كتب – أماني ربيع

في الوقت الذي تعمل فيه دول العالم من أجل تحقيق المزيد من الرفاهية لشعوبها، تعاني الكثير من الدول الأفريقية في توفير أبسط حقوق شعوبها وهو الطعام، لأسباب مختلفة، وهو ما يجعل أزمة انعدام الأمن الغذائي مستمرة في القارة السمراء، بل وفي ازدياد بسبب جائحة فيروس COVID-19  الذي قضى على اقتصاد السوق المحلية وبخاصة في المناطق الرائية والأرياف والتي كان الفقراء يعملون على شراء احتياجاتهم من الطعام عبر العمل فيه حتى لو في وظائف مؤقتة.

وتضاعف أزمة انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا التحديات الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل في وجه نسبة كبيرة بدول القارة، ما يحتم على الحكومات حماية أنظمتها الغذائية خلال أزمة الجائحة وبعدها أيضا.

حلول وليس مساعدات

ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، بحلول ديسمبر 2020 ، واجه أكثر من 250 مليون شخص في أفريقيا حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي.

وقد يعاني في نيجيريا وحدها ، نحو 12,8 مليون شخص من أزمة غذائية خلال هذا الصيف، وقد يصل العدد في بوركينا فاسو إلى 2,9 مليون وفي النيجر إلى 2,3 مليون وتشاد وسيراليون 1,8 مليون ومالي 1,3 مليون وليبيريا ما يقرب من مليون شخص.

وفي اجتماع لشبكة تفادي أزمة الغذاء هذا الشهر، بدأ الحديث يتطرق إلى نقطة هامة للغاية وهي ضرورة إيجاد حلول أكثر استدامة لأزمة انعدام الأمن الغذائي، وليس مجرد استجابة فورية عبر تقديم مساعدات إنسانية للمتضررين.

تضم شبكة تفادي أزمة الغذاء، التي أنشئت قبل أكثر من 35 عامًا ممثلين عن دول غرب إفريقيا والساحل والمنظمات الإقليمية والجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية، وهي منصة للتشاور والتنسيق تسعى إلى تحليل الوضع الغذائي في المنطقة من أجل تكييف استجابات البلدان والجهات الدولية لمشكلة الجوع وسوء التغذية.

وقال إبراهيم ماياكي، رئيس وزراء النيجر السابق، خلال الاجتماع: ” لانريد أن نكون في حالة طوارئ دائمة، علينا إدارك ودراسة المشكلات الأساسية وإيحاد حلول، ومن الضروري أن نغير طريقة إدارتنا للأزمات، وهو ما يعني الاستثمار على المدى الطويل من أجل معالجة الأسباب الجذرية للمجاعة وسوء التغذية”.

وبحسب فرانس برس، أوضح سيبيري جان زوندي، المدير المساعد في سكرتارية نادي الساحل وغرب إفريقيا، إن “كسر الحلقة المفرغة للأزمات الغذائية المتكررة من خلال معالجة الأسباب الجذرية للمجاعة وسوء التغذية يتطلب سياسات جريئة.

نزاعات وجائحة

هناك أسباب مختلفة لتفاقم أزمة الأمن الغذائي في أفريقيا، منها الأحوال الجوية القاسية، التي تتراوح من الفيضانات والجفاف، وتؤدي دورا سلبيا في تعطيل الأنماط الزراعية، هذا بخلاف الدمار الذي أحدثه بدء غزو الجراد الصحراوي عام 2020، وحتى الآن، لم يتم بعد احتواء غزو الجراد في معظم أجزاء البلدان المتضررة في القرن الأفريقي.

وأحد أكثر العوامل تأثيرا في تفاقم نقص الغذاء في أفريقيا، هو النزاعات الطويلة الأمد، التي تضغط على الاقتصادات المقيدة وتعطل سبل العيش، كما يؤدي النزوح القسري وعبء اللاجئين إلى تقويض النظم الغذائية في المناطق المتضررة أو البلدان المضيفة.

وتقع المناطق الرئيسية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد في نطاق أزمات الحروب والعنف، مثل شمال شرق نيجيريا الذي يعيش لسنوات تحت نيران حركة بوكو حرام المتطرفة، وكذلك المنطقة الواقعة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ما يعرف بالحدود الثلاث، التي تتعرض منذ سنوات لهجمات جهادية تستهدف المدنيين.

كما تعاني أيضا من نقص الغذاء، بعض الدول التي لا تمتلك إنتاج زراعي، وتعتمد على السوق الدولية في توفير احتياجاتها في ظل ارتفاع مضطرد في أسعار المواد الغذائية، حيث ذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” أن الأسعار العالمية للمواد الغذائية الأساسية ارتفعت مجددًا في مارس الماضي.

بدورها أدت جائحة فيروس COVID-19 إلى تفاقم الجوع بين السكان الأكثر ضعفاً، حيث أدت عمليات الإغلاق وحظر التجول وإغلاق الحدود إلى تعطيل القطاعات الرئيسية بشكل كبير، وبخاصة سلاسل التوريد الزراعية، وهو ما أثر على قطاع يمثل 60 في المائة من العمالة في أفريقيا.

في أغسطس الماضي، ارتفع معدل البطالة الوطني في كينيا إلى 10.4 %، وفقًا لتقرير صادر عن المكتب الوطني للإحصاء في البلاد، وكان لهذا الوضع تأثير كبير على أصحاب الدخل المنخفض وأدى إلى توقف قدرتهم الشرائية للأغذية تقريبًا.

ومن المتوقع أن يجعل تأثير نقص الغذاء المستمر على المدى الطويل، من الصعب على أفريقيا تحقيق الهدف الثاني، من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030، وهو ما يجعل هناك حاجة ملحة لأن تبدأ حكومات القارة في اتخاذ تدابير لحماية الأمن الغذائي وتسريع إنعاش القطاع الزراعي، وفقا لموقع ” China Daily”.

تعاون إقليمي

هذا الأمر لا يقع على عاتق الحكومات وحدها بطبيعة الخال، فهو يستدعي تضافر الجهود بين أصحاب المصلحة الرئيسيين في القطاعين العام والخاص وكذلك وكالات التنمية، ومنظمات المجتمع المدني.

في 16 أبريل 2020 ، أصدر وزراء الزراعة الأفارقة ، بدعم من مفوضية الاتحاد الأفريقي ، إعلانًا بشأن الأمن الغذائي والتغذية خلال جائحة COVID-19، وكان الهدف من هذه التدابير هو الحد من الاضطرابات في نظم الأغذية والزراعة ودعم سبل كسب العيش والأمن الغذائي للفئات الأكثر ضعفاً.

واتخذت بعض الحكومات تدابيرا فورية لكنها قصيرة المدى لحماية لحماية السكان الأكثر ضعفاً، ودعم النظم الغذائية في أفريقيا أثناء الجائحة، وشملت هذه التدابير التي استهدفت الأسر ذات الدخل المنخفض، حزم التحفيز الاقتصادي، والتحويلات النقدية لفقراء الحضر والريف، والإعفاء الضريبي على الدخل، ومراجعة ضريبة القيمة المضافة للشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الصغيرة الفردية.

ومع ذلك، هناك حاجة إلى إجراءات متوسطة وطويلة الأجل لدعم القدرة على الصمود أثناء الجائحة وبعدها، ويجب على الحكومات تطوير آليات الإنذار المبكر، لتعزيز جاهزية الدول للتعامل مع أسباب نقص الغذاء.

وبحسب ليليان وامويو، المديرة التنفيذية لمركز هورن للتحليل الأمني ​​في معهد السياسة الأفريقية بكينيا، يجب على الحكومات في أفريقيا أيضًا، المبادرة في الاستثمار في أنظمة حماية شبكات الأمان لحماية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها في أوقات الأوبئة.

ومن الضروري أيضا أن تتعاون الدول في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي الأكبر حجمًا لمعالجة انعدام الأمن الغذائي المرتبط بتغير المناخ، وتعزيز الجهود المتضافرة واليقظة في معالجة انتشار الجراد الصحراوي الجديد في أجزاء من المنطقة.

وعلى الدول الإقليمية تعزيز التعاون لحماية الأمن الغذائي على المستويين المحلي والإقليمي، ما يعني تحركات جيدة التنسيق عبر الحدود وإدارة فعالة لقيود COVID-19 لتسهيل مرور وتسليم المنتجات الغذائية في الوقت المناسب، مع ضرورة إزالة الحواجز المصطنعة أمام التجارة الإقليمية وسوق المنتجات الزراعية.

وتشمل التدابير المستدامة التي يمكن للقارة اتخاذها لحماية النظم الغذائية زيادة الإنتاجية من خلال بناء القدرات في القطاع الزراعي ، والاستثمار في التخزين السليم للأغذية وحفظها لتقليل الفاقد قبل الإنتاج وبعده ، وتعزيز تنويع الأغذية ، بما في ذلك الأطعمة المحلية الأكثر مرونة لصدمات تغير المناخ.

كما أن هناك حاجة إلى معالجة دوافع انعدام الأمن الغذائي مثل النزاعات،  وأن تتعاون الحكومات مع وكالات المساعدة الإنسانية والتنمية لضمان وصول المساعدات الغذائية إلى الفئات الضعيفة من السكان ، مثل اللاجئين والنازحين داخليًا.