كتب – حسام عيد

مع انسحاب مرشحة كوريا الجنوبية لقيادة منظمة التجارة العالمية من السباق، أصبحت الاقتصادية النيجيرية “نجوزي أوكونجو إيويالا” المنافس الوحيد على منصب الرئيس القادم لمنظمة التجارة العالمية.

وتخطط منظمة التجارة العالمية لعقد اجتماع في الأيام المقبلة، في 1 و2 مارس أو قبل ذلك إذا اقتصى الأمر، حيث سينظر أعضاؤها في القرار النهائي بشأن ترشيح أوكونجو إيويالا. إذا لم يعارضها أي من أعضاء منظمة التجارة العالمية البالغ عددهم 164 عضوًا، فسيتم تعيينها لمدة أربع سنوات، مع إمكانية تمديدها لمدة أربع سنوات في عام 2025. فماذا يعني انتصارها للقارة السمراء؟.

انسحاب وزيرة التجارة الكورية الجنوبية

في يوم الجمعة الموافق 5 فبراير 2021، أعلنت المرشحة الأخرى الوحيدة لمنصب أمين عام منظمة التجارة العالمية لمدة 4 سنوات قادمة، يو ميونج، تخليها رسميًا عن ترشحها، تاركة بذلك المجال المجال للخبيرة الاقتصادية ووزيرة المالية النيجيرية السابقة “نجوزي أوكونجو إيويالا”، لتصبح أول أفريقي، وامرأة، تترأس الكيان الذي ينظم التجارة العالمية.

وزيرة التجارة الكورية الجنوبية قالت يو ميونج، قالت: “من أجل تعزيز وظائف منظمة التجارة العالمية ومراعاة العوامل المختلفة، قررت سحب ترشيحي”.

فيما قالت وزارة التجارة الكورية الجنوبية في بيان إن، يو ميونج، تشاورت مع الولايات المتحدة وعواصم أخرى، و”قررت التخلي عن ترشيحها”، علمًا بأن إدارة دونالد ترامب كانت الداعم الرئيسي لها.

ووصلت عملية تعيين خليفة للبرازيلي روبرتو أزيفيدو الذي غادر قبل عام من نهاية فترة ولايته لأسباب عائلية، إلى طريق مسدود منذ الخريف.

ورجحت اللجنة المعنية بترتيب خلافته في 28 أكتوبر، الحصول على توافق مع المرشحة النيجيرية المعروفة باسم الدكتورة نجوزي.

الطريق ممهد أمام أول أفريقية

بالإضافة إلى كونها أول امرأة قد تترأس منظمة التجارة العالمية، ستكون أول مديرة عامة لها من أفريقيا.

وتخرجت “أوكونجو إيويالا” بتقدير امتياز من جامعة هارفارد عام 1976 وحصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1981.

بعد انتقالها إلى واشنطن، سرعان ما ارتقت في صفوف البنك الدولي وفي عام 2013 عُينت مديرةً إدارية -أعلى منصب غير منتخب في المنظمة.

وحتى وقت قريب، عملت “إيويالا” كرئيسة لمجلس إدارة التحالف العالمي للقاحات والتحصين، وهي تجربة يمكن أن تساعد منظمة التجارة العالمية في الإبحار في الآثار الصحية والاقتصادية لوباء كوفيد -19.

إلى الآن، لم تعلن الدكتورة “نجوزي” النصر. وقالت المتحدثة باسمها، إنها تنتظر انتهاء عملية الاختيار، مشددة على أنه “يجب على منظمة التجارة العالمية أن تحول اهتمامها إلى جائحة كوفيد-19 وتعافي الاقتصاد العالمي”.

دعم أمريكي وأوروبي

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلنت الجمعة 5 فبراير 2021، دعمها القوي للمرشحة النيجيرية نجوزي أوكونجو- إيويالا لقيادة منظمة التجارة العالمية.

وتُعدّ هذه الخطوة ابتعادًا آخر عن سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي شلّ هذه المنظمة الدولية، وعارض تعيين وزيرة المال النيجيرية السابقة على الرغم من دعم العديد من الدول الأخرى لها.

وقالت الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي، في بيان، إن أوكونجو إيويالا تتمتع بـ”سعة معرفة” في الاقتصاد والدبلوماسية الدولية، مشيرة إلى أن “لديها خبرة مثبتة في إدارة منظمة دولية كبيرة”.

وبدورها، أعربت وزير المالية النيجيرية السابقة والمرشحة الإفريقية لتولي أكبر منصب تجاري دولي في العالم، نجوزي أوكونجو-إيويلا، عن امتنانها لدعم الولايات المتحدة الأمريكية لها كأول امرأة وأول شخصية إفريقية تتولى رئاسة منظمة التجارة العالمة، لتنتهي بذلك أطول جولات الترشح والمنافسة على رئاسة المنظمة، بل أكثرها إثارة للجدل والانقسام، بين عوالم الشمال والجنوب في منظومة التجارة الدولية منذ نشوء المنظمة قبل ربع قرن.

من جانبها، قالت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي في مقابلة مع وكالة “بلومبيرج”: “إن هذه المرأة الرائعة، الناعمة، اللطيفة للغاية، هناك يد قوية تحت قفازها، وإرادة قوية وراءها.. إنها ستهز صرح منظمة التجارة العالمية”.

فيما رحب دبلوماسي أوروبي بنبأ اقتراب “إيويالا” من منصب أمين عام منظمة التجارة العالمية، قائلًا في تصريحات لـ”وكالة الأنباء الفرنسية”: “نحيي روح المسؤولية وراء هذا القرار. هذا خبر سار للتعددية. ليس هناك ما يمنع الأعضاء من أن يعينوا بسرعة المرشحة النيجيرية الدكتورة نجوزي أوكونجو- إيويالا الفائزة في عملية الاختيار”.

وشدد على أنه “بفضل حماسة مديرتها العامة الجديدة، ستتمكن منظمة التجارة العالمية من النظر في مفاوضاتها بشأن دعم قطاع صيد الأسماك والتحضير لمؤتمرها الوزاري الثاني عشر العام الجاري”.

مكاسب وتحديات

سيكون فوز “أوكونجو إيويالا” موضع ترحيب باعتباره دفعة قوية للتجارة والدبلوماسية الأفريقية، مما يزيد من تضخيم صوت القارة بعد إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية الطموحة في يناير 2021.

ومع مجيء الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، توقع المحللون أن تتلاشى معارضة الولايات المتحدة لترشيح “أوكونجو إيويالا” كجزء من محاولة الولايات المتحدة لتحسين العلاقات مع الدول الأفريقية وإعادة تأكيد التزامها بنظام تجاري متعدد الأطراف، وهذا ما بدأ يحدث فعليًا على أرض الواقع.

الدكتورة “نجوزي” حصلت بالفعل على دعم الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية الأعضاء، مما دفع رئيس المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية ديفيد والكر إلى التوصية بها لمنصب الأمين العام في أكتوبر بناءً على “الدعم الواسع من الأعضاء من جميع مستويات التنمية وجميع المناطق الجغرافية” طوال العملية.

الخبيرة الاقتصادية “إيويالا” ركضت على منصة تستخدم مهاراتها السياسية وسمعتها كوسيط نزيه –مهارات شُحذت خلال فترتين كوزيرة مالية لنيجيريا وفترة كمديرة إدارية في البنك الدولي- لإبرام اتفاقيات سياسية رفيعة المستوى بين صانعي القرار العالميين.

وأعربت عن ثقتها في قدرتها على التوسط في النزاعات بين الولايات المتحدة المتصارعة والصين، وتزعم أنها المرشحة الوحيدة التي تعمل عند تقاطع التجارة والصحة العامة، حيث تعهدت بتمكين النظام التجاري من تقديم اللقاحات والإمدادات الطبية بشكل أفضل أثناء جائحة كوفيد -19، فهي تصف نفسها بمرشحة “الإصلاح”.

والواقع يشير إلى أن الملفات المطروحة لا تعد ولا تحصى لإخراج منظمة التجارة العالمية من أزمتها شبه الوجودية؛ إذ يتعين على مديرها المقبل التصدي للأزمة الاقتصادية، ولكن أيضاً أزمة الثقة في التعددية ومزايا تحرير التجارة العالمية، كل ذلك على خلفية الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين العالميتين، الصين والولايات المتحدة.

وفي منتصف أكتوبر، قالت “نجوزي” إنها ستحدد أولويتين لتبرهن على ضرورة وجود منظمة التجارة العالمية، فهي تريد أن تكون قادرة على أن تقدم إلى المؤتمر الوزاري المقبل للمنظمة اتفاقًا بشأن دعم مصايد الأسماك  الذي هو حاليًا في حالة جمود تام  لإثبات أن منظمة التجارة العالمية لا تزال قادرة على تحقيق تقدم متعدد الأطراف.

الأولوية الأخرى هي إعادة بناء هيئة تسوية المنازعات -وهي محكمة منظمة التجارة العالمية- التي نسفتها إدارة ترامب وباتت في حالة موت سريري.