كتبت – أماني ربيع

في قلب مدينة كيب تاون، تمتلئ غرفة التحكم بالنشاط، بينما يراقب الفنيون شبكة من الشاشات ويمسحون البيانات التي ستشق طريقها قريبا إلى علماء الفلك الذين يعملون على تعميق فهمنا الكون.

العمل على هذه البيانات يتم في مرصد علم الفلك الراديوي بجنوب أفريقيا (SARAO) ، ويتم رصدها عبر ” MeerKAT” أحد أكثر التلسكوبات الراديوية تقدمًا في العالم، والذي يتالف من 64 طبقًا متصلًا بالأقمار الصناعية في جزء بعيد من كيب الشمالية.

وتم وضع التلسكوب الذي تبلغ تكلفته 330 مليون دولار جنوب أفريقيا على خريطة علم الفلك، وهو مكون رئيسي في الجهود الدولية لبناء آلاف الأطباق في المناطق النائية بجنوب أفريقيا وأستراليا.

وتقول بونتشو ماروبينج ، نائب مدير ” SARAO”: “ربما يكون هذا أكبر مشروع علمي في القارة بأكملها، ولقد بدأنا بالفعل في تدريب علماء الفلك في بلدان أفريقية أخرى.”

وتضيف: “أنا مسرورة من حقيقة أن هذا المشروع يسمح للناس بالقارة الأفريقية المساهمة حقا في واحدة من أكثر الصناعات تقدمًا من الناحية التكنولوجية في العالم”.

في حين أن رائدة الفضاء المولود في أفريقيا لم تنطلق إلى الفضاء في بعد، فإن برامج الفضاء في جميع أنحاء القارة آخذة في التزايد مع الانفتاح في مجالات الأقمار الصناعية والتلسكوبات.

وتقدر المجموعة الاستشارية Space in Africa برامج الفضاء في القارة بقيمة تزيد عن 7 مليارات دولار، وخلال العشرين عاما الأخيرة قامت عدة دول مثل: مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا وأنجولا وكينيا وإثيوبيا ورواندا بإنشاء أو توسعة وكالاتها الفضائية.

وبحسب موقع “سي إن إن” الأمريكي، تشمل العديد من هذه البرامج الكثير من النساء في الأدوار القيادية، منهن 3 رائدات ملهمات يرسمن مستقبل استكشاف الفضاء عبر أفريقيا وخارجها.

جيسي ندابا.. مهندسة فضاء

جيسي ندابا هي المؤسس المشارك لشركة أستروفيكا، المتخصصة في تكنولوجيا الأقمار الصناعية بجنوب أفريقيا، والذي يمزج اسمها بين علم الفلك وأفريقيا وفقا للمؤسس المشارك خالد مانجو.

يقع مقر الشركة بكيب تاون وهي متخصصة في تجميع وتصنيع واختبار أنظمة الأقمار الصناعية، وهو تخصص مربح لصناعة الفضاء الأفريقية.

 ووفقًا لـ Space in Africa ، تم إطلاق 41 قمراً صناعياً من القارة حتى أغسطس 2020 ، ومن المرجح أن يتضاعف هذا العدد ثلاث مرات بحلول عام 2024. وقد تم استثمار أكثر من 4 مليارات دولار في تطوير الأقمار الصناعية في جميع أنحاء أفريقيا حتى الآن.

تقول ندابا إن رغبتها في العمل بمجال الفضاء بدأت منذ افتتانها بصورة لمحرك صاروخ في كتاب مدرسي أهدته إليها جددتها التي ربتها في جوهانسبرج.

وتؤكد أن هذه الصناعة في أفريقيا قد شهدت تطورا خلال الـ 15 عاما الماضية، وأن مفتاح النجاح في هذا القطاع هو التعاون، تقول: “لا نعمل وحيدين، نتعاون مع دول أخرى في أفريقيا وخارجها لتحسين حياة الناس.”

 لكنها تشير إلى أنه في بعض الأحيان، تضيه هذا الرسالة، خاصة مع الانتقادات الشائعة التي تقول إن المساعي الفضائية باهظة الثمن وأن الحكومات في دول مثل جنوب أفريقيا من الأفضل أن تستثمر الأموال في تحسين حياة مواطنيها.

وتوضح ندابا: “هناك عدد من الفوائد التي نحصل عليها من لاخل عملنا، لكننا نفشل في إيصال ذلك إلى الناس”.

وعن هذه الفوائد قالت: “يُمكننا استخدام صور الأقمار الصناعية لتقييم جودة الأراضي للزراعة أو بناء المساكن.”

وأضافت: “نحن نبحث دائمًا في التحديات التي يواجهها الناس ، ونبحث عن الحل”.

أدريانا ماريه.. فيزيائية

أدريانا ماريه هي فيزيائية من جنوب أفريقيا، قامت بإطلاق مؤسسة Proudly Human، والتي وضعت أنظارها منذ البداية إلى المريخ، وهي المهمة التي كانت تخطط لها دائما.

تقول: “إذا اضطررت إلى اختيار نتيجة معينة لحياتي، سيكون هذا قضاء أيامي الأخيرة على المريخ”.

في عام 2015 ، اقتربت عالمة الفيزياء الجنوب أفريقية من تحقيق حلمها عندما تم اختيارها كواحدة من 100 رائد فضاء مرشحين لمشروع Mars One ، وهو مشروع خاص لبناء مستوطنة دائمة على الكوكب الأحمر.

لكن لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن المريخ قبل أن يتمكن البشر من البقاء على سطحه – أو حتى القيام بالرحلة بنجاح، فبعد رحلة تستغرق تسعة أشهر للوصول إلى هناك، سيواجه رواد الفضاء ظروفًا قاسية عند وصولهم، لذا على الأرض، تستعد ماريه لمحاكاة تلك البيئة القاسية.

في عام 2019 ، أسست ماريه، منظمة الأبحاث Proudly Human ، التي تخطط لإجراء سلسلة من تجارب الاستيطان في البيئات القاسية كجزء من مشروعها Off-World.

توضح أكثر عن المشروع: “سيكون لدينا فرق تقوم بإنشاء البنية التحتية من الصفر، والعيش وإجراء الأبحاث في تلك المواقع المتطرفة طوال مدة التجربة “.

في ديسمبر 2019 ، سافرت  الفيزيائية الأفريقية إلى القارة القطبية الجنوبية لبدء إنشاء مجتمع حيث سيقضي المشاركون المختارون 9أشهر في عزلة تامة، لكن تم تعليق المشروع بسبب جائحة كورونا.

 تؤكد ماريه أن القارة القطبية الجنوبية ستكون أرضًا مثالية للاختبار، تقول: “درجات الحرارة في الشتاء في أنتاركتيكا تتراوح بين -60 و -70 درجة فهرنهايت في الداخل ، وهذا هو متوسط ​​درجة الحرارة على المريخ، وسيمكننا من اختبار البنية التحتية مثل أنظمة المياه”.

ووفقًا لـ Proudly Human ، يمكن أن تساعد الأبحاث والتكنولوجيا التي تم تطويرها لدعم الحياة في الظروف البيئية المتطرفة أيضًا في توفير الحلول على الأرض ، حيث يفتقر مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم إلى الوصول إلى المياه النظيفة والهواء ومصادر الطاقة الموثوقة وإمدادات الغذاء الآمنة.

تقول ماريه: “أشعر أنه من واجبنا العيش في هذا العصر المليء بالتحديات أن نصنع مستقبلًا يمكننا أن نفخر به، بغض النظر عن الكوكب الذي نعيش فيه”.

روفيمبو سامانجا.. مستشارة قانون الفضاء

روفيمبو سامانجا هي مستشارة في قانون الفضاء لبلدها، الذي بدأ برنامج الفضاء الخاص به عام 2018، نشأت في بولاوايو بزيمبابوي، وبدأ اهتمامها بالفضاء منذ الطفولة، لكنها لم تعتقد أبدًا أن حبها لـ “كل الأشياء خارج الأرض وخارج الكواكب”، يمكن أن يصبح مهنة حقيقية في الحياة، تجعلها تدرس القانون.

في عام 2018 ، دربت سامانجا فريقًا من طلاب القانون الذين صنعوا التاريخ، بعد أن أصبحوا أول الوافدين الأفارقة الذين يفوزون في مسابقة Manfred Lachs Space Law Moot Court الدولية، وهو ما جعلها تدرك أن بإمكانها الجمع بين شغفيها في مهنة واحدة – وأصبحت مستشارة في قانون الفضاء والسياسة.

منذ هذه اللحظة أصبحت الفرص غير محدودة كما تقول، وتضيف: “أعتقد أن قانون وسياسة الفضاء يعطيني الطريقة الأكثر فاعلية لإحداث التغيير في الصناعة، ومنحها القابلية للتطور.”

يحكم قانون الفضاء الأنشطة المتعلقة بالفضاء، بما في ذلك استخدام تكنولوجيا الفضا ، والأضرار التي تسببها الأجسام الفضائية ، والحفاظ على بيئات الفضاء والأرض، ويجب أن يتطور باستمرار لمواكبة التطورات في التكنولوجيا.

تمثل سامانجا زمبابوي في المجلس الاستشاري لجيل الفضاء، وتدعم برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات الفضائية – الذي يسهل تقاسم فوائد تكنولوجيا الفضاء مع البلدان النامية التي لا تملك حتى الآن الموارد اللازمة للقيام بذلك بأنفسهم.

وتقول: “هناك الكثير من التحديات في زيمبابوي وهناك حاجة ملحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في كل مكان”، مشيرة إلى أزمة الأمن الغذائي الأخيرة الناجمة عن موجات الجفاف الشديدة.

في عام 2019 ، بدأت سامانجا شركة AgriSpace ، التي تستخدم تكنولوجيا الأقمار الصناعية لدعم قطاع الزراعة في بلادها، معتمدة في ذلك على خبرتها لتمكين المزارعين في زيمبابوي من تحسين إنتاجية المحاصيل.

تقول: “أدركت أن هناك فجوة تكنولوجية، حيث يستخدم المزارعون طرقًا قديمة وتقليدية، لسد هذه الفجوة، نستخدم صور الأقمار الصناعية وبياناتها لتزويد المزارعين بالمعلومات الضرورية التي يحتاجونها لمعرفة متى يزرعون ، وكيف يزرعون ، وماذا يزرعون ، وأين يزرعون.”

بالنسبة إلى سامانجا، فإن كل أعمالها – من القانون والسياسة إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية، يعود إلى شغفها بالفضاء في طفولتها.، لذا فهي تشارك الآن هذا الحلم مع الطلاب في زيمبابوي، وتحاول إلهام لجيل القادم من مستكشفي الفضاء من القارة الأفريقية.

تقول: “أحلم بعالم لا تضطر فيه الفتيات إلى استجواب أنفسهن ولا يتم استجوابهن، وأن أرى المزيد من الشباب الأفريقي ، وخاصة الفتيات، في صناعة الفضاء الأفريقية.”