كتب – محمد الدابولي

في الأونة الأخيرة لوحظ تقارب سياسي ودبلوماسي كبير بين إثيوبيا وتركيا، فمؤخرا طلبت أديس أبابا وساطة أنقرة في حل الخلافات الإثيوبية السودانية المتصاعدة على خلفية الحرب الدائرة حاليا في إقليم الفشقة (شرق السودان)، ورغبة الجيش السوداني في تحرير الأراضي السودانية من عمليات الاستيطان الإثيوبي لمناطق الفشقة وإعادة كامل السيطرة والسودانية على إقليم الفشقة بالكامل.

طلب الوساطة التركية في أزمة الفشقة، جاءت بعد سلسة طويلة من عمليات التقارب السياسي والدبلوماسي بين الجانبين، بدأت مع زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لأديس أبابا في يناير 2015 التقي خلالها كل من الرئيس الإثيوبي السابق «ملاتو ويرتو» ورئيس الوزراء حينها «هايله مريام ديسالين»، وخلال تلك الزيارة تم التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون بين الجانبين في مجالات عديدة، وتعهد الجانبين وقتها إلي رفع حجم التجارة البينية إلي 500 مليون دولا، بالإضافة إلي حث مسئولي أديس أبابا على وقف التعاون مع ما يسمى «الكيان التركى الموازي جماعة فتح الله جولن» المعادية والمعارضة لسياسات أردوغان الداخلية والإقليمية.

ومؤخرا تم تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين بزيارة نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية «دمقي مقنن» للعاصمة التركية أنقرة مفتتحاً مبني السفارة الإثيوبية الجديدة في تركيا وذلك في 15 فبراير الماضي،  وواكبت عملية تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجانبين، تطور كبير في العلاقات العسكرية وتبادل الخبرات العسكرية، فإبان الحرب التي شنها الجيش الإثيوبي ضد جبهة تحرير التيجراي في شمال البلاد، جرت اتصالات بين وزير الخارجية الإثيوبي ونظيره التركي في 16 نوفمبر 2020 لحشد الدعم التركي للعملية العسكرية الإثيوبية والاستفادة من الإمكانيات العسكرية التركية في مواجهة مسلحي جبهة تحرير التيجراي، خاصة أن تقارير عدة أشارة إلي رغبة أديس أبابا في الاستعانة بالطائرت المسيرة التركية في مواجهة متمردى التجراي، خاصة بعد النجاح الملحوظ الذي حققته تلك الطائرات في الحرب الأذرية الأرمينية.

وقبل ذلك استقبلت موانئ جيبوتي في أغسطس 2020شحنة مدرعات عسكرية تركية من طراز « Hizir» والتي تنتجها شركة Katmerciler AŞ والتي أوضحت أنه تم ابرام صفقة بيع تلك المدرعة إلي حدى دول شرق أفريقيا بقيمة 20.7 مليون دولار، دون أن تسمى اسم تلك الدولة، إلا أن العديد من المتابعين يرجحون أن تكون تلك الصفة مملوكة للجيش الإثيوبي.

التقارب التركي الإثيوبي كان من الممكن ألا يثير الانتقادات أو حتي مخاوف البعض إذا اقتصر على تبادل المنافع بين الجانبين وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين مختلف الأطراف، لكن في الحقيقة نجد أن هذا التقارب بدأ يتسع مداها ليصل إلي اقحام أنقرة في أزمات وخلافات منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، فالطلب الإثيوبي الأخير بتوسط أنقرة في حل الخلاف الحدودي بينها وبين السودان ليس هدفه حل الخلاف بل تعقيد الأزمة في حوض النيل باشراك تركيا ذات السياسات العدائية لمصر في أزمات منطقة حوض النيل.

تقارب ملفت للنظر

قبل الخوض في الدوافع الإثيوبية في إشراك تركيا في أزمات منطقة حوض النيل، لفت نظرى حالة التقارب الشديدة في السياسات التركية والإثيوبية على أصعدة مختلفة سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية، فكلا الدولتين يتمتعان بتجربة إثنية معقدة يغيب عنها التجانس والاندماج الاجتماعي الأمر الذي يعرض سلامة الدولتين للخطر الشديد حيث التمردات المستمرة والحروب الأهلية، فمن المحتمل أن التواصل التركي الإثيوبي في بداية حرب التبجراي كان من أحد أهدافه هو الاستفادة من التجربة التركية في محاربة متمردي الأكراد في جنوب البلاد.

 كما تشترك الدولتين في انتهاجهما سياسة مائية متشابهة إلي حد بعيد، بل يمكن القول أن السياسات الإثيوبية تجاه أزمة سد النهضة هي تكرار ونقل للتجربة التركية في سد أتاتورك الذي تم تدشينه في عام 1992 والذي حرم سوريا والعراق من 75% من إيرادات نهر الفرات،كما أن سد إليسو حجب نحو 60 % من إيرادات نهر دجلة بالعراق الأمر الذي أدخل الدولتين سوريا والعراق في أزمات اقتصادية طاحنة بسبب انحسار المياه عن نهرى دجلة والفرات.

وتلك السياسات تحاول إثيوبيا اتباعها في بناء سلسلة من السدود هدفها حجب المياه عن العديد من الدول في المنطقة ليس فقط مصر والسودان ببناء سد النهضة بل أيضا الصومال وكينيا، فمؤخرا تم افتتاح سد جينال دوا علي نهر جينال أح دفروع نهر جوبا الصومالي، كما بنت سلسة من السدود على نهر أومو أحد روافد بحيرة توركانا الكينية الواقعة في إقليم الوادي المتصدع، وتلك السدود أثرت بالسلب على الحصص المائية لكل من الصومال وكينيا كما ساهمت في إفساد الحياة الاقتصادية في تلك المناطق.

دوافع أخري

تسارع وتيرة العلاقات الإثيوبية التركية خاصة بعد الطلب الإثيوبي بالوساطة التركية لحل الأزمة الحدودية مع السودان يحمل في طياته دوافع وأبعاد أخرى تتشابك وتتقاطع مع العديد من الملفات الإقليمية الأخري، وهي كالتالي:

  • تقنين الوجود التركي في المنطقة: يعد طلب الوساطة التركية محاولة إثيوبية لتقنين التواجد التركي في أزمات دول حوض النيل، وإيجاد مخلب قط لتركيا في المنطقة، فالنظام الحاكم في أديس أبابا يدرك جيدا أن العلاقات التركية السودانية ليست على ما يرام كما كان الحال في السابق إبان عهد الرئيس المعزول عمر البشير، فبعد ثورة ديسمبر 2019 وعزل البشير دخلت العلاقات التركية السودانية مرحلة الجمود الفعلي، فمنذ عزل البشير في ربيع 2020 توقف العمل في ميناء سواكن السوداني وهو الميناء الذي نجحت تركيا في الحصول على حق استغلاله باتفاقية مع الجانب السوداني في عام 2017، لذا من المفترض ألا يحدث أية استجابة سوادنية لما يسمى الوساطة التركية في المنطقة.
  • خلطا للأوراق السياسية: تعاظم الدور التركي في إثيوبيا ومنطقة حوض النيل من شأنه خلط للأوراق السياسية، إذ ترغب أديس أبابا وأنقرة في ممارسة ضغوط مزدوجة علي السياسة المصرية، فمن ناحية تريد أديس أبابا التأثير على الموقف التفاوضي المصري فيما يخص أزمة سد النهضة واقتراب موعد الملئ الثاني لسد النهضة مستغلة بذلك حالة الأزمة التي تعيشها العلاقات المصرية التركية ومن ناحية أخرى ترغب أنقرة في ممارسة ضغوط على الموقف المصري باستغلال تواجدها في منطقة حوض النيل لأجل تحقيق مصالح خاصة في ليبيا وشرق المتوسط.
  • تعزيز النفوذ التركي: يدخل التقارب التركي الإثيوبي في إطار تعزيز النفوذ التركي عموما في منطقة القرن الأفريقي، فسابقا نجحت تركيا في غرس نفوذها في الصومال من خلال اقامة قاعدة عسكرية بها ودعم الحكومة الصومالية الحالية بقيادة محمد عبدالله فرماجو الذي يعد عراب التواجد التركي في منطقة القرن الأفريقي، كما تسعي أنقرة إلي زيادة عملية التبادل التجاري بين الطرفين وتعظيم فرص الاقتصاد التركي في المنطقة فمن المعروف أن الاستثمارات التركية في إثيوبية تأتي في المرحلة الثانية بعد الاستثمارات الصينية وهو ما يدل على حجم التواجد التجاري التركي في المنطقة.
  • ترويج السلاح التركي: خلال السنوات الماضية نجحت تركيا في تطوير ترسانتها العسكرية وتسعي إلي تصديرها العديد من الدول النامية ومناطق الصراع، واتضحت السياسات التركية في تصدير الأسلحة إلي مناطق الصراع في حالات الأزمة الليبية وأزمة اقليم كارباخ بين أذريبجان وأرمينيا وأخيرا دعم الحكومة الإثيوبية في حربها ضد قومية التيجراي.