كتب – محمد الدابولي

تطورات جديدة تشهدها منطقة القرن الأفريقي تتمثل في استعداد دولة جيبوتي لإجراء انتخاباتها الرئاسية في 9 إبريل المقبل، والتي يسعي من خلالها الرئيس الحالي للبلاد “إسماعيل عمر جيله” إلي الفوز بولاية خامسة، إذ يتولي السلطة منذ عام 1999 خلفا للرئيس الأول للبلاد «حسن جوليد».

وفي خضم الاستعدادات في جيبوتي لتنظيم الانتخابات الارئاسية فوجئ الجميع يوم السبت 27 مارس 2021 بمقطع فيديو، بثته وسائل الاعلام المنسبوبة لـ«حركة الشباب المجاهدين»، يظهر فيه زعيم الحركة «أبو عبيدة أحمد عمر» طالب فيه أعضاء الحركة بوضع الأهداف الأمريكية والفرنسية في جيبوتي ـــــــــ ويقصد هنا “القواعد العسكرية” ــــــــ ضمن أولويات مقاتلي الحركة، واصفا إياها ـــ أي جيبوتي ــــــــــــــــ بأنها تحولت إلي قاعدة عسكرية يتم من خلالها تنفيذ العمليات الحربية تجاه المسلمين في شرق أفريقيا.

هدوء شبه تام

ظلت جيبوتي في مناعة من العمليات الإرهابية لحركة الشباب منذ نشأتها وإلي الآن، باستثناء شهر مايو 2014 حين هاجم انتحاري منتمي للحركة مطعما يرتاده بعض الأجانب أسفر عن مقتل رجل تركي وإصابة 20 شخص أخر من بينهم سبعة فرنسيين وستة هولنديين وأربعة ألمان وثلاثة أسبان الجنسية، وبررت الحركة وقتها الهجوم الانتحاري على أنه ردا على التدخلات الفرنسية في جمهورية أفريقيا الوسطى وإضطهاد المسلمين بها.

ومنذ ذلك التاريخ لم تشهد جيبوتي أية عمليات إرهابية بل كان لها دور كبير في الحرب على الإرهاب فهي من ناحية تشارك ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أميصوم”، كما تنطلق منها الطلعات الجوية الأمريكية التي تستهدف الأهداف الحيوية للحركة.

ويرجع ارتفاع المناعة الجيبوتية إلي العديد من الأسباب أبرزها على الإطلاق صغر مساحة البلاد والتي لا تتجاوز 25 ألف كم وندرة السكان بها، إذ يبلغ تعداد السكان حوالي مليون نسمة تقريبا، هذا بالإضافة إلي تعالي النشاط الاستخباراتي بها نظرا لما تمثله من أهمية استراتيجية، إذ تحتضن قواعد عسكرية لخمس دول وهم فرنسا والولايات المتحدة والصين وإيطاليا واليابان، كما تحتضن القاعدة الفرنسية والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية فرنسية خارج البلاد العديد من العناصر القتالية الألمانية والأسبانية لكن ليس بصفة دائمة، كما يثار من حين لأخر عن وجود استخباري للعديد من دول الشرق الأوسط بها مثل إيران وتركيا وإسرائيل.

وتعلو الأهمية الاستراتيجية لجيبوتي في كونها أيضا مدخل لمنطقة القرن الأفريقي، كما أنها تشرف على مضيق باب المندب ـ المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ـ الذي يعبر منه أكثر من 10% من حجم التجارة العالمية تقريبا.

دلالات خطيرة

حملت رسالة “أبو عبيدة الأخيرة” العديد من الدلالات التي تنذر بأن عهود الاستقرار في ذلك القُطر المشرف على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر باتت في طريقها إلي الزوال وأن مستقبل جيبوتي السياسي والاستراتيجي بات معرضا للعديد من الأزمات السياسية والمخاطر المستقبلية وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية:  

أولا. دغدغة المشاعر الوطنية

لم تكن رسالة «أبوعبيدة» موجه فقط لأنصار ومقاتلي حركته فقط، بل سعي خلالها إلي توجيه رسالة إلي الشعب الجيبوتي محاولاً دغدغة المشاعر الوطنية والإسلامية للشعب الجيبوتي من خلال توجيه اتهام للرئيس الحالي جيله” بفشله في تحقيق التنمية وتدني الخدمات التعليمية والصحية في البلاد وأنه طوال فترة حكمه لم يحقق أي انجاز ملموس، منوها إلي انتشار الفساد وسيطرة شركات الرئيس على جميع الأصول الاقتصادية في البلاد، وزيادة القمع وانتهاك الحريات في البلاد.

كما وجه اتهامات للرئيس “جيله: بالتضحية بسيادة واستقلاليه بلاده السياسية إلي حولها إلي معسكرات للجيوش الأجنبية الأمركية والفرنسية، وأن تلك القواعد تستخدم في قتل المسلمين في شرق أفريقيا والصومال.

من ظاهر الرسالة الأخيرة نجد أن زعيم حركة الشباب يحاول بث دعاية مضادة للرئيس “جيله” أملا في إسقاطه في الانتخابات، إلا أن المغزى الحقيقي لرسالته هو محاولة استنفار القوي السياسية المعارضة خاصة المحسوبة على الجماعات الإسلامية، الأمر الذي يسمح للحركة بايجاد موطئ قدم لها في جيبوتي يساعدها في توسيع عملياتها في القرن الأفريقي.

 فخطاب زعيم الحركة يحمل طابعا سياسيا معارضا أكثر منه جهاديا، إذ ركز بصورة كبيرة على قضايا التنمية والفساد والاستقلالية وسيادة البلاد وتلك هي القضايا التي تتمحور حولها ملفات قوى المعارضة، أي أن الحركة تحاول بشتى الطرق الانغماس في صفوف المعارضة الجيبوتية خاصة المحسوبة على التيارات الإسلامية من أجل إيجاد حاضنة شعبية لها في تلك المنطقة.

ثانيا. التنافس الأمريكي . الصيني

حملت رسالة “أبوعبيدة” تهديدات للوجود الأمريكي والفرنسي في جيبوتي فقط، دون ذكر باقي القواعد العسكرية خاصة الصينية، الأمر الذي قد يعاد توظيفه في إطار التنافس الأمريكي الصيني في أفريقيا وجيبوتي، فالقاعدة الأمريكية في جيبوتي دأبت على توجيه اتهامات لنظيرتها الصينية بالتشويش على طائرتها، الأمر الذي يؤثر على قدرتها في ضرب معاقل حركة الشباب في الصومال.

ثالثا. التمدد شمالاً

تنشط حركة الشباب بصورة كبيرة في وسط وجنوب الصومال كما تمتد تأثيرتها إلي دول الجوار الصومالي خاصة كينيا، ويقل تأثير الحركة شمالاً، ففي شمال البلاد وتحديدا ولاية بونت لاند تنشط «ولاية الصومال» التابعة لما يسمى “تنظيم الدولة الدولة الإسلامية ـ داعش”، ومنذ تأسيس ولاية الصومال في عام 2015 تجري اشتباكات متقطعة بين حركة الشباب وداعش من أجل فرض السيطرة على مناطق شمال البلاد التي يتشبث بها تنظيم داعش.

وتحاول الحركة من حين لأخر  التمدد شمالا وإيجاد موطئ قدم لها في مضيق باب المندب وبحر العرب، وهو ما يفسر الرسالة الأخيرة لزعيم حركة الشباب الذي يحاول ايجاد موطئ قدم له في جيبوتي باستثارة الجماعات الإسلامية في جيبوتي واستمالتها لصالحه، الأمر الذي قد يعزز من خطورة الحركة بسيطرتها على الممرات التجارية الهامة سواء البحرية أو البرية.

السيطرة على الممرات التجارية

لايخفى على أحد أن من أهداف ودوافع حركة الشباب للتواجد في جيبوتي هو  الرغبة في تهديد الممرات التجارية البرية والبحرية، فجيبوتي تشرف فعليا على الممرات التجارية البرية لدول شرق أفريقيا الحبيسة كأوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان، فمنذ استقلال اريتريا عام 1993 باتت إثيوبيا دولة حبيسة الأمر الذي دفعها للاعتماد بشكل كلي على جيبوتي في تجارتها الخارجية وكذلك الحال بالنسبة لأوغندا وجنوب السودان.

كما تسعي الحركة أيضا إلي تهديد أهم مضيق ملاحي دولي العالم وهو مضيق باب المندب الذي يمر منه أكثر من 10% من حجم التجارة العالمية، في حال تهديد الملاحة في باب المندب ستتأثر قناة السويس (المدخل الشمالي للبحر الأحمر) بشكل مباشر.