كتب – د. محمد السبيطلي

باحث رئيس – وحدة الدراسات الأفريقية – مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية – الرياض

لم تكن تداعيات قضية عثمان سونكو -زعيم حزب باستيف السنغالي- التي أثيرت مؤخرًا قد هددت السلم الأهلي فحسب بل إنها ألقت بظلال ثقيلة على الديمقراطية السنغالية وطبيعة العلاقات بين دوائر الحكم والطبقة السياسية عمومًا، كما أنها عدّلت من الصورة النمطية للبلاد بصفتها مستقرة في منطقة شديدة الاضطراب، ذلك أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها دوائر السلطة إلى مثل هذه الطرق في التعامل مع أبرز الشخصيات السياسية المعارضة، وقائع وأمثلة عدة ومتتالية تظهر تصميما لدى الحزب الحاكم في استخدام القضاء للتخلص من الخصوم السياسيين كلما اقتربت استحقاقات أو انتخابات، رغم أن الصورة التي تسوق عن السنغال تبدو إيجابية جدا من حيث التداول على السلطة والتعددية الحزبية والتنظيم الدوري للانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية، مما يعطي انطباعا بوجود استقرار يسود التجربة السنغالية في محيط إقليمي تميز بوجود دول فاشلة أو هشة وانتشار للحركات المتطرفة والعنيفة.

 لكن الشاب عثمان سونكو الذي تصدر المشهد منذ بضع سنوات واحتل المرتبة الثالثة في آخر انتخابات رئاسية (العام 2019) استطاع كشف الوجه الآخر للأوضاع الاجتماعية والسياسية وطبيعة النظام الحالي، لم يكن ذلك فقط بخطابه الراديكالي ضد المنظومة الحاكمة -أمر كان يقوم به منذ بضع سنوات- لكن بفعل أخطاء الدوائر المتنفذة، وحساباتها السياسية المستقبلية، وسوء تقديرها لإمكانيات الرجل في المواجهة وتعبئة الشارع، وسوء قراءاتها لعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومدى استعداد قطاعات واسعة من الشباب للخروج إلى الشارع في مواجهات عنيفة مع قوى الشرطة، هكذا فرض زعيم حزب “باستيف” عثمان سونكو نفسه بصفته الشخصية السياسية المعارضة الوحيدة القادرة على مقارعة نظام الرئيس ماكي صال، وها هو يستعد من الآن لمواجهة مرشح السلطة في انتخابات 2024. ولكن أيضا في الانتخابات المحلية والتشريعية التي تنظم في 2021 و2022، وأنه يعد أكثر المعارضين للرئيس الحالي ماكي صال جرأة واندفاعا، مستندا في ذلك إلى شعبية ما فتئت تتسع -خصوصا في صفوف الشباب- وتعويله على شبكة علاقات داخلية وخارجية قد تتسبب في إحراجات كبيرة للسلطة في حال لم تتم معالجة القضية سياسيا دون التوغل في اللجوء للقضاء… وفي هذا المقال سوف نتساءل عن هوية الرجل ومساره السياسي، وعلاقاته بالسلطة والمؤسسة الدينية، ونحاول تقديم قراءة للأحداث التي جرت في الأسابيع القليلة الماضية وتداعياتها على مستقبل المشهد السياسي العام.

  • أولا: عثمان سونكو: الشخصية والمسار

منذ بداية اهتمامه بالشأن العام سنة 2014 ارتبط الشاب عثمان سونكو بعلاقة متوترة مع منظومة الحكم، فقد واجه الاختلالات والفساد وسوء التصرف في المال العام انطلاقًا من عمله كمفتش ضرائب، وكانت النتيجة تسريحه من وظيفته بتهمة “عدم التحفظ” سنة 2016[1]. وكانت البداية في العمل العام بتأسيسه نقابة مفتشي الضرائب وبالتالي الانخراط في نشاط نقابي، لكن خطواته الأولى قد تكون بدأت من العمل في المنظمات الطلابية بالجامعة، مسار يرسم شخصية متمردة على الأوضاع العامة منحدرة من الأطراف لكنها استطاعت أن تتزعم قطاعات واسعة من الشباب والطبقات الحضرية مما ولّد لديه تطلعات سياسية مرتفعة السقف، هذه هي الملامح العامة لشخصية عثمان سونكو.

  1. حيثيات التهمة وأبعادها السياسية: كانت وجهت سابقا للمعارض عثمان سونكو عدة اتهامات تتعلق بالتمويل والعلاقات السياسية “المشبوهة” مع الانفصاليين في إقليم كازامانس والحركات الإرهابية في غرب أفريقيا وجنوب الصحراء. لكن كانت في الحقيقة اتهامات سياسية أكثر منها قضايا أمام العدالة[2]. وكان القصد منها النيل من سمعته منذ أن بدأ عمله السياسي بصفته معارضا راديكاليا. لكن القضية التي اتهم فيها هذه المرة ورفعت عنه الحصانة البرلمانية بسببها، وفي زمن قياسي، كانت اكثر جدية وخطورة من سابقاتها[3]. وهي متعلقة بتورطه في قضية اغتصاب فتاة تعمل في محل تدليك. وبالاطلاع على ملخصات محاضر البحث -تسربت نسخ منها للصحافة- والتي تضمنت شهادات الأطراف المباشرة لوقائع أحداث ليلة يوم 2 إلى 3 فبراير 2021 بصالون “سويت بوتيه سبا” (Sweet Beaute spa) بالعاصمة دكار يمكن القول: إن الملف القضائي فتح لأغراض سياسية واضحة وهي توريط النائب عثمان سونكو في قضية أخلاقية قد تفقده الصورة التي أراد أن يسوقها عن نفسه بصفته “الرجل النظيف “في محيط سياسي فاسد” حسب زعمه[4]، فالواضح وجود علاقة ما للشاكية بالحزب الحاكم، وأنها قد تكون استلمت مبالغ مالية للإيقاع بالرجل، وأنها مستعدة لتقاسم المكافأة مع زميلتها في العمل إذا ما شهدت معها ضد عثمان سونكو، وعلى العموم فإن محاضر الشرطة وشهادات الشهود تفيد بعدم وقوع ” الاغتصاب” وبسعي الشاكية الحثيث يومها لجلب النائب إلى “محل التدليك”[5].

ومهما يكن من أمر فإذا لم يتم تبرئة عثمان سونكو من التهمة التي كان دائما يصرح انها “كيدية”[6]، فإن الأطراف التي سعت إلى توريطه تعلم جيدا أنه -وفي سياق الدفاع عن نفسه- قد يرتكب مخالفات قانونية أخرى من نوع عدم المثول امام التحقيق أو مقاومة قوات الدرك التي تسعى إلى جلبه للتحقيق أو دعوة أنصاره للمقاومة والاحتجاج العنيف. وأن ذلك يعد من قبيل التمرد و اثارة أعمال الشغب…. مما يمكن أن يدين عثمان سونكو بصورة أو بأخرى. ويفقده الأهلية للترشح لمناصب سياسية في المستقبل.

إن عملية توقيف عثمان سونكو من قبل الدرك وهو متوجه للمحكمة ووضعه على ذمة التحقيق منذ يوم الأربعاء 3 مارس إلى يوم الإثنين 8 من نفس الشهر أدى إلى مظاهرات عنيفة اجتاحت العاصمة وأغلب المدن الكبرى. تخللتها صدامات دامية مع قوات الأمن والجيش، وعمليات حرق ونهب لمحلات تجارية وخاصة الفرنسية منها. وكانت الحصيلة عدد من القتلى والجرحى والعشرات من الموقوفين.

هكذا استطاع النائب عثمان سونكو أن يتحول من متهم إلى ضحية مؤامرة يدير خيوطها الحزب الحاكم تستهدفه بصفته أبرز شخصية معارضة تهدد بقاء المنظومة الحاكمة في السلطة بعد الاستحقاقات القادمة. كما تمكن من إيجاد معادلة جديدة مع السلطة، مختلفة عن مسارات المعارضين الذين ازيحوا من السباق الرئاسي دون مقاومة تذكر من أنصارهم. فكيف فرض زعيم حزب ” باستيف” نفسه رقما صعبا في المعادلة السياسية واهم عقبة امام استمرار الرئيس ماكي صال في ولاية رئاسية ثالثة عن طريق الالتفاف على النصوص الدستورية؟

2ـ سونكو: من الأطراف إلى المركز وتأسيس حزب “باستيف”: يطلق عادة على سونكو الرجل “المناهض للنظام”. وينظر إليه أيضا بصفته “الأفاقي” أو رجل الأطراف. فالرجل يبلغ من العمر 46 عاما، وينحدر من إقليم كازامانس الذي تجتاحه نزعة انفصالية تبنت العمل المسلح منذ ثمانينيات القرن الماضي. وهو الإقليم الواقع جنوب الأراضي السنغالية بين غامبيا شمالا وغينيا بيساو جنوبا. وتسوده ثقافة إحيائية، وكان يعد من أثرى الأقاليم السنغالية قبل أن يتم إهماله بعد الاستقلال وتهميشه.

 ويقود العمل الانفصالي المسلح “حركة القوى الديمقراطية”. منذ عام 1980 وحتي 2005 حيث أدت الهدنة إلي وقف القتال. وعاصمة الإقليم زيغينشور (Ziguinchor) التي كانت أثناء المواجهات الأخيرة بين المحتجين والقوى الحكومية أحد أكبر المدن المنتفضة، وأهم حاضنة شعبية لحزب باستيف وزعيمه عثمان سونكو[7].

 قدم عثمان سونكو إذا جاء من الأطراف البعيدة جغرافيا واجتماعيا. ومن خارج النظام السياسي السائد منذ حكم الرئيس سينغور. لكنه يبقى ابن “الدولة السنغالية” باعتبار أنه تربى في عائلة موظفين عموميين وتلقى تعليمه في المؤسسات التربوية الرسمية. متخرج من جامعة سان لويس في شمال غرب البلاد. لكنه أيضا درس في جامعة العاصمة دكار بالمدرسة القومية للإدارة (ENA)[8].

 بدأت مسيرة العمل السياسي في الجامعة ثم انتقل إلى العمل النقابي وهو مفتش ضرائب. اصطدم بالنظام عندما كشف الاختلالات المالية والضرائبية والفساد[9]. فواجهته الإدارة الحكومية بفصله عن العمل. ومع تطور أوضاع المعارضة وازاحة رموزها عن العمل السياسي توجه سونكو نحو تأسيس حزبه سنة 2014 من إطارات شابة تعمل في الوظيفة العمومية والقطاع الخاص، والأعمال الحرة ومن مدرسين ورجال أعمال لم يسبق لأغلبهم ممارسة أي عمل سياسي[10].

وفي تعريف الحزب بنسفه على موقعه نجد أنه لا يتبنى أي من الأيديولوجيات التقليدية كالليبرالية والاشتراكية والشيوعية. لكنه يركز أولا على ايمانه بالحريات العامة والفردية، واحترام النظام العام بصفته الضامن للتماسك الاجتماعي، والاعتراف بالدور الأساسي للدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي بناء الأمة السنغالية، وفي الحفاظ على الأمن والنظام العام. ويقول الحزب أنه لا يرفض التعامل مع أي طرف كان مهما كانت أيديولوجيته الرسمية طالما يتقاطع معها على مستوى القيم والالتزام بالقوانين وخدمة مصلحة الشعب السنغالي[11].

 يبحث الحزب عن التميز عن التشكيلات السياسية التقليدية في السنغال. لكنه بذلك يضع نفسه في مساحة سياسية وفكرية غير واضحة المعالم والملامح. فيقترب بذلك من حيث لا يعلم من الشعبوية بصورة أو بأخرى. وقد تكون هذه ضريبة العمل من خارج النظام السائد وتقاليده. وكذلك من خارج الأيديولوجيات التقليدية. لكن إيمانه بالدور الاجتماعي والتنموي للدولة قد يجعله قريبا جدا من “الديمقراطية الاجتماعية”. لكن الملامح الدقيقة للحزب وتوجهات زعيمه سوف تظهر من خلال التحالفات، والدوائر المساندة، والأوساط المتفاعلة معه. واضطراره في النهاية للخضوع بصورة أو بأخرى لبعض الاكراهات الاجتماعية والسياسية في التعاطي مع الشأن العام. لذلك يحيل اسم الحزب -الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة– على مجموعة من القيم لا تشكل أيديولوجية معينة لكنها قد تجد لها ما يشبهها في برامج وتصورات بقية الأحزاب ومختلف الحركات والحساسيات السياسية والدينية. إلا أن التركيز على البعد الأخلاقي يحمل ضمنا اتهاما لبقية الأحزاب -وخاصة الحزب الحاكم- بخلوها من مثل هذه القيم.

3ـ “باستيف”: حزب الشباب والطلاب من خلال مسيرته السياسية، وصلابة مواجهته ومعارضته للسلطة، يبدو الشاب عثمان سونكو متأكدا من صوابية موقفه وقوة موقعه وفعالية أدوات عمله ومعرفته بمكامن ضعف خصومه الماسكين بمفاتيح السلطة. فمن جهة استند في خطابه السياسي على المعطيات التي كان يستقيها مباشرة من المجال الذي يعد من أكثر المتخصصين اطلاعا عليه وهو “الضرائب” و”المالية العامة” و”القطاع العقاري”. خبرة اكتسبها من عمله لمدة سنوات في ” إدارة الضراب” بصفته مفتشا للخدمات الضريبية في مقاطعة “بيكين” بالعاصمة دكار. ورئيس لواء تفتيش الضرائب والمسؤول عن القطاع العقاري والأراضي العامة. علاوة على ذلك تم تعيينه مفتشا داخليا في إدارة الرقابة الداخلية بالإدارة العامة والضرائب والمجالات. الجمع بين الخبرة في هذه المجالات والاطلاع على وضع المالية العامة، مع ما له من شهادات تخصص عليا في القطاع نفسه جعل منه -عندما دخل عالم السياسة- أفضل المتحدثين والمناقشين لوضع الضرائب والمالية العامة في البلاد وأكثرهم وضوحا وامتلاكا للمعطيات الدقيقة[12]. بل وأكثرهم جرأة واقداما على التواصل مع مختلف وسائل الإعلام وبصورة مكثفة حول مثل هذه الموضوعات.

وعلاوة على ذلك يستند إلى شبكة واسعة ومتينة تتكون من جمعيات وأحزاب وشخصيات وأوساط ذات نفوذ اجتماعي وروحي متنوع لا يمكن لدوائر الحكم ألا تأخذ لها حسابا. لكن رغم ذلك سقطت الحكومة في هذا الاختبار. لقد أساءت تقدير الموقف عندما قررت الذهاب نحو مواجهته قضائيا في سياق القضية التي تم تناولها أعلاه.

يبدو عثمان سونكو -وبصفته أصغر السياسيين على الساحة- أكثر قربا من الأوساط الشبابية وتفهما لهمومهم وانشغالاتهم، وأكثر قدرة في صياغة الخطاب المناسب للتوجه لهم. كما انه يشترك مع قطاعات واسعة منهم خيارات فكرية وسياسية وأيديولوجية رغم تأكيده عدم انتمائه لأيديولوجية معينة. لكن خطابه ومساره يحمل إشارات عدّة متعلقة بالهوية والرابطة الأفريقية في بعدها التحرري المعادي للاستعمار ومسألة مقاومة الفساد وفسح المجال للرأس المال الوطني للاستثمار في القطاعات التي بدت وكأنها حكر على الشركات الأجنبية… هذا إلى جانب اعتماده في التعريف بنشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي وهي الأكثر انتشارا واعتمادا من طرف الشباب. في مجتمع 52% من أبنائه أعمارهم أقل من 20 سنة. و76 % من سكان السنغال أعمارهم أقل من 35 عاما[13]. علاوة على أنه يقدم خطابا مفعما باليوتوبيا السياسية القائمة على الأخلاقية والشفافية والطهورية (أو الطهرانية). مُثل تتعارض تماما مع المجتمع السياسي التقليدي منذ الاستقلال الذي تشكل في الستينيات من القرن الماضي والمتهم بالفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ والثراء غير المشروع والتبعية للغرب عموما وفرنسا بالخصوص. وهو نمط السلوك السياسي الذي يرفضه سونكو ويدعو لتغييره منذ بداية افتتاح مساره السياسي. وكان قد واجه نظام ماكي صال في ملفات فساد عدّة كانت موثقة لديه. وقد تورط فيها بعض المقربين من الرئيس وبعضهم من بين أفراد عائلته[14].

ولعله على هذا الأساس جاءت مساندته من قبل شبكة من جمعيات المجتمع المدني والطلابي، ويمكن على سبيل المثال ذكر جمعية “فراب – فرنسا ارحل” ( FRAPP- France Degage)[15] والجمعية الشبابية “كفاية” ( Y’en a Marre ) والحركة الطلابية ببعض الجامعات مثل جامعة “الشيخ أنت جوب” وكذلك جامعة “غاستون بيرجيه” بمدينة “سان لويس” التي انتفض طلابها مباشرة بعيد انتشار خبر توقيفه يوم الأربعاء 3 مارس 2021[16]. ومما يذكر هنا أن الجامعة الأخيرة (غاستون بيرجيه) هي التي درس فيها عثمان سونكو. أما جامعة “الشيخ أنت جوب” فهي التي سميت باسم اهم المنظرين السنغاليين المعاصرين للرابطة الأفريقية. وكان عثمان سونكو قد أعلن عن تأسيس حزبه في اجتماع عام بجامعة الشيخ أنت جوب بدكار، فحضور حزب ” باستيف” (الوطنيون) في الأوساط الطلابية ظهر بوضوح أثناء الأحداث الأخيرة.

إلا أن دائرة الحضور والتأثير تجاوزت الأوساط الجامعية لتمتد نحو الطبقة الوسطى وضحايا عدم ايفاء الحزب الحاكم بوعوده في التنمية والتشغيل. فالفئات التي استجابت للاحتجاجات على اثر توقيف عثمان سونكو في جزء كبير منها تتكون ممن تأثروا بتداعيات جائحة الكوفيد-19 الاقتصادية والعاطلين عن العمل والغاضبين من ضحالة محصلة حكم الرئيس ماكي صال التنموية والسياسية. هذا إلى جانب ان زعيم حزب “باستيف” استطاع الوصول إلى أتباع المؤسسات الدينية وخاصة منها الطرقية. وضمن تبني بعض المرجعيات الدينية للطريقة المريدية له وتعاطف غيرها من الجماعات الإسلامية الدعوية معه.

ومهما يكن من أمر فإن الآلاف الذين خرجوا طوال الخمسة أيام من الاحتجاجات العنيفة في شوارع المدن الكبرى كانت ترافقهم وتسندهم حملات مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي بلغ المشاركين فيها أكثر من مليون شخص. استهدفت جميعها نظام حكم الرئيس ماكي صال. وتدعو للوقوف إلى جانب عثمان سونكو الذي يلقبونه حينا بـ”لزعيم” وحينا آخر بـ”الرئيس”. ومباشرة بعد توقيفه يوم 3 مارس، ورغم إقدام السلطة على التضييق على استخدام كل وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، ولدت حركة احتجاجية تجمعت حول وسم “فري سنغال” (#Freesenagal) التي حصدت في وقت قياسي حوالي ثلاثة ملايين تغريدة على تويتر. وغزت كل وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك موقع إنستغرام[17]. وهي الحملة التي نقلت الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض من مواجهات وعنف بين المتظاهرين وقوات الأمن في أغلب المدن السنغالية. وقد تم التفاعل الكثيف في الداخل والخارج مع هذه الحملة[18]. أجواء احتجاجية تذكر بأحداث 2011 و2012 ضد حكم الرئيس عبدالله واد. فبدت السلطة وكأنها محتمية وراء الحواجز التي وضعتها قوات الأمن وبعض الوحدات العسكرية التي نزلت ضواحي المدن بأسلحتها الثقيلة. أحداث وصفت في الصحافة العالمية بانها غير معهودة في بلد سوقت له صورة الاستقرار والهدوء والسلم الأهلية.

ثانيا: تدخل المرجعيات الدينية يمنع التصعيد

في الوقت الذي كانت المعارضة – المشكلة في لجان الدعم والمساندة لعثمان سونكو -دعت وحشدت للاحتجاج ومواصلة الضغط على السلطة ليوم السبت 13 مارس، بعد أن كانت أجلت الاحتجاجات التي دعت لها أيضا ليوم الإثنين ولمدة ثلاثة أيام متتالية على اثر إطلاق سراح المعارض وزعيم حزب الباستيف- الوطنيون، تم إلغاء الاحتجاجات السلمية المقررة وذلك على إثر تدخل المرجعيات الدينية من أجل التهدئة والقيام بوساطة للنظر في المطالب التي رفعتها المعارضة. والتي كانت الحركة من أجل الديمقراطية تنوي رفعها كشروط لإيقاف الاحتجاجات[19]

وكانت أهم هذه الشروط تتمثل في إطلاق سراح المساجين السياسيين، وتعويض المتضررين من عنف الاحتجاجات وكذلك جبر ضرر ضحايا تدخل قوات الأمن. ووضع حد “للمؤامرة” التي استهدفت عثمان سونكو. وفي الحقيقة هذه المظاهرات التي يراد لها أن تكون سلمية من طرف المعارضة، كان يمكن أن تكون استعراضا لمدى شعبية عثمان سونكو وقدرته على التعبئة في وجه السلطة. كما أن الاصرار على هذه المطالب شكل حرجا أكيدا للحكم. ذلك أنه تم ضعه أمام خيارين، أولهما الاستجابة لشروط المعارضة من أجل استعادة الأمن والاستقرار، مما يمثل تنازلا قد يظهر أمام الشعب السنغالي بصفته إقرارا بمسؤولية النظام في اندلاع الأحداث، أما الخيار الثاني وفي حال عدم الاستجابة فذلك يعطي مبررا لمزيد من نشاط المعارضة وتعبئة الشارع. وهنا برزت أهمية تدخل المرجعيات الدينية الإسلامية منها والمسيحية.

إن الوساطة التي أعلنتها وتزعمتها المرجعية الصوفية للطريقة المريدية بين المعارضة والرئيس مثلت من جهات عدة رفعا للحرج الذي أصيب به هذا الأخير جراء ما حدث. وكذلك منحت المعارضة مخرجا محترما لمنع التصعيد وإمكانية الانزلاق من جديد نحو العنف والاستفزاز. وهي أيضا تأكيد لمكانة ودور المرجعية المريدية في حلحلة النزاعات السياسية، لقد أثبتت الخلافة المريدية أنها الطرف الديني الوحيد القادر على القيام بهذا الدور الوسيط، فبدت وكأنها الطرف المحايد الذي تلجأ إليه الدولة في أزماتها مع المجتمع. وبالتالي تثبيت موقعها ومكانتها على الساحة الدينية والاجتماعية والسياسية. إلى جانب أن الخليفة العام للطريقة المريدية -بمدينة طوبى المقدسة سرين منتقى مباكي- تطوع بدفع مبلغ 50 مليون فرنك أفريقي ( Franc CEFA) لمساعدة المتضررين من الأحداث[20]. فما علاقة المريدية بعثمان سونكو؟ وما أهمية المرجعية الروحية في الحياة السياسية في ظل دولة علمانية؟

في السنغال لا يمكن الحديث عن مؤسسة دينية موحدة. وذلك نتيجة توزع المرجعيات الدينية بين هيئات مختلفة ومتناثرة لا يجمع بينها إطار مؤسسي واحد. ولها مواقف وعلاقات من السلطة تتسم في عمومها بالاستقلالية. وإن كانت السلطة دائما تسعى إلى التقرب من بعضها بحسب المصلحة الآنية وسياقات الاستحقاقات العامة، فالهيئات الدينية هنا سابقة حتى لنشوء الدولة الوطنية، وهذا ينطبق على الأقل على بعضها. وهو الأكثر تأثيرا في الرأي العام. وقد يعود هذا إلى طبيعة النظام السياسي العلماني، لكنه أيضا يعود إلى عدم تبعية الهيئات الدينية ماديا للدولة. وإن استفادت منها في بعض الأحيان، وكان للمرجعيات الدينية دور الوسيط في الأحداث التي ترتبت على توقيف عثمان سونكو.

ثمة جهة روحية أكيدة قد يكون النائب سونكو يعول عليها كثيرا في حال وقعت له إشكالات أو مماحكات مع السلطة وهي الطريقة المريدية التي ينتمي إليها. لم يكن عثمان منتم للطرقية في الأصل. بل جاءها بعد المرور بالحلقات الدينية بالمساجد خارج الدوائر الصوفية. لكنه في مرحلة ما من اتخاذ قراره لاقتحام حلبة العمل السياسي اقترب من المريدية دون غيرها. واتخذ من سرين عبده مباكي (Serigne Abdou mbake) شيخا له[21]. ولذلك ومنذ بداية الاحداث تدخل الشيخ عبده مباكي لصالح عثمان وشرح وضعه وموقفه لدى خليفة طوبي (المدينة المقدسة لدى المريدية)[22]، وبعد ذلك التقى كل خلفاء الطرقية في جامع دكار الكبير وتوجهوا لمقابلة الرئيس ماكي صال للوساطة وتهدئة الأوضاع بعد اشتعالها.

هذه الهيئات الدينية اتخذت موقفا مؤيدا -نسبيا على الأقل أو بصورة غير مباشرة- لعثمان سونكو في مواجهة السلطة. ظهر ذلك في موقف بعض مشايخ الطريقة المريدية لكن أيضا بدا ذلك في البيان الصريح لرابطة الأئمة والدعاة الذي دعا الرئيس ماكي صال إلى إطلاق سراح سونكو بصفته الإجراء الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى تهدئة الوضع[23].

لقد استفاد عثمان سونكو من علاقته بالأوساط الدينية عموما وخاصة منها الصوفية. وهو الذي انتمى إلى الطريقة المريدية منذ بضع سنوات[24]. وكانت الاستفادة لا تتمثل فقط في ضمان بعض الشعبية التي يمكن أن يتم استدرارها من التبعية والولاء لأحد أبرز مشايخ المريدية، ولكن أيضا عن طريق ما يمثله الولاء للشيخ مباكي من ضمانات وحماية. وقد تجلى ذلك أولا في تبرئة سونكو من اتهام السلطة له والإعلام الموالي لها بانتمائه لجماعات الإسلام السياسي، إذ ذهب البعض إلى تصنيف عثمان سونكو ضمن الجماعات السلفية بل وصل الأمر إلى اتهامه بالقرب من “داعش”. وهي في عمومها اتهامات سياسية ظهرت في سياق احتدام التنافس أثناء الانتخابات البرلمانية (2017) والتي انتخب فيها سونكو نائب بالبرلمان ثم الرئاسية الأخيرة (2019) التي فاز فيها بالمرتبة الثالثة وحصل على ما بقارب 16% من الأصوات.. وفي خضم الحملات الانتخابية والتنافس الحاد جاءت شهادة الشيخ سرين مباكي لتبرئة سونكو من كل هذه التهم والتأكيد على تبعيته للمريدية[25]. وتجدر الإشارة هنا أن سونكو اختار المريدية على غيرها من بقية الطرق الصوفية لشدّة تأثيرها في عالم المجتمع السياسي باعتبارها أكثر انخراطا في هذا المجال من الطريقة التيجانية. فهذه الأخيرة تعد الأولى من حيث الانتشار، وتأتي المريدية في المرتبة الثانية. هذا إلى جانب أن المريدية تعد حركة صوفية أفريقية نظرا لنشأتها في السنغال في أواخر القرن التاسع عشر. وهذا يتوافق مع النزعة الأفريقانية لسونكو. على عكس غيرها التي ينظر إليها بصفتها طرقية وافدة.

وكان أغلب المرشحين للرئاسة يمرون بمرجعية المريدية بمدينة طوبى وإن كان بعضهم اختار لسبب أو لآخر الانضواء تحت لواء التيجانية. وظلت المرجعية المريدية على خط الأزمة التي اندلعت بفعل توقيف النائب المعارض عثمان سونكو. وبقيت على اتصال مع الجهة السياسية الي ساندته والمتمثلة في جبهة المقاومة الوطنية (FNR) وأبرز رموز المعارضة السياسية وعلى رأسهم خليفة صال، وحبيب سه، وعثمان سونكو. لكن أيضا تكللت جهود الوساطة المريدية بإلغاء المظاهرات التي كانت مقررة لثلاثة أيام من طرف “حركة حماية الديمقراطية” المساندة لسونكو وبقية المساجين والموقوفين السياسيين[26]. ثم بإطلاق سراح عدد مهم من أبرز الوجوه التي تم توقيفها في سياق الأحداث ومن بينها غي ماريوس…كما تحولت المرجعية المريدية[27] (الخليفة العام الشيخ محمد المنتقى بشير مباكي) إلى وسيط تفاوضي بين النظام والمعارضة حول قضايا سياسية مهمة، من بينها مطالبة “جبهة المقاومة الوطنية” باحترام مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، فالانتخابات المحلية والجهوية كان يفترض أن تتم سنة 2019. لكنها تأجلت إلى 2021. كما تطالب المعارضة بالالتزام الحكومي بتنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها سنة 2022 والرئاسية سنة 2024. وكذلك ضمان استعادة الشخصيات السياسية لحقوقها المدنية التي تم حرمانها منها في عهد الرئيس ماكي صال، وكذلك مناقشة المأمورية الثالثة للرئيس الحالي والتي تخشى المعارضة أن يتجه إليها النظام الحاكم[28].

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة وما تلاها من وساطات قامت بها المرجعية الروحية بين الرئيس ماكي صال نفسه والمعارضة الأهمية المحورية للمؤسسة الدينية عموما والمرجعية المريدية بالخصوص في الحياة السياسية للسنغال. لقد تعطلت كل القنوات بين الأحزاب السياسية المعارضة ومؤسسات الدولة، وحدثت بينهما ما يشبه القطيعة التامة. واصبح الحوار بين الطرفين يتم في شوارع المدن الكبرى بصورة عنيفة ودموية. وكان هذا المشهد يمكن أن يتواصل لولا تدخل رجال الدين الذين سدوا ثغرة القطيعة. إن مثل هذا المشهد العام، وكل العنف الذي حدث طوال فترة توقيف النائب عثمان سونكو، والانتفاضة العارمة التي تسبب فيها ذلك لا تنبئ بمستقبل هيّن للرئيس ماكي صال.

ثالثا: الرئيس ماكي صال وعقدة الولاية الرئاسية الثالثة:

 ماكي صال المناضل الماوي، والماركسي اللينيني في شبابه، المعجب بغاندي انتهى بأن يكون قريب من الطريقة الصوفية التيجانية، وليبرالي متحالف مع الاشتراكيين. مسار سياسي وايديولوجي يبدو مليء بالمتناقضات لكنه قد يكون يمثل رحلة من الأرثوذكسية الأيديولوجية إلى البرجماتية السياسية الأفريقية، لكنه اليوم قد يكون يعيش أصعب أيامه السياسية. ويواجه جيلا جديدا من المعارضين السياسيين الذي لم يتم له سابقا التعامل مع مثله.

 تخرج ماكي صال مهندسا من جامعة الشيخ أنت جوب بدكار. وانخرط في حزب عبدالله واد وتحمل فيه مسؤوليات عدّة (الحزب الديمقراطي السنغالي). ثم أصبح من الشخصيات السياسية المقربة من الرئيس ومنها تدرج في المناصب الحكومية. وشغل منصب وزير الداخلية (2003- 2004)، وبعدها أصبح رئيسا للحكومة (2004- 2007). وقاد الحملة الانتخابية لعبدالله واد في رئاسيات 2007. ومع التوتر الذي ساد علاقته بالرئيس واد بعد فوزه في الانتخابات اتجه نحو رئاسة المجلس الوطني. لكن ذلك لم يمنعه من التحول من أحد ابرز رجال الرئيس واد إلى أحد أكبر وأبرز المعارضين له. ولعل ذلك كان بسبب اعتراضه وعمله على عدم إفساح المجال لعبدالله واد لتوريث الحزب والرئاسة لابنه كريم. وهو أمر بدا واضحا في نهاية العهدة الرئاسية الثانية لعبدالله واد. مما أدى إلى اتهام ماكي صال بالفساد. في محاولة لتصفيته سياسية عبر ملف قضائي. أمر لم يتم. وانشق صال وأسس حزبه وخاض انتخابات الرئاسة على اثر انتفاضة شعبية ضد الرئيس والإصلاحات الدستورية التي كان يخطط لها بتواطؤ الأغلبية القائمة في البرلمان. وهكذا وصل ماكي صال إلى الرئاسة في انتخابات2012[29].

وكان ماكي صال قد لاحظ تراجع شعبية الحزب الحاكم ( الحزب الديمقراطي السنغال PDS) المعتمد من طرف الرئيس واد. ومن جهة ثانية كان تطلعه للرئاسة يمنعه من التعويل على أحزاب معارضة مشتتة. فالأمر بالنسبة له يتطلب رافعة حزبية موالية ووفية له ليستند إليها. ساقه ذلك في النهاية إلى تأسيس “التحالف من أجل الجمهورية” سنة 2008. ويعد هذا التشكيل السياسي وريث بصورة أو بأخرى للحزب الحاكم الأسبق والذي كان قد أسسه عبدالله واد سنة 1974.

مع افتتاح ماكي صال للعهدة الرئاسية الثانية على رأس الدولة حصل انطباع لدى المتابعين والمعارضة السنغالية وبعض من اتباعه أنه يسير على خطى من كان قبله من الرؤساء في بلاده وفي الكثير من الأقطار الأفريقية. وهو الانعطاف نحو إقامة نظام سلطوي، يوزع الامتيازات والوظائف على الأتباع ويستقطب المعارضين عن طريق منح المناصب العليا في الدولة. مع نظام قضائي خاضع بصورة أو بأخرى لإرادة الرئيس. ذلك أنه من الملاحظ أن ملفات الفساد التي أثيرت حول الشخصيات البارزة في السلطة كان يتم تجاهلها قضائيا. في حين ملفات الشخصيات المعارضة وخاصة منها البارزة والتي صعب على النظام تدجينها تم التعاطي معها بسرعة وحسمت بتجريم أصحابها. مما اخرجهم من دائرة المنافسة في الانتخابات… لقد ظهر ذلك في إقصاء المنافسين الجديين له في انتخابات 2019 ثم السعي لتركيز السلطة بيده من جهة ثانية واتهامات بالفساد طالت الدائرة المقربة منه من جهة ثالثة.

 سنة 2019 وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعهدة ثانية اتجه الرئيس ماكي صال نحو الانفراد بالسلطة. فتم حذف خطة الوزير الأول. الذي كان يشغلها أحد المقربين منه محمد بو عبدالله ديون. وكانت القراءة التي قدمتها الدوائر المحيطة بماكي صال أن ذلك يعد إصلاحا مؤسسيا وليس تغييرا للنظام السياسي، وذهب في الاتجاه نفسه الحزب الحاكم (الحزب الديمقراطي السنغالي). وكان هذا الإجراء الذي لم يعلن عنه قبل الانتخابات يمثل نزعة سلطوية واضحة لدى الرئيس، وهو الذي كان وعد سابقا بتقليص فترة حكم الرئاسة من 7 سنوات إلى خمس. لكنه لم يف بوعده. مما أثار احتجاج المعارضة[30]. لكن هذا الأمر الأخير تم في النهاية سنة 2016، إلا أن ذلك شكل محور نزاع جديد مع المعارضة. إذ إن التحوير الدستوري الذي بموجبه يتم تقليص العهدة الرئاسية من 7 إلى 5 سنوات قد يسمح له بالترشح لدورة رئاسية ثالثة سنة 2024؛ لأن عد العُهَد الرئاسية يبدأ من انتخابات 2019.

أقام ماكي صال نظاما خضع للمواصفات ذاتها واستخدم الأدوات نفسها لفترات حكم من سبقه وخاصة عبدالله واد الذي خلفه صال على راس الدولة منافسا له. وذلك في طريقة التعامل مع الموالين والمعارضين. تحول النظام تدريجيا إلى دوائر نفوذ مغلقة تجمع بين الموالين والأقارب من العائلة والمعارضين الذين يتم استقطابهم عبر الترضيات. هذا ما حدث فعلا مع ادريس سيك (الذي حل في المرتبة الثانية في رئاسيات 2019) وعمر صار. كلاهما انضم في النهاية للأغلبية الرئاسية.

ومع التصفية السياسية للمعارضين البارزين مثل كريم واد (الحزب الديمقراطي السنغالي) وخليفة صال الرئيس السابق لبلدية دكار العاصمة، فَقَدَ كلاهما الحقوق المدنية بفعل حكم قضائي في قضايا فساد. علاوة على التضييق على الأحزاب المهمة عبر اعتقالات ومحاكمات في صفوف كوادرها. هكذا أضحى عثمان سونكو الرجل المعارض الوحيد الذي بقي يواجه النظام الحاكم، ويشكل أهم عقبة في الانتخابات المقبلة. لعلّه في هذا السياق جاءت الأحداث الأخيرة التي استهدفته والتي رافقتها اعتقالات في صفوف رجال ونساء حزبه وبين الإطارات السياسية المعارضة والمساندة له.

في المقابل يتجه ماكي صال نحو التمكين لبعض أفراد عائلته والمقربين منه. لكن ذلك لا يمنع انه منتبه لكل من تحدثه نفسه التطلع لوراثته في الرئاسة في انتخابات 2024. فقد منع وقمع بعض من تحدث في الأمر سواء من المقربين أو المسؤولين في دوائر الحكم والمناصب العليا في الدولة. فمجرد طرح أو مناقشة مسألة البديل أو الخليفة لماكي صال قد تؤدي إلى العزل من المنصب. قد يكون هذا إجراء احترازي من الرئيس للحفاظ على حظوظه في الترشح لولاية ثالثة. لكنها قد يكون أيضا منعا لاستثمار المناصب العليا في الدولة لمن يتطلع للرئاسة. وكذلك استبعاد التنافس بين المرشحين المحتملين. باعتبار أن ذلك يضعف الحزب الحاكم، ويربك سير وأداء أجهزة الدولة.

الخاتمة

من خلال متابعة التطورات الأخيرة التي طرأت على المشهد السياسي بالسنغال يتبين أن الطرفين الفاعلين الان هما أساسا الرئيس ماكي صال وزعيم حزب “باستيف – الوطنيون” عثمان سونكو. فقد تم في المرحلة السابقة احتواء أو استبعاد بقية الوجوه المعارضة البارزة. لكن قد يطرأ على هذا المشهد تغيرات أخرى في المرحلة المقبلة. سواء على مستوى موقع ومكانة الأحزاب أو الشخصيات السياسية. وذلك في ضوء التداعيات السياسية للأحداث الجارية، ولكن أيضا بسبب ما يمكن أن يحدث من تحالفات أو انشقاقات تطال المعارضة وكذلك في ما يمكن أن يحدث على مستوى العلاقة مع بعض المرجعيات الدينية، وخاصة منها المريدية، وكذلك تأثير الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس تجاه تشغيل الشباب والحد من تداعيات كوفيد-19 على المستوى الاجتماعي. كل ذلك يمكن أن يتبين أكثر مع الانتخابات المحلية والمناطقية القادمة. وإن كانت هذه الاستحقاقات تختلف عن الانتخابات الرئاسية باعتبار أنها ترتبط بالأحزاب والمرشحين أكثر من ارتباطها بالقيادات العليا وزعماء الأحزاب. وفي الوضع الحالي يصعب الجزم بتقدم الرئيس ماكي صال لولاية رئاسية ثالثة، لكنه خيار مطروح بقوة. وقد يكون أحد أسباب حدوث خلافات كبيرة داخل الموالاة باعتبار وجود مرشحين آخرين، في المقابل على مستوى المعارضة الفاعلة الآن لا يوجد منافس لعثمان سونكو.

الهوامش


[1] Marième Soumaré, “Sénégal : Ousmane Sonko, le dernier opposant à Macky Sall ?,” Jeune Afrique, January 5, 2021, https://2u.pw/R15tu.

[2]  عبدالأحد أمبينغ، «عثمان سونكو ينفي جملة وتفصيلا الشائعات التي تقول بأنه مورط في قضية اغتصاب»، أخبار السنغال، (5، فبراير، 2021م)، الاسترجاع في: 25، مارس، 2021م.

https://2u.pw/qhFFZ

[3] Anne-Sophie Faivre Le Cadre et Marième Soumaré, “Sénégal : Ousmane Sonko perd son immunité parlementaire,” Jeune Afrique, February 26, 2021, https://2u.pw/CS4lS

[4] “Sénégal : ce que contient la plainte pour « viols et menaces de mort » contre Ousmane Sonko,” Jeune Afrique, February 5, 2021, https://2u.pw/hB9sU.

[5] Marième Soumaré, “Plainte contre Ousmane Sonko au Sénégal : ce que révèlent les PV d’auditions,” Jeune Afrique, February 22, 2021, https://2u.pw/V1mAk .

[6] “Sénégal : ce que contient la plainte pour « viols et menaces de mort » contre Ousmane Sonko”.

[7] Caroline Roussy, “ Casamance : « une situation de ni guerre ni paix » depuis quarante ans,” IRIS, February 22, 2021, https://2u.pw/DPiMn.

[8]  عبدالأحد الرشيد، «من هو السيد “عثمان سونكو” عدو النظام السياسي السنغالي»، 27 أبريل الإخباري، (26، يوليو، 2020م)، الاسترجاع في: 28، مارس، 2021م.

[9] Enquête Dakar, “Babacar Wilane Sénégal.Sonko, l’inspecteur courage,” Courrier Internationl, September 19, 2021, https://2u.pw/arn0L.

[10] “Presentation du parti Pastef,” Pastef, accessed on March 23, 2021, https://pastef.org/presentation-du-parti-pastef/

[11] “Presentation du parti Pastef”.

[12] Dakar, “Babacar Wilane Sénégal.Sonko, l’inspecteur courage”.

[13] “Population Pyramids of the World from 1950 to 2100:Senegal 2019,” Population Pyramid, accessed on March 28, 2021, https://www.populationpyramid.net/senegal/2019/.

[14] Matteo Maillard, “Sénégal : soupçonné de corruption, le frère du président Macky Sall démissionne,” Le Monde, June 25, 2019, https://2u.pw/qx8o4.

[15] “Guy Marius Sagna, la Patrie ou l’amour,” SenePlus, September 11, 2019, https://2u.pw/9CZdz.

[16] “Arrestation d’Ousmane SONKO : ça chauffe à l’UGB de Saint-Louis,” Ndarinfo , March 2, 2021, https://2u.pw/NVB2d.

[17] Adji Bousso Dieng, “How youth in Senegal are using digital tools to safeguard a democracy under threat,” Fast Company, March 16, 2021, https://www.fastcompany.com/90615398/free-senegal-internet-shutdown-democracy.

[18] “La place essentielle des réseaux socionumériques dans la contestation au Sénégal,” The Conversation, March 24, 2021, https://2u.pw/tN8qv.

[19] “ Sénégal : accalmie conditionnelle,” Le Point Afrique, March 13, 2021, https://2u.pw/zuWiD.

[20] “Au Sénégal, le chef des mourides offre 50 millions de francs CFA aux familles des victimes des manifestations,” La Croix Africa , March 16, 2021, https://2u.pw/bvhxO.

[21] Aminata Diouf, “ Révélation sur la relation entre Ousmane Sonko et son marabout Serigne Abdou Mbacké ,” Pressafrik, February 17. 2021, https://2u.pw/2BFaX

[22] [xxii] Marième Soumaré, “Affaire Ousmane Sonko : sur qui l’opposant s’appuie-t-il pour mener la riposte ?,” Jeune Afrique, February 28, 2021, https://2u.pw/DEHqc

[23] “La Ligue des Imams et Prédicateurs, à Macky Sall : “La première mesure d’apaisement est la libération de Ousmane Sonko,” Dakar 221, March 7, 2021, https://dakar221.com/societe/la-ligue-des-imams-et-predicateurs-a-macky-sall-la-premiere-mesure-dapaisement-est-la-liberation-de-ousmane-sonko/

[24] Diouf, “ Révélation sur la relation entre Ousmane Sonko et son marabout Serigne Abdou Mbacké”.

[25] “Touba: Sonko béni par Serigne Abdou Mbacké,” Sengal 7, October, 2018, https://2u.pw/yZfdU

[26] Edouard Touré, “L’annulation de la marche de l’opposition sénégalaise à la Une,” APA News, March 13, 2021, https://2u.pw/QPd1U

[27] Mehdi Ba, “Les 50 Africains les plus influents – 28. Serigne Mountakha Mbacké,” Jeune Afrique, May 28, 2018, https://2u.pw/W9Itc

[28]  عبدالقادر فال، « دكار – طوبى – مفاوضات سياسية »، موقع سان عربي، (15، مارس، 2021م)، الاسترجاع في: 31، مارس،2021م.

https://2u.pw/e6I4x

[29] “ Macky Shall,” Ministère De L’intérieur, accessed on March 9, 2021, https://interieur.sec.gouv.sn/macky-sall.

[30] “Sénégal : le poste de premier ministre est officiellement supprimé,” Le Monde, , May 14, 2019, https://www.lemonde.fr/afrique/article/2019/05/14/senegal-le-poste-de-premier-ministre-est-officiellement-supprime_5462054_3212.html.