كتب – حسام عيد

فجر الخميس الموافق 29 يوليو 2021، تمكنت شرطة المتمة شمالي العاصمة السودانية، الخرطوم، من ضبط سيارة بداخلها 17 سبيكة ذهبية تزن نحو 39 كيلوجرامًا من الذهب، بنقطة تفتيش كبري المتمة.

وتعتبر عملية الضبط، وفقًا لمدير شرطة المتمة، “أكبر إنجاز” في ولاية نهر النيل، مشيدًا بدور القوة المنفذة للعملية “التي قامت برفض كل الإغراءات التي قدمها لها المتهمون، مقابل إطلاق سراحهم”، وفق ما أفادت “وكالة الأنباء السودانية، سونا”.

تلك العملية الكبيرة الناجحة والعمليات الأخرى في كبح التهريب، تعتبر في السودان جزءًا محوريًا من جهود إنقاذ السودان، نظرًا لكون البلد الأفريقي غنيًا بالمعدن النفيس.

تضاعف إنتاج الذهب مع كبح التهريب

من جانبه، كشف مسؤول في الشركة السودانية للموارد المعدنية أن إنتاج السودان الرسمي من الذهب تضاعف تقريبًا في النصف الأول من عام 2021، مع كبح السلطات التهريب، ما يمثل نجاحًا جزئيًا لجهود إنقاذ الاقتصاد.

وقد قال الصادق الحاج -رئيس التخطيط والبحوث في الشركة المملوكة للدولة، يوم الأحد الموافق 1 أغسطس 2021- إن السودان سجل إنتاجًا بلغ 30.3 طن بين يناير ونهاية يونيو، مقارنة بـ15.6 طن في الفترة نفسها من العام السابق.

مُضيفًا، إن السودان حصل على عائدات بنحو 38.2 مليار جنيه (86 مليون دولار) من إنتاج الذهب في النصف الأول من 2021 ويستهدف الحصول على 104 مليارات جنيه من إجمالي 100 طن ذهب في نهاية العام. وعزا الحاج الارتفاع إلى “الإجراءات القوية” التي فرضتها وزارة المعادن ومؤسسات الدولة الأخرى لمنع التجارة غير المشروعة عبر الحدود.

ويسابق السودان، الذي شهد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير في عام 2019، الزمن؛ لتغيير مسار اقتصاد البلاد الذي مزقته سنوات من سوء الإدارة والعزلة الدولية، مع زيادة كبيرة في مبيعات الذهب كعنصر رئيسي في ميزانية 2021.

وبدوره، قال وزير المالية جبريل إبراهيم، في يونيو، إن السودان يحاول جذب استثمارات خاصة إلى الصناعة التي يهيمن عليها التعدين غير الرسمي، حيث يؤدي التهريب لعدم حصول الحكومة إلّا على نسبة صغيرة نسبيًّا من إجمالي الإنتاج.

سياسة التحرير واستعادة المكانة السوقية

بعد خطوة الحكومة السودانية بإعلان سياسة تعويم الجنيه السوداني نهاية فبراير 2021، اتجهت أعين السودانيين نحو الذهب، لإنقاذ بلادهم من حال التدهور المريع التي لازمت اقتصادهم طيلة السنوات الماضية، فمن المتوقع أن تؤدي تلك الخطوة إلى تحفيز المنتجين واستقرار الأسعار، وإيقاف عمليات التهريب الواسعة التي أفقدت البلاد كميات كبيرة من إنتاج الذهب تقدر بملايين الدولارات.

الذهب، من دون شك، يشكل موردًا مهمًا ورئيسًا للسودان، فهو يسهم بنصيب الأسد في ميزانية الدولة ودعم الاقتصاد، لكن يحتاج إلى رؤية واضحة من ناحية الصادر، فخلال الأشهر الماضية، تم تصدير كميات كبيرة بواسطة القطاع الخاص، وما إن أصدرت الدولة قرار توحيد سعر الصرف، حتى أعلن بنك السودان المركزي أنه سيحتكر عملية تصدير الذهب إلى الأسواق الخارجية، لكن يجب ألا يدخل في مسألة التصدير، لأنه ليس تاجرًا، فلا بد من أن تتم عملية التصدير بواسطة الشركات والأفراد العاملة في هذا النشاط، وتتاح لهم الفرصة كاملة، لا سيما أن لديهم تجربة سابقة ناجحة بكل المقاييس. كما أن الاحتكار من أهم عوامل التهريب.

وقال أمين المال في اتحاد الغرف التجارية السودانية، هيثم تبيدي، إن سياسة تحرير سعر الصرف سيكون لها أثر إيجابي لناحية استقطاب الإنتاج المحلي من الذهب، وعدم الاتجاه إلى التهريب، إذ إنها تسهم في استقرار الأسعار.

وفي سياق متصل، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية عبدالعظيم المهل “للأسف، ثبت أن القطاع الخاص السوداني يتمتع بدرجة عالية من الأنانية، فطيلة الفترة الماضية، ظل هذا القطاع يودع في البنوك الرسمية أقل من 10 في المئة من قيمة صادر الذهب، بالتالي، لا بد من أن تضطلع الدولة بدورها من خلال عودة مؤسسة التعدين السودانية إلى عمليات بيع وشراء الذهب، لكن بأسس عالية من المرونة حتى تضمن دخول عائد الذهب إلى خزينة الدولة”.

ويقع أشهر مناطق إنتاج الذهب في السودان في منطقة جبل عامر بولاية شمال دارفور، واكتشفت في عام 2012، وأفادت تقارير رسمية بأن كل 50 كيلوجرامًا من التربة في هذه المنطقة تحتوي على كيلوجرام من الذهب، وكذلك منطقة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، وتضم أكثر من 58 منجمًا للذهب، فضلًا عن عدد من الصحارى والجبال الواقعة شرق نهر النيل حتى محاذاة البحر الأحمر، وأعلى هذه المنطقة، فوق سلسلة جبال البحر الأحمر، شرق السودان.

9 اتفاقيات للتنقيب عن الذهب والنحاس

وفي يونيو 2021، أعلن السودان عن توقيع 9 اتفاقيات امتياز للتعدين عن الذهب والنحاس وعدد من المعادن الأخرى مع شركات أجنبية ووطنية، 4 منها وطنية و4 أجنبية، من العراق وجنوب أفريقيا والصين.

وتشكو الحكومة السودانية من عمليات تهريب واسعة للذهب، واعترف وزير المالية جبريل إبراهيم،بأن حكومته عاجزة عن السيطرة على تهريب الذهب، وأن هناك إجراءات تقوم بها للحد من التهريب، للاستفادة من عائدات الذهب في زيادة حصيلة البلاد من العملات الأجنبية، واستيراد السلع.

وقال وزير المعادن محمد بشير عبد الله، أثناء توقيع عقود الامتياز في 17 يونيو الماضي، إن 8 شركات 4 منها وطنية و4 أجنبية، وقعت الاتفاقيات التسع، وهي شركة “الكنعان” العراقية التي وقعت اتفاقية للتنقيب عن الذهب في الولاية الشمالية، وشركة “بان أفريكا” الجنوب أفريقية وقعت اتفاقيتين للتعدين عن الذهب في ولاية البحر الأحمر، وشركة “الشوبي” الصينية للتنقيب عن الذهب في ولاية غرب كردفان، وشركة “دي إم” الأرمينية للتنقيب عن النحاس في ولاية البحر الأحمر، والشركات الوطنية وقعت الاتفاقيات للتنقيب في كل ولايات غرب كردفان والبحر الأحمر والشمالية.

وتعهد “بشير” بتشجيع التعدين الحديث والاستثمار في جميع مجالات المعادن، معتبرًا إنتاج الذهب النشاط الاقتصادي الأول ويرفد الخزينة العامة بالعملات الأجنبية، وبتبسيط إجراءات الاستثمار، ودعم تصنيع الذهب، والتنسيق مع الولايات لتوفير البيئة الملائمة للشركات للاستثمار وتعديل التشريعات، وتعديل قانون الثروة المعدنية لمواكبة التوسع في التعدين، من أجل تشجيع الاستثمار والمستثمرين.