كتبت – أماني ربيع

أفريقيا، تلك القارة الرائعة، حيث الطبيعة في أكرم صورها وأجملها، لا تبخل على المغامرين بما تحويه من مواقع خلابة متنوعة، بين المناظر الطبيعية، والصحاري المدهشة، والتراث والتاريخ الأصيل.

وإذا وقع اختيارك على أفريقيا من أجل رحلة سياحية، فحتما ستجد الكثير والكثير من الأماكن التي يمكنك زيارتها، من الآثار القديمة إلى النصب التذكارية للأحداث التاريخية الحديثة إلى المتاحف والغابات المفتوحة، ونقدم لك اليوم مجموعة من الاختيارات المتنوعة التي ستنال إعجابك بكل تأكيد.

Olduvai Gorge (أولدوفاي جورج) في تنزانيا

يُعد Olduvai Gorge، الذي يُشار إليه غالبًا باسم Cradle of Mankind، واحدا من أروع وأهم المواقع الأثرية والأنثروبولوجية القديمة في العالم.

اشتهر هذا الموقع عن طريق عالمَي الأنثروبولوجيا القديمة لويس وماري ليكي، اللذين أجريا العديد من أعمال الحفر هناك في منتصف القرن العشرين، ويشتهر هذا الموقع بحفريات أشباه البشر المكتشفة فيه، ويحمل أقدم دليل على وجود أسلاف البشريين.

عمر المكان يتراوح من 2.1 مليون إلى 15000 سنة، ويشمل البقايا الأحفورية لأكثر من 60 نوعا من أسلاف البشر، ويوفر سجلا ثريا حول ما يتعلق باستمرار التطور البشري على مدار المليوني عام الماضية، كما يعد أطول سجل أثري معروف لتطور الأدوات الحجرية.

يقع موقع Olduvai Gorge، بين نورونجورو كارتر، ومنتزه سيرنجيتي الوطني، ويعد نقطة جيدة للتوقف إذا ما كنت على طريق السفر بين المنطقتين، ويفضل اصطحاب مرشد مقيم من المكان لشرح محتويات الموقع وتاريخه، وهناك لوحة معلومات تشرح تفاصيل المكان.

الأهرامات.. مصر

لا توجد قائمة للأماكن السياحية المرشحة للزيارة تخلو من الأهرامات، كلمة هرم وحدها كفيلة باستحضار الحضارة المصرية بكل رموزها إلى الأذهان، وبالتأكيد لن تكتمل رحلتك حول أفريقيا دون زيارة أهرامات الجيزة الشاهدة على أحد أول وأكبر الحضارات في التاريخ منذ آلاف السنين.

حركت الثلاث أبنية الحجرية المثلثة القوية والصامدة، فضول الكثيرين لعقود طويلة، بفضل هندستها المثالية، وشكلها الذي يبعث الرهبة، وأيضا حجمها المثير للإعجاب.

الأهرامات واحدة من أعظم الألغاز والعجائب في كل العصور، ولا يزال العلماء حتى الآن حائرين، وغير متأكدين تماما، من كيفية قيام المصريين القدماء منذ آلاف السنين بتحريج وتجميع هذه الصخور الضخمة ورفعها لبناء الأهرامات، إنها أحد أجمل وأكثر الأبنية التي تم بناؤها على الإطلاق، تقف أمامها في تقدير لقوة وتنظيم العمل في مصر القديمة.

والأهرامات الثلاث، جميعها شيدت كمقابر للفراعنة، على يد آلاف العمال، هرم خوفو هو الأقدم والأكبر، وقد بني من 2.3 مليون كتلة من الحجر ويزيد وزنه عن ستة ملايين طن.

وتم بناء الهرم الثاني للفرعون خفرع، ونهبت جميع كنوزه منذ فترة طويلة، لكن تابوت الفرعون لا يزال في حجرة الدفن، والهرم الأصغر منكاورع.

وفي المنحدر، يجلس أبوالهول، الحارس القديم للأهرامات، لغز آخر يشبه أسدا يجلس وكفاه ممدوتان وجسمه العضلي منحوت من الحجر، ووجه يحدق في الأفق بثبات، كل هذا الجمال، مرت عليه الزلازل والعواصف والأمطار ولا يزال رائعا يشع بهاء.

بعد زيارة الأهرامات، يفضل تخصيص باقي اليوم لزيارة المتحف المصري بوسط القاهرة حيث قناع توت عنخ آمون وكنوز مقبرته، والمتحف القومي للحضارة المصرية في منطقة عين الصيرة، هناك ستجد الآلالف من القطع الأثرية من مصر القديمة مشغولات ذهبية ومنحوتات حجرية رائعة في تفاصيلها.

بإمكانك الحصول على منظر بانورامي رائع للأهرامات، ويفضل استئجار عربة يجرها حصان أو جمل لرؤية الأهرامات من الصحراء.

أطلال زيمبابوي العظمى.. زيمبابوي

تعتبر أطلال زيمبابوي العظمى أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو ، وهي واحدة من الجواهر الخفية في القارة، وهي بقايا جرانيتية واسعة لمدينة قديمة من العصر الحديدي تقع في التلال الجنوبية الشرقية من زيمبابوي.

تم بناء الأطلال المترامية الأطراف في زيمبابوي العظمى بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر، وهي الأكبر في أفريقيا جنوب الصحراء، تعرض الأسوار والأبراج والمباني العملاقة للمدينة المدمرة بعض الهندسة المعمارية الرائعة، والتي يعتقد أنه في أوج تاريخها كانت القلب الاقتصادي والسياسي والديني لمملكة عظيمة، لم يستدل عليها حتى الآن.

وتعد أطلال زيمبابوي مكانا غامضا، الكثير عن أكبر هيكل قديم جنوب الصحراء لا يزال مجهولا، لكن ما هو مؤكد هو مستوى المهارة المطلوبة لبناء أعمال حجرية مذهلة، حيث يبلغ سمك بعض الجدران 20 قدمًا وارتفاعها 36 قدمًا، ويتردد في المكان صدى ذكريات الإمبراطورية المفقودة، حيث يُعتقد أن ما يصل إلى 20000 شخص عاشوا هناك في زمن ما.

بينما تمشي عبر ممراتها ومرفقاتها الضيقة، ستشعر بتقدير عميق للحرفية المدهشة، سيجعلك هذا تفكر في مدى أهمية هذا المكان من قبل، وتتساءل عن نهايته المحيرة، وكيف انتهى مركز قوة مزدهر ومملكة غنية من تجارة الذهب والعاج بعد أربعة قرون، البعض يرجع تدهور المملكة القديمة بسبب الجفاف أو الرعي الجائر، ما حولها إلى منطقة غير صالحى للسكن، ولا يزال اللغز باقيا.

وهناك ثمانية طيور منحوتة من الحجر الأملس، تمثل نسر باتيلور أو نسر السمك الأفريقي، وجدت في أطلال زيمبابوي العظمى، واليوم أصبحت الشعار الوطني لزيمبابوي.

لاليبيلا.. إثيوبيا

لاليبيلا، هي إحدى أشهر المواقع الأثرية في إثيوبيا، والموقع عبارة عن كنائس محفورة في الصخر يعود تاريخها إلى أواخر القرن الثاني عشر وبدايات القرن الثالث عشر، المكان زاخر بالأنفاق الملتوية والهندسة المعمارية المتقنة، والساحات المهيبة.

تقع الكنائس الـ 11 القديمة في لاليبيلا في شمال وسط إثيوبيا، وهي من الأماكن المهمة في التقاليد المسيحية الإثيوبية، من بين الكنائس الـ 11 ، هناك «بيت مدهان»، وهي أكبر كنيسة، و«بيت جلجثة»، التي تحتوي على قبر الإمبراطور لاليبيلاس، و«بيت مريم»، التي تشتهر بلوحاتها الجدارية، الجميلة ذات الألوان الرائعة، رغم مرور قرون على بنائها.

لا تزال هذه الكنائس قيد الاستخدام اليومي، وفي أيام الأعياد تمتلئ بالمصلين، تستمر الصلوات طوال الليل ويرافقها قرع الطبول والهتاف وقرع الأجراس.

يعتبر الكثيرون هذه الكنائس ذات الهندسة البنائية المذهلة، عجيبة الدنيا الثامنة غير الرسمية، تم نحتها يدويا في التلال الصخرية البركانية، لذا تعد أحد أروع المواقع التاريخية، ليس في أفريقيا فقط، ولكن في العالم.

يجب خلع الأحذية قبل دخول أي من الكنائس، ويُطلب من النساء تقليديا، تغطية أجسادهن بفستان طويل، وشعرهن وشاح قبل دخول الكنيسة، ولم تعد هذه العادة مفروضة بشكل صارم، لكن يفضل الالتزام بها احتراما للمكان.

بيت العجيب.. زنجبار.. تنزانيا

بيت العجيب، المعروف أيضًا باسم بيت العجائب، هو أحد أشهر المعالم التاريخية في زنجبار، أصبح المكان مدرجا على لائحة التراث العالمي منذ عام 2000، ويقع في منطقة الواجهة البحرية للمدينة، وهو أكبر مبنى في ستون تاون، وأيضًا أطول مبنى.

تم بناء القصر عام 1883 للسلطان برغش، في موقع قصر قديم كانت تستخدمه الملكة فطومة، التي حكمت زنجبار في القرن السابع عشر، وكان بيت العجيب أول مبنى في زنجبار تم تركيب الإضاءة الكهربائية فيه، وواحد من أوائل المباني في شرق أفريقيا التي تمتلك مصعدًا كهربائيًا، ولهذا أطلق عليه السكان المحليون اسم بيت العجائب.

نجا المبنى من الدمار بسبب القصف خلال انقلاب فاشل في القرن التاسع عشر واستخدمته الحكومتان البريطانية والتنزانية كمقر سياسي.

تم تحويل بيت العجائب إلى متحف، ويمكن للزوار استكشاف الأراضي حوله، أو التجول في القاعات الكبرى للمبنى لمشاهدة الملابس التقليدية والصور الملكية التاريخية والأثاث القديم المأخوذ من منازل السلاطين السابقين .

 تعد زيارة بيت العجائب نافذة على الثقافة المحلية والتاريخ الغني لكل من الجزيرة والأرخبيل والساحل في زنجبار.

نجا المبنى لسنوات طويلة من عوامل الطقس، ويخضع حاليا للترميم، بعد انهيار جزء من واجهته في ديسمبر عام 2020، وسيتم إعادة بناؤه لإعادة افتتاح الجزء الداخلي للزوار مرة أخرى.

كولمانسكوب، Kolmanskop.. ناميبيا

تم العثور على كولمانسكوب في الصحراء،على بعد 9 أميال شرق مدينة ميناء لوديريتز، وأصبحت تلك المدينة واحدة من أغنى المدن في أفريقيا خلال طفرة الماس في عام 1910، لكن تم التخلي عنها بعد 40 عامًا، وتُركت لتصبح مدينة أشباح في الصحراء.

كانت كولمانسكوب محطة سكة حديد صغيرة عندما وجد عامل سكة حديد في عام 1908 حجرًا لامعًا وأخذه إلى رئيسه، طلب رئيس عمال السكك الحديدية، وهو متخصص في علم المعادن، من عماله إحضار أي حجارة مثيرة للاهتمام وجدوها.

واكتشفوا أن الحجر اللامع ألماس، لم يبق الاكتشاف سرا لفترة طويلة، وفي غضون سنوات قليلة أصبحت كولمانسكوب أغنى مدينة في أفريقيا وواحدة من أغنى مدن العالم، وبحلول عام 1911 ، كانت المدينة تمتلك طاقة كهربائية ومنازل حجرية فاخرة، بالإضافة إلى كازينو، ومدرسة، ومستشفى، ومصنع ثلج، ومسرحًا، وقاعة رقص، وقاعة رياضية، وصالة بولينج، ومسبحًا، وغيرها من متطلبات الرفاهية، وكل ذلك من أجل عدد سكان أقل من 400 شخص.

وكان لدى مستشفى كولمانسكوب أول جهاز أشعة سينية في جنوب أفريقيا، ويُعتقد أنه قد تم تركيبه للتحقق من العمال الذين ربما ابتلعوا الماس، وخططوا لتهريبه.

وبحلول الحرب العالمية الأولى، انهار سعر الماس، وفي عام 1928 تم اكتشاف مواقع تنقيب أكثر ربحية في الجنوب، لذلك توقف التعدين حول كولمانسكوب، وتم التخلي عن المدينة، واستعادت الصحراء أراضيها المفقودة، ودفنت المدينة في كثبان رملية متحركة.

مرت كولمانسكوب ببعض الازدهار الاقتصادي عندما أعيد اكتشاف الإمكانات السياحية لمدينة الأشباح، وتم انتشال بعض المنازل من الرمال وترميمها، وهي الآن مفتوحة للزوار.

متحف الإبادة الجماعية.. كيجالي.. رواندا

تمتلك رواندا ماضيا مؤلما ومعقدا، ففي عام  1994، مرت البلاد بكارثة إنسانية مروعة، حيث قُتل أكثر من مليون من عرقية التوتسي والهوتو المعتدلين بشكل منهجي على يد جيرانهم الهوتو على مدار 100 يوم بطريقة وحشية وصلت إلى حد الإبادة الجماعية.

ويُعد النصب التذكاري للإبادة الجماعية هو أهم موقع في عاصمة البلاد، كيجالي، تم افتتاحه في عام 2004 للاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية ، ولا يزال مكانًا للتعليم وسجلًا تاريخيًا لتلك المأساة.

النصب التذكاري هو جزء من متحف ومدفن لأكثر من 250000 ضحية، يشرح هذا النصب كيف مهد تاريخ البلاد المسرح للإبادة الجماعية المروعة، وكيف بدت تلك الفظائع ، وكيف تسعى البلاد الآن جاهدة للتوحيد وإعادة البناء.

على الجدران الداخلية، تدفعك صور ضحايا الإبادة إلى البكاء، وفي الهواء الطلق، حديقة تذكارية لتكريم لضحايا المدفونين هنا.

يوجد أيضًا نصب تذكاري للأطفال ومعرض عن تاريخ عنف الإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم،  واللافت أن العديد من المرشدين السياحيين الذين يأخذون الزوار في جولات عبر النصب التذكاري هم أنفسهم من الناجين من الهجمات.

جزيرة روبن.. جنوب أفريقيا

روبن هي جزيرة صغيرة تقع قبالة ساحل كيب تاون بجنوب أفريقيا، استُخدمت الجزيرة كمكان للسجن والنفي والعزل لمدة أربعة قرون تقريبًا، لكنها اشتهرت بإيواء أنصار جنوب أفريقيا المناهضين للفصل العنصري، بما في ذلك الرئيس السابق، الراحل نيلسون مانديلا، الذي سُجن هنا لمدة 18 عامًا.

تم استخدام الجزيرة لأول مرة كسجن في القرن السابع عشر، لكنها كانت أيضًا بمثابة مستعمرة لمرضى الجذام، ومركزًا عسكريًا ، وملجأ للمجانين، ومركزًا للحجر الصحي.

بعد نهاية الفصل العنصري، تم تحويل الجزيرة إلى متحف، وتقدم زيارة الزنازين الصغيرة في السجن، التي كانت سابقاً تحتجز سجناء سياسيين خلال نظام الفصل العنصري، تجربة عاطفية مؤثرة.

أصبحت جزيرة روبن أحد مواقع التراث العالمي في عام 1999 ، وهي تذكير هام بتاريخ البلاد وانتصار الروح الإنسانية على الظلم والمعاناة.

الرحلات إلى جزيرة روبن، متوفرة سبعة أيام في الأسبوع، حيث تغادر العبارات إلى الجزيرة من ميناء Waterfront في كيب تاون عدة مرات في اليوم، تستغرق الجولة حوالي 3 ساعات.