بقلم/ د. أسماء الحريري

دكتوراه علوم سياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

تسعى الدولة المصرية جاهدة لتحقيق رفعة شأن المرأة المصرية، والعمل على تمكينها من مختلف جوانب الحياة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، والدليل على ذلك كلمة السيد رئيس الجمهورية عام 2017 في إطار الاحتفال “بعيد الأم” والذي كلف فيه الحكومة وأجهزة الدولة والمجلس القومي للمرأة باعتبار استراتيجية تمكين المرأة 2030 هي وثيقة العمل لأعوام قادمة لتفعيل الخطط والبرامج والمشروعات المتضمنة في هذه الاستراتيجية.

حيث أكد سيادته على “إن الواجب الوطني والمسئولية أمام التاريخ تُحتم علينا أن نسرع الخطى في تمكين المرأة، والحفاظ على حقوقها ووضعها في مكانة تليق بقيمتها وقدراتها وتضحياتها على مدار التاريخ، التزامًا بالدستور المصري والذي رسخ قيمة العدالة والمساواة، إعمالًا لما جاء به من مبادئ تكافؤ الفرص، وما كفله للمرأة من حقوق[1]“.

  • دور المجلس القومي للمرأة:
  • في هذا السياق كان للمجلس القومي للمرأة شرف السعي لخلق حوار مجتمعي واسع النطاق من أجل تطوير هذه الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية، تتوافق حولها كافة القوى الوطنية والأجهزة المعنية في الدولة، في ظل إرادة سياسية حاسمة في دعمها للمرأة المصرية، وعازمة على المضي بجدية في تفعيل كل ما من شأنه تمكينها وتأهيلها للعب دورها باستحقاق في تنمية وإعلاء شأن الوطن. كما تأتي الاستراتيجية لتترجم على أرض الواقع دستور توافق المصريون حوله، حرص في مواده على ترسيخ المساواة في الحقوق والتكافؤ في الفرص كأسس لبناء المجتمع، وعلى إلزام الدولة المصرية بالقضاء على كافة أشكال التمييز، وكفالة الحقوق الأساسية والحماية والرعاية للمرأة في كافة ربوع الوطن[2].
  • ومن ثم يمكن معرفة مفهوم تمكين المرأة (Women’s Empowerment): بأنّه العملية التي تُشير إلى امتلاك المرأة للموارد وقدرتها على الاستفادة منها وإدارتها بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات، وبناءً على هذا التعريف يتبيّن أهمية توافر ثلاثة عناصر مترابطة لتستطيع المرأة ممارسة اختياراتها الفردية؛ وهي: الموارد، والإدارة، والإنجازات[3].
  • مكانة المرأة في الدستور المصري قديمًا:
  • حصلت المرأة المصرية لأول مرة على حق التصويت والترشح لعضوية البرلمان بموجب دستور 1956، لتكون المرأة المصرية هي أول من حصلت على هذا الحق في المنطقة العربية، ورغم هذه الريادة ً إلا أن مؤشرات التمكين السياسي للمرأة تضع مصر في موقع متأخر مقارنة بباقي دول العالم. فيما يتعلق بتمثيل المرأة في المجالس على المستوى الوطني، أخذت مصر في عام 1979 بنظام تخصيص حصة (كوتا) لتمثيل النساء في برلمانها، ثم ألغي هذا النظام فحدث انخفاض كبير في تمثيل النساء في البرلمان، ثم تم الأخذ بنظام معدل للحصة قبيل عام 2011، وتم إلغائها في ظل دستور 2012 وترتب على ذلك انخفاضًا حادًا في تمثيل النساء في البرلمان[4].
  • أما ما يتعلق بدستور 2014:
  • فقد تضمــن الدســتور عــدد للوظائـف العامـة ووظائـف الإدارة العليـا، والتعييـن فـي الجهـات والهيئـات القضائيـة، دون تمييـز ضدهـن. ويعطـى الدسـتور ضمانـات وحمايـة دسـتورية للنسـاء فـي مـواده، ويكفـل للمـرأة حـق التصويـت فـي جميـع الانتخابـات والاسـتفتاءات العامـة، وحـق الترشـح فـي جميـع الهيئـات التـي ينتخـب أعضاؤهـا بالاقتـراع العـام، ويلـزم الدسـتور باتخـاذ التدابيـر الكفيلـة بضمـان تمثيـل المـرأة تمثيلًا مناسبًا فـي المجالـس النيابيـة، وخصـص نسـبة 25% للسـيدات فـي المجالـس المحليـة، وجـاءت التعديـلات الدسـتورية لعـام 2019 بتخصيـص حصـة لا تقـل عـن 25% مـن مقاعـد مجلـس النـواب للمـرأة، وبنـاء عليـه تـم تعديـل قانـون مجلـس النـواب، كمـا نـص قانـون مجلـس الشـيوخ علـى تخصيـص نسـبة لا تقـل عـن 10% مـن المقاعـد بمجلـس الشـيوخ للمـرأة[5].
  • وارتفعــت نســبة مشــاركة المــرأة فــي عمليــة التصويــت والترشــح للانتخابــات، فوصلــت نســبة الســيدات فــي مجلــس النــواب إلــى 27% ونســبة تقــارب 14% بمجلــس الشــيوخ. ومواصلــة لجهـود تعزيـز المشـاركة السياسـية والقيـادة والعمـل العـام للمـرأة المصريـة، تشـغل المـرأة حاليًا نسـبة 25%مـن الحقائـب الوزاريـة، و25% مـن المناصـب القياديـة بالبنـك المركـزي، و12% بمجالـس إدارات البنـوك، وكذلـك تولـت امرأتـان -لأول مـرة- منصـب محافـظ، وشـغلت المـرأة بنسـبة 31%منصـب نائـب محافـظ، وبنسـبة 27% نائـب وزيـر، هـذا إلـى جانـب رئاسـة الأحيـاء ومجالــس المــدن والعموديــات ببعــض القــرى. وتعييــن المــرأة -لأول مــرة- مستشــارة الأمــن القومــي لرئيــس الجمهوريــة. وكذلك زيـادة نسـبة المـرأة فـي الوظائـف القضائيـة، وبـدء مجلـس الدولـة والنيابـة العامـة فـي الاسـتعانة بعـدد مـن القاضيـات للعمـل بهمـا، وذلـك بنـاء علـى التوجـه للاستعانة بالمـرأة فـي مجلـس الدولـة تفعيلًا للاســتحقاق الدســتوري بالمســاواة وعــدم التمييــز، وتأكيــدا على جدارة المـرأة فـي تولـي المناصـب المختلفـة[6].
  • الجانب الاقتصادي لتمكين المرأة في الاستراتيجية الوطنية:
  • تم إصدار العديد من القوانين والإصلاحات التشريعية حيث خصــص قانــون الاســتثمار الجديــد رقــم 72 لســنة 2017 (المــادة 2) لضمــان تكافــؤ فــرص الاســتثمار لــكل مــن الرجــال والنســاء، ودعــم المشــروعات الصغيــرة والمتوســطة، والشــباب، وريــادة الأعمــال. وكذلك تم تأسـيس وحـدات لتكافـؤ الفـرص بجميـع الـوزارات؛ لتحقيـق المسـاواة النوعيـة فـي بيئـة العمـل، والتصــدي للممارســات التمييزيــة ضــد المــرأة، وتشــكيل وحــدة -بنــاء علــى قــرار وزيــر القــوى العاملـة رقـم 1 لسـنة 2019- تهـدف إلـى تحقيـق المسـاواة بيـن الجنسـين والقضـاء علـى كافـة أشـكال التمييـز ضـد المـرأة فـي مجـال العمـل[7].
  • وقد بلغت نســبة النســاء المســتفيدات مــن برنامــج تكافــل وكرامــة 78 %بهــدف تحقيــق التمكيــن الاقتصــادي للنســاء بمــا يســاهم فــي تحســين أوضــاع الأسرة. وقــد بلــغ رأس المــال الأساســي للقــروض الميســرة مــا يقــرب مــن 4.1 مليــار جنيــه مصـري موجـه إلـى 240.000 سـيدة لعمـل مشـروعات صغيـرة ومتناهيـة الصغـر، مـع الأخـذ فــي الاعتبــار أن 70%مــن المشــروعات تتركــز فــي المناطــق الريفيــة كشــكل مــن أشــكال التمكيـن الاقتصـادي لنسـاء الريـف، وحـازت النسـاء علـى نسـبة 75%مـن إجمالـي القـروض مقابــل 25% للذكــور. وكذلك إصـدار وزيـر القـوى العاملـة قراريـن فـي عـام 2021 تـم بموجبهمـا إلغـاء القـرارات السـابقة التـي كانـت تعتبـر تمييـزا ضـد المـرأة، وتـم رفـع الحظـر علـى تشـغيل المـرأة فـي الصناعـات والمهـن، والنـص صراحـة علـى حـق المـرأة فـي العمـل أثنـاء فتـرات الليـل بنـاء علـى طلبهـا، وذلـك فـي إطـار مراعـاة مبـادئ تكافـؤ الفـرص، والمسـاواة بيـن الجنــسين، وعــدم التمييـز فـي العمـل، وضمـان الحـق فـي الرعايـة الصحيـة والاجتماعيـة وفـي اتخـاذ كافـة التدابيـر والخدمـات اللازمة المرتبطـة بالعمـل مثـل الانتقال  الآمن والسلامة المهنيـة، وكذلـك حقـوق المـرأة العاملـة الأم[8].

التوصيات:

  • يتطلب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، على اتساع نطاق أهدافها، وتعدد محاور عملها، وتشابك صلاحيات الجهات الفاعلة المسؤولة عن تنفيذ برامجها، وجود إطار مؤسسي قوي يضطلع بمهام التخطيط المشترك، والتنسيق وإدارة العلاقات ما بين كافة الشركاء الفاعلين (بما في ذلك، أجهزة سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص)، وإدارة تنفيذ البرامج وتقييم وصياغة السياسات، وتوجيه البحوث، والمتابعة المستمرة والتقييم الدوري للوقوف على مستويات الإنجاز وتحديد أثر النتائج المحققة، ومن ثم اتخاذ قرارات تقويم المسار. وفي هذا المقام، يضطلع المجلس القومي للمرأة بواقع ولايته حسب الدستور، وباعتباره الجهة المنوط بها تمكين المرأة المصرية، بتأسيس وإدارة الإطار المؤسسي وآليات تنسيق وإدارة تنفيذ هذه الاستراتيجية، فضلًا عن توليه بعض المهام التنفيذية المرتبطة بالمتابعة والتقييم.
  • ومن ثم يجب الأخذ في الاعتبار عدة توصيات منها:
  • إنشاء شبكة من مكاتب تقديم الاستشارات والخدمات القانونية لمساندة النساء وخاصة الفقيرات في الوصول للعدالة من خلال توعيتهن بحقوقهن ومساعدتهن في الحصول عليها بالقانون.
  •  تفعيل دور مكاتب الشكاوى التابعة للمجلس القومي للمرأة لتصبح قناة اللجوء الأولى للمرأة لحل مشكلاتها.
  • تطوير المجال العام وخلق البيئة الملائمة لحياة أكثر استقرارًا للمرأة من حيث الحصول على الحقوق والالتزام بالنصوص الدستورية والقانونية .
  • استغلال طاقات الشابات في الأعمال التنموية من خلال إيجاد قنوات لتوظيف هذه الطاقات عن طريق منظمات المجتمع المدني ومراكز الشباب.
  • تمكين الشابات من استخدام التكنولوجيا الحديثة خاصة تلك المتعلقة بتكنولوجيا الاتصالات والتي يمكن أن تتيح لهن فرص لتنمية مهاراتهن وتوسع قدرتهن على المشاركة السياسية والاقتصادية.
  • تأسيس قاعدة معلوماتية وبحثية حول أوضاع المرأة المصرية وسد الفجوات المعلوماتية.
  • زيادة فاعلية برنامج التحويلات النقدية (تكافل وكرامة) عن طريق بعض التدخلات في أساليب الدفع التي تتيح للنساء فتح حسابات مصرفية. وتستطيع شبكة الحكومة المصرية للتمويل الإلكتروني تقديم حلول التكنولوجيا التي تناسب هذا القطاع من النشاط الاقتصادي للمرأة.
  • توسيع نطاق برامج المجلس القومي للمرأة لتعزيز الإلمام بالأمور المالية والشمول المالي للمرأة.
  • عمل لقاءات وندوات لرفع الوعي بأهمية المشاركة السياسية للمرأة.
  • إعداد حملات إعلامية داعمة للسيدات كمرشحات في المجالس المنتخبة.
  • عمل برنامج رفع قدرات للسيدات الفائزات في الانتخابات لتوعيتهن بكيفية ممارستهن لدورهن التشريعي والرقابي وكذلك السيدات الراغبات في الترشح على المقاعد المنتخبة.
  • التنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة لتوفير تغطية إعلامية أوسع للمرشحات من النساء، مما يمكنهن من عرض برامجهن الانتخابية. و إقامة قنوات اتصال بالأحزاب السياسية لدعم دور المرأة داخل الأحزاب وحل المشكلات التي تواجهها.

[1]  نص كلمة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” رئيس الجمهورية باحتفالية المرأة المصرية 21/ 3/ 2017.

[2] الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 الرؤية ومحاور العمل، القاهرة: المجلس القومي للمرأة مارس 2017.

[3]https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%AA%D9%85%D9%83%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9#cite_note-tGwIuu55vy-1

[4] https://www.egypttoday.com/Article/1/67075/Women-empowerment-in-Egypt-long-history-gov-tal-strategy

On 21/10/2021.

[5] الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2012/2026، المحور الثالث الخاص بالمرأة ، سبتمبر 2021.

 On 30/10/2021 https://manshurat.org/node/73991

[6] شيماء نعيم، المرأة المصرية والحكم المحلي في إطار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، القاهرة: المجلس القومي للمرأة ،2021

/egypt_wm-ar_0.pdf

[7] دراسة عن التمكين الاقتصادي للمرأة، مجموعة البنك الدولي، مايو 2018.

 On 31/10/2021/134846-ARABIC-WP-PUBLIC-march-2-WB-Women-Study-AR-13-2-2019%20(1).pdf

[8] نمر ذكي عبدالله شلبي، التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، مجلة دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية، العدد 35 مجلد 1 يناير 2021.