كتبت – أماني ربيع

رغم ما يحكم القارة الأفريقية من فقر وصراعات، إلا أن للدين في قلوبهم مكانة كبيرة، وللدين الإسلامي في أفريقيا، نزعة صوفية تبعث السلام والدفء في النفوس، لذا يستغل المسلمون في أفريقيا المواسم الدينية والأعياد ويعتبروها فرصة لالتقاط الأنفاس من الأزمات المتلاحقة، ونشر ثقافة السلام والتسامح.

والقيم الروحية للعيد عند مسلمي أفريقيا تحملهم على الوحدة والأخوة ونبذ الانقسامات والدعوة إلى التسامح مع الجميع وتقاسم الفرحة مع كل الناس، والعيد لديهم أكثر من مجرد طقس ديني مادي، فهو فرصة للتقرب إلى الله والتعبد بإكرام عباده وأن يتكافل الأغنياء مع الفقراء ويدخلون السرور على قلوبهم.

ومنذ دخول الإسلام إلى أفريقيا، نبذ معه القبلية، وبسط الطريق إلى عقيدة تحتضن الجميع غنيا وفقيرا، أسودا أو أبيض، بل وتمتد لتحترم المختلفين في الدين.

ويُمثل العيد في أفريقيا، رابطة حقيقية وقوية ينتظر خلالها الفقير قيام الغني بواجباته التي فرضها الإسلام من صدقات وذبح للأضاحي، وهو أمر يظهر جليا أيضا عند الزكاة والصوم وغيرها من المواسم الدينية الأخرى التي يبلغ فيها كرم المسلمين تجاه الآخرين أقصاه.

استعدادات العيد

ويُطلق على عيد الأضحى في لغة الهوسا: بابانْ صلاة  babban’ salla، أي: الصّلاة الكبرى، وفي لغة الولوف يطلق عليه “تاباسكي”، أما في السواحيلية؛ فيُعرف باسم “عيد الحج”، ويُطلق عليه البعض “sikukuu”.

يستعد المسلمون في الدول الأفريقية للعيد بتزيين المنازل، وطلاءها باللون الأبيض، وتقوم النساء بصبغ أياديهن وأرجلهن بالحناء، ويقوم الشباب بإعداد ساحات الصلاة في الخلاء في ساحات القرية، ويحرص المسلمون على استقبال العيد في ملابس جديدة للكبار والصغار على السواء.

ويبدأ المسلمون في أفريقيا باختيار الأضحية التي سيذبحونها في العيد، قبلها بفترة طويلة قد تمتد لعام كامل، يتم خلالها علفها وإطعامها، ولا يشترون الأضحية قبل العيد مباشرة تجنبا لغلاء الأسعار.

والعيد ليس مجرد موسم ديني فحسب، بل هو موسم تجاري كذلك، حيث تروج فيه تجارة الأغنام والماشية وخاصة في المجتمعات الرعوية، التي تعتمد بشكل أساسي على الرعي في دخلها.

ولا يمنع الفقر والظروف الصعبة الأفارقة من المسلمين عن عادات العيد الاجتماعية الموروثة، فقد يشتري الرجل الأضحية له ولأقاربه كالوالد وأبو الزوجة، ويشتري أيضا الملابس العيد لأسرته ولأقاربه، ولتلافي كثرة الديون، تصرف بعض الحكومات والشركات الأجور مقدما للموظفين ثم تخصمها فيم بعد على دفعات ويسمى هذا في السنغال مثلا ” Avances Tabaski”.

مديح وتكافل

ويحرص المسلمون في أفريقيا على تعزيز صلة الرحم في مواسم الأعياد عموما، لذا تكثر في العيد زيارة الأقارب والأصدقاء والجيران لتبادل التهاني وجذب أطراف الحديث، وتسافر الكثير من الأسر لقضاء عطلة العيد مع أقاربهم في القرى، في فرصة للاستجمام بعيدا عن الحياة في صخب المدينة، لذا تكون المدن والعواصم شبه خالية.

وفي صباح العيد ينشد الناس المدائح النبوية قبيل الصلاة، وبعد الصلاة وإلقاء خطبة العيد، ينتشر الجميع لذبح أضاحيهم، ويبادرون في طريقهم بإلقاء التهاني على أهل القرية أو الحي، وأحيانا ما يقيم بعض الأغنياء ولائم كبيرة للفقراء توزع فيها الهدايا عليهم.

ومن العادات اللافتة لبعض المجتمعات الأفريقية في العيد هي رواج المديح الشعبي، الذي يقدمه المداحين لأغنياء القرية أو الحي، بينما يجول البعض على الخيول المزينة في مواكب شعبية تصاحبها استعراضات بالسيوف، ويطوفون على البيوت خلال أيام العيد وينشدون المديح في أهل البيت وتقدم لهم الهدايا سواء نقودا أو من الطيور كالدجاج.

ويجزل الأغنياء العطايا للفقراء، حيث تبرز روابط التكافل والتآخي بين المسلمين، وتنتشر في الأجواء السكينة والسعادة المحملة بكلمات التهاني بقدوم فرحة العيد.

ومن العادات المحببة في الماضي أيضا هي إقبال الناس على الدعاء لبعضهم البعض في دعوات مطولة تتمنى لهم السعادة واستجابة الدعوات وتحقيق الأمنيات، لكن مع تطور التكنولوجيا، أصبحت رسائل الهاتف المحمول ومواقع التواصل بديلا لهذه الدعوات، وتكون عادة في صياغة محددة ومكررة، ترسل للجميع دفعة واحدة.

ومثل مجتمعاتنا العربية، إما أن يذبح الرجل أضحيته بنفسه، وغالبا ما يكون هذا في القرى والأحياء الفقيرة، بينما في المدن، يقوم الناس بتكليف جزار محترف بذبح الأضحية وتقطيعها.

أما جلود الأضاحي فإما تمنح للدباغين لدبغها مقابل أجر، ويتم منحها لهم هدية، والبعض يستخدمها كسجادة للصلاة، أو لتجديد المصاحف.

ويتم توزيع اللحوم على القارب والجيران والفقراء، وأحيانا ما يقوم الأغنياء بذبح بعض البهائم إلى جانب أضحية الفريضة من أجل توزيعها على الفقراء، وفي بعض الدول الأفريقية يتم توزيع اللحوم على الجيران من غير المسلمين لتعزيز المودة وحسن الجوار.

وفي الأعياد تنتشر أجواء البهجة التي تحمل البعض على إقامة عروض استعراضية بالسيوف، وإقامة التجمعات التي يشدون فيها بالغناء والمديح، وتقدم رقصات امتزجت فيها موروثات الثقافة الأفريقية التقليدية بالطقوس الإسلامية.

ويتجمع المشايخ وأساتذة العلم أحيانا في جلسات تجمع أهل القرى أو الحي يقرأ فيها القراءة، ويتم الحديث عن القضايا المختلفة دينية واجتماعية، وتلقى فيها المواعظ، وأحيانا ما يذاع في التلفزيون والراديو، ويحضره السياسيون ويسمى في تنزانيا ” عيد بَرَز iddbaraza “.

وهكذا فالعيد في أفريقيا هو فسحة تلتقط فيها القارة السمراء أنفساها لتعيش لحظات من السلام والأمل في حياة بلا صراعات أو مآسي.