كتب – حسام عيد

في خطوة لمعالجة اختلال سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، أصدر البنك المركزي يوم الأحد الموافق 21 فبراير 2021، قرارًا ملزمًا للمصارف العاملة بتوحيد سعر العملة المحلية وذلك بتخفيضها بشكل كبير ليتقارب السعر الرسمي مع سعر الصرف في السوق الموازية.

وحدد البنك المركزي سعر صرف العملة الوطنية عند 375 جنيهًا للدولار الواحد، ويعد ذلك تراجعًا كبيرًا مقارنة مع السعر الرسمي السابق عند 55 جنيهًا للدولار، في حين كان سعر الجنيه في السوق السوداء يتراوح ما بين 350 و400 جنيه للدولار.

قرار جريء وقوي كان لا بد منه، فهو ضرورة قصوى لإصلاح المسار الاقتصادي في السودان، الذي كان يعاني من اختلالات هيكلية كثيرة ممثلة في عجز الموازنة داخليًا، وميزان المدفوعات خارجيًا.

وكان البنك المركزي السوداني قد ذكر في ديسمبر الماضي أنه يجري كثيرًا من المعالجات لاختلال سعر الصرف، ومن هذه السياسات؛ مراجعته قوانين التعامل مع النقد الأجنبي وحيازته، بالإضافة إلى حمله إلى داخل السودان وخارجه، يضاف إلى ذلك توجيه التمويل للقطاعات الإنتاجية وتعزيز دور القطاع الخاص.

ويستهدف البنك المركزي بخطوته الأخيرة أن يساهم ذلك في الحصول على إعفاء دولي من الدين من خلال برنامج من صندوق النقد الدولي وكبح جماح التضخم في البلاد والذي تجاوز الـ300% الشهر الماضي، في وقت استأنفت فيه البنوك عمليات التحويلات المالية بينها وبين المؤسسات المالية الدولية هذا الشهر عقب حذف اسم السودان من قوائم الدول المحظورة لدى منظمة سويفت العالمية.

تعويم مدار للجنيه

في إطار إجراءات أوسع تهدف إلى إنعاش الاقتصاد المتعثر، أعلن البنك المركزي السوداني توحيد وتحرير صرف الجنيه السوداني لوقف المزيد من الانفلات في أسعار الصرف بعد أن فاق سعر الدولار الواحد 400 جنيها في السوق الموازي خلال الفترة الأخيرة قبل أن يتراجع قليلا في اليومين الماضيين.

وحدد بنك السودان 375 جنيهًا سعرًا تأشيريًا مقارنة مع 55 جنيهًا السعر الرسمي أي بزيادة 700%.

سيحدد البنك المركزي سعرًا استرشاديًا يوميًا “بانتهاج نظام سعر الصرف المرن المدار”. والبنوك ومكاتب الصرافة ملزمة بالتداول في نطاق يزيد خمسة بالمئة أو ينقصها عن ذلك السعر.

وحدد البيان هامش الربح بين سعري البيع والشراء بما لا يزيد على 0.5%، حيث قال البنك المركزي، في رسالة إلى المقرضين المحليين، إن أسعارهم يجب أن تحدد +/- 5%، من السعر الرسمي، بناءً على العرض والطلب.

ويقصد بالقرار، أن البنك المركزي سيكون له كامل الصلاحيات في التدخل بأسعار الصرف في حال تجاوزها سقفًا محددًا من قبله.

وأكد وزير المالية جبريل إبراهيم أن الحكومة ستعمل على تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من القرارات الجديدة في تحسين وضع العملة المحلية، كما أشار إلى أن القرارات ستتبعها مزيد من الإجراءات التي تضمن تفعيله بشكل سليم.

وقال بنك السودان المركزي إن القرار يهدف إلى إزالة التشوهات والاختلالات، التي يعاني منها الاقتصاد السوداني المثقل بالمشكلات والأزمات في ظل ارتفاع الديون إلى 70 مليار دولار والتضخم إلى ما فوق 300%.

ولم تنجح الحملات الأمنية التي نفذتها الحكومة الأسبوع الماضي بعد أن فقدت العملة السودانية أكثر من 80% من قيمتها خلال الشهرين الأخيرين.

وجرى اعتقال عشرات المضاربين، لكن بحسب مراقبين، فقد استهدفت تلك الحملات صغار المضاربين ولم تصل إلى الأوكار الحقيقية.

ومن غير المتوقع حدوث استقرار ملموس على المدى القريب في ظل استمرار أنشطة المضاربين وضعف الصادرات وغياب الرقابة والسياسات النقدية اللازمة لدعم الجنيه.

فيما رهن عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير محمد شيخون في تصريحات نقلتها شبكة “سكاي نيوز عربية”، نجاح أي إجراءات اقتصادية أو نقدية والعمل بأسرع ما يمكن لامتصاص الكتلة النقدية الهاربة خارج القطاع المصرفي والمقدرة بنحو 90 تريليون جنيه أي أكثر من 90% من مجمل الكتلة النقدية في البلاد.

تعزيز الاندماج المالي دوليًا

يهدف نظام سعر الصرف المرن المدار إلى تحويل الاحتياطيات من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، واستقرار سعر الصرف، وجذب تحويلات العاملين من الخارج عبر القنوات الرسمية، وجذب الاستثمار الأجنبي.

وقال البنك المركزي إن هذه الإجراءات يجب أن تساعد أيضًا في تطبيع العلاقات مع المنظمات المالية الإقليمية والدولية وكبح السوق السوداء.

وقال السودان إنه سيرفع الإنفاق بنحو 60%، إلى 1.02 تريليون جنيه (18.6 مليار دولار) في 2021 لمساعدة الاقتصاد.

وكانت الشركات المصرفية السودانية، باشرت يوم الخميس 18 فبراير، عملها في التحويلات المصرفية بين البنوك السودانية والمؤسسات المالية الدولية عقب حذف اسم السودان من قوائم الدول المحظورة لدى منظمة “سوفيت SWIFT” العالمية.

وقال محمد عصمت، مدير إدارة المشروعات وتطوير الأعمال في بنك السودان المركزي” إن التحويلات المالية الخارجية، تتم بصورة تلقائية ولن تكون هناك عقبات إلا لأسباب فنية أو تقنية بسبب الحظر الذي كان مفروضا على السودان”.

ولفت إلى أن “تعميم مؤسسة سويفت، يعني انسياب التحويلات، وأن المعاملات المالية تتم تلقائيًا، ومرورها عبر النظام المصرفي، لذلك يجب على بنك السودان المركزي والمصارف السودانية البدء بالتواصل مع المراسلين السابقين وعقد اتفاقيات جديدة معهم.. بما في ذلك طلب خطوط ائتمان أو قروض وفقا لأسعار الاقتراض والفائدة”.

وأشار مدير إدارة المشروعات وتطوير الأعمال في بنك السودان المركزي إلى أن “الجهاز المصرفي يحتاج إلى إعادة هيكلة وإلي قوانين جديدة وقيم مصرفية جديدة بجانب الالتزام بالمعايير العالمية المتفق عليها في التعامل المصرفي والمالي”.

تخفيف الديون

من جهتها، رحبت السفارة الأمريكية بالخرطوم، بقرار الحكومة الانتقالية “إصلاح” صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار في السوق المحلية.

وقالت السفارة في تغريدة لها على صفحتها الرسمية بموقع “تويتر” إن “القرار بقيادة الحكومة المدنية يمهد للمضي قدما اليوم في إصلاح سعر الصرف”.

وذكرت أن قرار التعويم الجزئي يمهد الطريق لتخفيف الديون، ويزيد بشكل كبير من تأثير المساعدة الدولية.

واعتبرت أن عدم إحداث مرونة في سعر الصرف سابقا، “أثر سلبا على المساعدات الدولية، عبر إنفاق الكثير منها بسعر الصرف الرسمي، ما يوفر جزءا صغيرا فقط من قيمتها المحتملة للشعب السوداني”.

وختامًا، يمكن القول إن؛ الهدف من توحيد واستقرار سعر صرف الجنيه السوداني هو ضخ الثقة في القطاعي المصرفي والقضاء على ظاهرة السوق الموازية، وتوجيه السيولة الكبيرة غير المدارة إلى قنواتها الشرعية ومن ثم المساهمة في النهوض بالاقتصاد وتسريع عملية التنمية المستدامة المنشودة في السودان.