كتب – محمد الدابولي

استلم رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية «فيليكس تشيسيكيدي» مسئولية رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال العام الحالي 2021 وذلك خلال القمة الافتراضية لدول الاتحاد الأفريقي التي جرت فعاليتها يوم السبت الموافق 6 فبراير 2021، خلفا لرئيس جنوب أفريقيا «سيريل رامافوزا» المنتهية ولايته والتي شهدت تعطيلا للعديد من مشاريع التكامل الأفريقية مثل اتفاقية التجارة الحرة، فضلا عن تعاظم التحديات الأفريقية خاصة بعد تفشي وباء كورونا.

دور محوري

باتت مسألة رئاسة الاتحاد الأفريقية مسألة محورية ودور قوي تلعبه الدول الأفريقية خلال السنوات الماضية، فخلال الفترة الأخيرة حرصت الدول والزعماء الأفارقة على تولي مسئولية الاتحاد الأفريقي نظرا للمكانة الرفيعة التي تكتسبها الدولة التي تتولى رئاسة الاتحاد، الأمر الذي يكسبها دورا محوريا في تنشيط الفعاليات الأفريقية وحل أزمات القارة.

وتعد هي المرة الأولي التي تتولي فيها دولة الكونغو الديمقراطية رئاسة الاتحاد الأفريقي منذ نشأته في عام 2002 وإلي الآن، فقد سبقتها جارتها جمهورية الكونغو “برازفيل” في رئاسة الاتحاد عام 2006، وهو ما يعول عليه الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي في بناء دور أفريقي ملموس لبلاده على غرار الدور الذي لعبته بلاده في مراحل تاريخية سابقة في عهد الرئيس الأسبق موبوتو سيكو  (1965 ـ 1997).

ومن المحتمل أن يستغل الرئيس تشيسيكيدي فرصة رئاسته للاتحاد الأفريقي في كسب زخم سياسي له ولحزبه «الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي»، خاصة بعد أزمة الانتخابات الرئاسية التي مرت بها كينشاسا خلال عام 2019 والتي تمثلت في التشكيك في صحة نتائج الانتخابات التي فاز بها تشيسيكيدي في يناير 2019 والتي تعتبر المرة الأولي في تاريخ الكونغو التي يتم فيها انتقال سلمي للسلطة عبر آلية الانتخابات الرئاسية، لذا سيسعى تشيسيكيدي من خلال رئاسته للاتحاد الأفريقي في تعزيز طموحه السياسي سواء في أفريقيا أو الكونغو، فضلا عن استعادة إرث الكونغو الأفريقي باعتبارها الدولة التي تشكل نقطة التقاء الأقاليم الأفريقية المختلفة الأمر الذي جعلها تتشابك مع كافة القضايا الإقليمية الأفريقية سواء في الشرق أو الجنوب أو حتي الغرب.

الانطلاقة من مصر

حرص الرئيس الكنغولي فيليكس تشيسكيدي على تحقيق انطلاقته الأفريقية من القاهرة، إذ قبل توجه إلي العاصمة «أديس أبايا» لتولي مهام رئاسة الاتحاد حرص على زيارة القاهرة والالتقاء بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 2 فبراير 2021، كما حرص على زيارة المعالم التراثية المصرية كالأهرامات وبعض المشروعات التنموية الكبرى كالعاصمة الإدارية الجديدة.

تحمل زيارة تشيسكيدي للقاهرة أكثر من مغزى وهدف، ففي البداية توضح الزيارة مدي الثقل السياسي الذي حققته مصر في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة وأنها باتت إحدي الدول الرائدة في القارةـ ففي خلال عام 2019 والذي شهد تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي خلفا لروندا، نجحت القاهرة في تحقيق العديد من المنجزات على الساحة الأفريقية من أبرزها اطلاق المرحلة التشغيلية لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية والتي تهدف إلي إزالة الحواجز التجارية والجمركية بين دول القارة، كما نجحت مصر في صياغة أجنة أفريقيا التنموية 2063، هذا فضلا عن تدشين العديد من المؤتمرات والملتقيات الاقتصادية وتعزيز التعاون الأفريقي مع الدول الكبري مثل روسيا والصين “مبادرة الحزام والطريق” ومؤتمر ميونخ للأمن، وعلى الجانب الأمني قدمت القاهرة مبادرة إسكات البنادق خلال القمة الأفريقية 2019 والتي تهدف إلي التوصل إلي اتفاقيات نهائية بين الأطراف المتنازعة والمتحاربة في القارة الأفريقية وتحقيق السلام الشامل بين المجتمعات الأفريقية، واستكمالا لجهود القاهرة في وأد الصراعات الأفريقية دشنت القارة بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي «مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار بعد النزاعات» ويهدف المركز إلي تقديم برامج للدول الخارجة من النزاعات لمساعدتها في تخطي أزماتها الداخلية وتثبيت عمليات التعايش السلمي بين أفراد مجتمعها.

الانجازات التي حققتها مصر  خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي عام 2019 كان من المفترض أن تُستكمل في عام 2020 تحت رئاسة رئيس جنوب أفريقيا «سيريل رامافوزا» إلا أن ظروف جائحة كورونا حالت دون تحقيق معظم الخطط السابقة التي أُجلت بسبب انتشار الجائجة التي فرضت نفسها بقوة كتحدي كبير أمام الاتحاد الأفريقي ودوله، لذا بات ثقل تحقيق المبادرات الكبرى التي طرحت في عام 2019 منصبا علي كاهل الرئيس تشيسيكيدي الذي سيسعي إلي البناء على الانجازات المصرية فضلا عن المضي قدما في اجراءات التعافي من وباء كورونا، لذا كانت زيارته الأخيرة للقاهرة كانت من أجل الوقوف علي أبعاد خطط الاستقرار السياسي والأمني وكذلك الخطط التنموية التي أقرت في السابق حينما كانت عهدة رئاسة الاتحاد الأفريقي في القاهرة.

تحديات ملحة

تواجه رئاسة تشيسيكيدي للاتحاد الأفريقي تحديات ملحة متشعبة بعضعها نابع من الزمات الأفريقية المتعاقبة والبعض الأخر  ناجم عن تطورات أزمة وباء كورونا ومن أبرز تلك التحديات:

  • التعافي من كورونا: سجلت أفريقيا تقريبا حوالي 3.6 مليون حالة اصابة بوباء كورونا خلال عام 2020 وذلك وفق احصائيات مركز علوم النظم بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، الأمر الذي يفرض تحديا حول قدرة القارة الأفريقة علي مواجهة تفشي الفيروس فضلا عن دور الاتحاد الأفريقي في دعم حصول الدول الأفريقية على اللقاحات المقترحة، فحتي هذه اللحظة لا توجد مبادرة أفريقية واحدة لتنظيم حصول الدول الأفريقية على أي لقاح مقترح.
  • منطقة التجارة الحرة: تعرضت اتفاقية انشاء منطقة تجارة حرة أفريقية إلي التعطيل بعض الوقت نظرا لحالة الإغلاق التي شهدتها أفريقيا خلال الشهور الماضية، لذامن المتوقع أن يشهد الاتحاد الأفريقي خلال الفترة المقبلة استكمال استحقاقات منطقة التجارة الحرة الأفريقية، هذا فضلا عن الإصلاح الإداري والمؤسسي والمالي في الاتحاد الأفريقي.
  • أزمة سد النهضة: حملت زيارة الرئيس الكنغولي للقاهرة قبيل تسلمه لمهام رئاسة الاتحاد الأفريقيمغزى أخر وهو محاولة الوصول إلي حل مرضي في أزمة سد النهضة المشتعلة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر، إذ ستشكل تلك الأزمة على مدار عام 2021 التحدي الأولي لرئاسة كينشاسا للاتحاد الأفريقي وذلك للعوامل التالية، هي أن الاتحاد الأفريقي دخل على خط الوساطة بين الدول الثلاث خلال عام 2020 ولم ينجح حتى هذه اللحظة في الوصول إلي صيغة مرضية لاتفاق ملزم بين الدول الثلاث، والأهم من ذلك هو  وقوع جمهورية الكونغو  الديمقراطية ضمن إطار  دول حوض النيل أي أنها معنية بالأزمات بين دول الاقليم الأمر، وسابقا رفضت كينشاسا التوقيع على اتفاقية عنتيبي واختارت الوقوف في صف كل من مصر والسودان، لذا ستحاول أن تكون حلقة وسيط بين مصر وإثيوبيا والوصول إلي صيغة اتفاق مناسبة لن ترضي مصر وإثيوبيا فقط بل كل دول حوض النيل.
  • تصاعد الصراعات الأفريقية: يعد تحدي وقف الصراعات داخل القارة عبئا وتحديا أمام الكونغو الديمقراطية خاصة الصراع الدائر حاليا في إقليم التيجراي في شمال إثيوبيا وكذلك الحرب الحدودية الدائرة بين الجيش السوداني وبعض الميليشيات الإثيوبية، كما تشكل الأزمة المتصاعدة في أفريقيا الوسطي تحديا للاستقرار الأمني في وسط أفريقيا.
  • تصاعد خطر الجماعات الإرهابية: لفترة قريبة كانت دول وسط وشرق أفريقيا وتحديدا الكنغو وتنزانيا وموزمبيق في مأمن من التنظيمات الإرهابية التي تعج بها دول القرن الأفريقي ودول الساحل والصحراء ودول غرب أفريقيا، ومؤخرا تعاظم دور تنظيم داعش في شرق الكونغو  خاصة بعد تمكنه في أكتوبر 2020 من مهاجمة أحد السجون في شرق البلاد ونجح في تهريب أكثر من ألف سجين، لذا سيسعي تشيسيكيدي خلال فترة رئاسته للاتحاد الأفريقي إلي جذب انتباه المجتمع الأفريقي للخطر الإرهابي المتصاعد في بلاده.