كتب – حسام عيد

على مسار التحول إلى عصر الطاقة النظيفة، أصبحت جنوب أفريقيا اليوم في وضع جيد للاستفادة من سوق عالمي للهيدروجين الأخضر قد تصل قيمته إلى 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2050.

ويمكن لجنوب أفريقيا أن تصبح لاعبًا مهمًا في سوق الهيدروجين العالمية من خلال التصدير إلى البلدان التي تملك موارد طاقة متجددة محدودة لإنتاج الهيدروجين بشكل تنافسي.

البلاتين.. ووادي الهيدروجين

وتخطط جنوب أفريقيا لربط احتياطياتها الضخمة من البلاتين بسوق الهيدروجين الأخضر الذي يوصف بأنه فرصة الـ”تريليون دولار” في عالم الطاقة الخضراء.

ويعد البلاتين هو أحد المدخلات الرئيسية في تكنولوجيا خلايا وقود الهيدروجين، وهو قادر على تحمل درجات حرارة أعلى من المعادن الأخرى ومحفز لتوليد تيار كهربائي.

وتمتلك جوهانسبرج أكثر من 80% من احتياطيات البلاتين في العالم، عدا عن كونها موطنًا لأكبر شركات تعدين البلاتين في العالم، وبهذا تتحول هذه الثروات إلى ميزة تنافسية للتصنيع ذي القيمة المضافة.

وهناك شراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص تبحث في طرق لتحويل حزام البلاتين في البلاد إلى “وادي الهيدروجين”.

في أكتوبر، أصدرت الشراكة دراسة جدوى تحدد ثلاثة محاور هيدروجينية محفزة خضراء محتملة، وهي؛ محور جوهانسبرج مع دعامات تمتد إلى روستنبرج وبريتوريا المجاورتين، مركز ديربان ويشمل موانئ ديربان وخليج ريتشاردز، ومحور ثالث سيشمل الحزام البلاتيني عبر مقاطعتي ليمبوبو والشمال الغربي.

ويحتاج إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى أن يتم تشغيله بالطاقة الشمسية، وتتمتع جنوب أفريقيا ببعض من أفضل إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم، مما يجعلها في وضع يمكنها من بناء صناعة جديدة لخدمة الطلب المتزايد.

ويتم دمج الهيدروجين الأخضر بشكل متزايد كمصدر للطاقة، والسفن والطائرات والصناعة والسيارات. هناك العديد من الاستخدامات الأخرى لمنتجاته الثانوية، والتي تشمل الأمونيا والميثانول.

سوق جاهز للتمدد

في الوقت الحاضر، يعتبر أقل من 1% من الهيدروجين المنتج عالميًا أخضر، والباقي مصنوع عن طريق نزع الهيدروجين من الوقود الأحفوري مثل الميثان أو الغاز الطبيعي أو الفحم.

وتمتلك جنوب أفريقيا بالفعل القدرة على إنتاج الهيدروجين البني والأزرق، اللذين يستخدمان الوقود الأحفوري. وكانت البلاد قد أطلقت استراتيجيتها الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في مجال تقنيات الهيدروجين وخلايا الوقود (هيدروجين جنوب أفريقيا Hydrogen South Africa) في عام 2008.

لكن نشاط تغير المناخ وجه التركيز إلى الهيدروجين الأخضر. ويعتقد مجلس الاستثمار العالمي للبلاتين (WPIC) أن هذه الصناعة ستبلغ 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2050، وستدعم 30 مليون وظيفة.

ويقود النشاط المناخي مبادرة “منجنيق الهيدروجين الأخضر Green Hydrogen Catapult”، وهو تحالف عالمي لتسريع نطاق وإنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 50 ضعفًا على مدى السنوات الست المقبلة. كما يهدف ذلك التحالف أيضًا إلى خفض تكلفة الهيدروجين لأكثر من النصف لتصل إلى دولارين/ كيلوجرام (1.5 جنيه استرليني/ كيلوجرام) بحلول عام 2026.

ويقول توماس روس، الباحث في مركز جنوب أفريقيا للأبحاث العلمية والصناعية (CSIR)، إن اليابان التي تخطط لاستيراد ما يصل إلى 800 ألف طن سنويًا من المنتج اعتبارًا من عام 2030، يمكن أن تكون سوقًا لصادرات جنوب أفريقيا. ويشير إلى أن حصة 25% فقط من الطلب الياباني المتوقع ستكون قيمتها 600 مليون دولار في السوق.

فيما يحذر الخبراء من أن جنوب أفريقيا لا يمكنها التركيز على سوق التصدير فحسب، بل تحتاج أيضًا إلى تحفيز الطلب محليًا.

ويعتبر قطاع التعدين من الرواد في هذا المجال. وتقوم شركة أنجلو-بلاتينيوم لتعدين البلاتين ببناء محطة تعمل بالطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 75 ميجاوات في منجم موجالاكوينا للبلاتين بهدف توسيع قدرته إلى 320 ميجاوات من توليد الطاقة الشمسية. وسيتم استخدام الكهرباء الزائدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

جني الفوائد

اقتصاد الهيدروجين لا يخصّ جنوب أفريقيا فقط، بل العالم بأسره، لأنه يهيّئ انتقالًا عادلًا للطاقة، ويحقق الحياد الكربوني في سلاسل القيمة الصناعية المختلفة، ويوفر الأمن لإمدادات الطاقة.

وباتت جنوب أفريقيا مهيّأة للاستفادة من اقتصاد الهيدروجين العالمي، الآخذ في التطور، ويمكنها أن تصبح دولة مصدّرة للهيدروجين الأخضر المجدي اقتصاديًا للعالم.

كما لا تقتصر فائدة “الهيدروجين الأخضر” مصدر الطاقة الجديد على إمكانات عائدات التصدير وخلق فرص العمل فحسب -تقدر دراسة الجدوى ما بين 14-30 ألف وظيفة في السنة- ولكن أيضًا حقيقة أنه، كصناعة جديدة، لا يهدد المصالح السياسية المكتسبة والفحم الأحفوري في جنوب أفريقيا، كما فعلت الطاقة المتجددة. قد يمنح هذا القطاع الجديد فرصة ثمينة لتجنب التنظيمات المرهقة والمقيدة بينما يسعى إلى النمو ليصبح قوة تنافسية في الداخل والخارج.

لكن جنوب أفريقيا تواجه منافسة شديدة. الأرجنتين، على سبيل المثال، متقدمة بشكل جيد في هذا القطاع، حيث انضمت إلى شيلي والمملكة العربية السعودية. المغرب، أيضًا، في المجال ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تآكل الميزة التنافسية لجنوب أفريقيا من خلال موقعها الاستراتيجي بجوار السوق الأوروبية العملاقة.

إن اقتصاد الهيدروجين العالمي لم يكن مجرد حلم يتطور بمرور الوقت، ولكنه يكتسب زخمًا في أماكن مختلفة حول العالم، ومن المأمول في السنوات الـ5 المقبلة؛ بدء بيع وتصدير “هيدروجين جنوب أفريقيا” لدول مثل ألمانيا وغيرها.

وختامًا؛ تحتاج جنوب أفريقيا اليوم إلى التحرك بوتيرة متسارعة لاستغلال الميزة التنافسية الممثلة في إنتاج الهيدروجين الأخضر؛ وذلك لتأمين مكانها في التحول العالمي السريع في مجال الطاقة.

وعلى الصعيد القاري، سيتوقف أمل البلدان الأفريقية في بناء طاقة نظيفة للجميع، إلى حدّ كبير، على ما إذا كانت الحكومات المختلفة في القارّة تضع تدابير فعّالة للاستفادة من سلسلة القيمة المقترحة للطاقة.