كتب – حسام عيد

مع التركيز المصرفي الآن بشكل مباشر على تداول الأموال عبر الهاتف المحمول والمعاملات الرقمية، تجذب الفرص المثيرة المستثمرين من جميع أنحاء العالم إلى مجال التكنولوجيا المالية في أفريقيا.

لقد تمثلت إحدى تداعيات وباء “كوفيد-19” في تنامي اتجاه البنوك البنوك نحو خفض التكاليف والرقمنة، حيث بات العملاء يديرون معاملاتهم على هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم بدلًا من الانتظار في طوابير بفروع البنوك المزدحمة. وهذا بدوره وضع التركيز بشكل مباشر على الأموال عبر الهاتف المحمول والتكنولوجيا المالية والعملات الرقمية.

واليوم، تتنافس البنوك وشركات التكنولوجيا المالية على المناصب، وفي بعض الأحيان تعمل معًا، كما تتنافس بشكل مكثف لتعيين كبار موظفي تكنولوجيا المعلومات.

وتركز غالبية “الشركات اليونيكورن” الناشئة حديثًا في أفريقيا -شركات التكنولوجيا التي تزيد قيمة كل منها عن مليار دولار- على المدفوعات الرقمية. وتجاوزت قيمة شركة “إنترسويتش Interswitch” النيجيرية، التي تقدم بطاقات الدفع والمدفوعات الرقمية وتعالج معظم المعاملات المصرفية الإلكترونية والحكومية وكذلك معاملات الشركات في نيجيريا، المليار دولار في عام 2019.

فيما قُدرت قيمة مواطنتها ” فلوتر ويف Flutterwave” بمليار دولار بعد إغلاق تمويل قدره 170 مليون دولار في عام 2021. وتقدم الشركة شراكات مع شركة “فيزا Visa” ومع عملاق التجارة الإلكترونية الصيني “علي باي Alipay” (جزء من علي بابا Alibaba) للمدفوعات الرقمية بين الصين وأفريقيا. وتقدم شركة “فوري” في مصر خدمات مالية للعملاء والشركات من خلال 225 ألف موقع وتوفر تجارة إلكترونية مع 29 مليون مستخدم شهريًا و3.1 مليون معاملة يوميًا.

وهناك شركات تكنولوجيا مالية أخرى ذات قيمة عالية منتشرة في الأسواق الأفريقية، منها؛ “أو باي OPay” و”ويف Wave” و”باجا Paga” و”باي ستاك Paystack”.

نيجيريا تنتزع تاج كينيا

اكتشف المستثمرون من وادي السيليكون إلى الصين “علة” التكنولوجيا المالية الأفريقية. وبحسب مجلة “أفريكان بيزنس”، تستقطب لاجوس نصيب الأسد من الاستثمارات بعد الاستحواذ على تاج نيروبي كقائد للثورة التكنولوجية في أفريقيا، حيث تجذب نيجيريا المستثمرين بكونها سابع أكبر عدد من السكان في العالم.

ولكن هناك العديد من العمليات غير الفعَّالة التي يجب تحسينها و95% من المعاملات لا تزال نقدًا، مما يستلزم تكاليف ضخمة بما في ذلك الحاجة إلى وجود فروع مصرفية كبيرة لتخزين النقود. وما يقرب من 36% من النيجيريين البالغين لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى الخدمات المالية.

في أكتوبر 2020، استحوذت شركة “سترايب Stripe” العملاقة للمدفوعات ومقرها الولايات المتحدة وأيرلندا على شركة المدفوعات النيجيرية “باي ستاك Paystack” مقابل 200 مليون دولار نقدًا وأسهم، مما أتاح مخرجًا للمستثمرين الأوائل مثل “فيزا Visa” و”تينسنت Tencent” الصينية.

ووفقًا لـ”ميتشل إليجبي”، الرئيس التنفيذي لشركة “إنترسويتش Interswitch”، يمثل الاستثمار دائرة تنافسية متجددة. “لاجوس… تتميز بالطاقة الشابة وريادة الأعمال، فضلًا عن التوافر السخي للمواهب التقنية”. وقال لصحيفة “فاينانشيال تايمز” في سبتمبر 2020، إن التدفق المستمر للمشاريع الناجحة التي اجتذبت مبالغ مناسبة من تمويل رأس المال الاستثماري يستمر في العمل كمحفز يؤجج صعود الشركات الناشئة.

ويتجنب بعض رواد الأعمال ومقدمي الخدمات الأفارقة الأعمال المصرفية والعملات تمامًا، ويدفع العملاء الدوليين بعملة البيتكوين المشفرة.

قد تكون عملة البيتكوين متقلبة ويصعب فهمها، لكن العديد من العملات الأفريقية تقدم أيضًا تكاليف معاملات عالية، وتضخمًا وتنظيمًا لا يمكن التنبؤ بهما، ونقصًا في العملة مقرونًا بأسعار صرف مرتفعة بشكل مصطنع يمكن أن تنخفض قيمتها فجأة. وتقول شركة “باكسفول Paxful” لصرافة العملات المشفرة من نظير إلى نظير إن ثلث مستخدميها موجودون في أفريقيا بينما يشكل 1.5 مليون مستخدم في نيجيريا أكبر سوق. وتقول بورصة أخرى محلية متخصصة في تداولات بيتكوين، إن معظم عملائها موجودون في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وروسيا.

وقالت كيم جرور، مديرة الأبحاث في شركة تحليل بيانات العملات المشفرة “تشين آناليسيز Chainalysis” في تصريحات لصحيفة فاينانشيال تايمز في 6 سبتمبر الجاري، “هناك الكثير من التجارة التي تحدث بين الصين ونيجيريا واستيراد السلع باستخدام العملات المشفرة، لأن سياسة الصرف الأجنبي قد حرمت رجل الأعمال اليومي الذي لا يملك مبلغًا هائلاً من المال من الدخول في التجارة الدولية”.

وتبلغ تكاليف استخدام العملات المشفرة للتحويلات من الخارج إلى أفريقيا 1% – 3%، مقارنة بتقدير البنك الدولي البالغ 9% أو أكثر باستخدام وكالات التحويلات التقليدية لإرسال 200 دولار. ومع ذلك، فإن شركات التكنولوجيا مثل “وايز Wise”، التي بلغت قيمتها 11 مليار دولار عند إدراجها في لندن في يوليو، تعمل على خفض تكلفة التحويلات الرقمية بالعملات التقليدية.

نيجيريا تطلق عملة رقمية

في نيجيريا البنوك مقيدة بسبب لوائح صارمة. وفي فبراير 2020، أصدر البنك المركزي النيجيري توجيهًا تم تفسيره على نطاق واسع على أنه حظر تام لتداول العملات المشفرة. ومع ذلك، في مارس 2021، أوضح نائب محافظ البنك المركزي، أدامو لامتيك، موقف البنك، قائلاً؛ إنه لم يثن الأفراد عن التداول، لكن البنوك مُنعت من تسهيل معاملات العملة المشفرة.

وبعد ستة أشهر، انضم البنك المركزي النيجيري إلى بنوك مركزية أخرى في جميع أنحاء العالم متحمسة لفرص تأسيس “البنك المركزي للعملات الرقمية”، ملمحًا إلى مشاريع شجاعة جديدة للبنوك التي تنظم تلك العملات.

وفي حديثه في المؤتمر السنوي الرابع عشر للخدمات المصرفية والمالية في أبوجا في 14 سبتمبر 2021، أعلن محافظ البنك المركزي النيجيري جودوين إميفيل، أن البنك المركزي يعمل على نشر عملة رقمية للبنك المركزي “إي نايرا e-Naira” للمساعدة في تحقيق أهداف الحكومة المتمثلة في تعزيز المزيد من الشمول باستخدام القنوات الرقمية، ودعم المدفوعات عبر الحدود للأعمال والشركات بالإضافة إلى توفير قناة موثوقة لتدفقات التحويلات إلى البلاد، وعند نشرها بالكامل، ستضمن عملة “إي نايرا” الرقمية أن النيجيريين في المناطق النائية يمكنهم إجراء الأنشطة المالية عبر الاستخدام الرقمي لأجهزة هواتفهم.

وتبحث بعض البنوك في كيفية عمل عملات البنوك المركزية الرقمية معًا. ويتحد بنك الاحتياطي في جنوب أفريقيا، وبنك الاحتياطي الأسترالي، وبنك نيجارا ماليزيا “البنك المركزي”، والسلطة النقدية في سنغافورة لاختبار استخدام عملات البنوك المركزية الرقمية في التسويات الدولية. الهدف هو تطوير نماذج أولية تسمح للمؤسسات في الدول الأربع باستخدام العملات الرقمية وتكنولوجيا البلوك تشين (blockchain) لإجراء مدفوعات رخيصة وفورية بعملات مختلفة.

تعاون البنوك مع شركات الاتصالات

وتواصل البنوك التعاون مع شركات الاتصالات ومقدمي خدمات النقود عبر الهاتف المحمول -أنشأت بعض البنوك شركات اتصالات، وتقدمت بعض شركات الهاتف بطلب للحصول على تراخيص مصرفية في الأسواق الرئيسية مثل كينيا. وارتفع الشمول المالي في كينيا من 27% إلى 83% خلال العقد حتى عام 2020، مدفوعًا إلى حد كبير بشركات الاتصالات، بما في ذلك خدمة “إم بيسا M-Pesa” من شركة “سفاري كوم Safaricom”.

وكانت لنيجيريا بداية واعدة في عام 2011 عندما أطلقت البنية التحتية للمدفوعات الفورية، وفي عام 2014 أنشأت تعريفًا مصرفيًا بيومتريًا مركزيًا يسمى رقم التحقق المصرفي، مما يسهل على البنوك وشركات التكنولوجيا المالية استقطاب العملاء وإخضاعهم للفحوصات التنظيمية. على الرغم من الموافقة على بعض التراخيص لبنوك خدمة الدفع الجديدة، فقد أبقى البنك المركزي النيجيري على شركات الاتصالات “إم تي إن MTN” (73 مليون مشترك) و”إيرتيل Airtel” في انتظار تراخيص “بنوك خدمة الدفع الجديدة” لمدة ثلاث سنوات.

وتجتمع البنوك وشركات التكنولوجيا المالية معًا في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، حيث تهدف البنوك إلى تقديم تجارب أفضل للعملاء من خلال تفويض الجهات الخارجية للوصول إلى البيانات المالية للعملاء. ويقدم البنك واجهات برمجة التطبيقات ويمكن لمقدمي الخدمات إنشاء خدمات مثل التطبيقات المصرفية مع التحليلات التفصيلية أو الأدوات لإرسال الأموال باستخدام الهاتف المحمول. وتغطي التطبيقات المصرفية المفتوحة المدفوعات والإقراض والتحقق من العملاء والإعداد.

وتعد الخدمات المصرفية المفتوحة موضوعًا ساخنًا لمنظمي البنوك. على سبيل المثال، لدى البنك المركزي الكيني بنية تحتية مفتوحة كهدف رئيسي لوثيقة استراتيجية 2021-25. ينصب التركيز على الأمن وإدارة المخاطر والمعايير وحماية المستهلك وحماية البيانات والخصوصية.

في جنوب إفريقيا، يستثمر كل من “نيدبانك Nedbank” و”أبسا Absa” في الخدمات المصرفية المفتوحة. وأطلقت البنوك الكينية مثل “إيكويتي” و”كو أوبريتيف” واجهات برمجة التطبيقات.