كتبت – د. سالي محمد فريد

أستاذ الاقتصاد المساعد – قسم السياسة والاقتصاد – كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة

تعد إيران حلقة الوصل بين الشرق الأوسط وآسيا، فضلًا عن الإمكانيات العسكرية التقليدية المؤثرة التي تمتلكها، ناهيك عن نفوذها الاقتصادي والثقافي المتصاعد، وقدرتها على استعمال السياسة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، فأصبحت إيران بعد عام 2003 أكثر قوة وفاعلية في المنطقة ويعود ذلك إلى تحقيق نفوذها الكبير في العراق مقابل تراجع عربي ملحوظ.

تسعى الدراسة إلى توضيح الابعاد الاقتصادية لازمة البرنامج النووي الإيراني، وتأثير ذلك على استقرار اسعار الطاقة وحركة الملاحة في ميناء هرمز والخليج العربي، وتداعيات تحول البرنامج إلى عسكري وامتلاك طهران القنبلة النووية على استقرار منطقة الخليج والدول الإفريقية، وذلك من النقاط التالية:

أولا: دوافع البرنامج النووي في إيران

ثانيا: موقف القوى الدولية من الملف النووي الإيراني

ثالثا: موقف دول الخليج من البرنامج النووي الإيراني

رابعا: موقف الدول الإفريقية من الملف النووي الإيراني

خامسا: أثر البرنامج النووي الإيراني على الدول الخليجية والإفريقية

سادسا: مقترح لاستراتيجية التعامل مع إيران

أولا: دوافع البرنامج النووي في إيران

إن ضخامة الاقتصاد الإيراني وقدرته على التأثير إقليميا تضفي المزيد من الأهمية على العلاقات الاقتصادية الإيرانية الخليجية فالاقتصاد الإيراني هو أحد أكبر الاقتصادات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتحتل إيران المركز الثاني بين اقتصاديات دول منطقه الشرق الأوسط بعد الاقتصاد السعودي.

أ- الدوافع الاقتصادية

ظلت إيران تؤكد على أن برنامجها النووي يندرج في سياق الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، مع التركيز على أن المفاعلات النووية التي تسعى إيران إلى بنائها سوف توفر حوالي 20% من طاقاتها الكهربائية، لاسيما أن الزيادة السكانية العالية وخطط التنمية الاقتصادية سوف تزيد من معدلات استهلاك الطاقة في إيران، كما أن بناء هذه المفاعلات سوف تساعد في الحد من استهلاك الطاقة المتولدة عن طريق النفط والغاز، مما سوف يساعد بدوره على الحفاظ على هذين الموردين بهدف توجيهما نحو التصدير من اجل الحصول على المزيد من العائدات المالية[1].

ب- الدوافع العسكرية

قامت سياسة إيران الأمنية على محورين رئيسيين، أولهما امتلاك القدرة الدفاعية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية، أما المحور الآخر فيتمثل في تعزيز الدور الاستراتيجي لإيران سواء في منطقة الخليج أو الشرق الأوسط، فهي إذا أرادت أن تلعب دورًا في المنطقة، فهذا يتطلب منها امتلاك السلاح النووي، إلى جانب حماية النظام الإيراني من محاولة تغييره، وحماية مصالح إيران الحيوية في ظل النظام العالمي الحالي والمتغيرات الدولية وإيجاد بيئة تشكل أقل تهديد له[2].

ج- الدوافع الاستراتيجية

يعتبر السلاح النووي له دور في الاستراتيجية الإيرانية على المدى الطويل، بشكل يسمح لإيران بالقيام بدور استراتيجي على الأصعدة الإقليمية والدولية، إلى جانب ضمان بناء القوات المسلحة الإيرانية، ضمن برنامج متكامل وشامل، ولذلك فإن السلاح النووي يُمكن أن يُقدم لإيران أداة بالغة الأهمية لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.[3]

خريطة رقم (1): المواقع النووية الإيرانية

د- الدوافع السياسية

يحيط بإيران دول جوار يربطها بها تاريخ مضطرب؛ لذا فإنها تشعر بالحاجة إلى إظهار نفسها كقوة متفوقة، فعلاقاتها متوترة مع العرب، ومع دول بحر قزوين ومتأرجحة مع تركيا وباكستان وأفغانستان وسيئة مع إسرائيل. فنادرًا ما كانت إيران قادرة على تكوين تحالفات استراتيجية مع جيرانها، أو علاقات جوار تقوم على التعاون المشترك طويل المدى.[4]

ه- موقف إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية

استنتجت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) بعد زيارات عدة إلى مواقع إيرانية عام 2003 أن هناك عددًا من المنشآت التقنية ذات خصوصية حساسة، وقد أثارت الوكالة تساؤلات إزاء احتمال قيام محاولات تخصيب لليورانيوم. جاء ذلك بعد فترة من اعتراف إيران باستيرادها مواد تستخدم لاستخلاص عنصر اليورانيوم في التخصيب وفي وقود القنبلة النووية، هذا بالإضافة إلى إجرائها لتجارب مختبرية لإنتاج الماء الثقيل. وعلى الرغم من مستوى التجارب المختبري وليس الإنتاجي لم تعلق الوكالة على الأمر في حينه، ولكن وبعد عملية تحليل أجرتها الوكالة في يونيو 2003 على نماذج من التربة لتخصيب الوقود وظهور يورانيوم عالي التخصيب فيها، صرحت الوكالة الدولية أن إيران أخفقت في التزاماتها تجاه معاهدة حظر الانتشار النووي وبأنها لم تكن شفافة في نشاطاتها النووية أو استيرادها للمواد ذات العلاقة (مزدوجة الاستخدام)، وطالبت إيران بالإفصاح الكامل عن كافة نشاطاتها ولا سيما مشروع التخصيب وتجارب ما بعد التحويل، ثم دعاها إلى وقف نشاطات التخصيب كافة وتوقيع بروتوكول إضافي مع الوكالة قبل أكتوبر 2003 ويسمح للوكالة بالتفتيش الاستثنائي على منشآت إيران ذات العلاقة بالمشروع النووي.[5]

ولحل الأزمة بين الوكالة الدولية وإيران عمل وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على حث إيران على استصدار موافقة للتعاون مع الوكالة قبل نهاية فترة الإشعار، وكانت النتيجة أن أعلنت إيران في أكتوبر 2003 بأنها ستتعاون مع الوكالة بكل شفافية ووضوح وبأنها ستوقع البروتوكول وتوقف كافة نشاطات التخصيب. وتم توقيع البروتوكول فعلًا في ديسمبر 2003. وصدر قرار مجلس الوكالة ليقضي بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن من دون اتخاذ إجراءات عقابية في هذه المرحلة، وبذلك أصبحت إيران في وشك فرض عقوبات عليها ما لم تمتثل لقائمة طلبات قرار مجلس الوكالة، خلال العامين 2006 و2007 ظلت إيران تلعب على عنصر كسب الوقت مع الترديد الرسمي من قبل قادة إيران على أن البرنامج النووي الإيراني لن يتوقف تحت أي ظرف ومهما كانت العقوبات وأنه موجه لخدمة الأغراض السلمية للطاقة. وقام الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، بأمر وقف التعاون مع الوكالة الدولية، ثم قام مجلس الأمن بفرض عقوبات على طهران.[6]

ومع انتهاء عام 2015 توصلت إيران والدول الست الكبرى، إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في محادثات طويلة -جرت في لوزان بسويسرا- أتاحت إجراء مفاوضات أخرى من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي. وهذا ما تم الاتفاق عليه، السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع المشتبه بها، خفض قدرات إيران على التخصيب، خفض عدد أجهزة الطرد المركزي، فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات المفروضة من قبل أوروبا والولايات المتحدة عن إيران.[7]

خريطة رقم (2): التغيرات المتفق عليها بموجب اتفاق الحد من البرنامج النووي الإيراني

أما في 2016 أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران نفذت تعهداتها بموجب الاتفاق النووي مع القوى الست الكبرى، مما دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الإعلان عن دخول الاتفاق حيز التنفيذ ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن إيران، ويعتبر ذلك الجزء الأخير من قضية البرنامج النووي الإيراني حتى الآن، ولكنه ليس النهاية الكاملة لهذا البرنامج[8].

ثانيا: موقف القوى الدولية من الملف النووي الإيراني

على الرغم من أن كافة القوى الدولية والإقليمية التي تعتبر أطرافًا رئيسية أو ثانوية في الأزمة النووية الإيرانية كانت تتفق من حيث المبدأ على ضرورة امتناع إيران عن مواصلة أنشطتها النووية المحظورة ووقف عمليات تخصيب اليورانيوم، إلا أنها تباينت في إدارتها للأزمة ليس فقط بحكم تباين مصالحها أو اختلاف علاقاتها مع إيران، ولكن الأهم من ذلك بحكم اختلاف تصوراتها بشان إدارة قضايا السلم والأمن على الساحة الدولية، ومنها قضايا منع الانتشار النووي. لكن الاتجاه السائد هو التخوف من امتلاك إيران لأسلحه نووية ووجود دوافع ورغبات قوية لإيقاف المشروع النووي الإيراني أو على الأقل ضمان استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، وفي الوقت الذى اعترف فيه الاتحاد الأوروبي بحق إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية واتباع أساليب سلمية لحل التوتر الحاصل بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما اصرت الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام اسلوب التشدد والتلويح باللجوء للخيار العسكري في التعامل مع إيران بشان ملفها النووي خصوصا أن الادارة الأمريكية ترى أن تطوير إيران للتكنولوجيا النووية يمثل خطرا على السلم والامن الدوليين[9].

  • موقف الولايات المتحدة الأمريكية

يشكل امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية القلق الأكبر لواشنطن التي دائما ما توجه اتهامها بتطوير أسلحة نووية ففي حين يعتقد الكثيرون أن واشنطن لن تستطيع إيقاف برنامج إيران النووي لكنها ستصر على جعلها أكثر شفافية بشأن أنشطتها النووية، فالموقف الأمريكي يقوم على اتهام إيران بانتهاك معاهدة حظر الانتشار النووي، فمنذ وقت طويل والولايات المتحده تخشى من حصول إيران على السلاح النووي، خاصة وأن إيران كانت على رأس قائمة الدول التي تخشى الولايات المتحدة حصولها على هذا السلاح، مما جعلها تعرقل أي استخدام إيراني سلمي للطاقة النووية[10].

ب- موقف الاتحاد الأوروبي

حرصت إيران على إجراء عدة محاولات تفاوضية مع الاتحاد الأوروبي لإيمانه -منذ بدء الأزمة- بانتهاج المسار التفاوضي والأساليب الدبلوماسية بعيدا عن التهديد باستخدام القوة انطلاقا من مقولة أن الشرق الأوسط غير قادر على تحمل المزيد من الكوارث ذات الطابع العسكري والتي من الممكن في الحالة الإيرانية أن تتحول إلى كارثة عالمية.[11]

ج- موقف روسيا

هناك محددان أساسيان يحكمان الموقف الروسي من الأزمة النووية الإيرانية، المحدد الأول: علاقات التعاون النووي والاقتصادي الوثيقة مع إيران، حيث تعتبر روسيا واحدة من أقوى الشركاء التجاريين لإيران، أما المحدد الثاني: يتمثل في حرص روسيا -رغم مصالحها الوثيقة مع إيران- على ألا تستطيع إيران في نهاية المطاف امتلاك السلاح النووي حتى لا يتسبب ذلك في الإخلال بالتوازن الاستراتيجي العالمي بشكل عام، ويتمثل رفض روسيا للبرنامج النووي لما كان يتضمنه المشروع من فرض حظر شامل على البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وإصرار روسيا على أن يقتصر الحظر على الأنشطة النووية الإيرانية المثيرة للشكوك، ولاسيما تلك المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإنشاء مفاعل الماء الثقيل[12].

د- موقف إسرائيل

ترفض إسرائيل البرنامج النووي الإيراني سواء كان للأغراض السلمية أو العسكرية، حيث رفضت فكرة استكمال المشروع النووي الإيراني باعتباره يشكل مصدر خطر وتهديد مباشر لأمن إسرائيل، ورفض إسرائيل لا يُعزى إلى الخوف من تهديد أمن إسرائيل، ولكن الخوف من تعاظم الدور الإيراني في المنطقة، وإمكانية أن يكون هناك حليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية بديلًا عن إسرائيل في رعاية المصالح الأمريكية والأوروبية في منطقة الخليج العربي، ومن ثم فقدان الدعم والقوة الأمريكية والأوروبية والتي تحمي إسرائيل وتمنع إدانتها باستمرار بالرغم من تجاوزتها وأطماعها التوسعية في المنطقة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان[13].

وعموما لا تعد منطقة الشرق الأوسط لاعبا بارزا في خريطة الطاقة النووية في العالم وهو المجال الذي يظل حكرا على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا والصين واليابان، وتعتبر روسيا المزود الرئيسي لدول المنطقة الراغبة في الحصول على مفاعل نووي في إطار الرغبة في تنويع مصادر الطاقة، وبالإضافة إلى إيران، تعد الإمارات العربية المتحدة وتركيا الدولتان الوحيدتان في منطقة الشرق الأوسط، اللتان تمتلكان مفاعلا نوويا.

ثالثا: موقف دول الخليج من البرنامج النووي الإيراني

على الرغم من تفوق إيران على دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعه من حيث عدد السكان إلا أن حجم اقتصاد الدول الخليجية مجتمعة يفوق حجم الاقتصاد الإيراني بنحو أربعة أضعاف، كما أن نصيب الفرد الخليجي يعادل ثمانية أضعاف نصيب الفرد الإيراني. إن التعاون الاقتصادي بين إيران ودول الخليج يحقق مصالح للجانبين اقتصاديا وسياسيا بل وأمنيا، حيث أنه وسيلة فعالة لتخفيف حالة التوتر بين الجانبين وتحقيق مستوى أعلى للأمن الإقليمي والوطني والحد من فرص التدخل الخارجي في المنطقة واستنزاف ثرواتها[14].

مما لا شك فيه أن دول الخليج تدرك أن تطوير القدرة النووية الإيرانية يعد عاملًا آخر من عوامل عدم الاستقرار التي تهدد المنطقة ولا يمكن توقع نتائجه سواء حاليًا أو على المدى البعيد، ومع التسليم بتلك القناعة، إلا أن الدول الخليجية لم تعد آلية واضحة للتعامل مع تلك القضية حال تصعيدها وهو أمر محتمل، ويبدو أن هذه الدول ترى إنهاء هذا الملف من خلال وسائل الضغط الدبلوماسية .

وينبغي التمييز بين موقف مجلس التعاون الخليجي وموقف دول الخليج من هذا الاتفاق. بالنسبة لموقف مجلس التعاون الخليجي كمؤسسة إقليمية، فقد غلب عليه فكرة “الموافقة المشروطة” حيث رحب المجلس الوزاري الخليجي بالاتفاق بين الدول الكبرى وإيران بشأن برنامجها النووي، على أن يكون مقدمة للتوصل إلى حل شامل لهذا الملف، ودعا المجلس إلى التعاون التام مع وكالة الطاقة الذرية. والتوصل لمرحلة جديدة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران مبنية على عدم التدخل وحسن الجوار وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، فقد تجنب رؤساء الدول الخليجية مواجهة إيران بصورة مباشرة في موضوع برنامجها النووي، وذلك بالرغم من الاتهامات الغربية التي تقول بأن طهران قد أصبحت قريبة جدا من صنع أول سلاح نووي.[15]

وعلى الرغم من التباينات السياسية بين إيران والدول الخليجية إلا أن التعاون الاقتصادي كان أحد أهم عوامل التقارب بين الجانبين، حيث تعد تلك الدول أكبر الشركاء التجاريين لإيران. ولم تقتصر العلاقات الاقتصادية بين الجانبين على التبادل التجاري، حيث بدأت كل من الكويت وإيران بحث مشروع نقل المياه الإيرانية إلى دولة الكويت، كما أن المشروع سوف يتيح لإيران استثمار مصادر المياه بشكل أمثل كما يتيح جذب الاستثمارات لإيران، فضلا عن تخفيف الاعتماد على النفط والغاز لزيادة العائدات[16].

وتتمثل أبرز أسباب التباعد بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، في الخلافات الطائفية بين المذهب السني الذي تعتنقه غالبية شعوب دول الخليج العربية والمذهب الشيعي الذي تتبناه إيران، والتشدد الإيراني حيال قضية الجزر الإماراتية إلى درجة رفض التعاون مع اللجنة الثلاثية التي شكلها مجلس التعاون الخليجي للوساطة بين طهران وأبوظبي. وتأييد إيران عام 2001 المرشح الفنزويلي لأمانة أوبك ضد المرشح السعودي الأوفر حظًا. هذا بالإضافة لانتقاد إيران المتكرر للبيانات الختامية التي تصدرها قمم دول مجلس التعاون لاحتواء تلك البيانات على إدانة لها بسبب إصرارها على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وإجراء مناورات بحرية ضخمة في بعض الأحيان في الخليج وعند مضيق هرمز وبحر عمان.[17]

كما تتمثل أبرز أسباب التقارب في زيارات متبادلة منذ عام 1997 إلى الآن بين مسؤولين في قمة الهرم السياسي من إيران ومن بعض دول مجلس التعاون الخليجي. والتوقيع على اتفاقيات تعاون بين إيران ومجلس التعاون تغطي الفترة ما بين 1997 و2002 وبلغت 42 اتفاقية في مختلف المجالات التعاونية، هذا بالإضافة لاتفاقية للتعاون العسكري بين إيران وسلطنة عمان في التسعينات. واتفاقية للتعاون الأمني بين إيران والسعودية وتشمل أوجه التعاون في مجالات مكافحة الجريمة والإرهاب وغسيل الأموال وغيرها، كما توجد ثماني لجان مشتركة بين إيران ودول المجلس أبرزها اللجان العليا بين الجانبين. وقد تم إعفاء مواطني دول مجلس التعاون من الحصول على تأشيرات دخول إلى إيران.[18]

ومع ما يلاحظ من تغليب مسببات التقارب ومحاولة دول مجلس التعاون الاقتراب من طهران فما زال هناك نوعا من عدم تسريع خطوات التطبيع.

رابعا: موقف الدول الإفريقية من الملف النووي الإيراني

يدلل النشاط الدبلوماسي على أولوية القارة في الأجندة الإيرانية، وانتشارها فيها، إذ تمتلك سفارات في أكثر من 30 دولة، وعقدت العديد من القمم الإفريقية الإيرانية المشتركة، كما تتمتع بصفة العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي، وقد حاولت إيران كسب الأفارقة إلى صفها من خلال تبني خطاب المواجهة مع الغرب، فبانتشارها في كل أرجاء القارة الإفريقية تزاحم إيران القوى الدولية والإقليمية على حد سواء، حيث يمكّنها تواجدها في منطقة القرن الإفريقي من تسهيل تواصلها مع أتباعها الحوثيين في اليمن ودعمهم بالأسلحة، وما يترتب عليه من ضغط على دول مجلس التعاون الخليجي وبشكل خاص المملكة العربية السعودية. كما تتيح لنفسها المساومة مع القوى المنافسة لها وتحديدا الولايات المتحدة وإسرائيل[19].

تسعى إيران لتطوير علاقاتها مع دول شرق إفريقيا مثل كينيا وتنزانيا وإريتريا وجزر القمر، كما استطاعت إيران إقامة علاقات جيدة مع جنوب إفريقيا بسبب موقف إيران من نظام الفصل العنصري الذي كان متحالفا مع إسرائيل، فإن مسؤولي جنوب إفريقيا انتقدوا التوجّه الأمريكي في القضية النووية الإيرانية، ووصفوه بأنه منافق (بسبب دعمها الضمني للنشاطات النووية الإسرائيلية)، ودعوا كلّ الأطراف إلى إيجاد حلول من خلال التعامل الدبلوماسي[20].

وتعتبر إيران من الدول المصدرة للنفط لبعض دول القارة، فقد بلغ حجم صادراتها النفطية إلى إفريقيا جنوب الصحراء ما قيمته 3,60 مليار دولار عام 2017 بالمقارنة مع 1,36 مليار دولار عام 2003، لكن العلاقات الاقتصادية الإفريقية الإيرانية تشمل مجالات أخرى، وهي كلها مرتبطة ارتباطا وثيقا بمشروعها النووي بأشكال مختلفة، فمن جهة تتطلع للحصول على اليورانيوم الذي تعد القارة من أكبر منتجيه، إذ تسهم بحصة 20% تقريبا من الإنتاج العالمي، والنيجر منفردة تملك سادس أكبر احتياطيات منه، ويعتقد بعض المحللين أن طهران في سعيها داخل إفريقيا انتهجت سبلا متنوعة، منها سياسة النفط مقابل اليورانيوم[21].

ومن جهة ثانية تقوم بالدخول في العديد من المشروعات الاقتصادية مع الدول الإفريقية، مثل فتح فروع لشركة خودرو الإيرانية لإنتاج السيارات وتكثيف الاستثمار في قطاعات الزراعة أو تطوير التعاون في مجالات المياه والصحة والهندسة والطرق، فضلا عن السلاح الذي تعد إيران أكبر مصدريه إلى السودان، وتحاول أيضا توظيف خبراتها في المجال النووي لكسب الأفارقة إلى صفها في البرنامج النووي، وذلك من خلال  إقامة مشروعات في مجال الطاقة الكهربائية مع بعض الدول مثل نيجيريا والسنغال وسيراليون وبنين ومالي، لنقل خبراتها في هذا المجال وحثها لتسير على خطاها[22].

وحاولت طهران كسب الأصوات الإفريقية في هيئة الأمم المتحدة وفي مجلس حقوق الإنسان، وأيضا ضمن مجلس الأمن الذي تملك القارة ثلاث ممثلين غير دائمين لها فيه، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالصوت الإفريقي إن لم يكن مساندا لإيران فهو على الأقل في كثير من الأحيان ليس معاديا لها، حيث تميل بعض الدول الإفريقية إلى الامتناع عن التصويت عند مناقشة الملف الإيراني، وهو يساعد في التصدي أو التخفيف من أي قرارات دولية ضد طهران، إلى جانب نيل تأييد برنامجها النووي، وذاك ما أعلنته الكثير من الدول الإفريقية بالفعل، مثل السودان والسنغال وكوت ديفوار وجيبوتي وإريتريا. وتأييد الدول الإفريقية منفردة امتلاك إيران لبرنامج نووي سلمي والذي يصرح به مسؤولوها في أي مناسبة تجمعهم بنظرائهم الإيرانيين، وأيضا رفض ممثلي القارة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية نقل الملف إلى مجلس الأمن، وحتى بعد ذلك كان ممثلوها فيه يرفضون إقرار العقوبات الدولية على إيران[23].

خامسا: أثر البرنامج النووي الإيراني على الدول الخليجية والإفريقية

  • تهديد الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج

مما لا شك فيه أن امتلاك إيران لأسلحة نووية من شأنه التأثير على استقرار منطقة الخليج من زاويتين: الأولى: تكريس الخلل القائم في موازين القوى، حيث إن حقائق الجغرافيا السياسية تشير إلى أن القوة الإيرانية الحالية إذا أرادت أن تتجه فإن مسارها لن يكون للشمال أو للشرق، ففي الشرق هناك القوى النووية الآسيوية الكبرى، وفي الشمال هناك روسيا، وبالتالي فإن إمكانية التمدد المتاحة لإيران هي في الغرب، ويضاف إلى هذا معاناة الجيوش الخليجية من نقص الأفراد المستعدين للخدمة في القوات المسلحة أو الالتزام بالحياة العسكرية، لذلك زعزعة توازن القوي بمنطقة الخليج العربي هو الخطر الذي يهدد منطقة الخليج العربي، فلن تستطيع أيه دولة خليجية مقاومة الأطماع الإيرانية في المنطقة، في ظل النبرة العدائية التي تتعامل بها إيران مع دول الخليج قبل امتلاكها السلاح النووي، فالأطماع الإيرانية في المنطقة لا تتوقف عند زعزعة أمنها واستقرارها، بل تتجاوزها إلى دعم ميلشيات مسلحة للتدخل في شئون الدول العربية الخليجية وغير الخليجية لإيجاد ثغرة تستطيع من خلالها التغلغل عبر مؤيدين لسياستها في المنطقة [24].

أما الثانية فهي: إمكانية نشوب صراع عسكري بين إيران والأطراف المعنية بالقضية النووية تنعكس آثاره على المنطقة، ومن ثم فإن الرد الإيراني قد يأخذ أشكالًا عديدة، منها أن تقوم إيران بضرب القواعد الجوية والقطع البحرية الأمريكية في دول الخليج العربية، وهو الأمر الذي ينذر باحتمال أن تتحول المواجهة المباشرة المتوقعة بين إيران والولايات المتحدة إلى حرب إقليمية عواقبها عديدة منها إمكانية قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، مما يعوق تدفق النفط الخليجي إلى الدول الغربية والولايات المتحدة؛ لأنه إذا فرضت عقوبات على إيران بطريقة تهدد مصالحها الوطنية فإنها لن تسمح بتصدير نفط من المنطقة، فضلًا عن أنها قد تستهدف السفن الأجنبية الأمر الذي من شأنه التأثير على حركة الملاحة في الخليج، ومن ثم على استقرار الأسواق النفطية، وهو ما سوف يؤثر سلبًا على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر مهم للدخل القومي، ومن ناحية أخرى، قد تستهدف إيران المصالح الأمريكية في المنطقة سواء كانت شركات أو مصانع أو حتى أفراد.[25]

ب- صعوبة التوصل إلى صيغة مشتركة لأمن الخليج

تعد تلك القضية من القضايا الخلافية في العلاقات الإيرانية-الخليجية، فإيران تطالب دومًا بأن يكون لها دور في الترتيبات الأمنية الخاصة بالمنطقة، الأمر الذي يتعارض مع رؤية دول مجلس الخليج لتلك، وفي ظل هذا الاختلاف طرحت عدة صيغ لأمن الخليج من جانب إيران، فضلًا عما أوردته مراكز الدراسات المتخصصة في هذا الشأن، ألا أن إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي من شأنه أن يعوق إمكانية التوصل إلى صيغة أمنية مستقبلية لأمن الخليج وذلك لعدة اعتبارات:

أولها: إمكانية قيام سباق نووي ليس في منطقة الخليج فحسب، وإنما في المنطقة العربية كلها، حيث ستعمل الدول العربية جاهدة من أجل دخول النادي النووي، وثانيها: أن دول مجلس التعاون الخليجي في سعيها لإقامة صيغة أمنية مشتركة في الخليج لا بد وأن تحصل على ضمانات دولية ملزمة من المجتمع الدولي بشأن إجراءات بناء الثقة مع الأطراف الإقليمية ومنها إيران، وأول هذه المتطلبات عدم تهديد أمن تلك الدول سواء بامتلاك الأسلحة النووية أو غيرها. وثالثها: امتلاك إيران للسلاح النووي من شأنه أن يقوض كافة الخطوات التي بذلها الجانبان الخليجي والإيراني واستهدفت حسن الجوار وتعزيز الثقة والمنافع المتبادلة، وصولًا إلى إيجاد منظومة أمنية وإقليمية تقوم على أسس عدة يأتي في مقدمتها نبذ اللجوء إلى القوة وحل كافة القضايا العالقة بالحوار والتفاوض.[26]

تؤكد المؤشرات أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن استخدام القوة ضد أي قوة نووية محتملة، وفي هذا الصدد أشار تقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنه إذا استطاعت دولة معادية للولايات المتحدة أن تحصل على أسلحة دمار شامل، خاصة الأسلحة النووية فإن الخطر سيكون كبيرًا، وشدد التقرير على أن الولايات المتحدة لابد أن تكون أشد قلقًا فيما يتعلق بإيران وامتلاكها أسلحة نووية، وفي ظل إمكانية نشوب حرب ضد إيران فإن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تواجه مأزقًا حقيقيًا، حيث لن تكون الدول الخليجية الست بمنأى عن تداعيات أية ضربات استباقية أو عمليات عسكرية متصلة. كما أنه على الرغم من أن تلك الدول تعد حليفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة بموجب اتفاقيات أمنية ثنائية (باستثناء المملكة العربية السعودية)، فإنه من المستبعد أن تقدم هذه الدول تسهيلات لوجيستية للعمليات العسكرية ضد إيران، بل إنها قد تدفع في سبيل الحل الدبلوماسي السلمي، حيث أن الدول الخليجية بها نسبة كبيرة من الشيعة، ومن ثم فإن الدول التي تسمح باستخدام أراضيها لضرب إيران قد تتعرض لعمليات إرهابية كما حدث خلال الحرب العراقية – الإيرانية[27].

ج- الأثر على استقرار أسعار الطاقة

إن طهران ووكلاءها يتخوفون من مشاريع نقل النفط البديلة لطريق هرمز، فعلى سبيل المثال، يُعد ميناء الفجيرة أحد منافذ الإمارات البديلة لتصدير النفط من خليج عمان للأسواق الآسيوية والأوروبية بدلًا من هرمز، وذلك من خلال خط أنابيب “أبو ظبي للنفط الخام” الذي يمتد لمسافة 400 كم من حقل حبشان بإمارة أبوظبي مرورًا بسويحان إلى الميناء، وبسعة تقارب 1.5 مليون برميل يوميًّا (أي نصف صادراتها للعالم تقريبًا). ومن جانب آخر، يُعد خط أنابيب “شرق-غرب” بالسعودية أحد البدائل الرئيسية لنقل النفط دون المرور بمضيق هرمز، حيث يقوم بنقل النفط الخام من الحقول بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على ساحل البحر الأحمر، ويمتد الخط لمسافة 1200 كم، ويقوم بنقل 2 مليون برميل من النفط الخام يوميًّا من أصل طاقته الكلية البالغة 5 ملايين برميل يوميًّا، كما تخطط شركة أرامكو لتوسيع طاقته إلى 6.5 مليون بحلول عام 2023. وتقود السعودية، أكبر مصدر للنفط بالعالم، تحالفًا يضم الإمارات والولايات المتحدة، للحفاظ على توازن الأسواق النفطية بعد التطبيق الكامل للعقوبات الأمريكية ضد إيران، ولكن تلجأ طهران ووكلائها لاستخدام الطائرات دون طيار “الدورنز” في استهداف المنشآت النفطية، وتتميز هذه الطائرات بأن لديها قدرة على تحديد أهدافها بدقة، وضرب الأهداف بسهولة، حيث تسير وفقًا لبرنامج محدد يتم برمجتها عليه لطريق تسلكه، كما يمكنها القيام بعمليات خاطفة بكل سهولة دون التعرض لخسائر كبيرة مثل الطائرات الحربية[28].

د- الأثر على تهديد الملاحة ومضيق هرمز والخليج العربي

تقوم إيران وأذرعها وميلشياتها بتهديد الملاحة الدولية وتهديد أمان إمدادات الطاقة، عبر استهداف ناقلات النفط وسفن التجارة في الخليج العربي وبحر العرب، ورغم أن الجهة التي تقف وراء العمليات التخريبية للسفن الأربع قرب المياه الإقليمية للإمارات، لم يتم الكشف عنها بعد، إلا أن المتتبع لهذه الهجمات يلاحظ أن طهران دائما ما تفتعل أزمات حول الملاحة البحرية في كل من مضيفي هرمز وباب المندب للتهرب من الأزمات الداخلية والتطورات المرتبطة بإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.[29]

ويعد مضيق هرمز أحد الممرات الرئيسية حول العالم في نقل النفط، ويمر عبره 20% من استهلاك النفط العالمي من منتجي النفط الخام في الشرق الأوسط إلى الأسواق الرئيسية في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وخارجها، ويفصل الممر المائي الضيق إيران عن شبه الجزيرة العربية، كذلك فإن نحو 10% من إنتاج النفط العالمي يمر عبر باب المندب.[30] وبالتالي فإن تهديد أمن وسلامة الملاحة الدولية في تلك الممرات الحيوية المهمة قد يتسبب في نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي، سواء فيما يتعلق بإمدادات الطاقة للعالم، أو أسعار النفط، أو تأثير ذلك على حركة التجارة الدولية، بما يعني أنه قد يهدد استقرار الاقتصاد الدولي، إذا ما لم يتم ردع من يعبث بأمن الملاحة في تلك الممرات المهمة، وتهديد الأمن والسلامة الدولية، ومن هنا تأتي أهمية تضافر الجهود الدولية لمنع أي تهديد لأمن وسلامة حركة الملاحة البحرية وحماية وضمان أمن إمدادات الطاقة للعالم، كذلك فإن هناك حاجة ماسة لوضع حد لقيام النظام الإيراني بالتهديد دائما باستخدام ورقة أمن المضائق والممرات البحرية وتهديده للأمن والاستقرار في العالم.

ه- الآثار البيئية المباشرة

تعد دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي سوف تصاب بالضرر المباشر جراء الأسلحة النووية الإيرانية، حيث يقع مفاعل بوشهر الذي يمد أحد أهم مرافق المشروع النووي الإيراني على بعد 280 كم من مدينة الكويت، ويعتمد هذا المفاعل بصفة أساسية على تقنيات مستوردة من روسيا التي لا تملك عناصر الأمان النووي المضمونة، وبالتالي فإنه في ظل الحظر الغربي على الآلات والمعدات التي تستخدم في الصناعة النووية، فإن إيران قد تسعى لإنجاز وإتمام تسلحها النووي اعتمادًا على آلات نووية أقل ضمانًا، ومن ثم تصبح دول الخليج في مرمى الخطر إذا ما حدث تسرب، ومن ناحية أخرى، فإن إيران في محاولتها التخلص من النفايات النووية قد تتجه إلى التخلص من الماء الثقيل في الخليج الأمر الذي من شأنه أن يخلق أزمة تلوث لكل دول المنطقة تنتج عن تسرب المواد النووية المشعة في مياه الخليج وتستمر آثارها عشرات السنوات[31].

و- الأثر على الدول الإفريقية

تابعت مصر باهتمام كبير القرار الأمريكي الخاص بالانسحاب من الاتفاق المبرم بين مجموعة الدول الست (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا) وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، وطالبت بضرورة وفاء إيران بالتزاماتها الكاملة، وفقا لمعاهدة عدم الانتشار النووي واتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يضمن استمرار وضعيتها كدولة غير حائزة للسلاح النووي طرف بالمعاهدة، ويُعزز من فرص إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، الأمر الذي يُعضد الاستقرار والسلام بالمنطقة. والتوقف عن تبني سياسات أو اتخاذ إجراءات تستهدف المساس بأمن المنطقة العربية، وتأمل مصر ألا يترتب على التطورات الحالية أي صراعات مسلحة بالمنطقة تهدد استقرارها وأمنها [32].

إن الانفراجة في العلاقات الإيرانية الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام لا تعني بالضرورة تغيرا في نظرة إيران لعلاقاتها مع القارة الإفريقية، فالتوجهات الاقتصادية عامل ثابت دائما، أما سياسيا فإن ذلك قد يمكنها بشكل أو آخر من توسيع نفوذها الذي يبقى أيضا بعيدا عن تهديد المصالح الأمريكية والتي لم تمس بشكل مباشر، ولكن حالة عدم اليقين والشك تبقى دائما تتحكم في سياسات الطرفين، وفي اتجاه موازٍ فإن المتضرر الأكبر من هذا سيكون العرب فقد كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية أن مجلس الأمن القومي الإيراني أقر الاستراتيجية الإيرانية الجديدة المتمثلة في نقل ثقل المعركة من الشمال في سوريا ولبنان إلى جنوب الجزيرة العربية في اليمن والبحر الأحمر والقرن الإفريقي مستغلة العلاقات القوية التي تربطها بالنظام الإرتيري[33].

خامسا: مقترح لاستراتيجية التعامل مع إيران

نظرًا لكون العلاقات التي تربط الدول الخليجية والإفريقية بإيران ذات طابع استراتيجي دائم ومستمر وذلك بحكم المحددات الجيوسياسية والاقتصادية والديموجرافية والثقافية، فإنه قد يكون من الناجح إعادة هيكلة استراتيجية إدارة العلاقات مع إيران في المجالات والقضايا كافة. لذا فقد يكون من الأوفق أن ترتكز عملية إعادة هيكلة هذه الاستراتيجية المستقبلية على المحاور الرئيسية: منها تطوير عامل ردع خليجي في مواجهة إيران، من خلال عدة آليات ومقومات تمتلكها دول مجلس التعاون الخليجي، وتتسم بخصوصيتها الخليجية الدائمة ولا ترتهن بتقلبات المصالح وتغير أدوار القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في المنطقة. ويأتي في مقدمة هذه الآليات: الإسراع باستكمال مسيرة التكامل والاتحاد الخليجي، لاسيما في جوانبها الدفاعية، والعسكرية، والاقتصادية، وكذلك تعزيز التعاون والتنسيق على المستوى العربي، تأطير العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران بصورة مؤسسية وبشكل جماعي يتجاوز الأساس الثنائي الذي يحكم هذه العلاقات في الوقت الراهن، وتعزيز علاقات الشراكة الخليجية-الأمريكية؛ حيث ستبقى الولايات المتحدة الأمريكية الموازِن الكفء لإيران في الخليج خلال السنوات المقبلة، وذلك بالرغم من توقيع الاتفاق النووي مع طهران، فثمة مصالح حيوية دائمة لواشنطن في المنطقة، وهي حريصة على عدم السماح بانفراد إيران بأمن الخليج. وبالتالي، فإن الاتفاق النووي أسهم في تحول العلاقة بين واشنطن وطهران من الصدام إلى التقارب النسبي، دون التفريط في تحقيق أمن الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة[34].

مما سبق يتضح أن أي محاولة لتحجيم المشاريع النووية الإيرانية لا بد له أن تنعكس إيجابيًا على السلم في منطقة الخليج ومنطقة القرن الإفريقي، واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الإيجابية بين كل من إيران والدول الإفريقية والدول العربية، وعلى الأخص الخليجية منها وأن تسعى هذه الدول إلى تحقيق التنمية المستدامة بحيث تكون أكثر قوة واستقرار ويمكنها التعامل بثبات مع إيران.

الهوامش


[1] – محمد أكرم دياب، ”تاريخ البرنامج النووي الإيراني”، موقع: بوابة الفجر، 2016

http://www.elfagr.org/1696570

-[2]  المرجع السابق مباشرة

[3] – عبدالحي وليد، “إيران مستقبل المكانة الإقليمية عام 2020″، الجزائر، مركز الدراسات التطبيقية والاستشراف، 2010.

[4] – المرجع السابق مباشرة

[5]– Shibley Telhami and Steven Kull, “preventing a Nuclear Iran peacefully”. New york Times, January 15, 2012.

[6]– Ibid.

[7] – أحمدي نجاد، “البرنامج النووي الإيراني اقترب من الذروة”، الأخبار، 28/ 3/ 2016.

[8] – المرجع السابق مباشرة

[9] – راغب السرجانـي، “البرنامج النووي الإيراني وسيناريوهات المستقبل”، الملف النـووي الإيراني”، قصـة الإسلام، 2016.

[10] – نقولا ناصر، “شراكة عربية-إيرانية أم شراكة إيرانيـة-أمريكية”، شبكـة الإنترنت للإعلام العربيـة، 2016

[11]– Guzansky, Y ( 2010). “The Arab Gulf States and the Iranian Nuclear Challenge: In the line of Fire”, MERIA Journal, Vol. 14, No. 4.

[12]– Ibid.

[13]– Ibid.

[14] – إبراهيم الزهراني، “أبعاد السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي”. موقع: شبكة الدفاع عن السنة،  2019

[15] – سعيد الظاهري, “التدخل الإيراني في شؤون منطقة الخليج العربي” موقع مركز الأمارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية, 2 إبريل 2019.

http://www.ecssr.com/ECSSR/print/fm.jsp… 

[16] – المرجع السابق مباشرة

[17] – عبدالفتاح علي سالم الرشدان، الأمن الخليجي مصادر التهديد واستراتيجية الحماية، مركز الجزيرة للدراسات، قطر، 2017.

[18] – المرجع السابق مباشرة

[19] – شريف شعبان مبروك، العلاقات الإيرانية – الإفريقية: في دائرة الصراع الأمريكي – الإيراني، الأهرام الرقمي، على الرابط:

  http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=161106&eid=457

[20]– عمر كوش، إفريقيا.. صراع دولي ومسرح لتنافس قوى إقليمية صاعدة، جريدة الاقتصادية، على الرابط:

 http://www.aleqt.com/2010/07/16/article_419329.html

[21] – مروى صبري، إيران وإفريقيا.. اليورانيوم رأس الدوافع، الشرق الأوسط، العدد 11651، على الرابط:

  http://www.aawsat.com/details.asp?section=45&article=591928&issueno=11651#.Ut-

[22] – عبدالله ولد محمد بمب، الحضور الإيراني في غرب إفريقيا: استثمار أسواق تشيع، موقع الميادين، على الرابط:

http://meyadin.net/9876545678/4333-2012-11-05-20-51-16.html

[23] – محمد سليمان الزواوي، إيران في إفريقيا.. البحث عن موطئ قدم، قراءات إفريقية، على الرابط:

  http://www.qiraatafrican.com/view/?q=1028

[24]– Molavi, A. (2017). “Iran and the Gulf States”. In R. Wright (Ed.), The Iran Primer (2nd Edition ed.). Washington DC: United State Institute for Peace

[25]– Ibid.

[26] – عيساوة آمنة، “الدور الإقليمي الإيراني في النظام الشرق الأوسطي بعد الحرب الباردة”. جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق قسم العلوم السياسية، 2018.

[27]– Kamrava, Mehran. “The International Relations of the Persian Gulf””. Syracuse: Syracuse University Press, 2019.

https://muse.jhu.edu/

[28]– Ibid

[29] – باكينام الشرقـاوي، “طبيعة المشروع الإيراني في المنطقة”، إسلام أون لاين نـت، 2018.

[30] – محمد ياس خضير، أمن الخليج في ظل التحولات الإقليمية الجديدة، مجلة دراسات دولية، العدد 53، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد 2017.

 -[31]عزت عبد الواحد سيد، البرنامج النووي الإيراني بين الصعود وتهديد الأمن الخليجي: سيناريوهات مفتوحة، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، 2018:

http://www.moheet.com/

[32] – أميرة محمد عبدالحليم، أحمدي نجاد في غرب إفريقيا، الأهرام الرقمي، على الرابط:

http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=485862&eid=122

[33] – حمدي عبدالرحمن، الاختراق الإيراني الناعم لإفريقيا، على الرابط:

http://www.aljazeera.net/opinions/pages/5efc2775-dd89-4d7b-90c7-beb59aaa0dfe

[34] – شحاتة محمد ناصر، “السياسة الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي الاستمرارية والتغيير”، دار العين للنشر، 2020.