كتب – حسام عيد

وضع أجندة موحدة لتشجيع الاستثمارات في دول القارة الأفريقية بات أمرًا ملحًا وحيويًا، لكنه يتطلب مزيدًا من الدعم من قبل حكومات القارة لتيسير تبادل المعلومات والخبرات الفنية وتفعيل المشاركة في المشروعات الكبرى والقومية، ومن ثم بلوغ مرحلة التكامل من أجل النمو وتحويل القارة إلى وجهة رئيسية رائجة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر إليها من كافة أرجاء العالم، وهو ما سعى له وعمل عليه المنتدى الأول لرؤساء هيئات الاستثمار الأفريقية، المعني بترويج الاستثمار.

فعلى مدى ثلاثة أيام متصلة من أرض السلام، مدينة شرم الشيخ، وضعت الحكومة المصرية مع نظرائها من ممثلي 34 دولة أفريقية، خارطة طريق لزيادة المشروعات المشتركة بين دول القارة وفتح الباب أمام شركات القطاع الخاص لرفع معدلات الاستثمار والتجارة البينية في مختلف القطاعات، بما يحقق الأهداف التنموية داخل القارة السمراء، باستعراض القطاعات التي ستكون لها الأولوية، والإجراءات المطلوبة لإقامة تلك المشروعات؛ مثل التكنولوجيا، الزراعة، الطاقة، البنية التحتية والعقارات، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة.

أفريقيا.. مصنع العالم

رأى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، أنه في ظل جائحة “كوفيد-19” التي تقود الإنتاج العالمي إلى التحول تجاه سلاسل قيمة أقصر طولًا، مع التركيز أكثر على المحيط الإقليمي وليس الدولي، ومع تسارع الاتجاه نحو إحياء السياسات الصناعية المستندة إلى القدرات المحلية؛ فإن دول القارة لديها فرصًا غير محدودة لتوطين عمليات التصنيع، وخلق سلاسل توريد أفريقية، لتصبح قارة أفريقيا مستقبلًا “مصنع العالم”، والتي طالما كانت “سلة غذاء العالم”.

لكن رئيس الوزراء المصري أوضح أنه على الرغم من أن عدد سكان القارة يتجاوز الـ1.5 مليار نسمة، وأكثر من 60% منهم من الشباب في عمر أقل من 25 عامًا، وهو ما يمكن ترجمته لقوة منتجة ومستهلكة هائلة، إلا أن مساهمة أفريقيا لا تتعدى 2% من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، بقيمة 2.6 تريليون دولار من إجمالي العالم الذي يبلغ 131 تريليون دولار.

ولفت مدبولي إلى أن اقتصادات أفريقيا لا تزال تعتمد على السلع الأولية، ما يجعلها أقل مرونة وصمودًا في مواجهة الصدمات الاقتصادية وتقلبات الأسعار العالمية، فضلًا عن تواضع دورها في سلسلة القيمة العالمية والإنتاج الصناعي كثيف التكنولوجيا، موضحًا أن الصادرات الأفريقية من المنتجات المصنعة لا تتجاوز 20% من إجمالي صادرات القارة.

وأشار مدبولي إلى أن ذلك التوجه يأتي مواكبًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أعلن الفترة من 2016 وحتى 2025، عقد التنمية الصناعية الثالث في أفريقيا، بالإضافة إلى ما أكده مسار أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، التي تصبو لأن تصبح القارة السمراء مزدهرة بمصانعها ومنتجاتها، لافتًا إلى أنه لبلوغ ذلك المستقبل المُشرق، فالدول الأفريقية بحاجة إلى إحداث تحولات صناعية جذرية، وضمان توطين تحسينات متتالية في هيكل الاقتصاد الأفريقي؛ حتى يتم خلق بنية اقتصادية مُبدعة ومتجددة.

وقال مدبولي: “إنه في هذه اللحظة يُصبح “رواد الأعمال” و”المستثمرون” قادة هذه المسيرة ووقودها، حيث يحملون على عاتقهم مسئولية تعزيز التقدم التقني والابتكار والإبداع الخلاق، ومهمتنا كحكومات أن نُهيئ لهم بيئة الاستثمار الناجزة والمُلهمة للأداء الفعَّال، حتى نُيسر لهم الإنجاز المأمول”.

تعميم التجربة المصرية

من جانبه، قال موكولا ماكاسا مدير وكالة التنمية في زامبيا، إن القارة ليست لديها الرؤية الواضحة حاليًا لتوفير التمويلات اللازمة، لكن يجب وضع رؤية سياسية، لافتًا إلى أنه يمكن الاقتداء بالخطط التي وضعها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئيس، للتنمية في أفريقيا.

وأكد أن بلاده لديها خطة لتعزيز الاستثمار الشامل، عبر الاستفادة من خطط مصر.

وأضاف أن قارة إفريقيا لديها الكثير من الموارد التي تحتاج استثمارات واسعة، موجها رسالة إلى الحكومة المصرية قائلًا: “إننا نريد أن نرفع القيمة المضافة للموارد التي لدينا في كل دول القارة وفي مصر”، لافتا إلى التجربة المصرية الناجحة بالتعاون مع القطاع الخاص.

وأوضح أن أجندة التطوير الاستثماري يجب أن تركز على النمو الاقتصادي الأخضر.

وبدوره، أكد أيمن سليمان المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أن الصندوق على اتصال وثيق مع نظرائه بكافة الدول الأفريقية لتبادل المعلومات والتشاور وعرض التجارب المختلفة.

وقال: “عملنا على تشكيل فريق يجمع الصناديق السيادية في أفريقيا ونعمل على الاقتصاد الشامل خاصة وأن أفريقيا تمثل سوق جاذب وواعد للاستثمارات”.

وأضاف مؤكدًا، “نعمل على تعزيز التعاون والتكامل بين الصناديق السيادية في القارة والتعرف على فرص الاستثمار”.

مشاريع وفرص رائجة لربط القارة

إن المحاور الرئيسية التي ركز عليها المؤتمر تتمثل في دراسة أفضل الممارسات لهيئات الاستثمار الإفريقية، من حيث الإصلاحات التشريعية والإجرائية لتيسير الأعمال، والحوافز الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، وعرض التجارب الرائدة في مشروعات البنية التحتية الإقليمية، كوسيلة لربط دول القارة وتحسين قدراتها التنافسية، مع مناقشة سبل تعزيز الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي، لتنمية وتطوير مشروعات مشتركة قادرة على إنعاش الاقتصادات الإفريقية.

ويقوم في الوقت الراهن القطاع الخاص المصري بتنفيذ عدد من المشروعات الحيوية في قارة أفريقيا، في العديد من القطاعات، ففي مجال النقل على سبيل المثال يتم العمل على تدشين طريق “القاهرة – كيب تاون، وسكك حديد مصر السودان، كما وقعت شركة مصر للطيران الوطنية مذكرة تفاهم لتأسيس شركة طيران وطنية في غانا باستثمارات مشتركة.

هذه المشروعات والعلاقات الوطيدة بين الحكومة والقطاع الخاص المصري والدول الأفريقية، تعكس قدرة القطاع الخاص على دعم التكامل بين دول قارة أفريقيا، ودوره الحيوي في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتنموية بين دول القارة.

فيما أكدت نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، أن مصر تولي أهمية كبيرة لتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي بالقارة الأفريقية، مشيرة إلى أهمية تفعيل العمل القاري المشترك لتحقيق التكامل الصناعي والزراعي وتعزيز التجارة البينية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وخلق المزيد من فرص العمل وبما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 على المستوى القاري وأجندة 2063 التنموية للاتحاد الأفريقي.

وكشفت “جامع” أن الوزارة تعمل حاليًا على إطلاق منصة إلكترونية تتضمن السلع والمنتجات التي تحتاج إليها دول القارة الأفريقية، وأيضا الموارد التي تتمتع بها تلك الدول لاستغلالها في إقامة مشروعات مشتركة وتوطين الصناعة داخل القارة، مشيرة إلى أن تلك المنصة ستكون على غرار منصة “علي بابا” الصينية بحجم أكبر منها.

وأضافت الوزيرة أن تلك الخطوة تأتي بالتزامن مع الإجراءات التي بدأتها الوزارة لرفع قيمة التبادل التجاري بين دول القارة، حيث تضمن البرنامج الجديد للمساندة التصديرية رفع قيمة الدعم الخاص بشحن المنتجات لأفريقيا إلى 80% بدلًا من 50% وهو ما سيتم تطبيقه بدءا من العام المالي المقبل، فور إطلاق البرنامج رسميًا خلال الأيام القليلة المقبلة.

أما الدكتور محمد فريد، رئيس مجلس إدارة البورصة المصرية، فقد رأى أن النمو الاقتصادي بحاجة لاستثمارات والاستثمارات بحاجة إلى مصادر تمويل متنوعة وتأتي البورصات كواحدة من أهم المنصات التي تساعد الشركات على الوصول للتمويل اللازم للتوسع والنمو بما يسمح بتوفير فرص عمل، وبالتالي تحسين أحوال شعوب القارة الأفريقية.

وأوضح أن هناك منصة جارٍ العمل عليها لربط البورصات الأفريقية، وكذا الشركات العاملة في مجال الوساطة في الأوراق المالية والتي تهدف إلى تمكين أي مواطن أفريقي من الاستثمار في أي بورصة بالقارة الأفريقية.

وختامًا، القارة الأفريقية تقف على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل التكامل الإقليمي، وقد جسد وعكس المنتدى الأول لهيئات الاستثمار الأفريقية حرص مصر ودول القارة الأفريقية على مواصلة الجهود المبذولة لدعم التكامل الاقتصادي القاري، والعمل على تكثيف التعاون الاستثماري بين وكلاء الاستثمار في أفريقيا، وفتح قنوات اتصال بين حكومات الدول وممثلي القطاع الخاص لدفع حركة الاستثمارات داخل القارة.