كتب – محمد الدابولي

ما أشبه اليوم بالبارحة، فالحرب التي تدور رحاها حاليا في شمال إثيوبيا بين قوات الجيش الفيدرالي بقيادة رئيس الوزراء أبي أحمد وجبهة تحرير التيجراي تذكرنا بحالة التشظي وانعدام الاستقرار السياسي التي عانتها منطقة القرن الأفريقي خلال بداية عقد التسعينيات إذ كانت الحرب الأهلية الإثيوبية في أوجها بين نظام الدرك ومقاتلي الجبهة الثورية الديمقراطية بقيادة ميليس زيناوي.

لكن التطورات الأخيرة في المشهد الإثيوبي حاليا تنذر بمشاهد أكثر مأساوية عما لاقتها منطقة القرن الأفريقي في بداية التسعينيات، فتطورات الحرب الإثيوبية التيجرانية دخلت في منطقة اللاعودة وتصاعد احتمالية اللجوء إلى خيار الإبادة الجنسية التي اختبرتها المنطقة سابقا في الحرب الأهلية الرواندية في عام 1994، فمؤخرا أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي حالة التعبئة العامة في الجيش الإثيوبي من خلال حث المدنين على الانخراط في صفوف الجيش وقتال جبهة تحرير التيجراي التي يبغى استئصالها تماما باعتبارها عشبة ضارة على حسب توصيفه.

وعلى الجهة المقابلة تسعى قوات جبهة تحرير التيجراي إلى حشد المزيد من أنصارها وتعزيز مواقعها الأمامية خاصة في إقليم عفار وأمهرا وإبرام اتفاقيات مع الجماعات المتمردة الأخرى في البلاد أملا في إرهاق الجيش الإثيوبي واستعادة ذكريات تشكيل اتحاد الجبهة الثورية التي كان لها الفصل في إسقاط نظام الدرك بقيادة هيلاميريام منجستو في عام 1991.

أغراض انتهازية

اندلعت الأعمال القتالية في إقليم التيجراي في الرابع من نوفمبر الماضي عندما ادعت الحكومة الفيدرالية مهاجمة قوات جبهة تحرير التيجراي لأحدى المواقع العسكرية ونهب سلاحها مما أدى لدخول الجيش الإثيوبي المدعوم من إريتريا مناطق شمال إثيوبيا وخاصة العاصمة ميكيلي وطرد قادة التيجراي منها إلى الجبال والأودية.

لكن سرعان ما تبدلت الأوضاع تمام في نهاية شهر يونيو 2021 أي خلال إجراء الانتخابات العامة وبدأت جبهة تحرير التيجراي في استعادة تفوقها الحربي ونجحت في استعادة العاصمة ميكلي وأسر الآلاف من قوات الجيش ونجحت أيضا في تطوير هجومها في نهاية يوليو الماضي من خلال الاستيلاء على بعض المناطق في إقليم عفار في محاولة لقطع الطريق على الحكومة الفيدرالية لتجنيد المزيد من شباب الأورومو ومحاولة تهديد الطريق الواصل بين أديس أبابا وجيبوتي الشريان التجاري الأبرز في البلاد.

لكن ثمة تحليلات سابقة أن أشارت إلى أن تقهقر الجيش الفيدرالي  في يونيو/ يوليو الماضي تم لأغراض انتهازية لأبي أحمد، إذ رغب أولا في تأمين إجراء الانتخابات العامة التي توفر له الشرعية السياسية والقانونية المناسبة للتحدث أمام المجتمع الدولي وثانيا لأجل تعقيد الأزمة الإنسانية في الإقليم ورفع مسئوليته السياسية  عنه وإلصاقها بجبة تحرير التيجراي التي باتت تسيطر على الإقليم وأيضا تفاديا لأية عقوبات دولية بسبب المجاعة المحتملة في الإقليم.

 كما أن عملية الانسحاب الأخيرة ترافقت مع موسم الأمطار وموسم الزراعة وتجدد الحرب حاليا يترافق مع بداية موسم الحصاد المقرر ابتدائه في شهر سبتمبر المقبل الأمر الذي يهدد بفشل محصول الزراعة هذا العام مما ينذر  بكارثة إنسانية كبرى في الإقليم على غرار المجاعة التي ضربت إثيوبيا عامي 1984 و1985 والتي أدت إلى وفاة مليون شخص تقريبا لنقص الغذاء والعطش في البلاد.

وتشير تقارير برنامج الغذاء العالمي حاليا إلى معاناة 300 ألف شخص في منطقة التيجراي من مستويات طائرة من الجوع، في حين يوجد 400 ألف آخرين على شفا مجاعة حقيقية، فيما يحتاج 4.8 مليون نسمة إلي مساعدات إنسانية عاجلة ومن المؤكد أن تلك الأرقام ستتضاعف بطريقة جنونية خلال الشهر القادم في حال فشل موسم الحصاد بسبب الحرب الأهلية الدائرة.

لذا نرى أن أبي أحمد امتلكته أغراضا انتهازية إذ تلاعب بالوضع الإنساني في البلاد لممارسة المزيد من الضغوط على جبهة تحرير التيجراي وإرغامها على الاستسلام والتهديد بإفشال موسم الحصاد والذي إن حدث سيؤدي إلى حالة إبادة جماعية في التيجراي بسبب انتشار المجاعة.

تحركات التيجراي

وإزاء الوضع الإنساني المتأزم في الإقليم حاليا تسعى جبهة تحرير التيجراي إلى استعادة إرثها التاريخي في تجميع الجماعات المتمردة في كيان واحد لأجل إسقاط النظام كما حدث في نهاية الثمانيات، فمؤخرا دارات اتصالات واتفاقات بين الجبهة وبين  “جيش تحرير الأورمو” المنشق عن جبهة تحرير الأورومو وذلك من أجل تصعيد الحرب في البلاد وذلك حسبما أعلن “ديبرتسيون جبريمايكل” زعيم الجبهة في تصريحات خاصة لوكالة رويترز، في حين أكد “أودا طربى” المتحدث باسم جيش تحرير الأورومو  (OLA) إلى أن الاتفاقيات ما زالت في بدايتها لكن يوجد تفاهمات حول أهمية إسقاط نظام أبي أحمد وأنه يتم حاليا مشاركة المعلومات الاستخباراتية والتنسيق الاستراتيجي لتحركات القوات.

نظرة على تحالف التيجراي ـ الأورومو

التحالف الجديد بين جبهة تحرير التيجراي وجيش تحرير الأورومو خطوة جرئية تهدف إلى استفادة التيجراي من القوة النسبية لجماعة الأورومو (أكبر مجموعة عرقية) والاستفادة من حالة الغضب الأورومي من أبي أحمد الذي أدار ظهره لجماعته وتحالف بشكل وثيق مع أخواله وأصهاره من جماعة الأمهرا لكن التحالف هذا يحمل بعض الملاحظات أبرزها:

  • إنهاك الجيش الإثيوبي: تهدف جبهة تحرير التيجراي ذات العناصر والخبرات القتالية المدربة إلى إنهاك الجيش الإثيوبي الذي أعيد تشكيله على عجل بعد تدعيمه بالمزيد من الميلشيات الأمهرية، فسابقا كانت جماعة التيجراي هي العماد الرئيسي للجيش، لذا فالتحالف مع الجماعات المتمردة في الأورومو هدفه فتح أكثر من جبهة مع الجيش لأجل إنهاكه سريعاً.
  • قطع الطريق مع جيبوتي: يعد الطريق التجاري بين أديس أبابا وجيبوتي هدفا ملحا واستراتيجيا لجبهة تحرير التيجراي فالهجوم الأخير على إقليم عفار كان هدفه الأساسي الوصول إلى ذلك الطريق لذا محاولة التحالف مع تنظيمات أورومية هدفه قطع هذا الطريق وكذلك خط السكك الحديدية الذي مر بمدن أورومية غاضبة كمدينة أداما.
  • انعدام الثقة بين الحليفين: رغم وجاهة التحالف الأخير إلى أن تفعيله على الأرض يشي بوجود انعدام ثقة وأن جيش تحرير الأورومو المنشق عن جبهة تحرير الأورومو ما زال يحمل غصات الماضي تجاه التيجراي، فتصريحات أورومو كومسا ديريبا ” جال مارو” أسوشيتد برس” تشير إلى ثمة ريبة بين الجانبين إذ أكد أولا على أهمية إسقاط نظام أبي أحمد، لكنه أكد أن القتال ليس جنبا إلى جنب وأنه فقط يجري تبادل المعلومات والتقارير الاستراتيجية وأن جيش تحرير الأورومو يتوازى مع جبهة تحرير التيجراي.
  • انقسام أورومي: إلى هذه اللحظة لم تعلن جبهة تحرير الأورومو موقفها من القتال صفا إلى صف مع جبهة تحرير التيجراي وكذلك جبهة تحرير الأوجادين وهما من أكبر التنظيمات السياسية والميلشياوية في البلاد، أما موقف جيش تحرير الأورومو فينصب بشكل أساسي على قدرته في حشد المتطوعين، فـ (OLA) منشق العام الماضي عن الجبهة وبالتالي هناك صراعا سياسيا داخل الأورومو بين الجبهة وجيش التحرير حول السيطرة على شباب الأورومو، فالجبهة من المحتمل أن ترفض المشاركة في القتال ودعم التيجراي تأثرا لما حدث في الماضي من تعرضها للتنكيل والاضطهاد على يد جبهة تحرير التيجراي.

مخاطر مستقبلية

الأحداث الأخيرة تشير إلى وجود مخاطر عديدة ستتعرض لها إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي على خلفية الصراع الإثيوبي التيجراني وهي كالتالي:

  • انفلات الوضع الإثني تماما: لعبة التحالفات الإثنية التي يمارسها أبي أحمد حاليا من شأنها إفشال جهود الاندماج الوطني التي عبر عنها سابقا في كتابه “فلسفة مدمر” إذ سيكون للوضع الإثني الكلمة الفاصلة في مستقبل البلاد، كما من المحتمل أن يسود معسكر أبي أحمد تشققات وتصدعات إثنية في ظل رغبة جماعة الأورومو الجامحة في استعادة سيطرتها على البلاد وإبعاد الجماعات الأخرى.
  • تصاعد الانتهاكات الإنسانية: بالتوازي مع خطر المجاعة المحدق تتصاعد حاليا مخاطر أخرى متعلقة بحالة الاغتصاب المنهجي تجاه المعارضين ففي تقرير أخير لمنظمة العفو الدولية أشار إلى أن الاغتصاب كان ولا يزال سلاحا رئيسيا في الحرب الدائرة حاليا في التيجراي، وأشارت أنيس كالامارد الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أن جرائم الاغتصاب في إثيوبيا تصل إلى حد جرائم الحرب.
  • اشتباك إقليمي: منذ الوهلة الأولى للحرب في التيجراي سعت أديس أبابا إلى توريط دول الجوار في الصراع الدائر فبداية تم الاستعانة بالجيش الإريتري في الحرب ضد التيجراي، ومؤخرا دخلت جيبوتي على خط الصراع بعد الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها مناطق العفر الأمر الذي كان له مردود سلبي على التوازن الإثني الداخلي في جيبوتي بين العفر والعيسى
  • ترقب إقليمي: باتت دول القرن الأفريقي حاليا في حالة ترقب شديد لما ستؤول إليه الأمور نظرا لكون إثيوبيا دولة محورية، أن زعزعة استقرارها الأمني سيؤدي في النهاية إلى انتقال عدوى عدم الاستقرار إلى بقية الدول التي يعاني بعضها من تذبذب في عملية الاستقرار السياسي والأمني في حين يعاني البعض الآخر من عدم الاستقرار كالصومال.
  • سوق واعدة للسلاح: على جانب أخر فتح الصراع الأخير سوقا واعدة للسلاح تنتهزه الدول المنتجة للسلاح فمؤخرا انتشرت تقارير عديدة تفيد بتزويد تركيا وإيران لإثيوبيا بطائرات بدون طيار لأجل استخدامها في قمع التمرد التيجراني، إلا أن السفارة التركية في أديس أبابا بادرت بالنفي، لكن توجد تقارير أخرى تشير إلى امتلاك أديس أبابا طائرة “مهاجر -6” الإيرانية.