كتبت – أماني ربيع

في التلال الخضراء، وبين السافانا المترامية الأطراف، تجدهم، رجالا طوال يضعون عباءة ” Shúkà” شوكا القرمزية الزاهية، شعورهم مجدولة، في أيديهم الرماح مشرعة نحو السماء، يقفزون قفزتهم المهيبة التي تمنح حضورهم سحرا، إنهم محاربو الماساي الأقوياء في مشهد هو الأكثر شهرة في كينيا، للقبيلة التي يتميز رجالها بحضور مبهم وشجاعة أسطورية، وأسلوب حياة، ظل دون أي تغيير جوهري لقرون.

تتميز هذه القبيلة الأفريقية بالهدوء والشجاعة في المواقف الخطرة، ومع تطور الحياة العصرية، لم تفقد أجيالهم المتعاقبة المعرفة بأراضيهم والحياة البرية فيها، وبما أنهم رعاة شبه رحل، ما زالوا يعيشون على رعي الماشية والماعز، وبينما تكيفت القبائل الكينية الأخرى مع الحياة العصرية وضحت بالأراضي وأسلوب المعيشة التقليدي، لا يزال الماسا أوفياء لتقاليدهم.

محاربون شُجعان

هم رعاة رحل من غرب أفريقيا، وكلمة الماساي في الأساس مصطلح لغوي، يشير إلى المتحدثين بلغة Maa “ما”، وهي من عائلة اللغات Nilo-Saharan.

وفقًا لتاريخ الماساي، تنحدر القبيلة في الأصل من شمال غرب كينيا، شمال بحيرة توركانا، في وقت لاحق، هاجروا جنوبًا واستقروا في وادي الصدع العظيم ومنطقة دودوما وجبل مارسابيت.

وتمتد قبائل الماساي الرعوية على طول الوادي المتصدع العظيم في كينيا وتنزانيا، سامبورو في كينيا، وأروشا وباراجويو أو كوافي في تنزانيا، وانتقل الماساي إلى حيث هم الآن، وسط كينيا من منطقة شمال بحيرة رودولف في وقت ما في منتصف القرن الثامن عشر.

اشتهر الماساي تاريخيًا بأنهم محاربون شجعان لا يرحمون، وغرسوا الرعب في قلب كل من واجههم، وخاصة المستكشفين الأوائل، ونصح المستكشف الشهير هنري ستانلي: “خذ ألف رجل إذا واجهت الماساي، أو اكتب وصيتك”.

لكن قبائل الماساي ليست خطرة أو معادية، وهم أفراد مسالمون طالما تركوا في عزلتهم ولم يتعرض إليهم أحد.

برع هؤلاء المحاربون الماهرون في استخدام الدروع والرماح، أما سلاحهم الأشد رهبة، هو الهراوات المعروفة باسم “orinka”، حيث عُرف محاربو الماساي بقدرتهم على رمي الأورنكا بدقة متناهية عبر مسافة تصل إلى 100 متر.

ورغم تمتعهم بالقوة، إلا أنهم يتمتعون بالذكاء والفطنة، ومن حكمهم الشهيرة: “لا تلوح بالسهم قبل أن تكون مستعدًا لرميها”، و”لا تفقد صبرك، انتظر حتى يحين الوقت المناسب لعملك”، طريقة التفكير تلك هي التي كفلت لهم سمعتهم المهيبة وقوتهم المدهشة.

في مارس 1883 ، انطلق المستكشف الاسكتلندي جوزيف طومسون ، من مومباسا مع قافلة من 140 حمالًا، لاستكشاف شرق أفريقيا للجمعية الجغرافية الملكية، استغرقت الرحلة إلى بحيرة فيكتوريا والعودة منها، وقتًا أطول بكثير مما كان متوقعًا، بسبب مواجهاته المستمرة مع الماساي المخيفين.

وانطلاقا من كتابه، رحلة عبر Masailand ، يبدو أنه لم يكن لينجو على الإطلاق، لكنه استطاع خداعهم ببعض الحيل السحرية، مثل إزالة اثنين من أسنانه الصناعية، ووضع أملاح الفاكهة في الفم، وكلها أشياء ساعدت في إقناع الماساي بأنه ساحر من الشمال، ومن الأفضل تركه وشأنه.

كان طومسون محظوظًا، فلم يخرج الكثير من المستكشفين سالمين عند لقاء الماساي وكان الرجل الوحيد الذي يمكن أن تقنعه الجمعية الجغرافية الملكية بالقيام بالرحلة الاستكشافية، حيث لم يكن هناك أي شخص آخر على استعداد للاقتراب من الماساي بأي شيء أقل من فوج المدفعية، بسبب قوتهم وشجاعتهم الكبيرة.

وظلت الماساي قبيلة مهيمنة في كينيا حتى أوائل القرن العشرين، وبحلول عام 1911 ، تم تخفيض أراضي الماساي في كينيا بنسبة 60%، وطردهم البريطانيون وتم حصرهم في مقاطعات ناروك وكاجيادو الحالية.

كذلك أُجبر الماساي في تنزانيا على الخروج من أراضيهم الخصبة الواقعة بين جبل كليمنجارو وجبل ميرو ومعظم مناطقهم الجبلية الخصبة بالقرب من نجورونجورو، وتُركوا في الأجزاء المجدبة الغير صالحة للحياة في البلاد.

ويقدر عدد سكان الماساي حاليًا بحوالي 900000، يتحدثون لغة الما، لكنهم يتحدثون أيضًا اللغات الرسمية لكينيا – السواحيلية والإنجليزية.

حب غامض للماشية

يتجول الماساي في مجموعات، وتعيش هذه المجموعات فيما يشبه قرية نموذجية تتكون من سياج حطب يتم فيه تربية الماشية، وحيز مجاور يتميز بدائرة من الأكواخ الطينية المنخفضة، تقوم النساء ببنائها، ثم يقوم الرجال ببناء سياج شائك كبير حول البيوت للدفاع عنها، وتؤوي القرية ما بين أربع إلى ثماني عائلات وقطعانهم.

يدور الإيقاع اليومي لحياة الماساي حول البحث عن الماء ورعي الماشية، لكن في هذه الأيام، هاجر العديد من الماساي إلى قطاع الأعمال، حيث يتفوقون، كمرشدين في الحياة البرية، أو سائقين وحتى مديرين، ومع كل هذا، تظل الماشية المحور المركزي لحياة الماساي.

تقول أسطورة الماساي إن الله منحهم جميع الماشية على الأرض ، مما أدى إلى الاعتقاد بأن سرقة القبائل الأخرى ليست سرقة وإنما أخذ لما هو حق لهم، وهي ممارسة أصبحت أقل شيوعًا الآن.

ويعتقد الماساي أنه من واجبهم أن يُحبوا ماشيتهم، وأن يجمعوا أكبر عدد منها خلال حياتهم، وبالتالي، كلما زاد عدد الماشية التي يمتلكها الإنسان، زادت مكانته داخل المجتمع.

ونادرًا ما يتم ذبح الماشية، ويكون ذلك للأغراض الاحتفالية فحسب، وعادة ما يكون لكل حيوان في القطيع اسمه الخاص ورتبته ومكانته وشخصيته.

وحتى اليوم، التحية المهذبة بين الماساي هي: “آمل أن تكون مواشيك على ما يرام؟”، ولما لا، والماشية توفر لهم كل ما يحتاجون إليه، حيث تعمل الماشية كسندات زواج ، كما أنها توفر العملة لنظام معقد من الغرامات التي تحافظ على الانسجام الاجتماعي للمجموعة. يشكل الحليب والدم (المأخوذ من عروق الحيوانات الحية) النظام الغذائي المفضل، بينما تستخدم الجلود كفرش وصنادل وحصائر وملابس.

ومجتمع الماساي ذكوري أبوي، مبني على تسلسل هرمي معقد للفئات العمرية، يتخذ رجال وشيوخ الماساي جميع القرارات المهمة الخاصة بالقبيلة، يقيسون ثروة الرجل من حيث عدد الأطفال الذين ينجبهم، وكذلك عدد رؤوس الماشية، والأكثر هو الأفضل.

تتكون وجباتهم الغذائية تقليديًا من اللحوم النيئة وحليب ماشيتهم ، وأحيانا من الدم في أوقات الجفاف، تستخدم الجلود في صناعة الأثاث والعظام لصنع الأدوات، يلبس الماساي قطعا ملونة من القماش تُعرف باسم “Shúkà”.

ثقافة غنية بالألوان والموسيقى

ورغم أنهم قبليون محاربون، يتمتع الماساي بثقافة غنية بالألوان والموسيقى، وهناك احتفال بكل حدث في حياة الماساي مثل: الولادة، والمراهقة، والبلوغ، والأقدمية، والموت.

تختلف الملابس حسب الجنس والعمر والمكان، مثلا: يرتدي الشبان اللون الأسود لعدة أشهر بعد الختان، لكن اللون الأحمر هو المفضل لدى الماساي، ويتم كذلك ارتداء القماش الأسود والأزرق والمربّع والمخطط مع الملابس الأفريقية متعددة الألوان.

تقضي النساء الكثير من أوقات فراغها في عمل الخرز، وغالبًا ما يزينن أجسادهن بإبداعاتهن من أقراط وأساور مصنوعة من الخشب أو العظام.

ومن تقاليد الماساي إقامة احتفالات “بلوغ سن الرشد” التي يتم خلالها استخدام قرن كودو لاستدعاء كل من بلغ سن الرشد، أي المبتدئين، إلى الحفل.

تستمر هذه الاحتفالات عشرة أيام أو أكثر وتنطوي على قدر كبير من الغناء والرقص والمغازلة، خلال الحفل يصطف الشباب ويهتفون باتجاه مجموعة من النساء المغنيات الواقفات أمامهن، في مشهد فريد ومثير.

 يؤمن الماساي بإله واحد هو إنجاي أو إنكاي، ويدير احتفالاتهم الدينية، خبير في الطقوس يُدعى ” oloiboni”، وهو بمثابة زعيم روحي لا يتمتع بأي سلطة سياسية، لكنه يعتبر رئيسا دينيا للقبيلة.

بين سن 14 و30 عامًا ، يُعرف الشباب تقليديًا باسم “موران”، خلال هذه المرحلة من الحياة، يعيشون في عزلة داخل الأدغال، ويتعلمون العادات القبلية ويطورون مهاراتهم وقدرتهم على القوة والشجاعة وقوة التحمل، وهي السمات التي يُعرف بها محاربو الماساي حول العالم.

بالطبع تغيرت بعض أجزاء من تقاليد الماساي خلال السنوات الأخيرة، فحتى وقت قريب، كان ذبح الشاب للأسد عبر الحربة مطلبا يسعى إليه جميع الفتيان الذين يريدون أن يصبحوا محاربي ماساي.

وتشجع الحكومتان الكينية والتنزانية قبائل الماساي على إقامة مستوطنات زراعية دائمة والتخلي عن ممارسة عزل الشباب لصالح التعليم الرسمي والاستيعاب بصورة أكبر داخل المجتمع العصري.

ويحاول الماساي الموازنة بين الحفاظ على تقاليدهم ومجاراة العصر الحديث، وهناك العديد من المحميات والمنتزهات التي يتواجد فيها الماساي بشكلهم التقليدي إلى الآن، ومنها محمية ماساي مارا الوطنية، سامبورو، نجورونجورو، أمبوسيلي، حديقة نيروبي الوطنية، سيرينجيتي، بحيرة ناكورو، وغيرها.

يعيش أصحاب أراضي الماساي في هذه المحميات مقابل تأجير أراضيهم لمشغلي رحلات السفاري الذين يمارسون السياحة البيئية المستدامة.

لا يدفع مشغلو رحلات السفاري رسومًا شهرية لمالكي أراضي الماساي فحسب، بل يساهمون أيضًا في برامج مجتمع الماساي المحلية ويوظفون أفراد الماساي كمتعقبين للحياة البرية، كما يحصلون على وظائف في معسكرات السفاري.