كتب – د. محمد جلال حسين

مدرس الأنثروبولوجيا – كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة. مصر

بات الإيدز يمثل أحد أهم التحديات الرئيسية للصحة العامة في جميع أنحاء العالم وخاصة أفريقيا جنوب الصحراء والتي اختلت لسنوات عديدة أعلى معدلات إصابة بالإيدز مقارنة ببقية مناطق العالم([1]). حيث ينتشر هذا المرض بشكل واضح في إفريقيا جنوب الصحراء مع اختلاف معدلاته من منطقة لأخرى([2]). ولكنه في نهاية المطاف ترك آثاره على أكثر الفئات السكانية إنتاجًا في إفريقيا جنوب الصحراء، كما ترك أثاره على البناء الاجتماعي والاقتصادي للبلدان الواقعة في هذه المنطقة، الأمر الذي جعل النهضة الاقتصادية أمرًا صعب المنال، ولذلك أصبح الإيدز لا يمثل مشكلة صحية فحسب؛ بل يمثل أيضًا مشكلة اقتصادية واجتماعية وثقافية نتج عنها الكثير من التغيرات والتحولات في كافة المجالات([3]).

وتشير معظم البيانات الوبائية المتاحة إلى أن البدايات الأولى لظهور المرض والانتشار الموسع له في أفريقيا جنوب الصحراء بدأ في أواخر عام 1970، وبحلول عام1980 تم العثور على الفيروس في نطاق جغرافي يمتد من غرب أفريقيا حتى المحيط الهندي([4])، أي محيط وسط أفريقيا، وقد أرجع علماء الأوبئة انتشاره إلى الممارسات الجنسية الطبيعية وليس الممارسات الجنسية الشاذة كما حدث في أمريكا([5]).

ولعل الصورة الذهنية المتكونة عن القارة الإفريقية باعتبارها القارة المعدية لم تتكون من فراغ، بل نابعة من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس الإيدز، فخلال عام 2007 كان هناك ما يقرب من 33.2 مليون شخص يعيشون مع فيروس الإيدز على مستوى العالم منهم 26 مليون يعيشون في أفريقيا، وكان نصيب أفريقيا جنوب الصحراء وحدها حوالي 22.5 مليون حالة إصابة (مؤتمر العمل الدولي، 2009). بينما خلال عام 2011 كانت أفريقيا جنوب الصحراء تضم حوالي 23.5 مليون شخص مصاب بالإيدز، وقد مثلت النساء والفتيات نسبة 60% من إجمالي عدد المصابين([6]). وبحلول عام 2014 وصل إجمالي عدد المصابين في أفريقيا جنوب الصحراء حوالي 24.7 مليون أي ما يعادل نسبة 71% من إجمالي عدد المصابين عالميًا. وتستحوذ عشر دول من دول أفريقيا جنوب الصحراء على نسبة 81% من إجمالي عدد المصابين في أفريقيا جنوب الصحراء، وهذه الدول هي: إثيوبيا, كينيا, ملاوي, موزامبيق, نيجيريا, جنوب إفريقيا, أوغندا, تنزانيا, زامبيا, زيمبابوي, مع العلم بأن دولتي نيجيريا وجنوب إفريقيا بهما ما يقرب من نصف النسبة السابقة([7]). (شكل1)

ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، بلغ معدل إجمالي الإصابات حوالي 25.7 مليون حالة عام 2018 (8). وقد ارتفعت معدلات الإصابة بالإيدز في المنطقة بمقدار 3.5 مليون خلال الفترة ما بين عامي 2015- 2020([9]).

ومن المعلوم لدينا جميعًا أن فيروس نقص المناعة ينتقل عن طريق بعض السلوكيات التي تنطوي على تبادل سوائل الجسم بين الأفراد مثل الممارسات الجنسية السوية والشاذة، الاستخدام المتعدد للحقن وخاصة في حالة تعاطي المخدرات، وعمليات نقل الدم من شخص مصاب لآخر، كما يمكن أن ينتقل الفيروس من الأم إلى الجنين أثناء فترة الحمل عن طريق المشيمة أو عند الولادة، أو من خلال عملية الرضاعة الطبيعية للطفل بعد ولادته([10]). تلك هي الطرق المعروفة لانتقال المرض من شخص لآخر. ولكن يتبادر إلى أذهاننا تساؤل ما وهو؛ “لماذا ترتفع معدلات الإصابة بالإيدز في إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة ببقية أنحاء العالم بالرغم من الجهود المبذولة من قبل منظمة الصحة العالمية؟”. الإجابة هنا تكمن في مجموعة من الممارسات السلوكيات والمعتقدات التي يمارسها أفراد المجتمع، والتي أضفى عليها السياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع صفة الشرعية والقبول. تلك الممارسات التي تتيح فرصة اختلاط الدماء وما يترتب عليها من اتاحة الفرصة لانتقال الفيروس من الشخص المصاب للسليم وذلك من خلال الأدوات المستخدمة بها أو من خلال الاتصال الجنسي المباشر وتعددية العلاقات الجنسية والأطراف المشاركة بها

وفي ضوء الاطلاع على تقارير منظمة الصحة العالمية بشأن طرق انتقال الإيدز وعوامل الخطر تبين أن تركيز تلك التقارير ينصب على بعض المسببات المألوفة للمرض مثل؛ الاستخدام المتعدد للحقن، عمليات نقل الدم، العلاقات الجنسية السوية والمثلية، من الأم المصابة للجنين وختان الإناث. في حين لم تولي منظمة الصحة العالمية الاهتمام الكافي ببعض الممارسات الثقافية الأخرى التي تعد من عوامل الخطر الهامة والمساهمة بشكل واضح في رفع معدلات الإصابة بالإيدز. وفيما يلي استعراض لأهم تلك الممارسات.

(1) طقوس التطهير

يسود اعتقاد في العديد من الدول الأفريقية مثل كينيا، ملاوي، زامبيا وبتسوانا بأن المرأة الأرملة بعد وفاة زوجها تصبح غير طاهرة وغير نظيفة، ولكي تصبح طاهرة لابد وأن تخضع لسلسلة من الممارسات الجنسية مع بعض الرجال الذين يحددهم شيوخ المجتمع حتى تتمكن من الزواج مرة أخرى([11])، وحتى تتمكن من بقاءها في منزلها واحتفاظها بأراضيها، ولتتجنب غضب الأرواح الشريرة([12])، ويشترط في القيام بهذا الطقس أن يتم الاتصال الجنسي دون استخدام أي وسائل وقائية “الواقي الذكري” اعتقادًا بأن السائل المنوي هو المسؤول عن إتمام عملية التطهير([13]).

فعندما يموت الزوج وتتم عملية الدفن، تقوم أسرة المتوفى باصطحاب زوجته الأرملة والذهاب بها إلى النهر والقيام بتلطيخ وجهها وصدرها بالطين ويعطونها KKuba “ساق الذرة” لتحمله بين يديها كرمز لكونها وحيدة بعد وفاة زوجها، ثم تقوم الأرملة بعد ذلك بالنوم على مقربة من النهر ويقوم أحد إخوة الزوج المتوفى أو أحد أبناء عمومته بالقفز من فوقها وهي تردد أسماء أجداد زوجها المتوفى كوسيلة لفصل روح زوجها عنها. وفي اليوم التالي تقوم أسرة الأرملة بغسلها وتلبيسها أفضل ملابسها، وفي الوقت نفسه تقوم أسرة الزوج المتوفى بتحضير عدد من الرجال للقيام بعملية التطهير الجنسي. وبعد الانتهاء من هذه العملية يتم اصطحاب الأرملة خلف المنزل الذي تمت به عملية الطهير ويتم شوي بعض بذور الخيار لإحداث نوع من الضجيج والطقطقة لطرد روح الزوج المتوفى نهائيًا وإتمام عملية فصلها عن المرأة الأرملة وبعد ذلك يصبح القائم بعملية التطهير حاملاً لاسم زوجها المتوفى وبمثابة زوجها الجديد. ولا تقتصر ممارسة طقوس التطهير على النساء فقط؛ بل تمارس أيضًا مع الرجال الأرامل الذين توفيت زوجاتهم, وأن حدث واعترض الرجل على القيام بتلك الطقوس لا يسمح له بالجلوس والاختلاط في مجالس الرجال اعتقادًا منهم بأنه لم يتخلص من حالة النجاسة التي حلت به ومن ثم فإن جلوسه معهم يجعلهم عرضة لغضب الأرواح([14]).

أما في ملاوي، فعندما تضع المرأة مولودها لابد وأن تقوم بممارسة الجنس مع رجل آخر غير زوجها دون اللجوء إلى أي وسيلة وقائية اعتقادًا بأن ذلك يساعد على تطهير المولود ويمكنه من النمو السليم ويعمل على تقوية عظامه. وكذلك الحال تتعرض المرأة للإجهاض يتوجب عليها ممارسة الجنس مع رجل غير زوجها يتم استئجاره حتى تصبح طاهرة ونظيفة. وهناك حالات أخرى تمارس فيها طقوس التطهير في ملاوي، فعندما يشتري أحد الأفراد قاربًا جديدًا يتوجب عليه قبل الشروع في استخدامه أن يقوم بممارسة الجنس مع امرأة على متن القارب، اعتقادًا بأن ذلك الفعل يعمل على تطهير القارب وحمايته من غضب الأرواح الشريرة التي قد تقوم بقلب القارب في المياه([15]).

 (2) طقوس الأخوة

تنتشر طقوس أخوة الدم في الكثير من جهات القارة الأفريقية، وخاصة في الجهة الشرقية لدى الباجندا في أوغندا، ويتمثل هذا الطقس في إجراء قطوع صغيرة في جسم الشابين المراد إقامة العلاقة بينهما حتى يسيل الدم، وذلك باستخدام نفس الأداة “السكين”، ويتم إعطاء كل منهما دم الآخر ليشربه، ثم يقوم كل منهما بإعلان الوعد بالوفاء لأخيه والتعهد بتقديم المساعدة ورعاية كل منهما لأطفال الآخر([16]). ويشابه هذا الطقس طقسًا آخر شائعًا لدى قبائل الماساي بكينيا ويطلق عليه “اتفاق الدم” والذي يتمثل في قيام شخصين أو أكثر بإحداث جروح في أجسادهم، ويقوم كل شخص بامتصاص دم الآخر ويعد كل منهما الآخر بالإخلاص والوفاء في الحب والصداقة مدى الحياة ويحاط هذا الطقس بشيء من السرية([17]).

(3) ختان الإناث

يقوم الكثير من الأفارقة بختان الإناث لاعتباره طقس من طقوس العبور والانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، وتصبح الفتاة من خلاله مؤهلة للزواج، وقادرة على القيام بالأدوار التي تقوم بها النساء الأخريات([18]). وفي كينيا تتم ممارسة الختان حتى تتمكن المرأة من امتلاك الأراضي والموارد الأخرى التي لا يمكن أن يحق لها امتلاكها إلا من خلال الزواج، وهذا الزواج لا يتم إلا بعد خضوعها للختان. بينما تقوم به جماعة الكيكويو باعتباره وسيلة لتعزيز الخصوبة لذلك كانت غالبية الرجال لا يفضلون الزواج من امرأة غير مختونه خوفًا من عدم قدرتها على الإنجاب([19]). في حين تقوم جماعة أباجوسي بالختان لتصبح الفتاة مؤهلة للزواج، ولتمنح الهوية الثقافية الخاصة بمجتمعها لتمييزها عن المجتمعات الأخرى التي لا تقوم بهذه العملية([20]). أما لدى الماساي يتم القيام بالختان باعتباره عملية فدائية يتم بمقتضاها سكب دم الفتاة ليتحد بدماء الأجداد والأسلاف([21]). ويزداد الأمر تعقيدًا نتيجة لارتباط قيمة مهر العروس بالختان، حيث يزداد مقدار المهر المقدم للفتاة المختونة عن المهر الذي يقدم للفتاة غير المختونة([22]). تلك الأسباب التي جعلت الكثير من القبائل الأفريقية لاتزال تقوم بتلك العملية المحفوفة بالمخاطر.

وعادة ما يتم إجراء الختان بشكل جماعي للفتيات اللاتي ينتمين لنفس الفئة العمرية قبل موعد الزواج، ويقوم بإجرائها المعالجين التقليديين والقابلات في المنازل أو الأماكن المخصصة لإجرائها باستخدام نفس الأدوات التي تفتقر للتعقيم والتطهير([23]).

 (4) اختبار العذرية

يعد اختبار العذرية بمثابة ممارسة ثقافية تقوم على الفحص البدني للفتيات للتأكد من سلامة غشاء البكارة وعدم انغماس الفتاة في أية علاقة جنسية من قبل([24]). وغالبًا ما يتم اختبار العذرية قبل التوقيت المحدد للزواج. وينتشر هذا الاختبار في بعض الدول الأفريقية وخاصة في أوغندا. ويتمثل السبب الرئيسي للقيام بهذا الاختبار في حماية الفتيات من الانغماس في السلوكيات الجنسية في وقت مبكر والحفاظ على عفتها وحتى يتأكد الرجل من أن الفتاة التي سوف يتزوج منها كانت غير نشطة جنسيًا فيما سبق([25]).

فالفتاة التي لم يثبت عدم سلامة غشاء بكارتها تتعرض إلى اللوم ووصمة العار من قبل أفراد المجتمع نتيجة لكونها غير عذراء. ولكي تتفادى الفتيات الوقوع تحت طائلة اللوم والنبذ والوصم، يتجهن إلى ممارسة الجنس الشرجي Anal Sex كوسيلة لإشباع رغباتهن الجنسية وليتفادين فقد عذريتهن([26]).

وتكمن خطورة هذا الاختبار في أمرين؛ الأول: أن هذا الاختبار تقوم به النساء المسنات باستخدام قفازًا مطاطيًا يتم استخدامه في فحص عشرات الفتيات دون تغييره أو استبداله مما يساهم في نقل المرض. أما الأمر الثاني: فهو يتمثل في اتجاه الفتيات إلى ممارسة الجنس الشرجي بدلاً من الجنس المهبلي كوسيلة للحفاظ على عذريتهن، على الرغم من أنه ممارسة مألوفة وتعد من المحرمات في إفريقيا جنوب الصحراء([27]). فقد أكدت منظمة الصحة العالمية على أن ممارسي الجنس الشرجي أكثر عرضه للإصابة بالإيدز عشرة أضعاف، وذلك نتيجة لرقة بطانة المستقيم وتعرضها للهتك والخدش، مما يمهد الطريق لوصول الفيروس للجسم من خلال هذه التمزقات([28]).

 (5) تشليخ الجبهة

يقصد بالتشليخ إجراء خدوش أو قطوع أفقية أو رأسية على الجبهة أو بعض أجزاء الجسم. وهي عادة شائعة لدى الكثير من القبائل والجماعات الإفريقية وتحظى بشعبية واسعة بينهم. ويتم إجراء التشليخ لأغراض متعددة، منها ما هو متعلق بالزينة أو الجمال، ومنها ما هو متعلق بالتمايز القبلي، حيث يتم إجرائها لتمييز جماعة كل قبيلة عن القبائل الأخرى، بحيث يصبح لكل جماعة قبلية شكل محدد من الندوب والخدوش الجبهة تمكنهم من التعرف على بعضهم البعض([29]).

 (6) تعدد الزوجات Polygyny

ينتشر تعدد الزوجات لدى بعض الجماعات العرقية في إفريقيا جنوب الصحراء. ويرجع انتشاره إلى طول فترات الحمل وفترة حضانة الطفل التي يمنع فيها حدوث الاتصال الجنسي بين الزوج وزوجته اعتقادًا بأن السائل المنوي للرجل سيعمل على تلويث حليب الأم وما يتبعه من الحاق الأذى بالطفل. وهذا ما يدفع الزوج إلى الزواج من امرأة أخرى([30]).

بينما ينتشر هذا النمط من الزواج بوضوح لدى قبائل الباجندا بأوغندا، نتيجة لانخفاض عدد الذكور عن الإناث بالقبيلة([31]). أما في نيجيريا وزامبيا يرجع انتشار تعدد الزوجات إلى النظم القرابية والتقاليد القائمة على ارتباط المكانة الاجتماعية للرجل بقدر ما يملكه من زوجات وأبناء بصرف النظر عن وضعه المالي في المجتمع من ناحية، والرغبة في انجاب المزيد من الأبناء لضمان الدعم والترابط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من ناحية أخرى، حيث تعد نيجيريا مجتمع زراعي في المقام الأول لذلك يحتاج الرجل لمزيد من الأبناء والزوجات للعمل بالزراعة([32]). بينما عند الماساي في كينيا يرجع انتشاره إلى رغبة الرجال في تخليد أسمائهم بعد وفاتهم عن طريق أبنائهم، وارتباط السلطة التي يملكونها في المجتمع بمقدار ما يملكونه من أبناء وزوجات([33]).

(7) تعاطي الخمور

يعد تناول الخمور التقليدية من الممارسات الثقافية متأصلة الجذور لدى العديد من الجماعات الأفريقية، حيث يتم تناولها في المناسبات وأثناء أجراء الطقوس الثقافية مثل الزفاف والولادة وغيرها. وقد أكدت العديد من الدراسات على وجود علاقة وثيقة بين تناول الخمور وبين احتمالية الإصابة بفيروس نقص المناعة([34])، وقد استدل على ذلك من خلال ارتفاع معدلات الإصابة عام 2010 والذي بلغ حوالي 22,9 مليون حالة بما يقدر بحوالي 68% من إجمالي عدد المصابين عالميًا، وتزامن ذلك مع إعلان منظمة الصحة العالمية بأن أفريقيا جنوب الصحراء تحتل أعلى المراتب في معدلات تناول المواد الكحولية على مستوى العالم بما يقدر بحوالي 25,1%, وبالتالي فإن العلاقة بين المواد الكحولية وانتشار مرض الإيدز تكمن في وقوع الفرد تحت تأثير المواد الكحولية وممارسته للجنس المحفوف بالمخاطر دون اتخاذ أي وسيلة وقائية([35]).

وبجانب الممارسات السالف الإشارة إليها، توجد بعض الممارسات الأخرى التي تلعب دورًا لا يستهان به في رفع معدلات الإصابة بالإيدز في تلك المنطقة، ومن تلك الممارسات؛ الممارسات المثلية الجنسية، وممارسة الجنس الجاف والذي يتم استخدام بعض المواد لتجفيف المهبل لتحقيق الاستثارة الجنسية لدى الرجل، توريث الزوجة والتي تتضمن أن يرث الرجل زوجة أخيه المتوفى وتصبح من ضمن زوجاته([36]).

وفي هذا الصدد، قامت المنظمات المعنية بالصحة ببذل قصارى جهدها للحد من انتشار الإيدز في أفريقيا جنوب الصحراء، وذلك من خلال توفير خدمات الرعاية الصحية للمصابين ونشر التوعية بمخاطر وطرق انتقال المرض وغيرها من الخدمات. كما حثت المنظمات على استخدام الوسائل الوقائية “الواقي الذكري” كوسيلة للحد من انتشار المرض والحد من وصمة العار والتمييز تجاه المصابين([37]). وقد ساهمت تلك الجهود في خفض معدلات الإصابات الجديدة ليصل إلى نسبة 25% من عام 2001: 2009 في 22 بلدًا بأفريقيا جنوب الصحراء([38]). وعلى الرغم من نجاح بعض الاستراتيجيات التي نفذتها المنظمات في تلك المنطقة؛ إلا أن مازال هناك بعض التحديات التي تواجه تنفيذ تلك الاستراتيجيات، وغالبية تلك التحديات تتعلق بالمعتقدات السائدة لدى الأفارقة كالاعتقاد بأن الإيدز يحدث بفعل السحر، ورفض استخدام الواقي الذكري اعتقادًا منهم بأنه يساهم في خفض المتعة الجنسية وإضعاف السائل المنوي، بالإضافة إلى احتوائه على ديدان قد تضر بصحتهم، فضلاً عن اعتقادهم بأن الواقي يمنع تبادل سوائل وإفرازات الجسم والتي لها دلالة وقيمة رمزية لدى بعض الثقافات([39]). هذا بالإضافة إلى بعض المعتقدات الأخرى، كالاعتقاد بأن ممارسة الجنس بصفة مستمرة يعمل على الحفاظ على صحة الرجل ويساهم في الحفاظ على القوة الخارقة التي منحتهم لها الطبيعة والتي بدورها تحميهم من الأمراض. هذا بالإضافة إلى الاعتقاد المنتشر في العديد من مناطق أفريقيا جنوب الصحراء والذي يقوم على إمكانية شفاء المصاب بالإيدز في حالة ممارسته للجنس مع فتاة عذراء، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع معدلات الإصابة لدى الفتيات والنساء([40]). وأخيراً، فهناك عامل هام من أهم العوامل التي تمثل تحديًا مباشرًا للحد من انتشار الإيدز، ألا وهو افتقار العديد من الجماعات الأفريقية لثقافة التعقيم والتي تظهر لنا بوضوح في الأدوات المستخدمة في التشليخ والختان وطقوس الأخوة واختبار العذرية.

وبجانب تلك الممارسات الثقافية والمعتقدات لعبت بعض العوامل الاجتماعية الأخرى دورًا لا يستهان به في ارتفاع معدلات الإصابة بالإيدز عامًا بعد عام، ومن تلك العوامل الاجتماعية وصمة العار والتمييز التي يلصقها أفراد المجتمع والعاملين بالمجال الصحي للمصابين بالإيدز والتي بدورها تدفع العديد من المصابين بالمرض والذين يرغبون في الحصول على الخدمات العلاجية إلى العزوف عن طلب تلك الخدمات وإبقاء أمر أصابتهم سرًا حتى لا يتعرضون لوصمة العار، هذا بالإضافة إلى الحروب الأهلية المنتشرة في العديد من أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء والتي استخدمت الإيدز سلاحًا للقضاء على الجماعات المعادية لهم، حيث كانوا يستخدمون المصابون بالإيدز للقيام بعملية الاغتصاب لنساء وفتيات الجماعات المعادية لهم.

الخاتمة والتوصيات

تبين لنا من العرض السابق أن السبب الرئيسي لارتفاع معدلات الإيدز في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء يعزو في المقام الأول لبعض الممارسات والمعتقدات الثقافية التي تتضمن وجود نوع من الاتصال الجنسي أو إتاحة الفرصة لاختلاط الدماء وما يترتب عليها من انتقال الفيروس من الشخص المصاب للسليم. وقد تجلى لنا ذلك بوضوح ممارسة طقوس التطهير والتشليخ وغيرها مما سبق الإشارة إليه. ولا نغفل أيضًا المعتقدات الثقافية التي ما زالت تسيطر على أذهان الكثير من الأفارقة والتي حالت دون ضمان نجاح كافة الاستراتيجيات المتخذة للحد من معدلات المرض.

ومن هذا المنطلق، نوصي بالآتي:

– تكثيف حملات التوعية والتثقيف الصحي المبنية على الإلمام الجيد بالسياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع والتي تتضمن التوعية بالطرق غير المعتادة لانتقال المرض وكيفية الوقاية منها، والتوعية بمدى خطورة الممارسات التي يقومون بها ودورها في نقل المرض. وذلك حتى يتسنى لنا تحقيق الفوائد المرجوة من تلك الحملات. ولن يتحقق ذلك دون الاستعانة بالأنثروبولوجيين ذوي الخبرة في مجال العمل الميداني والقادرون على الاندماج في المجتمع وإزالة الحواجز التي تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة.

– الاستبدال الرمزي الشعائري لبعض الممارسات الثقافية المحفوفة بالمخاطر والتي تعد من ضمن عوامل الخطر المؤدية للإصابة بالإيدز مثل؛ طقوس التطهير، طقوس الأخوة، وغيرها من الممارسات. حيث يتم استبدال الاتصال الجنسي بشعيرة رمزية أخرى لا تتضمن حدوث ذلك الاتصال، كارتداء ملابس ذات ألوان معينة ترمز للتطهير، أو ارتداء بعض الأساور أو شكل معين من أشكال الحلي للتعبير عن وجود رابطة أخوة بين الشخصين المراد إقامة علاقات الأخوة بينهم.

– تشديد الرقابة على بعض الممارسات التقليدية التي يتم إجرائها والتي تفتقر لثقافة التعقيم كطقوس الختان واختبار العذرية وذلك من خلال وزارة الصحة، مع إمكانية القيام بتوزيع المواد المطهرة والمواد المستخدمة في إجراء تلك العمليات كالقفازات والمشارط ذات الاستخدام الواحد، كوسيلة للحد من فرص انتقال المرض.


[1]) WHO (2009) A. Traditional male circumcision among young people: a public health perspective in the context of HIV prevention, Retrieved from: http://www.malecircumcision.org/programs/documents/TMC_final_web.pdf

[2] ( Buvé A. (2006). The HIV epidemics in sub-Saharan Africa: Why So Severe? Why So Heterogenous? An epidemiological perspective,. 41-55, retrieved from: http://rds.refer.sn/IMG/pdf/07BUVE.pdf

[3] ) Dilger H. (2001). AIDS in Africa: Broadening the Perspectives on Research and Policy-Making, Germany: Institute of African Affairs at GIGA, Africa Spectrum, 36(1): 5-16.

[4] ) WHO & UNAIDS (2003). History of the HIV/AIDS epidemic with emphasis on Africa, Workshop on HIV/AIDS and Adult Mortality in Developing Countries, New York, 8-13 September 2003, Retrieved from: http://www.un.org/esa/population/publications/adultmort/UNAIDS_WHOPaper2.pdf

[5] ) Denis P. & Becker C. (2006). The HIV/AIDS Epidemic in Sub-Saharan Africa in a Historical Perspective, retrieved from: http://rds.refer.sn/IMG/pdf/AIDSHISTORYALL.pdf .

[6] ) Charles T. (2013). HIV Surveillance among sub-Saharan African migrants in Germany: How could this be improved?, Master’s Thesis submitted in 2013 to the Charité – Universitätzmedizin Berlin in partial fulfilment of the requirements for the award of a Master of Science (Public Health), retrieved from:http://www.rki.de/DE/Content/InfAZ/H/HIVAIDS/Studien/HIV_Surveillance_MiSSA.pdf?__blob=publicationFile

[7] ) UNAIDS (2014). The Gap report, Retrieved from: http://www.unaids.org/sites/default/files/media_asset/UNAIDS_Gap_report_en.pdf .

[8] ) Akuoko, E. & et al. (2021). incidence and prevalence of HIV in Sub-Saharan Africa: Focus on Cameroon, Ethiopia, Ghana, and Zambia. Research Square.

[9] ) UNAIDS (2020). Seizing The Moment: Excutive Summary, Global Aids Update.

[10] ) Raymond A. (2005). Encyclopedia of Aids: A Social, Political, Cultural, and Scientific Record of the HIV Epidemic, 2nd published, London: Taylor & Francis e-Library.

[11]) Maleche A. & Day E. (2011). Traditional Cultural Practices and HIV: Reconciling Culture and Human Rights, Working Paper for the Third Meeting of the Technical Advisory Group of the Global Commission on HIV and the Law, 7-9 July 2011.

[12] ) Temah C. (2007). Gender inequality and HIV/AIDS epidemic in Sub- Saharan Africa, Retrieved from: http://www.csae.ox.ac.uk/conferences/2007-EDiA-LaWBiDC/papers/037-Tsafack.pdf .

[13] ) Maleche A. & Day E. (2011). Traditional Cultural Practices and HIV: Reconciling Culture and Human Rights, Working Paper for the Third Meeting of the Technical Advisory Group of the Global Commission on HIV and the Law, 7-9 July 2011.

[14] ) Malungo J. (1999). Challenges to sexual behavioural changes in the era of AIDS: sexual cleansing and levirate marriage in Zambia :Resistances to Behavioural Change to Reduce HIV/Aids Infection, 41-57 Chapter 4, Demography Program, The Australian National University, Canberra Unpublished PHD Thesis.

[15] ) Maleche A. & Day E. (2011). Traditional Cultural Practices and HIV: Reconciling Culture and Human Rights, Working Paper for the Third Meeting of the Technical Advisory Group of the Global Commission on HIV and the Law, 7-9 July 2011.

[16] ) سعودي, محمد عبدالغني (2000). التنمية والثقافة في إفريقيا، ندوة قضايا التنمية والبيئة في إفريقيا، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية.

[17] ) Clarence L. (2004). Traditional practices and HIV Prevention in Sub -Saharan Africa, Geneva: Foundation for Medical Education and Research.

[18] ) Ondiek, C. (2010). The Persistence of Female Genital Mutilation (FGM) and its Impact on Women’s Access to Education and Empowerment: A Study of Kuria District, Nyanza province, Kenya, P. hD, University of South Africa, Sociology department.

[19] ) Ministry of Health (MOH) (2008) Situation Analysis of Newborn Health in Uganda: Current Status and Opportunities to Improve Care and Survival, Kampala: Government of Uganda, Ministry of Health, Save the Children, UNICEF, WHO

[20] ) Mburu, R. (1992). The knowledge, Attitude and Practice of FC Among High School Girls Studying in Meru, Med dissertation, University of Nairobi.

[21] ) Stephen I. (2013). African Traditional Cultural Conundrums Which Make Women Prone to HIV/ AIDS Infections: A Case of the massai of Kenya, International Journal of Education and Research, 1(8): 1- 14.

[22] ) Allen, K., Bugler L, Denise K., Doré M., Waritay J., & Wilson A. (2013). Country Profile: FGM in Uganda, 28 Too Many, FGM lets end it.

[23] ) Clarence L. (2004). Traditional practices and HIV Prevention in Sub -Saharan Africa, Geneva: Foundation for Medical Education and Research

[24] ) Maleche A. & Day E. (2011). Traditional Cultural Practices and HIV: Reconciling Culture and Human Rights, Working Paper for the Third Meeting of the Technical Advisory Group of the Global Commission on HIV and the Law, 7-9 July 2011.

[25] ) Leclerc S., Leickness C. & Cloete A. (2009). The Sociocultural Aspects of HIV/AIDS in South Africa, in: Rohleder P & et al. (eds.), HIV/AIDS in South Africa 25 Years On, Psychosocial Perspectives, Ch 2, London: © Springer Science & Business Media.

[26] ) Leclerc S., Leickness C. & Cloete A. (2009). The Sociocultural Aspects of HIV/AIDS in South Africa, in: Rohleder P & et al. (eds.), HIV/AIDS in South Africa 25 Years On, Psychosocial Perspectives, Ch 2, London: © Springer Science & Business Media.

[27] (Buvé A. (2006). The HIV epidemics in sub-Saharan Africa: Why So Severe? Why So Heterogenous? An epidemiological perspective,. 41-55, retrieved from: http://rds.refer.sn/IMG/pdf/07BUVE.pdf

[28] ) WHO (2003). Gender and HIV/AIDS, Gender and Health, November 2003, retrieved from: http://www.who.int/gender/documents/en/HIV_AIDS.pdf .

[29] ) Clarence L. (2004). Traditional practices and HIV Prevention in Sub -Saharan Africa, Geneva: Foundation for Medical Education and Research

[30] ) Naksomboon P. (2013). The motivations for the Polygyny in Nigeria, Major Research Paper, University of Ottawa, May 2nd, 2013, Retrieved from: https://www.ruor.uottawa.ca/bitstream/10393/24142/1/NAKSOMBOON,%20Pantiwa%2020131.pdf .

[31] ) الجوهري, محمد (2005). الأنثروبولوجيا: أسس نظرية وتطبيقات عملية, الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.

[32] ) Mbozi P. (2000). The impact of negative cultural practices on the spread of HIV/AIDS in Zambia, in: Boafo S. & Arnaldo C. (Eds) Media and HIV/AIDS in East and Southern Africa: a resource book (Paris, UNESCO), 75-82.

[33] ) Stephen I. (2013). African Traditional Cultural Conundrums Which Make Women Prone to HIV/ AIDS Infections: A Case of the massai of Kenya, International Journal of Education and Research, 1(8): 1- 14.

[34] ) Leclerc S., Leickness C. & Cloete A. (2009). The Sociocultural Aspects of HIV/AIDS in South Africa, in: Rohleder P & et al. (eds.), HIV/AIDS in South Africa 25 Years On, Psychosocial Perspectives, Ch 2, London: © Springer Science & Business Media.

[35] ) Neo K., Nkosi S., Connie T., Saban A. & Charles D. (2013) . Review of Research on Alcohol and HIV in Sub-Saharan Africa, South African Medical Research Council, Policy Brief: February 2013, Retrieved from: http://www.mrc.ac.za/policybriefs/AlcoholSubSaharan.pdf .

[36] ) WHO (2011). Preventing HIV among sex workers in sub-Saharan Africa: A literature review, Retrieved from: http://whqlibdoc.who.int/publications/2011/9789241501279_eng.pdf .

[37] ) Clarence L. (2004). Traditional practices and HIV Prevention in Sub -Saharan Africa, Geneva: Foundation for Medical Education and Research

[38] ) منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (2011). استراتيجية اليونسكو بشأن فيروس ومرض الإيدز، المشروع النهائي، اليونسكو، باريس.

[39] ) Scott S. (2009). HIV/AIDS: Understanding Socio-Cultural Factors and their Influence on Sexual Behaviour and Decision Making in Africa, Journal of the Manitoba Anthropology Students Association, 28: 83- 93.

[40] ) Clarence L. (2004). Traditional practices and HIV Prevention in Sub -Saharan Africa, Geneva: Foundation for Medical Education and Research