كتب – محمد الدابولي

في تطور متسارع  لنشاط الجماعات الإرهابية في أفريقيا، تعرضت العديد من دول غرب أفريقيا خلال الأيام القليلة الماضية إلي عمليات إرهابية كبرى خلفت العشرات من الضحايا، ففي مساء الثلاثاء 10 أغسطس 2021 كانت مناطق شمال مالى على موعد مع هجوم إرهابي في منطقة أنسونغو، إذ أقدمت إحدي الجماعات المتطرفة على معاقبة ثلاث قري في شمال البلاد وهو كارو وأوتاغونا وداوتيغميت ردا على عدم دفعهم الإتاوات المقررة عليهم من قبل تلك التنظيمات مما أدي إلي مقتل ما يزيد عن 43 قتيل معظمهم من القرويين.

ويرجح أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” أو إحدي الجماعات المنضوية تحتها هي من نفذت الهجوم خاصة أنه لم تعلن أي جماعة عن مسئوليتها عن الهجوم الأخير على القرى الثلاث، وبالتوازي مع هجمات مالي تعرضت وحدة عسكرية في منطقة كوسي شمالى بوركينافاسو  علي الحدود مع دولة النيجر لهجوم إرهابي أخر مما أدي إلي مقتل 19 جندي و11 مدني، فيما تم تحييد 12 إرهابي على الأقل، أما في تشاد فتعرضت دورية للجيش في جزيرة تشوكو تيليا  في بحيرة تشاد لهجمات من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا ISWAP” مما أدي لمقتل 26 جندي وإصابة 14 أخرون.

تخوف المجتمع الدولي

تأتي الهجمات الأخيرة في تزايد تخوف المجتمع الدولي من تحول أفريقيا إلي حاضنة كبرى للتنظيمات الإرهابية، ففي تقرير  أممي تسلمه مجلس الأمن في منتصف يوليو الماضي أشار إلي تزايد نفوذ القاعدة وداعش في مناطق شرق وغرب القارة، وأن تلك التنظيمات باتت تتباهى بمالمكاسب التي التي حققتها خلال الفترة الأخيرة من خلال استعراضات الطائرات بدون طيار التي دخلت على خط تسليح الجماعات الإرهابية في أفريقيا منذ هجمات مدينة بالما الموزمبيقية في مارس 2021.

فيما يشير التقرير  الأممي أن الجماعات نجحت في بسط سيطرتها من مالي مرورا بوركينافاسو وتشاد ووصولا إلي السنغال على المحيط الأطلنطي، كما تغولت التنظيمات جنوبا من نيجيريا إلي الكاميرون، ويشير التقرير إلي أن وباء كورونا كان عاملاً معززا للنشاط الإرهابي، إذ انصبت دعاية داعش والقاعدة على الشماتة من الأحوال المعيشية التي ألمت بسكان تلك الدول، فضلا عن تزايد الاعتماد على خدمات الإنترنت في التحضير للهجمات الإرهابية، وأخيرا دخلت الطائرات دون طيار على خط العمليات الإرهابية في أفريقيا، ويشير التقرير إلي أن تلك التنظيمات في حالة تربص لمسألة فتح الحدود وإزالة قيود التنقل بين الدول الأفريقية وبعضها البعض لأجل استعادة نشاطها بقوة.

تحدي أمريكي

تأتي العمليات الأخيرة  تزامنا مع بيان “أنتوني بيلينكن” وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الذي أعلن إدراج بلاده لخمسة أشخاص من قادة التنظيمات الإرهابية في أفريقيا ضمن قائمة الإرهابيين وهم “بونو ماد ماشو عمر” مسئول الجناح العسكري لتنظيم داعش في موزمبيق والمسئول الأول عن هجمات مدينة بالما السالحلية في مارس الماضي، وفي غرب أفريقيا تم إدراج كل من “سيدان أغ هيتا” عضو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والمسئول عن منطقة كيدال في وسط مالي، وكذلك “سالم ولد بريمات”  عضو جماعة نصرة الإسلام والمسئول عن منطقة موبتي في شمال مالي، كما تم إدراج عنصرين أخرين في حركة الشباب في الصومال وهما متحدثها الرسمي محمد راج ووسيطها عبدالقادر محمد عبدالقادر.

تسابق القاعدة وداعش

خريطة العمليات الأخيرة تشير إلي استفحال التنظيمات الإرهابية التي بدت لا تبالي بأية جهود دولية لمنعها وتحجيم نشاطها، فجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة تتوسع بشدة في منطقة الساحل وتحديدا مالي والنيجر وتحاول طرق مناطق غرب أفريقيا لمزاحمة تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا الذي يعيش في أوج قوته بعد نجاحه في اغتيال “أبوبكر شيكاو” قائد التنظيم السابق وغريمه فيما بعد، فكلا التنظيمين يسعيان إلي توسيع مجالات السيطرة على مناطق غرب أفريقيا وطرق مناطق جديدة كالسنغال وغانا وبنين وغينيا.

تعقيد الوضع الإنساني

ازاء الهجمات المستمرة للجماعات المتطرفة باتت الأوضاع الإنسانية في دول الساحل وغرب أفريقيا في حالة يرثى لها، فالهجوم الأخير الذي تعرضت له القرى الثلاث في مالي يشير بوضوح إلي انعدام تواجد الدولة في العديد من المناطق فالجماعات المتطرفة تفرض رسومها وضرائبها على المواطنين وتعاقب الممتنعين عن أدائها.

وفي ذات السياق يسلط تقرير  صدر مؤخرا عن منظمة هيومان رايتس ووتش الضوء على انهيار الأوضاع الإنسانية في المنطقة الساحل إزاء فشل الدول الأفريقية في مواجهة الإرهاب، إذ لقي أكثر من 420 مدني في دولة النيجر وحدها حتفهم خلال العام الجاري، إذ عادة ما يتم استهداف المدنين أثناء ممارسة حياتهم اليومية التنقل بين الأسواق والمدن وغير ذلك، ويشير التقرير أنه لا توجد أية حالات استثنائية في القتل إذ طالت كبار السن والأطفال والنساء والمشايخ ورؤساء القرى وأيضا ذوي الاحتياجات الخاصة.

سبب تزايد وتيرة الإرهاب

تزايد وتيرة الإرهاب حاليا يعود إلي العديد من العوامل أولها على الإطلاق حالة انسداد الأفق السياسي في العديد من بلدان المنطقة سواء في الساحل أو غرب أفريقيا، فتشاد تمر بأزمة سياسية خانقة بعد اغتيال رئيسها الراحل إدريس ديبي في إبريل الماضي ومعاناة نجله محمد ديبي من تثبيت حكمه، أما في مالي فلاتزال تعاني من أزمة الانقلابات العسكرية المستمرة التي كان أخرها في مايو 2021.

وبالإضافة إلي عوامل أخرى التشظي العرقي الذي تعانيه المنطقة وزيادة التهميش المجتمعي في المناطق التي تنتشر بها الجماعات المتطرفة تعاني أيضا الدول الأفريقية من ضعف قدراتها الأمنية والعسكرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية مما يؤدي إلي لجوئها إلي أساليب وتكتيكات أخرى ظاهرها محاربة الإرهاب لكن في باطنها تعقيد الأزمة فعلى سبيل المثال بعد هجمات بوركينافاسو الأخيرة تم اعادة نشر مفرزة شبه عسكرية تسمى مفرزماركوي العسكرية وهي عبارة وحدة من المتطوعين تعمل جانبا إلي جنب مع قوات الجيش في جمع المعلومات والمراقبة وأداء بعض المهام الأمنية والعسكرية، لكن ليس خافيا على أحد البعد الإثني والعرقي الذي تحمله مثل تلك المفارز العسكرية الأمر الذي يعزز الأزمات الإثنية.

وأخيرا.. تدخل الخلافات الدولية والصراع بين القوى الكبرى على أفريقيا على خط تدعيم النفوذ الإرهابي في أفريقيا فمؤخرا باتت هناك حرب بادرة بين روسيا وفرنسا تجرى رحاها على الساحة الأفريقية وتلك الحرب عززت من عدم استقرار الدول الأفريقية فانقلابات مالي الأخيرة ما هي إلي مسألة شد وجذب بين فرنسا وروسيا، كما أن الأزمة السياسية في أفريقيا الوسطي أيضا تعبر عن تلك الحالة.