كتبت – أسماء حمدي

في عام 1965، تم الانتهاء من سد أكوسومبو على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال العاصمة الغانية أكرا، وبعد أربع سنوات من العمل، وعلى ارتفاع 440 قدمًا فوق مستوى سطح الأرض، انغلق السد في إنجاز هندسي، وتشكلت بحيرة فولتا، التي ما تزال واحدة من أكبر الخزانات من صنع الإنسان في العالم.

امتد هذا الخزان الهائل على جزء كبير من البلاد وأغرق غابات كاملة من الأشجار، ووسط كل سحر وجمال البحيرة، ما تزال هناك حقيقة مؤلمة حيث ارتبطت أيضًا بالاستخدام المفجع لعمالة آلاف الأطفال في صناعة صيد الأسماك الضخمة.

كان السد يوفر في يوم من الأيام كل الكهرباء لغانا، كما أن البحيرة استخدمت للسفر السريع والرخيص عبر سطحها البالغ 400 كيلومتر، وهي أرض خصبة لصيد الأسماك، وتمثل 90% من إجمالي إنتاج مصايد الأسماك الداخلية في غانا.

أولاد فولتا

من أجل كتابه الجديد “أولاد فولتا”، زار المصور الأمريكي جيريمي سنيل البحيرة لالتقاط حياة الآلاف من الأولاد الذين يصطادون هناك، في صوره الملتقطة بعمق حقل ضحل، تظهر البحيرة وهي تبتلع الأشكال البشرية، ما يبدو أنه لا يوجد شيء خارج الامتداد المتموج للأزرق.

يقول سنيل -المقيم في نيويورك لكنه نشأ في آسيا في حديث لصحيفة “الإندبندنت”- “بدت الحياة في البحيرة وما حولها وكأنها قصة خيالية، ثلاثة آلاف ميل من مياه السدود تغطي ما كان في السابق غابات كبيرة وسفوح تلال؛ لذلك يمكن رؤية جذوع آلاف الأشجار وهي تنجرف عبر مياهها، كانت هناك عواصف رعدية هائلة في فترة بعد الظهر من شأنها أن تضيء اتساع البحيرة وتثير الرهبة في كل من كانوا عليها، حتى منتصف النهار على البحيرة بدا وكأنه يحتوي على نوع من الغرابة المصاحبة للحرارة والأشجار العائمة”.

“إلى جانب صور الصيادين الذين يعملون في البحيرة، وجدت نفسي مفتونة بوجوه وعيون الأطفال الذين كانوا يعيشون في الجوار، ومن خلال البورتريه، كنت أتمنى أن أنقل الجمال في لحظات بسيطة، حيث تتمتع البحيرة بمزيج قوي وطاقة عاطفية”، بحسب سنيل.

تبدو هذه الفروع الطويلة التي ترتفع من البحيرة شبه قوطية في طبيعتها، حيث دمرت بحيرة فولتا 15000 منزل و740 قرية، مما يجعلها مقبرة ثقافية ومكانًا للحياة الوفيرة، وهناك أناس على قيد الحياة يمكنهم تذكر المشي إلى المزارع التي تقع الآن في قاع البحيرة، وكتب الشاعر نيي أيكوي باركس في مقال مصاحب للكتاب، كما لو أن لدينا “أطلانتس الأسطورية” هنا داخل حدودنا.

كتب باركس: “سيخبرك الراقصون الأثرياء أن “فولتا” تعني الانعطاف إلى لغة لا تهم بقدر أهمية إشارة الجسم، وعلى طول ساحل غرب أفريقيا، نعرف إيقاع الماء جيدًا بما يكفي للالتفاف معه عندما تتغير خطوات الرقص”.

“وإذا كنت ستغطس في مركزها في الساعة التي لا ينفصل فيها سواد الماء عن ليل الأرض، فقد تختفي على عمق 70 مترًا تحت الأمواج اللطيفة وتظل فوق مستوى سطح البحر، وما تزال تلمس جذر نبتة كاملة النمو”، يقول سنيل.

ومع ذلك، هناك مصدر آخر للظلام في البحيرة، حيث أظهر تقرير نشرته منظمة “البعثة الدولية للعدالة”، وهي منظمة دولية غير حكومية عام 2013، أن أكثر من نصف الأطفال الذين يعملون في مياه بحيرة فولتا الجنوبية تم الاتجار بهم للعمل القسري، وغالبًا ما يتم بيعهم من قبل الآباء لأقارب آخرين أو معارف يعملون في البحيرة.

يقولون: إن غالبية هؤلاء الأطفال، ومعظمهم من الأولاد، يبلغون من العمر 10 سنوات أو أقل وهم أصغر من أن يعملوا بشكل قانوني في مثل هذه الصناعة الخطرة.

حصل كتاب “أولاد فولتا” على جائزة Portrait of Humanity لعام 2020، يقول سنيل: “بالنسبة لي، تشير الصور إلى جمال البحيرة وأولئك الذين يعيشون عليها، وتعقيد الحياة في المنطقة، والمواقف الغادرة التي يجد بعض هؤلاء الأطفال أنفسهم فيها”.

تقول منظمة “البعثة الدولية للعدالة”، إنها تعمل مع شركاء في نظام العدالة الجنائية لضمان حصول أجهزة إنفاذ القانون والمدعين العامين على التدريب والدعم الذي يحتاجون إليه لتحديد الضحايا المحتملين، وإطلاق عمليات الإنقاذ واعتقال المشتبه بهم.

يعتبر صيد الأسماك الآن أحد الصناعات الرئيسية للناس في غانا، لأن التجارة تتطلب ساعات طويلة في ظروف صعبة في كثير من الأحيان.

عمالة الأطفال

تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في غانا، النابضة بالحياة التي تجنبت إلى حد كبير المجاعة الجماعية والصراع العرقي وأعمال العنف الأخرى التي ابتليت بها دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا والنيجر ومالي.

تقول بعثة العدالة الدولية، في عام 2019 عمل ما يصل إلى 50000 طفل غاني حوالي 30% منهم فتيات، في صناعة صيد الأسماك مقابل أجر ضئيل أو من دون أجر في ظل ظروف خطرة، إن لم تكن مميتة.

كثير من الناس في غانا لديهم آراء مختلفة عن الطفولة وعمالة الأطفال عن أجزاء أخرى من العالم، حيث تسمع ادعاءات في غانا بأن صيد الأطفال هو ممارسة محلية، وربما حتى “تدريب مهني”، ويجب أن يساهم الطفل في دخل الأسرة، وإن كان ذلك تحت إشراف بالغ أو المجتمع.

في عام 2003، عندما بدأ جورج أشيبرا، المدير التنفيذي لقرية الحياة، بإنقاذ الأطفال من منطقة بحيرة فولتا، وجد أنهم جميعًا يعانون جسديًّا أو عقليًّا أو كليهما، مشيرًا إلى أن حمى التيفود والملاريا والبلهارسيا (التي تسببها دودة طفيلية) شائعة بين الأطفال الذين عملوا في البحيرة، إلى جانب مشكلات مثل عدم القدرة على الثقة بالآخرين والنوم جيدًا.

يقول أشيبرا عن هذه الممارسة: “هذه الممارسات ليست غانية، وإذا استمر استخدام الأطفال بهذه الطريقة، فسوف يضيع مستقبلهم”.