كتب – محمد الدابولي

في خطوة متوقع حدوثها منذ شهور قليلة ماضية، أقدمت طغمة عسكرية في جمهورية غينيا “كوناكري” على الانقلاب على الرئيس “ألفا كوندي” المـُعاد انتخابه حديثًا لولاية ثالثة، لتعود البلاد إلى وضعٍ أَلِفَتْه منذ استقلالها في ستينيات القرن الماضي وإلى اليوم، إذ دائمًا ما تكون الانقلابات العسكرية هي الأداة الفعالة في تحقيق تداول السلطة بغينيا.

عشرة شهور تقريبًا مثّلت الحاجز الزمني بين الانتخابات -التي جرت رحاها في أكتوبر 2020- وبين الانقلاب -الذي تم في 5 سبتمبر 2021- لكن شتان بين ردود الأفعال في كلا الحالتين؛ ففي أثناء وأعقاب الانتخابات الماضية اندلعت العديد من أعمال العنف والتراشق السياسي بين الحكومة والمعارضة وتبادل الاتهامات بالتزوير، واتجاه كل مرشح إلى الإعلان عن نتائج الانتخابات ليقر نفسه فائزًا وسط غياب حقيقي لدور اللجنة الرسمية المنوط بها الإشراف على الانتخابات وضبطها، أما اليوم ففي أعقاب الانقلاب سرت حالة من التفاؤل والسرور في صفوف المعارضة التي عبّرت عن ذلك عبر مسيرات عفوية جابت بها شوارع العاصمة كوناكري.

انقلاب هادئ

لم يشهد انقلاب غينيا الأخير صخبًا عاليًا ولا عمليات اقتتال بين قوات الانقلاب وقوات الحرس الرئاسي؛ إذ خرج بيان عسكري أعلنه قائد في الجيش ذو رتبة متوسطة “الليفتنانت كولونيل مامادي دومبويا”، معلنًا احتجاز الرئيس ووقف العمل بالدستور وحل الحكومة وإغلاق الحدود وفرض حظر تجوال وإبدال حكام الولايات بعناصر عسكرية، كما أفادت الأنباء والمعلومات أن جزيرة كالوم في مدينة كوناكري والتي تعد الثقل السياسي الأول في البلاد حيث الوزرات والقصر الرئاسي تمت السيطرة عليها من قبل قوات الانقلاب ومنعت دخولها لحين إشعار آخر.

 مرفق بهذا الإعلان فيديو قصير للرئيس المخلوع ألفا كوندي وسط بعض العسكريين مرتديًا سروالًا من الجينز حافي القدمين في مشهد لا يليق بالمرة بحاكم أفريقي، ذكّرنا بعملية القبض على الرئيس الإيفواري السابق لوران جباجبو في أبريل 2011.

حضور باهت

بات الاتحاد الأفريقي مغلول اليد أمام حالة عدم الاستقرار السياسي التي تضرب معظم الدول الأفريقية، فبعد الانقلاب بسويعات معدودة أخرج بيانه المعتاد الرافض للتغيير غير السلمي للسلطة مطالبا بعودة الرئيس “كوندي” إلى منصبه.

منذ تأسيسيه في عام 2002، ومجلس السلم والأمن الأفريقي في عام 2004 لم يخرج الاتحاد الأفريقي بخطة عمل متكاملة تهدف إلى وأد التغييرات غير السلمية للسلطة، كما لم يَبْرُز مفهوم خاص بعملية الاستقرار السياسي وتداول السلطة والديمقراطية من منظور أفريقي، خاصة مع تتالي الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة؛ فخلال عام واحد (أغسطس 2021 – سبتمبر 2021) جرت أربع محاولات انقلابية، ثلاثة منهم تم لهم النجاح وهم انقلابا مالي مايو 2021 وأغسطس 2021، وانقلاب غينيا سبتمبر 2021، وفشل واحد هو انقلاب نيجيريا في بداية العام الجاري، كما جرت تصفية الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي في أبريل 2021، فيما يخوض رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد معارك ضارية مع جبهة تحرير تيجراي التي تهدف إلى إزاحة أبي أحمد عن السلطة.

وجدير بالذكر أن الأزمة الغينية منذ بدايتها عمل الاتحاد الأفريقي والإيكواس على تسكينها بشكل مؤقت بعيدًا عن التوصل إلى حل نهائي للأزمة، ففي أعقاب الانتخابات ضغط الاتحاد الأفريقي على ممثل المعارضة “ديالو” لأجل الاعتراف بنتائج الانتخابات دون النظر إلى مدى مشروعية تلك الانتخابات.

جذور الانقلاب

غينيا دولة متعددة الانقلابات، منذ استقلالها لم تشهد عملية تداول للسلطة بشكل سلمي سليم، كما منيت بخيبة أمل كبرى في رئيسها المعزول ألفا كوندي الذي كان يعد ليكون أول رئيس يتسلم السلطة بشكل سلمي في البلاد، فالرئيس كوندي أتى بعد مرحلة اضطرابات سياسية شهدتها البلاد عام 2009، عقب وفاة رئيسها الراحل “لانسانا كونتي” في 22 ديسمبر 2008 وحدوث انقلاب عسكري عقب وفاته بقيادة “موسى كمارا” ودخول البلاد في أتون مرحلة انتقالية صاخبة انتهت بأول انتخابات رئاسية في عام 2010 فاز بها الرئيس المعزول ألفا كوندي.

رغم أن الانقلاب يبدو من الصورة الظاهرية أمرًا غير مرحب به وداعمًا لانعدام الاستقرار السياسي إلا أنه في التجربة الغينية يعد أمرًا معتادًا عليه في الحياة السياسية في كوناكري وذلك للأسباب التالية:

– انعدام ثقافة تداول السلطة: تعد غينيا من الدول الأفريقية التي ترتفع فيها حالة انعدام ثقافة تداول السلطة بشكل سلمي، فتقريبًا منذ نشأتها في الستينيات وإلى اليوم تواتر على رئاستها العديد من الرؤساء المنقلبين على سلفهم مثل الرئيس الثالث للبلاد لانسانا كونتي والنقيب موسى داديس كمارا.

– سيطرة الرجل الواحد: يتميز نظام الحكم في كوناكري بأنه حكم الفرد الواحد؛ فالرئيس دائمًا هو المتحكم في كل شيء ويسعى إلى تمديد سلطانه إلى أبعد فترة زمنية متحكمًا بجميع مقدرات الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويتضح ذلك في فترات حكم أحمد سيكتوري (1960- 1984) وكذلك لانسانا كونتي (1984- 2008) وأخيرًا الرئيس ألفا كوندي (2010- 2021).

 – إهدار القيم الدستورية: تعود البداية الحقيقية للانقلاب الأخير في شهر مارس 2020 حيث تم إهدار قيمة الديمقراطية التي أكد عليها الدستور الغيني بضرورة تحقيق تداول السلطة بشكل سلمي والاكتفاء فقط بولايتين رئاسيتين لكل رئيس، لكن الرئيس وقتها ألفا كوندي دفع بإجراء تعديلات دستورية في مارس 2020 تسمح له بالترشح لولاية ثالثة مستغلًّا أزمة تفشي وباء كورونا في تمرير تلك التعديلات.

–  الفشل في إدارة الانتخابات: فجّرت الانتخابات الماضية حالة من الغضب في الشارع السياسي الغيني بعد فشل اللجنة المستقلة للانتخابات في إدارة العملية الانتخابية بسلاسة وسلمية ونزاهة؛ إذ واكبت الانتخابات الماضية اتهامات للجنة بالفشل وانحيازها لصالح المرشح ألفا كوندي، مما دعا مرشح المعارضة حينها “سيلو دالين ديالو” إلى إعلان فوزه بالانتخابات وتوجيه اتهامات للجنة المنظمة للانتخابات بالتزوير في نتائج الانتخابات.

سيناريوهات محتملة

إزاء التوترات الجديدة في غينيا فإن ثمة سيناريوهات متعددة تنتظرها غينيا ومنطقة غرب أفريقيا نظرًا لكون دول المنطقة متداخلة إثنيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، من أبرزها:

علو التوترات الإثنية: إبان الانتخابات الماضية تصاعدت التوترات الإثنية في البلاد، وكذلك أزمة جماعة الفولاني المنتمي إليها مرشح المعارضة “ديالو”، وتم تبادل الاتهامات بين الرئيس المعزول ألفا كوندي، ورئيس سيراليون “محمد جولديه جالو” حول دعم سيراليون للجماعات المتمردة في غينيا، لذا من المتوقع أن ترتفع حدة التوترات الإثنية في مطالبات جماعة الفولاني بالتمكين السياسي والاقتصادي في البلاد.

– دومينو الانقلابات: يعد الانقلاب الأخير هو الرابع خلال عام واحد فقط في غرب أفريقيا، ومعه سوف تتصاعد حمى الانقلابات في غرب أفريقيا، خاصة في الدول التي تتشابه سياسيًّا مع غينيا كساحل العاج التي لجأ رئيسها هو الآخر إلى إجراء تعديلات دستورية تضمن له البقاء في السلطة مددًا طويلة، كما تشهد دول كالسنغال وغانا اضطرابات سياسية تجعل من شبح الانقلابات العسكرية أمرًا محتملًا في كلا الدولتين.

– ما بين النموذج المالي والنموذج الغيني: ينحصر الحديث حول مستقبل النظام السياسي في البلاد بين النموذجين المالي والغيني؛ فالنموذج الأخير تمت تجربته في البلاد إبان انقلاب النقيب موسى كمارا في ديسمبر 2008 والذي نجح في إدارة المرحلة الانتقالية التي انتهت بإجراء الانتخابات الوطنية وفو ألفا كوندي بها عام 2010، أما النموذج الآخر فهو النموذج الذي قدمته انقلابات مالي الأخيرة؛ إذ ستعمل دزينة من العسكريين على إدارة المشهد السياسي في البلاد من بعيد، أي أن السلطة العسكرية لهؤلاء المنقلبين ستكون بمثابة الوصي على السلطة، وهو ما حدث في انقلاب مالي أغسطس 2020، والذي نجح في تسليم السلطة في نفس العام، لكن سرعان ما أطاح بالسلطة المدنية مرة أخرى في مايو 2021.

– الحرب الباردة بين فرنسا وروسيا: يشكل الانقلاب الأخير رقمًا هامًّا في ظل حرب النفوذ الدائرة بين فرنسا وروسيا في أفريقيا، فغينيا خلال فترة حكم ألفا كوندي شهدت نموًّا ملحوظًا للدور الروسي، تمثل في سيطرة شركة روسال الروسية على عمليات استخراج البوكسيت وصناعة الألومنيوم في مدينة سونفونيا، وخلال الانتخابات الأخيرة تعرضت الشركة الروسية لهجمات من قبل المعارضين، كما تم قطع الطرق المؤدية إلى مدينة سونفونيا، ومما يزيد احتمالية أن يكون الانقلاب الأخير حلقة في الصراع بين الدولتين هو أن قائد الانقلاب ممادي دومبويا كان ضابطًا سابقًا في الجيش الفرنسي حتى عام 2018، وعاد إلى غينيا ليترأس وحدات القوات الخاصة في البلاد، كما نفذ العديد من العمليات لحساب الجيش الفرنسي في العديد من المناطق في أفغانستان وجيبوتي وساحل العاج وأفريقيا الوسطى.– سيطرة إسرائيلية تامة: يمثل الانقلاب الأخير ثمرة التواجد العسكري الإسرائيلي للقارة الأفريقية، فقائد الانقلاب دومبويا نال تدريباته القتالية التخصصية في إسرائيل، فخلال السنوات الماضية دأبت إسرائيل على تدريب القوات الخاصة للدول الأفريقية، خاصة المتعلقة بالحرس الرئاسي لتلك الدول.