كتب – حسام عيد

على مسار تأسيس اقتصاد رقمي مرن وتنافسي في شرق وجنوب القارة السمراء، تعمل مجموعة “ريكثيو” الأمريكية على تعزيز توسعها في البلدان الأفريقية والانطلاق إلى استشراف مواقع جديدة في أسواق “ثانوية” واعدة؛ في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حتى تتمكن من مجاراة منافسيها المتمركزين في أسواق رئيسية تعرف بأنها وجهة الاقتصاد الرقمي في أفريقيا بكافة خدماته الواسعة والمتسارعة النمو، مثل؛ كينيا، نيجيريا وجنوب أفريقيا.

وقد بدأت بالفعل طفرة في مراكز البيانات، بعدما لاحظت شركات الإنترنت العالمية الميزة التي يمكن أن تحصل عليها من الاستثمار في تحديث البنية التحتية الرقمية في أفريقيا من حيث خفض تكاليف الوصول إلى خدماتها في سوق غير مستغلة إلى حد كبير، وهو أمر يعتبر بمثابة “فرص مستقبلية رائجة”.

أول قاعدة بيانات في كينشاسا

في 3 مارس 2021، أعلنت “ريكثيو” أنها ستفتح مركز بيانات في عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، كينشاسا؛ مزود بـ400 رف وبطاقة 1.5 ميجا وات.

سيكون “ركيثيو كينشاسا Raxio Kinshasa” أول مركز بيانات “محايد”، يشار إليه أيضًا باسم الناقل المحايد، في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ومن المقرر افتتاحه في يونيو 2022، سيكون مرفقًا من المستوى الثالث، مما يعني أنه -بفضل التكرار الكهربائي المعقد- سيكون معدل توفره 99.982% وسيختبر متوسط ​​1.6 ساعة فقط من التعطل سنويًا.

والمستوى الثالث هنا يعني؛ شهادة دولية في فئات التصميم وبناء المنشآت والاستدامة التشغيلية، والتي تضمن بدورها تقديم مركز البيانات لأعلى مستويات الإتاحة والمرونة الفنية.

وعلى الرغم من أن المجموعة الأمريكية التزمت الصمت بشأن حجم الاستثمار، إلا أنه قد يصل إلى 18 مليون دولار، وفقًا لتقديرات مجلة “أفريكا ريبورت”.

ويقول المدير التنفيذي لمجموعة “ريكثيو” روبرت مولينز، إن الخطوات التالية تتمثل في الانتهاء من شراء الأرض وتوقيع عقود البناء، ليحين بعدها الوقت للعثور على العملاء.

هذا المركز الراقي هو الثالث من نوعه في القارة من هذه الشركة التي تديرها شركة “فيرست بريك القابضة First Brick Holdings” وتهدف لضخ استثمارات بقمية 50 مليون دولار في توسعات أفريقية من شأنها أن تجلب خمسة مراكز بيانات من المستوى الثالث إلى القارة. وقد تم الإعلان عن “ريكثيو أوغندا”، وهو المركز الأول والموجود في العاصمة كمبالا، في عام 2019.

واليوم، يقول مولينز؛ “اكتمل العمل وننهي تركيب المعدات واختبارها”. “لقد سجلنا بالفعل 10 عملاء، وسيكون مركز الاتصال الرئيسي في البلاد. نحن نهدف إلى افتتاح الأول من مايو”.

وسيوفر مركز “ريكثيو أوغندا”، لعملائه بيئة مُحسّنة لمعدات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بهم في أحدث المرافق المعيارية والمجهزة بالكامل بأحدث التقنيات والأمان بحسب الشركة.

بدأ العمل في المشروع الثاني -الذي سيكون مقره في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا -وسيبدأ العمل به بحلول نهاية عام 2021.

هدف من 10 إلى 12 مركز بيانات

لكل مشروع من مشاريعها، تعمل “ريكثيو” مع لاعبين محليين ودوليين: “نحن نعمل مع مهندس معماري محلي للتصميم الأولي، بناءً على التصميم القياسي الذي تصوره أحد فرقنا الداخلية، واخترنا أيضًا مطور إنشاءات محلي. بالنسبة لمعدات المركز، نحن نعمل مع أحد شركائنا الأجانب. في كينشاسا، سنعمل أيضًا مع شريك وطني لمساعدتنا في تشريعات وتفاصيل هذا السوق”.

ليس هناك شك في أن هذا الفرع من مجموعة “روها” -وهو صندوق أمريكي لديه ثلاث شركات أفريقية أخرى في محفظته (جونيبر جلاس إندستريز في إثيوبيا، وشركات تمويل الأصول الأفريقية (AAFC) وفرعها الإثيوبي “إثيو لييز Ethio Lease” للخدمات المالية وتوفر عقود الإيجار الرأسمالية للشركات والأفراد، والشركة الأفريقية “روها للخدمات الصحية”- تعتزم ترك بصمتها في القارة الأفريقية.

ومن المتوقع أن تستفيد “ريكثيو”، التي تلقت 50 مليون دولار من “روها” في عام 2019، من استثمار أكبر في المستقبل القريب.

وأوضح روبرت مولينز أنه قد تم استخدام هذه الحزمة المالية الأولى لإنشاء أول ثلاثة إلى أربعة مراكز بيانات. ولم يتم استخدام كل شيء حتى الآن، لكن المبالغ ستزداد.

ويضيف، “تهدف مجموعة ريكثيو إلى بناء ما بين 10 إلى 12 مركزًا للبيانات في أفريقيا بحلول عام 2023. وقد يرتفع العدد بشكل كبير”.

تأسيس متجر في الأسواق الأفريقية “الثانوية”

حرصًا منها على أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في قطاع مراكز البيانات المحايدة في أفريقيا، تتبنى “ريكثيو” استراتيجية مختلفة عن تلك الخاصة بمنافسيها.

ويقول مولينز، ” منذ البداية ، تركز معظم الاهتمام على الأسواق الكبيرة”.

ويتابع، “تعمل مراكز بيانات أفريقيا بشكل أساسي في جنوب أفريقيا وكينيا، ويستهدف البعض الآخر هذين البلدين بالإضافة إلى نيجيريا”.

تقع الغالبية العظمى من مراكز البيانات في أفريقيا في هذه البلدان الثلاثة، مع تزايد الاهتمام بالتوسع في البلدان الأكثر تقدمًا، مثل المغرب ومصر وغانا.

إن بيئات بيانات “تيراكو Teraco” المالكة لأكبر مركز بيانات في القارة، تقع فقط في جنوب أفريقيا. وتعد “تيراكو” أكبر مشغل أفريقي لمراكز البيانات المستقلة في القارة السمراء -وهي المرافق التي تجعل الإنترنت الحديث يزود الجميع ويضم المحتوى لشركات مثل جوجل ونتفليكس وشركات الاتصالات.

ويوضح المدير التنفيذي لمجموعة ريكثيو، قائلًا: “من جانبنا، نختار الأسواق التي لا تزال في مراحلها الأولى من التحول الرقمي، سواء لأسباب تنظيمية -مثل إثيوبيا، حيث لم يتم بعد منح تراخيص اتصالات جديدة للمشغلين- أو بسبب نقص البنية التحتية للإنترنت الحالية، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية”.

ويضيف: “نعتقد أنه من خلال المضي قدمًا بسرعة في هذه الأسواق الثانوية، يمكننا لعب دور مهم”.

مدينة “لوبومباشي”.. ملتقى طرق استراتيجي

لذلك، تخطط الشركة لمضاعفة منشآتها في إثيوبيا وأوغندا، وحتى مضاعفتها ثلاث مرات في جمهورية الكونغو الديمقراطية. في كينشاسا، سيتم استخدام 400 رف مجهزة للسيرفرات “خوادم نقل البيانات عبر الإنترنت” بسرعة فائقة.

ستبدأ ريكثيو ببناء مركز بيانات في لوبومباشي لأن عاصمة مقاطعة هوت كاتانغا “في وضع جيد من حيث الاتصال”، نظرًا لقربها من زامبيا وتنزانيا وأنجولا.

ويتابع روبرت مولينز: “سيتم بعد ذلك افتتاح مركز ثان في كينشاسا، لاستيعاب الطلبات الأكبر التي نراها قادمة في المستقبل من عدد قليل من العملاء المحتملين الكبار ولدعم أحد الاتجاهات الحالية، حيث يقوم المشغلون الذين لديهم مراكز بيانات خاصة بهم بالاستعانة بمصادر خارجية لبعض من الموارد.. سيكونوا في حاجة كبيرة لخدماتنا”.

ومع ذلك، يعد الرئيس التنفيذي لمجموعة ريكثيو، أيضًا، بأنه ستكون هناك “إعلانات يتم الكشف عنها في الأسابيع المقبلة فيما يتعلق بالأسواق الأخرى”.

تعرضت رواندا وتنزانيا، اللتان ورد ذكرهما في عام 2019 على أنهما التاليان على القائمة بعد أوغندا وإثيوبيا، لكنها باتت اليوم في خطط وأهداف المجموعة وراء جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهذا ما فسره مولينز، بقوله: ” كان هذا لأنه “سرعان ما أصبح واضحًا لنا أنها كانت أولوية” بسبب “السوق الهائل” الذي تمثله ورغبة حكومتها في زيادة بنيتها التحتية للإنترنت غير الملائمة للغاية. في الواقع، أطلق رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، “الخطة الرقمية الوطنية – Horizon 2025″ في نهاية عام 2019”.

ومع ذلك، لا يزال لدى ريكثيو خطط لدول شرق أفريقيا. يقول مولينز: “في تنزانيا، لا تزال لدينا مشكلات تنظيمية يجب حلها قبل أن نتمكن من إطلاقها”.

وختامًا، يمكن القول؛ إن سعة الإنترنت في أفريقيا آخذة في الازدياد بالتأكيد -حيث أصبحت أسرع وأكثر كثافة وأكثر محلية، الأمر الذي له آثار عميقة في اقتصادات القارة. وهو تحول يتسارع بقوة اليوم ويستقطب مستثمري البنية التحتية العالميين.

ودليل على ذلك، أنه على الرغم من أن مجموعة “ريكثيو” تريد أن تكون رائدة في مراكز البيانات في الأسواق الأفريقية الثانوية، إلا أنها لن تكون وحدها في هذا المجال لفترة طويلة جدًا. في 18 مارس -بعد سبعة أيام فقط من بدء العمل في “ريكثيو إثيوبيا”- أعلنت مجموعة “ريدفوكس RedFox” الأمريكية لحلول أعمال تكنولوجيا المعلومات، أنها بصدد إطلاق مركز بيانات في أديس أبابا.

ومن جانبها، أعلنت “N + One“، الشركة المغربية الرائدة في مجال مراكز البيانات، أنها تشارك بفعالية في مشاريع التنمية في القارة، على الرغم من أنها لم تحدد ما إذا كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من البلدان المستهدفة. المنافسة ستكون صعبة بالفعل داخل القارة السمراء.