كتب – محمد الدابولي

تتسارع خطى الأحداث السياسية في تونس حاليًا بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بإعفاء رئيس الحكومة من منصبه، وتجميد عمل مجلس النواب، ورفع الحصانة البرلمانية عن النواب ومساءلتهم أمام النيابة العامة، وذلك نتيجة لحالة التخبط والفشل التي لاحقت الحكومةة والبرلمان في الفترة الماضية مما دفع إلى تزايد رقعة الاحتجاجات الشعبية الرافضة لسوء إدارة البلاد.

وتنطلق قرارات الرئيس التونسي من الفصل 80 من الدستور الذي يخول لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة استثنائية يتم استخدامها في حالات الطوارئ والتهديدات؛ إذ ينص الفصل: “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب، ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة…..”.

دوافع التحركات الأخيرة

  • أزمة الرئاسيات الثلاثة: خلال العام الحالي شهدت تونس ارتفاعا لوتيرة الصراعات بين الرئاسيات الثلاثة في البلاد “رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة” حول الاختصاصات المخولة لكل منهم، وتصاعد الموضوع بصورة كبيرةة بعد تحالف هشام المشميشي رئيس الحكومة مع راشد الغنوشي رئيس البرلمان ومحاولة تمرير تشكيل حكومة يتوافق مع توجهات حركة النهضة ومغايرا لتوجهات الرئيس قيس سعيد، وهو ما دفع الرئيس إلى حث أعضاء المعارضة على التصويت ضد تمرير مشروع الحكومة.
  • أزمة النظام المختلط: النظام المختلط “البرلماسي” يحمل في طياته العديد من المشكلات الداخلية، كونه يقوم على تقاسم السلطة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الأمر الذى يتطلب ثقافة سياسية وعمل حزبي قادر علي تفهم عملية تقاسم السلطة وهو الأمر الغير موجود في تونس.
  • ارتفاع التكاليف المعيشية: في ظل الأزمة الحالية يعاني المجتمع التونسي من أزمة معيشية خانقة بسبب فشل حكومة المشيشي في تحقيق أي انجازات ملموسة فضلًا عن تفشي وباء كورونا في البلاد.

تحديات راهنة

  • موقف الجيش: منذ استقلالها السياسي في عام 1956 تميز الجيش التونسي بالحيادية الشديدة إزاء العمل السياسي، ولم يتدخل في أي أزمات سياسية في البلاد، وحينما طُلب منه التدخل من قبل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لوأد التظاهرات رفض التدخل مما كان عاملا حاسما في رحيل بن علي عن السلطة في يناير 2011، ولكن يبدو اليوم أن الجيش متفاعل مع القرارات السياسية فمبدئيا أُخذت القرارات الرئاسية في حضرة قادة الجيش وقوى الأمن، كما تنوقلت الأخبار حول محاصرة الجيش لمبني البرلمان، الأمر الذي سُيدخل الجيش التونسي في جدلية الحياد والتدخل السياسي المحدود.
  • موقف حركة النهضة: تعد حركة النهضة هي المسيطر على الحكومة والبرلمان وتوصيفها للقرارات بأنها انقلاب من شأنه إدخال البلاد في نفق مظلم، فتونس حاليًا في انتظار رد فعل الحركة تجاه القرارات الأخيرة وكيفيةة التعامل معها.
  • الموقف الإقليمي والدولي: لن تقف القوى الدولية والإقليمية خاصة الاتحاد الأفريقي طويلًا أمام الأحداث التونسية نظرًا لكونها جاءت في إطار دستوري بعيدًا عن التحركات والإجراءات العسكرية المعتادة، لكنها ستنظر بكثب لما ستؤول إليه الأحداث.

سيناريوهات مستقبلية

الأزمة التونسية حاليًا أمام سيناريوين؛ أولهما: أن تحاول حركة النهضة امتصاص الأزمة السياسية الراهنة والدخول في العملية السياسية التي رسمها قيس سعيّد بقراراته الأخيرة وهي إجراء استفتاء على تعديل الدستور بما يضمن لها استمرار عملها السياسي، إلا أن هذا السناريو لا يبدو مرجحًا نظرًا لكون الرئيس سعيّد قد بيّت النية على ملاحقة رموز النهضة بتهم متعلقة بالفساد والاختلاس؛ الأمر الذي سيضع الحركة أمام خانة ضيقة للتحرك فيها، أما السيناريو الثاني وهو دخول البلاد في حالة فوضى، وإن كانت جزئية عن طريق المظاهرات ووضع النظام السياسي الجديد في أزمة تلبية المطالب الشعبية، الأمر الذي سيؤدي إلى إنهاك سريع لقوى النظام، وهو ما تريده حركة النهضة، أو تسعى حركة النهضة لتكوين ميليشيات لمحاربة النظام على غرار ما حدث في الجزائر 1992، لكنه أمر مستبعد لكون الحركة متمرسة علي التلون السياسي وامتصاص الأزمات، وخاصة مع التصريح الواضح للرئيس قيس سعيّد أن من سيطلق رصاصة سيقابله الجيش بوابل من الرصاصات، وأنه سيتم التصدي بحسم لكل محاولات إثارة الفوضى.