كتب – حسام عيد

لا يزال الفحم يستخدم لتوليد 77% من الكهرباء في جنوب أفريقيا، ولكن في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى ضمان إمدادات طاقة أكثر فعالية من حيث التكلفة ويمكن الاعتماد عليها، فإن الانتقال إلى الطاقة المتجددة يتزايد بسرعة.

الفحم والمخاوف البيئية والتنموية

في ضواحي جوهانسبرج توجد محطة كيلفن للطاقة، وهي عبارة عن مجموعة من المولدات العملاقة التي تعمل بالفحم. يمكن للمحطة التي تبلغ قوتها 600 ميجاوات، المملوكة لبنوك “إنفستك Investec” و”نيدبانك Nedbank” المحلية، توفير ما يصل إلى 20% من متطلبات الطاقة في جوهانسبرج عند التشغيل بكامل طاقتها.

هناك 18 محطة طاقة كهذه في جميع أنحاء جنوب أفريقيا، وتقع بشكل رئيسي في مقاطعة مبومالانجا الشمالية الشرقية حيث توجد أكبر احتياطيات من الفحم. ويشكل الفحم 77% من قدرة الكهرباء في البلاد، وعلى مدى عقود، كان الوقود من يدفع اقتصاد الدولة الأفريقية الأكثر تصنيعًا وتقدمًا من الناحية التكنولوجية. ومع ذلك، في عام 2018، احتلت جنوب أفريقيا المرتبة الثالثة عشر في العالم من حيث انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الملوثة للبيئة، على قدم المساواة مع البرازيل، التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من أربعة أضعاف.

بالإضافة إلى المخاوف البيئية، فإن الطاقة في جنوب إفريقيا باهظة الثمن ولا يمكن الاعتماد عليها. وكثيرًا ما تقوم شركة إسكوم -مرفق الطاقة الحكومي العام في جنوب أفريقيا- بقطع الكهرباء عن المدن الكبيرة مثل جوهانسبرج وكيب تاون حتى لا تؤثر الأحمال الزائدة على على الشبكة بينما يفوق الطلب العرض. ويقول الخبراء إن هذه واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه القطاع الخاص في جنوب أفريقيا.

ووفق بيتر تايلور، الرئيس التنفيذي لفرع “سيتي جروب” الأمريكية للخدمات المالية والمصرفية، في جنوب أفريقيا، “على الرغم من أن الحكومة قد أتت بأفكار جيدة حول الإصلاح الاقتصادي، إلا أنه يجب أن يكون هناك تركيز حقيقي على استقرار قطاع الطاقة لدينا، حيث يتعين علينا أن نعرف أنه يمكنهم توفير الطاقة للنمو”.

إصلاح الطاقة

وقد اتخذت الحكومة عدة خطوات مهمة لفصل جنوب أفريقيا عن الفحم، على الرغم من أن النقاد يقولون إنهم لم يذهبوا بعيدًا بما يكفي من منظور بيئي.

وتأمل خطة الموارد المتكاملة لعام 2019 زيادة مصادر الطاقة المتجددة تدريجيًا إلى 24.7% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، مما يقلل مساهمة الفحم في مزيج الطاقة إلى 43%. مع تردد البنوك في تمويل مشاريع الوقود الأحفوري، وتصبح مصادر الطاقة المتجددة أكثر كفاءة وأرخص تكلفة، هناك فرصة كبيرة للاستثمار المحلي والأجنبي في مزيج الطاقة الخضراء في جنوب أفريقيا.

وعبر معايير واشتراطات وإصلاحات حقيقية، تُمهد خطة الحكومة الطريق لشركات الطاقة لبناء 20.400 ألف ميجاواط إضافية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في السنوات العشر القادمة. وسيتم إيقاف تشغيل محطات الفحم تدريجيًا، ومن ثم اقتطاع وحجب 10500 ميجاواط بحلول عام 2030، وهو العام الذي لن يتم فيه بناء محطات فحم جديدة.

ستطلق جنوب أفريقيا مناقصات مشروعات ومحطات الطاقة المتجددة في عام 2021 كجزء من النافذة الخامسة لبرنامج منتجي الطاقة المستقل للطاقة المتجددة، الذي تم إطلاقه في عام 2011 لتشجيع منتجي الطاقة المستقلين على الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء. وقد افقت الهيئة التنظيمية على مناقصة بحجم توليد 6.4 جيجاواط لطاقة الرياح والطاقة الشمسية في سبتمبر 2020.

من جانبها، تقول جاريدين موريس، مديرة الطاقة والبيئة في منظمة الأعمال الرئيسية في جنوب أفريقيا “Business Unity South Africa”: “هناك إقبال كبير على مصادر الطاقة المتجددة سواء من الرؤية المتعلقة بالطلب أو الرؤية المتعلقة بالاستثمار”.

هناك إصلاح آخر مهم، وهو؛ السماح للبلديات الآن بشراء أو توليد الكهرباء الخاصة بها بدلاً من إجبارها على شرائها من شركة الكهرباء الحكومية “إسكوم”. ولطالما طالبت البلديات بأنها يجب أن تكون قادرة على الحصول على قوتها الخاصة مثل القطاع الخاص.

في الوقت الراهن، يمكن لكل من جوهانسبرج وكيب تاون الشروع في خطط تحول خضراء طويلة الأمد، حيث يأتي الجزء الأكبر من الطاقة الجديدة من تكنولوجيا الطاقة الشمسية وغازات مدافن النفايات. إلى جانب التوربينات، هناك أيضًا فرصة كبيرة لمزودي البطاريات حيث يجب تخزين طاقة الرياح والطاقة الشمسية وإعادة توزيعها لتلبية الطلب.

مستقبل إسكوم

ومع ذلك، قالت الحكومة إن الفحم سيستمر في لعب جزء “لا يتجزأ” من مزيج الطاقة في جنوب أفريقيا، حيث لا يمكنها توفير مصادر جديدة للطاقة بالسرعة الكافية وإن تطلب الأمر الترويج لذلك عبر الإنترنت، حتى تتمكن من إيقاف تشغيل جميع محطات الفحم.

ويقول ليون لو، خبير تعدين مقيم في جوهانسبرج، “أتمنى أن نعمل باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، لكن هذا غير ممكن”.

ويوضح، “تواصل الحكومة الحديث عن الكهرباء -حتى الآن ليس لدينا كهرباء. بدون الفحم سوف نكافح. على مدار العشرين عامًا القادمة، سنستمر في العمل على الفحم لأن جميع محطات الطاقة لدينا تعمل بالفحم”.

ورغم تصريحات خبير التعدين ليون، فإن قبضة الفحم على جنوب أفريقيا آخذة في التضاؤل​​، ومرور الصناعة بمرحلة انتقالية هائلة. كما ستقوم الحكومة بإصلاح إسكوم، التي تبلغ ديونها حاليًا 32 مليار دولار، من خلال “تفكيك” مرفق الطاقة العام إلى ثلاث وحدات منفصلة للتوليد والنقل والتوزيع.

وتأمل الحكومة في أن تؤدي إعادة الهيكلة إلى إزالة شبه احتكار إسكوم للسوق والسماح لمنتجي الطاقة المستقلين الآخرين بالمنافسة، مع تغيير نموذج التوزيع بحيث يمكن شراء المزيد من الطاقة من مصادر متجددة.

وتوفر إسكوم أكثر من 90% من الكهرباء في جنوب أفريقيا. لذلك؛ يعتبر تفكيكها وإصلاحها مهمة ضخمة. وكان الرئيس التنفيذي لشركة إسكوم، أندريه دي رويتر، قد قال أن العملية ليست بحاجة إلى العجلة وإسراع التنفيذ، لكنها بحاجة إلى الإدارة بشكل صحيح.

وتقول مورجان مارتن، المستشارة المستقة بمجال الطاقة المتجددة ومقيمه في جوهانسبرج، إن جماعات ضغط الفحم عارضت التحول في الماضي حيث يوظف القطاع مئات الآلاف من الأشخاص.

وتضيف، “تعتمد جنوب أفريقيا على التعدين والفحم وهناك العديد من الوظائف على المحك”.

وتتابع، “الحكومة قد تكون مطالبة بتوفير نوع من الانتقال الآمن للأشخاص العاملين في مناجم الفحم، وخاصة في منطقة مبومالانجا”.

هناك أيضًا معارضة من أصحاب المصلحة التجاريين في سلسلة قيمة الفحم. لا تزال مناجم جنوب أفريقيا تحتوي على الكثير من الفحم، وكانت الدولة الأفريقية سابع أكبر مصدر للوقود الأحفوري في العالم في عام 2019، بقيمة 4.8 مليار دولار. ويتكون القطاع من مزيج من شركات التعدين المبتدئين واللاعبين الكبار مثل الشركة الأنجلو أمريكية ومقرها المملكة المتحدة، والتي تبيع إلى إسكوم أو تصدر إلى الأسواق العالمية بما في ذلك الهند والصين.

مصادر الطاقة الأخرى

تتطلع جنوب أفريقيا أيضًا إلى الغاز الطبيعي باعتباره وقودًا أحفوريًا أقل ضررًا يمكنه إضافة الطاقة بسرعة إلى الشبكة والمساعدة في تسهيل الانتقال بعيدًا عن الفحم.

وقامت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال باكتشافين “عملاقين” للغاز البحري في جنوب أفريقيا في العامين الماضيين، مما يغذي احتمالية أن يحل الغاز محل الفحم لإشعال محطات الطاقة في البلاد.

في عام 2019، أعلنت شركة توتال أن بئر برولبادا “عالمي المستوى” يمكن أن يزود جنوب أفريقيا بما يعادل مليار برميل من النفط، حيث يمكن اعتباره علامة فارقة من شأنها فتح الباب أمام أعمال تنقيب جديدة في جنوب أفريقيا. ومن المتوقع أن يعزز هذا الاكتشاف الاستثمار في البنية التحتية للغاز حيث يبدأ القطاعان العام والخاص في رؤيته كمصدر قابل للتطبيق للطاقة.

وتمتلك جنوب أفريقيا أيضًا مفاعلين نوويين تديرهما شركة إسكوم، يولدان حوالي 6% من إجمالي الكهرباء. لكن تُظهر الإدارة الحالية قدرًا أقل من الحماس للطاقة النووية مقارنة بحقب جاكوب زوما، على الرغم من أنها تخطط لتركيب 1 جيجاواط من القدرة النووية الجديدة بحلول عام 2030.