كتبت – سهام عيد

في ضوء تصاعد التنافس الفرنسي الروسي على الوجود في منطقة الساحل الأفريقي ما بين الدوافع والأهداف، عقد مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، مساء (الإثنين)  ندوة إلكترونية حول «التنافس الفرنسي الروسي في أفريقيا» على برنامج زووم.

وشارك في الندوة كل من الدكتورة شيماء محيي الدين، أستاذ العلوم السياسية المساعد – كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، والدكتور مادي كانتي المدرس بجامعة العلوم القانونية والسياسية بماكو – مالي. والأستاذ صالح إسحاق الباحث في الشئون الأفريقية بدولة تشاد، وأدارت الندوة الدكتورة نرمين توفيق الباحثة في الشئون الأفريقية والمنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية.وناقشت الندوة عدة محاور يتلخص أهمها في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه دول الساحل الأفريقي، والتحولات الاستراتيجية الروسية تجاه أفريقيا، كما تطرقت لمناقشة التنافس بين فرنسا وروسيا في مالي وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى تداعيات هذه التحولات على الأمن الإقليمي في أفريقيا.

بدورها، قالت د. نرمين توفيق -المنسق العام لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، والتي تدير الندوة- إن التنافس الفرنسي الروسي في أفريقيا يؤرق القارة الأفريقية بأكملها، وإن القوى الخارجية عادة ما تتدخل وفق أجندتها الخاصة ومصالحها وليس لمصلحة الدول الأفريقية.

ولفتت توفيق إلى أن الاستراتيجية الروسية في أفريقيا شهدت تحولا كبيرا خلال الفترة الماضية، فبعد أن كانت أهدافها اقتصادية وتجارية تطرقت إلى الجانب السياسي، وباتت روسيا تلعب دورًا ملحوظًا في أفريقيا وتفرض نفسها كبديل لفرنسا.

من جانبها، قالت د. شيماء محي الدين -أستاذ العلوم السياسية المساعد في كلية الدراسات الأفريقية العليا جامعة القاهرة- إن روسيا أصبح لها ظهور بارز على الساحة الأفريقية في السنوات الأخيرة، وتحديدا خلال العامين الماضيين، وإن قمة “سوتشي” في أكتوبر 2019 كانت تشكل نقطة تحول في الاستراتيجية الروسية تجاه القارة الأفريقية.

وأضافت محي الدين: “إن الوجود الروسي والتحولات الاستراتيجية الروسية في أفريقيا تمر من خلال 3 محاور رئيسية؛ بدءا بتطور العلاقات الروسية، ثم الأهداف، ثم مجالات هذه العلاقات”، مشيرة إلى أن تطور العلاقات يرجع إلى ما قبل استقلال الدول الأفريقية، فمنذ استقلال الدول الأفريقية تنامى تعاون الاتحاد السوفيتي الأفريقي على كافة المستويات السياسية الاقتصادي التجارية.

وتابعت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: “إن العلاقات التجارية مع الاتحاد السوفيتي كانت علاقات دبلوماسية قوية جدا لدرجة إن الاتحاد السوفيتي كان بمثابة الضامن لاستمرار بعض الأنظمة أو بعض الحكومات العسكرية في كثير من الدول الأفريقية، وحجم التبادل التجاري ما بين الاتحاد السوفيتي وأفريقيا تضاعف 10 مرات خلال الفترة من 1960 لسنة 1984، لكن للأسف مع مطلع التسعينيات وفي انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى دويلات تراجع الاهتمام بشدة وانخفض حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا بشدة من 6مليار دولار في عام 1985 إلى أقل من مليار دولار عام 1995”.

ولفتت د. شيماء إلى أن الانسحاب الروسي من أفريقيا كان ليه تداعيات كبيرة جدا على الجانبين سواء على الجانب الروسي الذي فقد سوق مهم جدا لموارده أو على الجانب الأفريقي الذي فقد دعمه سواء على الناحية الاقتصادية أو من الناحية العسكرية والسياسية، أيضا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ سنة 2018 أعلن الرئيس بوتين إن الأهداف الوطنية والأهداف الاستراتيجية لتنمية روسيا تتطلب المزيد من توطيد العلاقات مع القارة الأفريقية لجذب الأصوات الأفريقية من جهة لأن روسيا بدأت بصدد إحداث انتعاش صناعي وهذا يتطلب أيضا أسواق الدول الأفريقية فدخلت روسيا الأسواق الأفريقية بمنتجات مختلفة.

وفيما يخص الأهداف، أشارت د. شيماء إلى أن الأهداف الروسية في أفريقيا بشكل عام ليست أهدافا سياسية دبلوماسية فقط، إذ توجد بالفعل أهداف اقتصادية، وعسكرية وأمنية، مستطردة: “في المجال السياسي الدبلوماسي تحرص روسيا دائما على كسب تأييد الكتلة الأفريقية داخل أروقة الأمم المتحدة بشكل كبير وساعدت بالفعل على حدوث تكتل أفريقي في المصالح الروسية في الكثير من القضايا، كما أنها تستهدف احتواء النفوذ الدولي في القارة الأفريقية سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو الصين”.

ولفتت أستاذ العلوم السياسية إلى أن فرنسا موجودة في منطقة الساحل باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة، لكن روسيا تحاول تقديم نفسها باعتبار إن هي لم تكن أبدا لها أي تاريخ استعماري في القارة الأفريقية، وبالتالي فهي تحاول تعزيز علاقتها مع دول القارة شعوبا وحكومات”.

وتابعت: “في قمة سوتشي أواخر عام 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلغاء حوالي 20 مليار دولار من الديون المستحقة على البلدان الأفريقية، وكشف النقاب عن خطط لمضاعفة التجارة مع البلدان الأفريقية إلى 40 مليار دولار سنويا، وهذا ما يشير إلى المحور الاقتصادي بأنها تستهدف الحصول على المواد الخام والموارد الطبيعية الأفريقية الموجودة بشكل كبير حيث إن منطقة الساحل الأفريقي غنية جدا ولها أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا من زاوية الموارد الطبيعية وخاصة النفط والغاز في تشاد والنيجر والكاميرون، فضلا عن مناجم الذهب الموجودة في مالي وفي بوركينا فاسو.

وفيما يخص الأهداف الأمنية العسكرية، تشير د. شيماء إلى أنها ترتبط بدرجة كبيرة جدا بالأهداف الاقتصادية إذ إن روسيا تستحوذ على حوالي 40% من سوق السلاح الأفريقي، وذلك يعمل على زيادة مبيعاتها العسكرية حتى أصبحت أكبر مورد للأسلحة تليها الصين ثم الولايات المتحدة الأمريكية ثم فرنسا، فمثلُا دولة مثل تشاد حوالي 90% من الأسلحة والمعدات العسكرية التي يستخدمها الجيش التشادي من روسيا وهذا كان أحد المبررات لمناداة الرئيس الراحل “إدريس ديبي” إنه لابد من أن يكون هناك دور أكبر لروسيا لمكافحة الإرهاب في الساحل.

وفيما يتعلق بمجالات التعاون، أشارت شيماء إلى أن هناك تعاون اقتصادي وتجاري على نطاق واسع، فضلًا عن اقتصاد دبلوماسية الطاقة، وإصدار دبلوماسية الكلاشنكوف، حيث تشير الإحصاءات إلى أن موسكو ضاعفت مؤخرا من تجارتها مع أفريقيا 3 أضعاف خلال الفترة من 2010 إلى 2018، حيث كانت في عام 2010 6.6 مليار دولار ثم أصبحت 18.9مليار دولار في سنة 2018، وهذه قفزة كبيرة في حجم التبادل التجاري ، وفي نهاية عام 2018 وصل إجمالي الصادرات الروسية إلى أكتر من 3 مليار دولار.

أما عن دبلوماسية الكلاشنكوف، قالت شيماء: إن دبلوماسية الكلاشنكوف تقوم على بيع المعدات العسكرية وإرسال المستشارين في مجال الأمن وتوظيف أفراد من شركات الأمن الخاصة التي أثبتت كفاءتها في حالات بعينها مثل أفريقيا الوسطى حيث أرسلت روسيا خبراء عسكريين ومستشار أمني، مما آثار حفيظة فرنسا بدرجة كبيرة جدا، ووقعت عام 2017 اتفاق مع أفريقيا الوسطى لتحظى روسيا بالموارد مثل الماس والذهب واليورانيوم مقابل تقديم دعم عسكري وضمان وأمن لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، وخلال قمة سوتشي في 2019 أعلن الرئيس بوتين اعتزامه تزيد بلدان الساحل بالمساعدة في مجال مكافحة الإرهاب حيث خرج الآلاف في مالي بعد الانقلاب مطالبين بدور روسي أكبر في مكافحة الإرهاب.

من جانبه، قال د. مادي -الباحث في الشؤون الأفريقية والأكاديمي بدولة مالي- إن الحكومة الموجودة حاليا جاءت عن طريق الانقلاب، فضلا عن وجود علاقات تربط قادة الانقلاب بروسيا وأنهم تلقوا تدريباتهم هناك، كل ذلك جعل فرنسا تندد بالانقلاب وأخذت موقفا سلبيا منه.

ولفت مادي إلى أن الدول الأفريقية كانت جميعها تحت الاستعمار الفرنسي، لذلك بعد استقلالها تتعامل مع فرنسا بشكل معين، وأن فرنسا لا تستطيع حل أي مشكلة من المشاكل التي تواجهها أفريقيا كما حدث وتدخلت في أفريقيا الوسطى ولكن لم تحل أي شيء، لكن مع دخول روسيا اصبح هناك استقرار نسبي للوضع وإنا كنا نتحدث بشكل نسبي أيضا.

وفيما يخص التحالف المالي، وتأسيس مجموعة الخمسة (G5)، يقول مادي إن مع كل هذه القوات الموجودة على الأرض لم تستطيع أي منها أن تصل إلى أي إنجاز ملموس، ووضع مالي بدأ يتغير ليس فقط من مشكلة الإرهاب ولكن بين العلاقات الموجودة بين الدول.

كذلك تطرق مادي إلى الحرب الأهلية التي شهدتها مالي بين القبائل واندلاع المظاهرات في الشمال ووسط الدولة، حتى بدأ الشعب يأخذ موقف وظهرت المجموعات الانقلابية، فضلًا عن كره الشعب أيضا للوجود الفرنسي.

كما تابع مادي: منذ أن حدث الانقلاب اللجنة العسكرية قالت: إن الشعب تحرك ضد النظام والنظام يرفض ترك السلطة، لذلك حصلت مشكلة بين هذه اللجنة العسكرية وفرنسا، إذ تتحدث فرنسا عن شروط معينة إن هما غير موافقين بهذا الوضع وكانت تدعم الرئيس، لذا أدانت فرنسا الانقلاب بل وفرضت عقوبات على الدولة نفسها.

وقال مادي: إن الشعب نفسه يرى أن فرنسا كانت موجودة ولم تستطع القيام بأي حل، لذا رأت الحكومة أن الشعب نفسه ضد فرنسا فلو وقفت ضد فرنسا هي الأخرى ستواجه مشكلة، لذا فضلت أن تكون مع الشعب وهو الدافع الأساسي للحكومة في الفترة الانتقالية”.

وأكد مادي أصبح هناك توتر مع المستعمر القديم لذا رحب الشعب بالبديل حتى لو كان “روسيا”.

بدوره، تابع صالح إسحاق -باحث متخصص في الشؤون الأفريقية من دولة تشاد- إن الوجود الأجنبي كان ولا زال موجود  في أفريقيا سواء الأفريقي بصفة عامة أو دول الساحل والتي تعتبر ضحية تاريخية، مضيفا: “خروج فرنسا يعني دخول روسيا”.

وتابع: “السلطة التنفيذية في أفريقيا الوسطى رأت الوقت المناسب بأن تحكم ولكن فرنسا لا تحكم لها بذلك إلا بشروطها وهي رفضت أن تلبي شروط فرنسا فبحثت عن البديل، كما أن فرنسا كانت تبحث عن بدلاء في الدول الأفريقية وذلك بتغيير الحكام ووضع سياسات جديدة وباختيار موالين لها كما حصل في أفريقيا الوسطى”.

كما لفت صالح إلى أن تدخل روسيا جاء عن طريق قوات أمن خاصة (فاجنر) وهي لا تمثل قوى رسمية للدولة، فلما دخلت إلى أفريقيا الوسطى بدافع أن تحقق الأمن والسلام وأن تعبر بدولة أفريقيا الوسطى بفترة انتقالية آمنة وكانت توعد بانتخابات ديمقراطية مقبلة، لكن هذا لا يحدث بدليل في الوقت الراهن وبفترة قليلة استطاعت فاجنر أن تدخل وتفرض نفوذها حيث قامت بكثير من الانتهاكات وبالتالي هي لا تستطيع أن تقوم بمسارات سلمية”.

يضيف صالح: “روسيا أخف من فرنسا باعتبارات كثيرة ولكن ليس هناك استعمار أفضل من الآخر، في النهاية المستعمرون واحد وفي النهاية الشعب هو الضحية”.

وفي حالة تشاد، أشار صالح إلى أن الوجود الروسي وارد جدًا بكل تأكيد كبديل للفرنسي لأن الشعوب الأفريقية سئمت من الوجود الفرنسي فهي لم تفعل شئ تنهب فقط ثم تأتي بالطغاة تفرضها على الشعوب إذا ملت أو تعارضت مصالحها تقوم بنزعها من السلطة وتأتي ببدائل”.

وتابع: “روسيا عكس ذلك؛ فهي تنتهج سياسة التعاون وسياسة منح وتدريب، وفي هذه الحالة قد يكون التدخل الرسوي في تشاد ممكنا في حالة واحدة وهي حالة الثوار إذا ثاروا على السلطة عن طريق الدعم الروسي فالتدخل الروسي مهم، وفي حالة تضارب المصالح بين رئيس الدولة مع المصالح الفرنسية فالتدخل الروسي ممكن وبكل بساطة ولكن هل يحدث ذلك أم لا فهذا تحكمه المصالح”.

وفي الختام، لفتت د. شيماء إلى أن فكرة أو شعار الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية يظل هو الأفضل في جميع الأحوال، لكن إذا توافرت الفرص لتقديم هذه الحلول وإذا توافرت الإمكانات أيضا لأن الكثير من المشروعات الطموحة التي تم الإعلان عنها في أجندة أفريقيا 2063 هي وواعدة ولكن تصطدم على أرض الواقع بعدم توافر الإمكانات لتحقيقها أو عدم توافر عنصر الإرادة السياسية، فضلا عن أن هناك الكثير من الدول الأفريقية  لديها أيضا مصالح مع قوى خارجية، وبالتالي بشكل أو بآخر تعمل على أجندات هذه القوى، وهذا يضعها في صدام مع غيرها من قوى أخرى داخليًا وخارجيًا.

لمشاهدة اللقاء الكامل للندوة