كتب – محمد الدابولي

شهدت أفريقيا خلال العام الماضي تعزيز اجراءات مكافحة الإرهاب، فعلي سبيل المثال نجحت “عملية برخان” في اصطياد أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي “عبدالملك دروكدال” في 3 يونيو 2020 في منطقة نائية شمال دولة مالي بالقرب من الحدود الجزائرية، وفي نوفمبر من ذات العام تمكنت قوة برخان أيضا من استهداف «باغ أغ موسى» قائد العمليات في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين.

وعلي جانب أخر شحذت دول الساحل والصحراء قواها لمواجهة التنطيمات الإرهابية، فالسلطة العسكرية التي تولت السلطة في مالي عملت علي غلق حدود البلاد وتوجيه ضربات مؤلمة للتنظيمات المتطرفة في شمال البلاد وذلك في أغسطس 2020.

وفي 31 مارس 2020 شن الجيش التشادي علمية عسكرية ضد مواقع بوكو حرام أطلق عليها عملية “غضب بوهاما” وذلك على خلفية مقتل 98 جندي تشادي علي يد بوكو حرام، وفي مايو/ يونيو 2020 انطلقت أيضا عملية كوموي وهي عملية عسكرية مشتركة بين جيشي ساحل العاج وبوركينافاسو لتطهير حدود البلدين من الجماعات المتطرفة، وفي الصومال مازالت الغارات التي تشنها الطائرات بدون طيار التابعة للولايات المتحدة في استهداف مواقع حركة الشباب في وسط الصومال.

التوسع أفقيا

رغم نجاح الاجراءات السابقة في تحجيم النفوذ الإرهابي في المناطق والأقاليم في القارة الأفريقية، إلا أن الظاهرة الإرهابية في طريقها للتوسع أُفقيا في مناطق وأقاليم أفريقية جديدة ففي نهاية مارس 2021 وقع هجوم علي مدينة بالما شمال موزمبيق، وهو الهجوم الذي يرسخ لتواجد فعلي وقوي للتنظيمات الإرهابية في اقليم جنوب أفريقيا الذي ظل عصى على التواجد الارهابي طوال السنوات الماضي.

حمل هجوم مدينة بالما الموزمبيقية دلالات مرعبة تنذر بمستقبل دموي في أحد الأقاليم الأفريقية المزدهرة تنمويا واقتصاديا وهي كالتالي:

  • حضور داعشي: أعلنت حركة الشباب في شمال موزمبيق الموالية لتنظيم داعش ـمسئوليتها عن الحادث وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتهجت نفس منهج داعش في بث الرعب والذعر في نفوس المواطنين من خلال الاقدام على اعدام المدنيين بجذ رؤوسهم لتصدير الرعب لشعوب المنطقة.
  • تهديد التجربة التنموية الأفريقية: تتراوح المؤشرات التنموية الأفريقية ما بين التدني والعلو باختلاف الأقاليم الفريقية، ففي ظل تذيل دول مثل الصومال وإريتريا في شرق أفريقيا مؤشرات التنمية البشرية، نجد دول مثل جنوب أفريقيا وبتسوانا ونامبيا تحقق مؤشرات تنموية جيدة ومعقولة نسبيا بعضها يتخطي دول أوروبية وشرق أوسطية، بالإضافة إلي كون جنوب أفريقيا عضو في تجمع البريكس الذي يضم دول مثل روسيا والصين والبرزايل والذي ينظر له على أنه التجمع الاقتصادي المكافئ للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

كما نجحت بعض تلك الدول مثل سيشل وموريشيوس في تحقيق تجربة أفريقية رائدة في تحقيق الاندماج الاجتماعي والتنمية المستدامة، لذا فالهجوم الأخير يعطي انذارا لتلك الدول بأن القادم مهددا لتجربتهم التنموية.

  • أبعاد أخرى: دائما ما ترعى الجماعات المتطرفة على فكرة المظلومية التاريخية والاجتماعية لبعض الفئات المهمشة اجتماعية كجماعات الفولاني في منطقة الساحل وشمال نيجيريا أو الأزواد في شمالى مالي والنيجرمن أجل ايجاد حواضن شعبية لها.

لكن في حالتنا الحالية وهي انتشار الارهاب في منطقة جنوب أفريقيا يبدو الأمر غير مقبول نسبيا في ظل تحقيق تلك الدول لمعدلات عالية من التعايش والاندماج الاجتماعي والتنمية السياسية والاجتماعية فالمظلومية التاريخية قاطني شمال موزمبيق ليست كالمظلومية التاريخية لقاطني شمال نيجيريا على سبيل المثال، الأمر الذي يوحى بوجود أبعاد أخرى لوجود التنظيمات المتطرفة في تلك المنطقة.

اشتعال الغاز الطبيعى

وفي تقرير منشور على موقع Foreign Policy  أكد “جاكوب زين” مدير موقع Sufan Center تعقيبا على حادثة مدينة بالما، بأن الحادث أثار جدلا واسعا حول كون تلك العمليات الإرهابية متعلقة بالأوضاع الداخلية وبعض الأزمات السياسية أم تأتي في سياقات كبرى فصولها تتجاوز حدود موزمبيق، ورجح العديد الخيار الأخير في كون الجوادث التي تتعرض لها موزمبيق مرتبطة بشكل كبير بعملية توظيف الجماعات اللمتطرفة.

فالقفزات المتسارعة في القدرات البنائية والتنظيمية لما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا ISCAP والذي تمتد فروعه في كلا من موزمبيق والكونغو الديمقراطية يشير بوضوح إلي تلقي هذا الفرع دعما غير عاديا لأجل تثبيت قواعده رغم أن قادة هذا التنظيم مازالوا غير معروفين بالشكل الكبير مثل باقي التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

هجوم بالما الأخير كشف نوايا التنظيمات المتطرفة، فمدينة بالما التي سيطر عليها تنظيم «الشباب الداعشي» تقع بالقرب من مصفاة أفونجي للغاز الطبيعي في موزمبيق والتي تديرها شركة توتال الفرنسية، وتبلغ قيمة الاستثمارات الفرنسية في مدينة أفونجي بحوالي 20 مليار دولار، ونتيجة لذلك أعلنت شركة توتال الفرنسية عن تخليها عن مشاريعها لمعالجة الغاز الطبيعي في منطقة فونجي، واشترطت على الحكومة الموزمبيقية ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في محيط مدينة فونجي وذلك من أجل عودة استثمارات الشركة مرة أخري وبذلك تكون الشركة الفرنسية خسرت فرصة استغلال حوض روفوما الغازي الواقع قبالة سواحل كابو ديلجادو.

وجديرا بالذكر أن هجوم مدينة بالما تم يوم 24 مارس 2021 وهو اليوم الذي أعلنت فيه شركة توتال عن عودتها للعمل مرة أخرى في ففونجي بعد فترة توقف دامت قرابة  ثلاثة شهور، إذ سبق أن علقت الشركة  أعمالها  عقب هجمات سابقة  في ديسمبر 2020,.

تخوف أوغندي

هجمات بالما الأخيرة المسئول عنها تنظيم فرع تنظيم داعش في وسط أفريقيا أثارات التخوفات في معظم دول شرق ووسط أفريقيا حول كون مناطق الغاز المكتشفة حديثة في أفريقيا ضمن خطة وبنك أهداف التنظيم المتطرف، فأوغندا على سبيل المثال التي تعد من أحدث الدول اكتشافا للغاز الطبيعي في أفريقيا إذ بدأت الاكتشافات في العقد الأول من الألفية الجديدة وتسيطر شركتي توتال الفرنسية وشركة سنووك الصينية على الاكتشافات الحديثة في أوغندا وشرق أفريقيا.

فشركة توتال تتولى مشروع تيلجنا الخاص باستغلال الخزانات الهيدروكربونية في بحيرة ألبرت الواقعة علي الحدود مع دولة الكونغو الديمقراطية والتي تقدر الاحتياطات بهذا المشروع بما يزيد عن مليار برميل من الغاز والنفط، أما الشركة الصينية فتتولي مشروع كينج فيشر .

وتسعي حاليا أوغندا إلي استكمال مشروع تيلجنا من أجل دخول قائمة دول مصدري الغاز الطبيعي و النفط وذلك عبر خط أنابيب يبدأ من بحيرة ألبرت وحتي ميناء تانجا في تنزانيا، إذ تم تدشين هذا المشروع في 11 إبريل 2021 في حفل رسمي تقدمه الرئيس الأوغندي موسيفني ورئيسة تنزانيا سامية صولحو والرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بوياني.

يسود تخوف حاليا في أوغندا من احتمالية تعرض المنشآت النفطية في محيط بحيرة ألبرت إلي عمليات إرهابية تنفذها منظمة “القوات الديمقراطية المتحالفة” على تلك المنشآت، وجديرا بالذكر أن “القوات الديمقراطية المتحالفة ADF” تأسست في عام 1996 في غرب أوغندا ثم  انطلقت إلي مقاطعة شمال كيفو في شرق الكونغو الديمقراطية، وفي عام 2015 تم اعتقال جميل موكولو  وتولي بعدها موسى بالوكو قيادة التنظيم الذي سارع في عام 2019 إلي موالاة تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتنصف أوغندا والكنغو والولايات المتحدة تلك المنظمة بالإرهابية.

وتخشي كمبالا حاليا من أن تكون شركة توتال ذاتها هدفا لعمليات التنظيم كمحاولة من التنظيم لاستهداف المصالح الفرنسية في القارة الأفريقية وتحسبا لاحتمال تعرض الشركة ومشروعها في أوغندا تدرس الحكومة الأوغندية حاليا مسألة نشر 600 جندي على الحدود مع الكونغو الديمقراطية.