كتب – محمد الدابولي

شهدت عاصمة دولة النيجر  يوم 31 مارس 20121 محاولة انقلابية فاشلة قام بها بعض المنتمين لصفوف الجيش، و تأتي محاولة الانقلاب بعد أيام قليلة من اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتي أسفرت عن فوز مرشح الحزب الحاكم «محمد بازووم» خلفا للرئيس المنتهي ولايته «محمد إيسوفو»، كما تأتي تلك المحاولة الفاشلة قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس الجديد ومغادرة «إيسوفو» لمقر السلطة في نيامي.

اندلعت الرصاصات الأولي للانقلاب الفاشل مع الساعات الأولي ليوم 31 مارس، إذ أفادت وكالات الأنباء أن محيط القصر الجمهوري بالعاصمة تعرض     لإطلاق نار بصورة كثيفة بواسطة الأسلحة الثقيلة، وتم التعامل مع المحاولة الإنقلابية بواسطة عناصر الحرس الرئاسي الذي نجح في صد الهجوم والقاء القبض على العناصر المشتركة في الانقلاب الفاشل، فيما جرت عمليات توقيف متنوعة للعديد من القيادات العسكرية يُعتقد أنهم كانوا وراء تلك المحاولة الانقلابية.

كشفت المحاولة الانقلابية الأخيرة عن عمق الأزمة السياسية والاجتماعية في النيجر رغم أن النظام السياسي في الفترة الأخيرة نال إشادات دولية واسعة بنجاحة في إتمام عملية تداول سلمي للسلطة بدأت مع اعلان الرئيس المنتهي ولايته «محمد إيسوفو» عن عدم رغبته في التجديد لولاية ثالثة، وإجراء انتخابات تعددية فاز بها مرشح الحزب الحاكم ووزير الداخلية السابق «محمد بازوم»، لذا يمكن القول أن المحاولة الإنقلابية أذهبت نشوة احتفالات البلاد باتمام نجاح الانتخابات الرئاسية ووضعت النظام السياسي أمام حقائق كشفت هشاشته وهي كالتالي:

 تحول سياسي محدود

ماحدث في الانتخبات الأخيرة التي جرت جولتها الأولي في ديسمبر 2020 والثانية فبراير 2021، يمكن اعتباره بتحول سياسي محدود للغاية في البلاد، وليس تحولا ديمقراطيا واسعا، ففي إطار صفقة سياسية داخل الحزب الحاكم “الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية ـ Nigerien Party for Democracy and Socialism” تم إبعاد الرئيس المنتهى ولايته «محمد إيسوفو» عن الحكم وتصعيد وزير داخليته السابق «محمد بازوم» ليكون خلفا له، لذا فاختيار «بازوم» ما هو إلا حلقة استمراية للنظام السياسي الذي تشكل في فبراير 2010 عقب الانقلاب على الرئيس الأسبق «مامادو تانجي».

أعطى التحول السياسي المحدود دفعه قوية للحزب الحاكم باعتباره قادرا على إجراء عملية تداول سلمي للسلطة بصورة محدودة داخل أروقة الحزب لينضم في هذا الإطار إلي أحزاب أفريقية عريقة نجحت في هذا الأمر مثل حزب تشاما تشا مبيدوزي في تنزانيا والمؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) في جنوب أفريقيا.

ليس بالانتخابات وحدها

العملية الانتخابية حجر أساس في العملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، لكن لن ينجح أي نظام سياسي في اتمام التحول الديمقراطي بالاعتماد على عنصر الانتخابات لوحدها، بل يجب إرفاق الانتخابات بالعديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشكل في مجموعها وصفة ناجحة لإتمام التحول الديمقراطي، ومن أبرز تلك المتغيرات احقاق العدالة الاجتماعية بين مكونات المجتمع والجماعات الإثنية في البلاد وتحقيق عدالة في توزيع الموارد الاقتصادية بين تلك الجماعات، فضلا عن تعظيم قيم الاندماج الاجتماعي والسياسي بينهم، وتعظيم دور منظمات المجتمع المدني لتكون قاطرة وطنية قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية.  

ومما يشير إلي ضرورة عدم اعتماد العملية الانتخابية كمعيار وحيد لتحقيق التحول الديمقراطي هو حالة العنف التي تواكب الانتخابات في البلاد فضلا عن حالة التضييق على الحملات الانتخابية لمرشحي المعارضة وأخيرا عدم الاعتراف بنتائج العملية الانتخابية وهو ما أشارت إليه حملة المرشح الخاسر «مهامان عثمان» بأن الانتخابات الأخيرة كانت مجرد عملية سطو قام بها الحزب الحاكم.

انسداد نخبوي

الانتخابات الأخيرة أثبت وجود حالة انسداد نخبوي في الأوساط السياسية في البلاد، فالمترشحين في الانتخابات السابقة هم ذات النخبة المتحكمة في مصير النيجر السياسي منذ بداية التسعينيات وإلي اليوم، فأبرز المنافسين لـ«بازوم» هما الرئيس الأسبق للبلاد «مهامان عثمان» وسالو جيبو رئيس المجلس العسكري الذي تشكل عقب انقلاب فبراير 2010، كما ترشح رئيسي حكومة سابقين هما «سيني أومارو» رئيس الوزراء في عهد الرئيس الأسبق مامادو تانجا و«البادي أبوبا» الذي شغل منصب وزير الداخلية في عهد «تانجا» وكذلك رئاسة الوزراء.

كما أن «بازوم» كان ضمن الحكومة المؤقتة التي أدارات البلاد خلال الفترة الانتقالية من عامي 1991 و1993، كما كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيس الأسبق ومنافسه الحالي «مهامان عثمان» وذلك خلال عامي 1995 و 1996.

فشل متتالي

أعاد الانقلاب الفاشل ذكريات فشل عمليات التحول الديمقراطي في البلاد، إذ مرت البلاد بتجربتين سابقتين في مطلع التسعينيات الأولي بدأت بحل الحزب الحاكم وقتها «الحركة الوطنية لتنمية المجتمع» وإجراء الانتخابات الرئاسية في مارس 1993 والتي فاز بها وقتها زعيم المعارضة «مهامان عثمان» إلا أن تلك التجربة تعرضت للفشل في عام 1996 بانقلاب دبره الجنرال «إبراهيم باري مناصرة»، أما التجربة الثانية فجاءت في نهاية التسعينيات بعد مقتل «مناصرة» في إبريل 1999 وإجراء انتخابات أسفرت عن فوز مامادو تانجا الذ تعرض هو الأخر لانقلاب عسكري في فبراير 2010 بقيادة الفريق سالو دجيبو.