كتب – حسام عيد

تبدو الظروف التي فرضتها جائحة “كوفيد-19” الوبائية؛ مثالية لارتفاع سعر الذهب، باعتباره ملاذًا آمنًا للتحوط ضد الأزمات. لتتزايد التساؤلات الملحة، مثل؛ هل أصبح الذهب في الوقت الراهن أفضل الأصول الاستثمارية المتاحة؟!، ولكون قارة أفريقيا أحد مناجم الثروات الطبيعية الغنية بالذهب، هل تصبح وجهة رائجة لمستثمري العالم نحو ضخ أموالهم في هذا المعدن النفيس والأصل الذي يحتفظ بقيمته مهما تعاقبت الأزمات؟!. هذا ما سنجيب عنه في التقرير التالي.

الذهب أصل استراتيجي بأوقات الأزمات

هذه أوقات عصيبة للجميع مع دخولنا العام الثاني من جائحة كوفيد-19 الخبيث. وبحسب استطلاعات وتقديرات مجلة “أفريكان بيزنس”، هناك إجماع عام على أن العام المقبل سيظل مليئًا بالشكوك.

يخضع أي انتعاش اقتصادي في عام 2021 إلى وفرة من المخاوف والتحذيرات، والتي تتلخص في؛ سرعة التطعيمات ومدى وصولها، والتخفيف السريع من متغيرات الفيروسات والعودة إلى الوضع “الطبيعي الجديد” الخالي من الإغلاق والتسريح والإفلاس.

وقد اجه المستثمرون أيضًا تحديات غير مسبوقة، نتيجة للضربات الشديدة التي وجهتها الجائحة الوبائية الأولى في القرن الحادي والعشرين، الاقتصاد العالمي. وهناك حقيقة تشير إلى أن الوباء هو من يواصل في الوقت الحالي تحديد ملامح التوقعات للعامين 2021، و2021، ما يعني ضرورة استمرار ضخ الحكومات لدعم مالي ونقدي من أجل بلوغ مرحلة التعافي الاقتصادي ومن ثم الانتعاش.

لقد خفضت البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة فعليًا إلى الصفر. ومع وجود فرصة أقل لنمو العائد عبر الأصول ذات الدخل الثابت، من المرجح أن يستمر المستثمرون في تحويل التعرض للمخاطر من خلال محافظ توزيع الأصول الخاصة بهم.

من جانبه، يقول مجلس الذهب العالمي (WGC)؛ إن البيئة الحالية جعلت الذهب أكثر أهمية كأصل أستراتيجي.

ويضيف، “لا يمكن للمستثمرين فقط الاستفادة من دور الذهب كمتنوّع وسط تضخم عجز الميزانية والضغوط التضخمية وتصحيحات السوق المحتملة، لكنهم قد يرون دعمًا إضافيًا، حيث من المرجح أن يستفيد استهلاك الذهب من بوادر التعافي الاقتصادي، خاصة في الأسواق الناشئة”.

خلال أوقات الأزمات، كان الذهب الملاذ الآمن التقليدي لكل من الحكومات والمستثمرين. تشير الدلائل إلى أن الذهب سيحافظ على بريقه كفئة أصول استثمارية في عام 2021. عادة، تتكون المحفظة الاستثمارية السليمة من سلة من فئات الأصول لتوزيع المخاطر -سندات الخزانة، وسندات الشركات، والأسهم، والعقارات، والسلع (بما في ذلك الذهب) والنقد، ومؤخرًا تضمنت أيضًا مشتقات مثل صناديق الاستثمار المتداولة (الصناديق المتداولة في البورصة).

أسباب الاستثمار في الذهب كأصل استثماري استراتيجي، خاصة في أوقات الاضطرابات، متعددة الجوانب؛ لقد بدأ الذهب العام الجاري بشكل إيجابي، حيث تجاوز 1900 دولار للأونصة “الأوقية الواحدة”. في العام الماضي، كما أفاد مجلس الذهب العالمي، كان أحد أفضل الأصول أداءً، وعاد للمستثمرين بارتفاع مثير للإعجاب والاهتمام نسبته 25%.

تاريخيًا؛ حقق الذهب عوائد إيجابية طويلة الأجل خلال الأوقات الاقتصادية الجيدة والسيئة. بالنظر إلى ما يقرب من نصف قرن، ارتفع سعر الذهب بالدولار الأمريكي بمعدل 11% تقريبًا سنويًا منذ عام 1971 -عندما انهار معيار الذهب. خلال هذه الفترة، يمكن مقارنة عائد الذهب طويل الأجل والذي ضاهى الأسهم وكان أعلى من السندات، كما يؤكد مجلس الذهب العالمي.

وتُظهر الأبحاث التي أجراها صندوق النقد الدولي ومجلس الذهب العالمي أن إضافة ما بين 2% و 10% من الذهب إلى محفظة متوسطة افتراضية لصندوق معاشات التقاعد الأمريكي على مدى العقدين الماضيين، يمكن أن يؤدي إلى “تحسن ملموس في الأداء وتعزيز العوائد المعدلة حسب المخاطر على أساس مستدام طويل الأجل”.

توقعات إنتاج قوية.. وأفريقيا الأكبر

يوجد حاليًا ما يقارب الـ201.296 ألف طن من الذهب فوق الأرض بقيمة 12.2 تريليون دولار؛ حسب إحصاءات مجلس الذهب العالمي. وقد ساهم إنتاج المناجم في زيادة ثابتة بنسبة 1.8% سنويًا لمخزونات الذهب فوق الأرض من مصادر أكثر تنوعًا.

وبلغ إجمالي إنتاج الذهب العالمي بنهاية عام 2019؛ حوالي 3533.7 طنًا. وجاءت مساهمات أكبر أربعة منتجين للذهب في العالم، على النحو التالي؛ الصين 383.2 طنًا، روسيا 329.5 طنًا، أستراليا 325.1 طنًا والولايات المتحدة 200.2 طن. ولكن كمنطقة، ظلت أفريقيا أكبر منتج منفرد عند 853.7 طنًا، مما يشير إلى أن إنتاج الذهب لا يزال نشاطًا مهمًا ورائجًا للغاية في القارة السمراء.

تعد غانا، التي بلغ إنتاجها 142.4 طنًا في نهاية عام 2019، أكبر منتج للذهب في أفريقيا، متجاوزة جنوب أفريقيا. وقد تراجعت الهيمنة السابقة للأخيرة على إنتاج الذهب بشكل ملحوظ. في عام 2010، ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، كانت جنوب أفريقيا رابع أكبر منتج للذهب بحجم 210 أطنان، لكنها اليوم تراجعت إلى المركز الثامن مع إنخفاض إنتاجها من الذهب إلى 118.2 طن بنهاية عام 2019.

ديناميكيات الطلب المستدام

يأتي الطلب على الذهب من أربعة مصادر مهمة؛ من المستثمرين كفئة أصول آمنة بنسبة (42%)، من البنوك المركزية كأصل احتياطي (17%)، من المستهلكين للمجوهرات (34%)، وأخيرًا من الصناعة كعنصر تكنولوجي بما نسبته الـ(7%).

غالبًا ما تؤدي زيادة المخاطر وعدم اليقين إلى زيادة الطلب على الاستثمار في الذهب كملاذ آمن. أيضًا، تؤثر أسعار الفائدة ونقاط القوة النسبية للعملة على مواقف المستثمرين تجاه الذهب، وكذلك تدفقات رأس المال.

واليوم، ترتفع أسعار الذهب مع ترقب تطورات حملة التطعيم ضد فيروس “كورونا”، واهتزاز العملة الأمريكية “الدولار” أمام العملات الرئيسية الأخرى، بالإضافة إلى هبوط العائد على سندات الخزانة لآجل 10 سنوات أدنى 1.7%. وعند تسوية تعاملات جلسة يوم الثلاثاء الموافق 6 أبريل 2021، صعد سعر العقود الآجلة للذهب تسليم شهر يونيو بنسبة 0.8% أو 14.20 دولار ليصل إلى 1743 دولارًا للأوقية.

وعلى صعيد القارة السمراء، تدعم آفاق الذهب في عام 2021 ما يلي؛ امتلاك الجزائر لأعلى الحيازات عند 73.6 طن (ما يعادل 16.3% من الاحتياطيات)، تليها جنوب أفريقيا بـ125.3 طن (ما يعادل 13.4% من الاحتياطيات).

تحوط فعّال ضد التضخم

يعتبر الذهب وسيلة تحوط مفيدة ضد التضخم. في أوقات انخفاض أسعار الفائدة –حاليًا تقارب الصفر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي- مع انخفاض الاستهلاك والاستثمار وزيادة الضغط المالي، يزداد الطلب على الذهب.

لقد تغيرت ديناميكيات السوق وتصوراته عن الذهب ضمن محفظة الاستثمار المؤسسي خلال العقدين الماضيين، مما يعكس زيادة الثروة في الصين والهند والبرازيل، وتنامي الطبقة الوسطى في العديد من الأسواق الناشئة، بما في ذلك في أفريقيا.

وختامًا، يمكن القول إنه من المرجح أن تستمر ديناميكية السوق المتعلقة بالذخب، كما يؤكد مجلس الذهب العالمي؛ وذلك نظرًا لعدم اليقين السياسي والاقتصادي المستمر، وانخفاض أسعار الفائدة باستمرار والمخاوف الاقتصادية المحيطة بأسواق الأسهم والسندات، وهي أمور جميعها كفيلة أن تُبقي الذهب أصلًا استراتيجيًا وملاذًا آمنًا وحيدًا في أوقات الأزمات والمخاطرة العالية.