كتب – محمد الدابولي

تتسارع الأحداث في إثيوبيا، فقبل أيام قليلة أُعلنت نتائج الانتخابات بصورة نهائية ورسمية كاشفة عن سيطرة حزب رئيس الوزراء الحالي “أبي أحمد” على أغلب مقاعد مجلس النواب الفيدرالي في البلاد مُنهية بذلك جدلًا سابقًا حول دستورية الانتخابات وشرعية بقاء “أبي أحمد” في السلطة، بعدما تحايل على الدستور وأرجأ الانتخابات لأكثر من ثمانية أشهر، ولكنها فتحت جدلًا جديدًا حول مستقبل السياسة الداخلية الإثيوبية في ظل استحواذ حزب الازدهار على (436 مقعدًا) على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد لخمس سنوات مقبلة تحت قيادة “أبي أحمد” وحزبه الوليد.

سبق الانتخابات الأخيرة نزاع سياسي ودستوري وصل إلى مرحلة المواجهة المسلحة بين الحكومة والجيش الإثيوبي من جهة وحزب جبهة تحرير التيجراي وميليشياته المسلحة من جهة أخرى، فـ”أبي أحمد” الـمُضطرب حكمه، انتهز فرصة تفشي وباء كورونا ودفع بتأجيل الانتخابات ريثما يستقر الـمُطالب له ويعزز وجوده على رأس الدولة الإثيوبية، في حين رأى غرماؤه من جبهة تحرير التيجراي “الوياني” أهمية تعجيل الانتخابات وانتهاز فرصة انقلاب حلفاء “أبي أحمد” من جماعة الأورومو عليه واستعادة عرش الوياني من جديد الذي أسسه زعيمهم الراحل ميليس زيناوي.

نتيجة مقررة سلفا

لم تختلف نتائج الانتخابات التشريعية عن سابقيها من الانتخابات الإثيوبية السابقة التي بدأ اجراؤها بصورة دورية منتظمة عقب الإطاحة بحكم الدرك بقيادة منجستو في بداية عقد التسعينيات، فنتيجة الانتخابات كانت مقررة سلفًا عبر سلسلة من الإجراءات تم اتخاذها أمام استحواذ حزب الازدهار على معظم مقاعد السلطة التشريعية الفيدرالية.

سابقًا في عهدي ميليس زيناوي وديسالين كان دائمًا ما يتم التضييق على المعارضة السياسية ومنعها من الحصول على تمثيل مناسب في المجلس التشريعي، وفي المقابل كان يتم الحرص على استحواذ الحزب الحاكم المنتمي له رئيس الوزراء على معظم المقاعد مع ترك دزينة من المقاعد لقوى المعارضة، فعلى سبيل المثال في الانتخابات العامة التي أُجريت في عام 2000 حصدت الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية أكثر من 480 مقعدًا.

وفي أكثر انتخابات إثارة للجدل في البلاد عام 2005 بسبب ضغوطات المجتمع الدولي وقتها التي حثت النظام الإثيوبي على إجراء انتخابات نزيهة، وجهت قوى المعارضة “التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية” و”الحزب الإثيوبي الموحد” اتهامات للنظام بارتكاب فظائع انتخابية، كما تنازع الطرفين في نتائج الانتخابات إذ أعلنت قوى المعارضة استحواذها على أغلبية المقاعد خاصة في العاصمة أديس أبابا في حين أعلنت الجبهة الثورية “الحزب الحاكم” حصولها على أغلبية تلك المقاعد وتكرر الحال في انتخابات 2010 و 2015.

لعبة الحرب والانتخابات

دائمًا ما يجيد النظام الإثيوبية لعب الحرب والانتخابات، فمعظم الانتخابات الإثيوبية عادة ما يتم إجراؤها في غمار الحروب سواء الداخلية أو الخارجية، فعلى سبيل المثال أجريت انتخابات 2000 في غمار حرب إثيوبيا مع إريتريا الحدودية، أما الانتخابات الرابعة التي أجريت في عام 2010 فقد أجريت بعد تدخل الجيش الإثيوبي في الصومال واشتباكه مع اتحاد المحاكم الإسلامية عام 2006 ثم حركة الشباب بعد ذلك، أما انتخابات 2015 فقد أجريت في ظل صراعات وحروب داخلية صغيرة بين الجماعات الإثنية مثل الصراعات التي دارت بين قوميتي الأورومو والتيجراي حول توسيع نطاق العاصمة أديس أبابا وأيضًا جماعتي الأورومو والقومية الصومالية حول المراعي ومناطق النفوذ والسيطرة.

وفي الانتخابات الأخيرة دارت في غمار الحرب الحالية بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير التيجراي واستعادة الوياني السيطرة من جديد على مدينة ميكلي عاصمة إقليم التيجراي وطرد القوات الحكومية منها، ومن الملاحظ استغلال النظام لحالة الحرب في أجل حشد الدعم والتأييد لمؤيديه، ففي انتخابات 2000 و2010 كانت فرصة لحشد المؤيدين للنظام وسياساته، أما في انتخابات 2015 فكانت فرصة لتأليب الجماعات القومية وإضعافها وشل قدرتها على مواجهة جبهة تحرير التيجراي في الانتخابات.

وفي الانتخابات الأخيرة حيدت الحكومة بقيادة “أبي أحمد” الجماعات المناوئة مستغلًّا انعدام الأمن في بعض الأقاليم كإقليمي الأوجادين إذ تم إلغاء الانتخابات في الإقليمين وبعض مناطق الأورومو المناوئة له، في حين تم حشد قومية الأمهرا بكثافة لدعم “أبي أحمد” وحزبه الازدهار.

مآلات الانتخابات الإثيوبية

تحمل الانتخابات الأخيرة مآلات متعددة ستؤثر على شكل السياسة الداخلية الإثيوبية خلال الفترة المقبلة قد تشمل الثورة بشكل كامل على أطر النظام السياسي الذي أسسه ميليس زيناوي في التسعينيات وبداية نظام جديد للبلاد يؤطره “أبي أحمد” ومن خلفه حزب الازدهار وجماعة الأمهرة ومن أبرز تلك المآلات:

  • بوتقة صهر جديدة: في النظم الأفريقية لعبت الأحزاب الحاكمة دور بوتقة الصهر في جمع ولم شمل الجماعات الإثنية المختلفة والخروج بقومية وطنية موحدة مثل فلسفة الأوجاما التي ابتدعها الرئيس التنزاني الراحل جوليوس نيريري وحزبه تشاما تشا مابيدوزي، وعلى خطى نيريري في تنزانيا ذهب “أبي أحمد” إلى محاولة إنتاج فلسفة مشابهة من خلال نشر كتابه “فلسفة مدمر” “فلسفة الاندماج” الذي أبدى فيه عدم رضا عن عدم الاندماج في المجتمع الإثيوبي وسعى إلى إنشاء حزب جديد يعبر عن مضمون فلسفته فكان حزب الازدهار الذي تأسس في ديسمبر 2019.

فوز حزب الازدهار بمعظم مقاعد مجلس النواب يشكل في الأساس ثورة على فلسفة الفيدرالية الإثنية التي رسخها ميليس زيناوي في السابق، فالحزب لم يبن على أسس عرقية كما هو الحال في حزب الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية التي أسسها زيناوي على أسس إثنية وعرقية.

لكن يدور التساؤل هل ينجح فعلًا حزب الازهار في أن يكون بوتقة صهر كما يدعى مؤسسه “أبي أحمد”؟ من الوهلة الأولى نجد أن حزب الازدهار يطبق مبدأ الإزاحة السياسية، فـ”أبي أحمد” ومن ورائه جماعة الأمهر ا التي ينتمي إليها بحكم النسب والانتماء الديني وجدا أن جبهة تحرير التيجراي مسيطرة بشكل كامل على مفاصل الدولة الإثيوبية لذا كان تفكيك دولة الوياني هدفًا رئيسًا لـ”أبي أحمد”، وكانت أولى تلك الخطوات هو حل الحزب السابق “الجبهة الثورية” وتشكيل حزب جديد يعبر عن أهداف “أبي أحمد” وجماعة الأمهرا.

  • تصعيد الأمهرة: الانتخابات الأخيرة بمثابة تدشين رسمي لصعود جماعة الأمهرة بشكل رسمي لسدة الحياة السياسية الإثيوبية مرة أخرى، إذ يعود الفضل لجماعة الأمهرة في تأسيس الدولة الإثيوبية الحديثة، وتحديدًا من عهد الامبراطور منيلك الثاني وطوال قرن من الزمان (1899 – 1991)ظلت جماعة الأمهرة هي المتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، لكن مع اضطراب الحكم في نهاية عهد منجستو أدى إلى تهاوي نفوذ الأمهرة لصالح جماعة التيجراي بقيادة زيناوي التي نجحت في نهاية الثمانينات في حشد الجماعات الإثنية الأخرى المعارضة في تكتل سياسي وحربي نجح في الاطاحة بحكم منجستو واستيلائه على السلطة.

وطوال الفترة من عام 1991 وحتى 2018 ظلت جماعة الأمهرة تشعر بالغبن الشديد إزاء النظام الحاكم وتحلم باستعادة سيطرتها من جديد على الحكم، حتي وجدت الجماعة ضالتها في “أبي أحمد” الذي يحمل عرقا أمهريا والذي سعي بكل دأب في استعادة مجد الأمهرا.

  • النهب المنظم القادم: استكمالا لما سبق باتت جماعة الأمهرة على خطوة من تمكينها اقتصاديا، فبعد إبعاد قادة التيجراي من قيادة الشركات والمؤسسات الوطنية، ودخول الجيش الإثيوبي لمدينة ميكلي في نوفمبر 2020 محرقًا ومدمرًّا ممتلكات جماعة التيجراي بات التيجرانيين في وضع مأزوم اقتصاديا وماليا ولم يعدوقادرين على تحقيق السيطرة الاقتصادية على البلاد مفسحين المجال بقوة أمام جماعة الأمهرة في السيطرة والتمكين الاقتصادي.
  • سيطرة تامة لـ”أبي أحمد”: وصل “أبي أحمد” للسلطة في ربيع 2018 بصفقة سياسية لأجل إخماد ثورة الشارع الأورومي وقتها، لكن خلال الفترة من 2018 وحتى 2021 كانت سلطة “أبي أحمد” قلقة ليس فقط بسبب الاضطرابات لكن بسبب تغير الحلفاء والخصوم داخل الحزب الحاكم السابق إذ كان العديد من القيادات السابقة تضمر له الحقد وتحاول منافسته وترى أن تصعيده كان خطأ، لكن مع نتائج الانتخابية أصبح المجال الحزبي الخاص به خال من أية قوى معارضة فهو مؤسس الحزب ورئيسه والذي شكّله على أساس الولاء لشخصه.
  • ديمومة الاضطرابات السياسية: مما لاشك فيه أن الانتخابات الأخيرة ستعمل على ديمومة الاضطرابات في ظل عدم إجراء الانتخابات في إقليمي التيجراي والأوجادين وإلغاء نتائج بعض مناطق الأورومو، ويتبقى هنا مسألة إمكانية النظام في استيعاب وامتصاص تلك الاضطرابات.