كتب – حسام عيد

يبدو أن الأدوات المالية الإسلامية مثل الصكوك مثالية لأفريقيا، سواء في توفير التمويل أو تلبية احتياجات سكانها المسلمين الكبير. فما الذي يعيق تطورها؟.

سواء كانت محض مصادفة أم لا، فقد شهد عام 2021 اهتمامًا متجددًا بالتمويل الإسلامي في أفريقيا. وقد نشرت وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل؛ موديز، فيتش، وستاندرد آند بورز، بالإضافة للعديد من الجهات المتعددة الأطراف تقارير تسلط الضوء على إمكانات القارة الهائلة لخدمة ذلك القطاع -لكن القبول حتى الآن كان مخيبا للآمال.

التمويل الإسلامي.. صناعة مرنة

أظهرت صناعة التمويل الإسلامي بشكل عام مرونة ملحوظة في أعقاب جائحة كوفيد-19. لم ينهار أي بنك إسلامي في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي. على العكس من ذلك، كانت هناك عمليات دمج إبداعية من خلال عمليات الدمج؛ في المملكة العربية السعودية (البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا المالية)، وإندونيسيا (بنك نيجارا الإسلامي وبنك مانديري الإسلامي) والإمارات العربية المتحدة (بنك دبي الإسلامي وبنك نور)، مما أدى إلى إنشاء بنوك منافسة ضخمة للبنوك التقليدية العالمية.

يتمتع بنك نور بالفعل ببصمة عبور أفريقية وذلك من خلال مصرفه الفرعي الذي يقع مقره الرئيسي في العاصمة الكينية، نيروبي.

الصكوك هي إحدى فئات الأصول التي حافظت على توازنها وسط جائحة “كوفيد-19” خلال عام 2020، مع ما يقدر بنحو 155 مليار دولار (بانخفاض طفيف عن 167.3 مليار دولار في عام 2019). وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” زيادة إصدارات الصكوك العالمية إلى أكثر من 155 مليار دولار في عام 2021 ، في حين يتوقع البعض الآخر أحجامًا أكبر تقارب الـ200 مليار دولار.

ويقول محمد داماك، رئيس التمويل الإسلامي العالمي لدى وكالة التقييم الائتماني “ستاندرد آند بورز”، ” نتوقع أن يتعافى نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الأساسية من الركود الحاد الذي ألم به في عام 2020 بسبب تداعيات الجائحة الوبائية. ونفترض أن سعر النفط سيستقر عند حوالي 50 دولارًا للبرميل في عام 2021″.

ويوضح، “تدعم هذه العوامل أداء أقوى لسوق الصكوك العالمية في عام 2021 مقارنة بعام 2020”.

ومع ذلك، فإن الواقع الأفريقي مختلف. وفقًا لتقرير استقرار صناعة الخدمات المالية الإسلامية لعام 2020، بلغ إجمالي الصكوك العالمية القائمة 543.4 مليار دولار في نهاية عام 2019، منها 520 مليار دولار في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. بينما بلغ نصيب أفريقيا 1.8 مليار دولار فقط.

فيما تقول وكالة موديز، “لم تحرز البنوك الإسلامية تقدمًا يذكر في أفريقيا على الرغم من تعداد المسلمين الكبير في القارة. تضم منطقة أفريقيا جنوب الصحراء حوالي 18% من سكان العالم المسلمين، لكن أصولها المالية الإسلامية لا تشكل سوى 1% من هذه الأصول العالمية”.

وتشمل الأسباب؛ انخفاض مستويات الشمول المصرفي، تراجع الوعي العام، محدودية المدخرات المحلية -وحتى وقت قريب- قلة اهتمام الحكومات.

توسع بالأفق الأفريقي

على الرغم من أن هذا هو الحال حتى الآن، فهل تجتاح رياح التغيير أخيرًا الصناعة في أفريقيا؟. يبدو الأمر كذلك.

ويوضح شين ماريون، المدير الإداري في الفريق المصرفي التابع لـ “موديز”، “نتوقع زيادة أصول الصيرفة الإسلامية في أفريقيا بشكل ملحوظ”.

ويضيف، ” تتمتع أفريقيا بإمكانيات هائلة للنمو في الخدمات المصرفية الإسلامية بسبب العدد الكبير من المسلمين، وقاعدة البداية المنخفضة والاهتمام الحكومي المتزايد بهذا القطاع. بالنسبة للحكومات، من شأن توسيع القطاع أن ينوع مصادر تمويل اقتصاداتها ويحد من نقص التمويل الذي تفاقم بسبب الوباء”.

ويتابع ماريون، “إن مصر والمغرب والسودان وجنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال ستقود مسار النمو هذا في أفريقيا. يوجد في هذه البلدان (باستثناء جنوب أفريقيا) عدد كبير من المسلمين ولديهم هياكل تنظيمية ورقابية سريعة التطور لتحقيق نمو سريع”.

تلك الدول (باستثناء مصر) لديها أيضًا تاريخ في إصدار الصكوك. وتمتلك جنوب أفريقيا والمغرب ومصر ونيجيريا أكبر الأنظمة المصرفية في أفريقيا. وتتمتع جنوب أفريقيا أيضًا بأكثر أسواق المال والبنية التحتية، تطورًا، لإصدار السندات في القارة.

ووفق شين ماريون، “عززت الحكومات الأفريقية وجودها في أسواق المال الإسلامية في السنوات الأخيرة مع ظهور العديد من الصكوك لأول مرة في 10 دول”. يأتي ذلك بعد اعتماد الأطر التنظيمية والقانونية المطلوبة.

ويضيف، “نتوقع أن تؤدي الاحتياجات التمويلية الهائلة للقارة، والتي تفاقمت بسبب الوباء، إلى تشجيع الحكومات، وإلى حد ما البنوك، على تسريع إصدارها للصكوك”.

حواجز ثقيلة للدخول

تخفف من حدة هذه التطورات مجموعة ثقيلة من الحواجز أمام الدخول. يمكن تصنيف التمويل الإسلامي في أفريقيا بشكل عام إلى ثلاث فئات: البلدان التي توجد فيها سياسات استباقية ودعم تنظيمي مثل السودان والسنغال وجيبوتي. دول مثل كينيا وجنوب أفريقيا غير مبالية، لكنها مستعدة لتطويرها كصناعة متخصصة، والبلدان التي يجب أن تكون لاعبًا رئيسيًا ولكنها متأخرة بسبب الحساسيات السياسية، مثل نيجيريا.

هناك اعتبارات أخرى أيضا. فشلت جنوب أفريقيا، على الرغم من إصدارها أول صكوك عالمية قياسية سيادية في أفريقيا بقيمة 500 مليون دولار في عام 2014، والتي تم الاكتتاب بها أربع مرات، إلا أنها فشلت في الاستفادة من ميزة المحرك الأول لها.

بينما أكد وزير المالية الجنوب أفريقي، تيتو مبويني، في تقريره للميزانية في عام 2020، أن الخزانة ستصدر صكوكًا محلية لأول مرة في 2020/21، يبدو أن وزارة الخزانة ليست في عجلة من أمرها. على النقيض من ذلك، فإن شركة الكهرباء المحاصرة بالأزمات “إسكوم” تتجه ببطء نحو إصدار صكوكها المقترحة لأول مرة بقيمة مليار راند مع طلبين لتقديم العروض تم طرحهما بالفعل.

ولا يزال جان فريدريك، رئيس التقييم السيادي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، متشككًا بشأن نطاق الصكوك المحلية في جنوب أفريقيا.

ويقول، ” مجتمع المستثمرين الإسلاميين المحليين، وبالتالي أيضًا الأصول الملتزمة بالأدوات المالية الإسلامية، صغيرة نسبيًا”.

ويضيف فريدريك، “وهذا يعني أن الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأدوات سيظل صغيرًا على الأرجح ما لم تتمكن من جذب المستثمرين الإسلاميين العالميين -وهو ما لن يكون سهلاً”.

قد يكون هذا شديد الحذر نظرًا لأن المستثمرين في الصكوك الحكومية يشملون البنوك الكبرى وصناديق التقاعد. يمكن لسندات الخزانة وضع سياج حول جزء من الاكتتاب لمستثمري التجزئة، كما هو الحال في إصدارات غرب أفريقيا.

الحاجة لدعم حكومي استباقي

إن فعالية الصكوك كأداة لتمويل البنية التحتية، التي أشادت بها مجموعة العشرين، بالإضافة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تتجلى بشكل أفضل في التجربة النيجيرية. فقد جمعت أبوجا نحو  362.557 مليار نيرة في ثلاثة إصدارات للصكوك السيادية خلال 2017-2020، لتمويل بناء أو إعادة تأهيل 25 طريقًا رئيسيًا في نيجيريا. وجلب ذلك؛ الاقتصاد الحقيقي الملموس، سوق لمال ومزايا الشمول المالي للأفراد والشركات.

ومع ذلك، كان على الرئيس النيجيري محمد بخاري أن يبرر لمجلسه الاستشاري الاقتصادي الرئاسي (PEAC) لماذا اضطر مكتب إدارة الديون التابع له في وزارة المالية للاقتراض باستخدام الصكوك لتمويل مشاريع الطرق.

وأكد بخاري، “لدينا الكثير من التحديات مع البنية التحتية. علينا فقط أن نأخذ قروضًا للقيام بتطوير الطرق والسكك الحديدية والطاقة، حتى يجدنا المستثمرون جذابين ويأتون إلى هنا لوضع أموالهم”.

إن العوائق التي تحول دون الدخول إلى التمويل الإسلامي هيكلية وسلوكية على حد سواء، وليست بسبب المشاعر الدينية. يمكن للبلدان الأفريقية التعلم من التجربة في ماليزيا وإندونيسيا. هنا كان اختراق السوق مدفوعًا بالدعم الحكومي الاستباقي من خلال حيازات الأسهم، والأطر القانونية والتنظيمية المطلوبة، والحوافز الضريبية وتعليم السوق.

وتقول موديز إن البلدان الأفريقية بدأت في وضع القوانين واللوائح التمكينية لتسهيل التمويل الإسلامي. ومع ذلك، لا تزال هناك قيود. وتشمل هذه العمليات المعقدة والطويلة المرتبطة بإصدار الصكوك؛ الحاجة إلى تحديد الضمانات المادية، وثائق معقدة، عروض منتجات محدودة؛ والحاجة إلى قوانين ضريبية جديدة من شأنها أن تسمح بالمعاملة المالية المتساوية لمنتجات التمويل الإسلامي مع المنتجات المصرفية التقليدية.

من حيث اختراق السوق، لا ينبغي الاستهانة بهذا التحدي. في شمال أفريقيا، مع 90% من السكان المسلمين، لا يوجد سوى 13 بنكًا إسلاميًا من إجمالي 107. الأصول الإسلامية -وفقًا لموديز- تحقق حصة ضئيلة من إجمالي الأصول المصرفية؛ 0.5% فقط في المغرب، 5.5% في تونس، 2.8% في الجزائر و 5% في مصر.