كتب – محمد الدابولي

في زيارة تحمل دلالات وأبعاد كثيرة، استقبلت القاهرة يوم 16 أغسطس 2021 وفد صومالي رسمي يترأسه رئيس وزراء الحكومة الفيدرالية الصومالية “محمد حسين روبلي” رفقة عدد من الوزراء والمسئولين الصوماليين أبرزهم وزراء الخارجية والتعليم العالي والتربية والثقافة، وخلال تواجده بالقاهرة أجري “روبلي” لقاءات بالعديد من المسئولين بالقاهرة على رأسهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور “مصطفي مدبولي” وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي قلده الوشاح الصومالي وعمامة السلاطين التي يرتديها شيوخ العوائل في الصومال وذلك تقديرا لدور الأزهر الشريف وتأثيره الملموس في الشعب الصومالي.

وفي إطار تدعيم العلاقات بين مؤسسة الأزهر الشريف والجمهورية الفيدرالية الصومالية، قرر شيخ الأزهر  زيادة عدد المنح التعليمية الممنوحة للطلاب الصوماليين في الأزهر، وإرسال قافلة إغاثية للصومال مزودة بخبراء لدراسة الخريطة الصحية للبلاد تمهيدا لإرسال قافلة إغاثية طبية  للصومال خلال الفترة المقبلة.

رغم أن الزيارة ظاهرها الأجواء البروتوكولية المعتادة إلا أن في طياتها حملت العديد من المؤشرات والمتغيرات في سير العلاقات المصرية الصومالية والدينامكيات المتغيرة في الساحة السياسية الصومالية، فالزيارة تعد الأبرز من نوعها بعد سلسلة المصادمات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية في مقديشو منذ بداية العام الجاري بين كل من الرئيس محمد عبدالله فرماجو وقوى المعارضة وحكام الولايات الفيدرالية على خلفية أزمة الانتخابات الرئاسية.

اكتساب ثقة دولية  

عُين كرئيس للوزراء في سبتمبر 2020 خلفا لرئس الوزراء السابق “حسن علي خيري” الذي أقيل من السلطة بعد خلافاته مع الرئيس فرماجو وحث الأخير البرلمان على سحب الثقة منه ، ونجح سريعا في تشكيل حكومته في أكتوبر 2020، متجاوزا العديد من أزمات تشكيل الحكومة إذ احتفظ بالقوام الرئيس للحكومة السابقة، فضلا عن اتصالاته القوية مع قوى المعارضة مكنته من إتمام عملية التشكيل.

بيد أن شعبية “روبلي بدأت تتصاعد بشكل شعبي بعد نجاحه في إبرام اتفاق أمني في مايو الماضي مع ميلشيات المعارضة التي احتلت شوارع العاصمة مقديشو اعتراضا على محاولة الرئيس فرماجو تجاوز الانتخابات الشعبية والتمديد لحكمه سنتين بالمخالفة للدستور الصومالي إذ كان من المقرر أن تنتهي ولايته رسميا في فبراير الماضي، لذا من المقرر أن يشرف “روبلي” على إجراء انتخابات شعبية خلال الربعة شهور القادمة، وتتزايد حظوظه كثيرا ليكون منافسا قويا للرئيس فرماجو خلال الانتخابات المقبلة.

وقد تأتي زيارة رئيس الوزراء “روبلي” إلي القاهرة في إطار محاولة إيجاد دعم إقليمي لعملية الاستقرار السياسي التي بدأ ينسج خيوطها مؤخرا بعد سلسلة التفاهمات مع قوى المعارضة مؤخرا، كما قد يسعى إلي ضمان دعم إقليمي مساند له إزاء ترشحه للانتخابات المقبلة، فمن المعلوم أن رئيس الصومال يجب أن يكون مدعوما إقليميا ودوليا قبل أن يكون مدعوما محليا، فالرئيس فرماجو حاليا رغم معاناة من انخفاض التأييد الشعبي له إلا أنه مازال محتفظا بمنصبه بمساعد الدعم الإقليمي اللامحدود المقدم له من كل من إثيوبيا وقطر وتركيا.، لذا تحركات روبلي من شأنها إعادة التوازن الإقليمي والدولي في بلاده والحد من التغول الإثيوبي والتركي على وجه الخصوص في بلاده.

تحدي فرماجو

تعتبر زيارة روبلي هي الأولي من نوعها لمسئول في الحكومة الصومالية بعد محاولات الرئيس محمد عبدالله فرماجو تجميد عمل الحكومة في السياسة الخارجية للبلاد بشل قدراتها على إبرام الاتفاقيات الدولية، فخلال الأسبوع الماضي أصدر الرئيس فرماجو قرارا يوم 7 أغسطس 2021 بمنع الحكومة والمؤسسات الحكومية  من إبرام أي اتفاقيات اقتصادية أو أمنية مع أية حكومات أو شركات أجنبية حتى الانتهاء من إجراء الانتخابات المقبلة وهو ما رفضه رئيس الوزراء موضحا أنه يعمل وفق إطار الدستور والقانون الذي يمنح للحكومة الحق الأصيل في إجراء الاتفاقيات مع جميع الفاعلين الدوليين.

جاء قرار فرماجو محاولة يائسة منه لوقف تمدد شعبية “روبلي” التي طغت داخليا وبدأت أصدائها ترن خارجيا مما يهدد مستقبله السياسي، ومن هنا نعتبر زيارة “روبلي” للقاهرة أول تحدي صريح لقرارات فرماجو، كما أنه تحدي من نوع أخر أيضا فالعلاقات بين مصر والصومال خلال الفترة الماضية شابها الجمود والفتور على خلفية قرارات حكومية صومالية قوبلت بعدم ارتياح في القاهرة على غرار مساندة مقديشو لأديس أبابا في ملف سد النهضة وطرد البعثة التعليمية المصرية من الصومال في العام الماضي.

الدبلوماسية التعليمية

تعد زيارة روبلي مخطط لها ومدروسة بعناية شديدة، إذ اصطحب معه وزيري التعليم العالي، والتربية والثقافة، وكأنها محاولة منه لإصلاح ما أفسدته الحكومة السابقة، إذ ساءت العلاقات المصرية الصومالية في مطلع العام الماضي بعد إقدام الحكومة الفيدرالية علي إلغاء البروتوكول التعاوني بين مصر والصومال في 7 مارس 2020 وطرد البعثة التعليمية المصرية تحت دعاوى إقدام مصر بإجراء تفاهمات مع ولاية بونت لاند ـ على خلاف مع الرئيس فرماجو ـ إنشاء مدارس مصرية في الولاية وهو ما اعتبرته الحكومة الفيدرالية تدخلا في شئونها الداخلية وتعدي على سلطاتها الفيدرالية.

وأتي قرار الحكومة الصومالية السابقة في إطار سياسة تحمل طابع عدائي للقاهرة، فالتفاهمات المصرية مع ولاية بونت لاند تمت في عام 2018  أي أن الحكومة الفيدرالية لم تنتبه إليها في عام 2020 وهو ما يحمل شعور بالتربص والمكايدة التي يكنها بعض مسئولي الصومال تجاه القاهرة، كما أن السياق السياسي الصومالي يسمح بمثل تلك التدخلات نظرا لانعدام الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد.

إذ أتي قرار طرد البعثة التعلمية المصرية في إطار الاستقطابات الإقليمية بين مصر وإثيوبيا، فموقف فرماجو منذ اليوم الأول بدا داعما للموقف الإثيوبي، إذ أعلن الحياد بين الطرفين وسحب إدانة بلاده من الجامعة للعربية للسلوكيات الإثيوبية إزاء ملف سد النهضة، ويأتي أيضا في إطار استجداء دعم إثيوبي لمحاولات تمديد ولاية فرماجو دون إجراء أية انتخابات علي غرار تمديد فترة حكم أبي أحمد في إثيوبيا لأكثر من ستة أشهر بالمخالفة للدستور والقانون.

لذا يمكن القول أن اصطحاب وزيري التعليم والتربية محاولة من روبلي لرأب الصدع وإزالة الخلاف الذي طغي على الملف التعليمي بين مصر والصومال ومحاولة إصلاح ما أفسده فرماجو في هذا الملف، لذا تأتي تلك الزيارة لأجل تحقيق غايات ملموسة وهي:

  • إذابة الجمود في العلاقات: قد تؤدي تلك الزيارة إلي إعادة المياه إلي مجاريها بشأن العلاقات المصرية الصومالية وعودة الدعم المصري بقوة لعملية الاستقرار السياسي في الصومال ومعادلة النفوذ التركي القطري في بلاده.
  • الاستفادة من الثقل المصري: الصومال مقبلة على معركة سياسية وانتخابية مفصلية في حال فشلها قد تعيدها مرة أخري لحالة الفشل والعجز التام التي كانت سائدة من قبل وفي حال نجاحها قد تكون بوابة لعبور الصومال إلي مرحلة الاستقرار النسبي، لذا يسعى روبلي إلي تعبيد الطرق وتهيئة الأجواء لأجل إدارة انتخابية ناجحة تسعى إلي تحقيق الاستقرار السياسي.
  • تطمين الداخل: تعاني الولايات الصومالية  من سياسات فرماجو الخارجية الرامية إلي تغلب المصالح التركية والقطرية في البلاد، وأبدت تلك الولايات في أكثر من مناسبة امتعاضها من تلك السياسة الغير متوازنة مما أدي إلي انحصار النفوذ التركي على سبيل المثال في العاصمة مقديشو حيث القاعدة العسكرية.

لذا تأتي تلك الزيارة كمؤشر هام على بدء انتهاء عصر  عدم التوازن في السياسة الخارجية الصومالية وأن مقديشو ربما في المستقبل القريب ستعمل على تحسين علاقاتها مع معظم الدول دون أن تكون في حالة استقطاب سياسي وإقليمي لصالح احد القوى تجاه الأخرى.