إدارة الأراضي المحيطة بهن.

هنا في كيريوان، على الضفة الشمالية لنهر جامبيا، يكافحون أزمة المناخ على جبهتين، حيث يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى دفع المياه المالحة أكثر فأكثر على طول النهر، الذي يشق طريقه عبر طول البلد المنخفض، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعني كمية أقل من المياه العذبة لطرد الملوحة، والنتيجة هي أن المياه في الحقول التي كانت تنتج الأرز أصبحت الآن مالحة للغاية، وكان لابد من التخلي عن جزء كبير من الأرض، نحو أكثر من 30 هكتارًا (74 فدانًا)، بالنسبة لنساء جامبا، هذه «كارثة».

يقول محمد سيساي، 27 عامًا، من منظمة أكتيفيستا التي يقودها الشباب: «يتم طرد هؤلاء النساء وليس لديهن الكثير من سبل العيش الأخرى التي يلجأن إليها مثل الرجال، مما يدفعهم إلى الفقر، إنهم ضعفاء للغاية».

لكن بنتا فاتي ترى أن النساء محظوظات نسبيًا، وتقول: «هنا النساء محظوظات لأن لديهن مصدرًا بديلاً للطعام والدخل في شكل حديقة نباتية، يمكنهم زراعة الباذنجان والطماطم والفلفل والبصل، ويعرفون أنه حتى لو كان لديهم مخزون أرز متضائل، فسيكون لديهم شيء يبيعونه أو يأكلونه».

وتضيف: «الحدائق إنها تساعدنا في العديد من الأشياء لأنها تساعدنا على البقاء بصحة جيدة والقدرة على شراء الأشياء الصغيرة لأطفالنا، لهذا السبب نركز على الحديقة بعد حقول الأرز».

جوع

في العام الماضي، لم يدم حصاد الأرز سوى ستة أشهر قبل أن تضطر إلى القيام بما لم يكن من الممكن تصوره في كيريوان، وهو شراء الأرز المستورد.

في السنوات العشر الماضية، أصبح هذا هو المعيار في جميع أنحاء جامبيا، يقول ألمو فاتي، 63 عامًا ، وهو يعمل مزارع: «في هذا المجتمع كان هناك وقت، إذا رأوا فيه أنك تشتري أرزًا من المتجر، فسيعلمون أن هناك جوعًا في منزلك». 

ويضيف: «لا أعتقد أنك سترى أي شخص في هذا المجتمع الآن سيقول، يمكنني زراعة ما يكفي من الأرز لإطعام أسرتي لمدة تزيد عن ستة أشهر».

لكن ابنه، كيمو فاتي، الناشط المناخي الذي كان جزءًا من الوفد الغامبي إلى قمة المناخ COP26، يرى كيف أصبحت والدته تدريجيًا أقل اكتفاءً ذاتيًا، يقول: «عليها أن تعتمد على راتبي لشراء الأرز الذي يأتي من الصين، وهذا ما كان يحدث خلال العامين الماضيين حتى الآن، تخيل  من امتلاك الأرز الخاص بنا الذي زرعناه وأكلناه على مدار السنة إلى عدم وجود أرز على الإطلاق».

تحديات مروعة

تعرف حكومة جامبيا أن هناك المزيد مما يجب القيام به لحماية مزارعيها من تأثير أزمة المناخ، فالزراعة هي أهم قطاع في الاقتصاد، حيث تمثل حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي وتوظف حوالي 75 ٪ من القوى العاملة.

ولكن من القدرة التكنولوجية المنخفضة إلى ضعف إمدادات الطاقة، فإن التحديات التي يواجهها المزارعون مروعة، تأتي جميع المواد الغذائية في البلاد تقريبًا من الحقول، مما يجعل المزارعين بشكل خاص عرضة للتغيرات في هطول الأمطار.

ويمكن القول إن المزارعات اللواتي يُتوقع منهن تحمل عبء رعاية أسرهن بالإضافة إلى كسب ما تبقى منهن يتعرضن للعنف المنزلي بسبب لدغات الفقر، وغالبًا ما يكونن غير قادرات على الوصول إلى وسائل منع الحمل التي يحتجن إليها للتحكم في عدد الأطفال.

«ظلم كبير في قلب كل هذا»

تقول الناشطة المناخية الغامبية فاتو جينج، والتي كانت أيضًا في غلاسكو من أجل Cop26، إنه على الرغم من أنهم يشكلون حوالي 70٪ من القوة العاملة الزراعية في البلاد، إلا أن النساء والفتيات يواجهن صعوبة في الوصول إلى الموارد الطبيعية الأساسية اللازمة للزراعة.

تضيف، وهي تكتب لموقع لجنة الإنقاذ الدولية: «هناك ظلم كبير في قلب كل هذا، في كثير من الأحيان، هذه المجموعات ذات التمثيل المنخفض، مثل النساء اللائي يعشن في الدول الهشة، تفهم أكثر ما هو على المحك، وبالتالي، الحلول اللازمة لمعالجة تغير المناخ، ومع ذلك، تم استبعاد النساء بشكل منهجي من طاولة صنع القرار».

باختصار، إذا تُركت نساء مثل جامبا وكساما وفاتي خارج حل أزمة المناخ، فقد لا يتم العثور على الحل أبدًا.

يقف ألمو فاتي على ضفاف مستنقع لأحد روافد نهر جامبيا، ويشير إلى الأرض، والطين يتلألأ في ضوء الشمس: «هذه الأشياء التي تراها مشرقة؟ هذا هو الملح، كما يقول، وهو يحلق طبقة رقيقة بمنجل «إذا كنت تتذوق هذا، فستجده مالح».

يقول وهو يشير إلى كتفه: «قبل عشرين عامًا، إذا زرعت الأرز هنا، فسوف ينمو هكذا، الآن حقل واحد سينتج 20 كيس أرز، وهناك خطط لسد لإيقاف المياه المالحة، لكنه يعلم أن الحياة لن تعود أبدًا إلى ما كانت عليه قبل أزمة المناخ»، ويضيف: «هذه الأرض هنا، كانت كلها حقول أرز، الآن كل شيء مهجور».