كتب – محمد الدابولي

لا تزال الحرب سجالًا بين قوات الجيش الإثيوبي -بقيادة رئيس وزرائها أبي أحمد- وقوات جبهة تحرير التيجراي، فتارة تنجح قوات الجيش الإثيوبي في اقتحام معاقل التيجراي بمدينة ميكلي طاردة عناصر جبهة تحرير التيجراي إلى الوديان والجبال، وتارة أخرى تنجح قوات الوياني في استعادة السيطرة على الإقليم مرة أخرى واستعادة عاصمته ميكلي وإلحاق خسائر جسيمة بقوات الجيش الإثيوبي وأسر الآلاف منه، ثم تم تطوير هجوم التيجراي ليطال أقاليم إثيوبية أخرى خاصة إقليم العفر.

تطور لافت للنظر

على مدار ثمانية أشهر تقريبًا كانت الحرب سجالًا بين جبهة تحرير التيجراي (TPLE) والجيش الإثيوبي، وفصلها الأخير كان تحرير مدينة ميكلي عاصمة الإقليم من سيطرة الجيش الفيدرالي الإثيوبي في نهاية يونيو 2021، وبعدها توجهت الأنظار إلى احتمالية مواجهة وشيكة بين قوات التيجراي وقوات الأمهرا -عماد الجيش الإثيوبي حاليًا- وقتها خرجت العديد من التصريحات التيجرانية لتشير بوضوح إلى أن مدينة بحر دار عاصمة الأمهرا هي الهدف القادم لقوات التيجراي.

والفرضية السابقة كانت يدعمها العديد من الأسانيد والحجج، أبرزها حالة التنافس السياسي والعسكري بين القوميتين؛ فالأمهرا لديها حلم قومي باستعادة إرثها في قيادة إثيوبيا بعدما نجحت جبهة تحرير التيجراي بقيادة ميليس زيناوي في الإطاحة بعرشها في عام 1991، وفي سبيل تحقيق ذلك دعمت قومية الأمهرا رئيس الوزراء الحالي الأورومي “أبي أحمد” الذي تربطه بقومية الأمهرا علاقات نسب قوية لأجل الإطاحة بنفوذ قومية التيجراي في الاقتصاد والسياسة الإثيوبية، وكانت ميليشياتها في طليعة القوات الإثيوبية التي اقتحمت مدينة ميكلي في نوفمبر 2020.

ورغم ما سبق جاءت تحركات (TPLE) عكس ذلك، فبدلًا من التوجه صوب “بحر دار” دفعت الجبهة ميليشياتها باتجاه إقليم العفر، ففي يوم 23 يوليو الماضي أعلن غيتاشو  رضا -المتحدث باسم قوات جبهة تحرير التيجراي- أنه تم تنفيذ عمليات محدودة في منطقة عفار بغرض التصدي لمقاتلي جماعة أورومو الذين كانوا يحتشدون على طول الحدود بين إقليمي عفر والتيجراي، وأدت تحركات التيجراي صوب إقليم العفر إلى إجبار ما يقارب 54 ألف شخص على الفرار والنزوح.

الأرض المحروقة

استراتيجية الأرض المحروقة استخدمت من كلا الطرفين في إثيوبيا؛ فالجيش الفيدرالي عمد إلى تخريب الممتلكات العامة والخاصة في إقليم التيجراي لإضعاف الإقليم ذاتيًّا واقتصاديًّا، وعلى نفس المنوال تتبع قوات جبهة تحرير  التيجراي  التي هدفت من  هجومها الأخير على إقليم العفر  إلى قطع الطريق والسكة الحديد التجارية التي تربط إثيوبيا بجيبوتي مدركين أهمية هذا الخط الذي ينقل قرابة 80% من حجم التجارة الخارجية الإثيوبية، لذا فتدمير هذا الخط يعد انهيارًا تامًّا للدولة الإثيوبية.

لماذا تفوق التيجراي

التحركات الأخيرة تشير بوضوح إلى تفوق ملحوظ لميليشيات جبهة تحرير التيجراي، إذ نجحت في استعادة توازنها خلال ثمانية أشهر، وتمكنت من صد هجوم الجيش الإثيوبي وتوجيه عمليات مضادة ضد الجيش في أقاليم إثيوبية أخرى، ويقف ووراء هذا النجاح عوامل هامة أبرزها ارتفاع الكفاءة القتالية؛ فمقاتلو الجبهة -في السابق- كانوا عماد الجيش الإثيوبي، إذ كانوا يشكلوا القوة الضاربة به، كما كان الإقليم الشمالي هو خط المواجهة الحربية مع إريتريا، ومن ثم حظي بالدعم اللامحدود على مدار العقود الثلاثة الماضية، إذ كانت تضم مواقعه العسكرية خيرة التسليح الإثيوبي، كما أن أبناء الإقليم كانوا هم قادة الجيش؛ إذ كانت  رئاسة أركان الجيش دومًا تحت سيطرة عناصر التيجراي.

مآلات التحركات التيجرانية الأخيرة

المعارك الأخيرة التي شهدها إقليم العفر ستحمل -بلا شك- تأثيرات مختلفة على مستقبل الصراع في إثيوبيا، وفي رأيي الخاص رغم نجاحها في دحر الجيش الإثيوبي إلا أنها تنم على سلبيات كبرى وقعت فيها الجبهة خلال الفترة الأخيرة، وهي كالتالي:

  • استعداء الكل: بتوجيه الضربات لإقليم العفر  تكون جبهة تحرير التيجراي فقدت أي صورة للدعم والتعاطف الشعبي من قبل الجماعات الأخرى، إذ كان ينبغي على الجبهة سياسيًّا العمل على إزالة الضغائن والرواسب السياسية القديمة الناجمة عن سياسات الجبهة حينما كانت في الحكم، فنتيجة العملية الأخيرة أعلنت  جماعات الأورومو وسيداما والقوميات الجنوبية انضمامهم إلى مجهودات الجيش  الفيدرالي في محاربة التيجراي، فيما تحشد ميلشيات فانو الأمهرية قواتها لشن هجوم معاكس ضد التيجراي.

الفشل في استعادة إرث زيناوي: قائد جبهة تحرير التيجراي الراحل ميليس زيناوي كانت له تجربه فريدة في لمّ شمل الجماعات الإثنية في عام 1988 مكونًا الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية التي كان لها الدور الفعال في إسقاط حكم الدرك في  عام 1991، أما اليوم فنجد أن الجبهة تتعامل باستعلائية مع بقية الجماعات الأخرى ولم تمد أي خطوط للتواصل مع الجماعات والقوميات الأخرى ومن صور الاستعلاء ننظر إلى الانتهاكات التي تعرض لها لاجئو إريتريا في إثيوبيا على يد ميليشيات التيجراي، فبعد سيطرة  الوياني على معسكري “مى عيني” و”أدى حروش” نفذت العديد من عمليات القتل والخطف تجاه هؤلاء اللاجئين الذين من المفترض أن يكونوا قوة في صالح التيجراي ضد النظام الإريتري على الأقل، كما أدان المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الاعتقالات في الأسابيع الأخيرة لـ”مئات” اللاجئين في شاير، وهي بلدة خاضعة لسيطرة قوات تيجراي، وأشار إلى “تقارير موثوقة ومؤكدة عن هجمات انتقامية وعمليات اختطاف واعتقالات وأعمال عنف ضد الإريتريين.