كتبت – أماني ربيع

أُجبرت لورينزا بيرون على مغادرة منزلها في جزر شاغوس عام 1970، وأرسلت على متن قارب إلى سيشيل، بينما أرسل والديها وإخوتها إلى موريشيوس، ومر نحو عقدين من الزمن قبل أن يعثر أحدهم على الآخر مرة أخرى، لكن لم يكن أي منهم قادرا على تحمل تكاليف لم الشمل، لذا لم ترَ بيرون، البالغة من العمر 76 عامًا الآن، عائلتها مرة أخرى.

تقول بيرون: “أردت أن أذهب لرؤيته، لكن لم يكن لدي المال الكاف لتحقيق أمنيتي.”

حكم مع وقف التنفيذ

كانت بيرون من بين نحو 2000 شخص أجبرهم الجيشان الأمريكي والبريطاني على مغادرة جزر شاغوس في أرخبيل المحيط الهندي، حيث أجرت بريطانيا، المالكة للأرض، أكبر جزيرة المعروفة بـ “دييجو جارسيا” إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبناء قاعدة عسكرية فيها.

وفي سبعينيات القرن الماضي، منحت المملكة المتحدة حكومة موريشيوس 4.65 مليون جنيه إسترليني لتوزيعها على سكان تشاغوس كتعويض، لكن لم يتم دفع أي أموال للأشخاص الذين تم إرسالهم إلى سيشيل.

في فبراير 2019، أصدرت محكمة العدل الدولية (ICJ) في لاهاي حكمًا لصالح مطالبة موريشيوس بملكية الأرخبيل، وحكمت في رأي استشاري بأن استمرار إدارة بريطانيا للجزر كان غير قانوني وطالبتهم بتسليم الأراضي إلى الجزيرة.

ويأمل المنفيون أن تتغير أوضاعهم عقب تقديم التماس جديد للخارجية الأمريكية، التي تمنح تعويضات عن إصابة غير المقاتلين أو الوفاة أو الأضرار التي لحقت بالممتلكات من قبل أفراد الجيش الأمريكي في الخارج.

وقال جوناثان ليفي، المحامي المقيم في الولايات المتحدة والذي يمثل شعب شاغوس في الالتماس: “استنادًا إلى قرار الأمم المتحدة عام 2019، هناك احتلال غير قانوني لجزر شاغوس”.

وأضاف: “نحن نقول للحكومة: أنتم مدينون بدفع تعويضات لشعب شاغوس بسبب تشغيل قاعدة عسكرية على ممتلكاتهم”.

في أكتوبر الماضي، رفضت القوات الجوية الأمريكية الالتماس الأول ، مبررة ذلك بأن دفع المطالبات ليس في مصلحة الحكومة الأمريكية، ومع ذلك ، يخطط الفريق القانوني لاتخاذ إجراء قانوني جديد بعد تولي الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه في يناير.

ويعلق الممثلون القانونيون لأهل شاجوس أمالهم على مساعي إدارة بايدن القادمة إلى تغيير السياسة الخارجية الأمريكية، ويُعد أرخبيل شاغوس مكانًا جيدًا للبدء من خلال الاعتراف بمطالبات الشاغوسيين بممتلكاتهم وأراضيهم ودفع تعويض بسيط، نظرًا للقيمة الهائلة لاستخدام أرض “دييجو جارسيا” دون إيجار على مدى العقود الخمسة الماضية، بحسب ما ذكر ليفي لصحيفة “الجارديان” البريطانية.

وأكد أوليفييه بانكولت إن هناك نقصًا في النوايا الحسنة من جانب الحكومة البريطانية بحسب موقع دويتش فيله في نسخته الإنجليزية، مشيرا إلى أن أهل شاغوس يواصلون الضغط علىا لحكومة البريطانية.

وقال: “عندما كان صبيًا صغيرًا، كنت ضمن سكان تشاغوس الذين أُجبروا على إعادة التوطين، وأعيش اليوم في موريشيوس كمحامٍ يقاتل من أجل عودة سكان شاغوس وأحفادهم إلى الجزر. “

معاناة في المنفى

تصور كتيبات السفر جزر سيشل كجنة على جزيرة، وواحة من الشواطئ الذهبية والمياه الصافية، لكن بالنسبة لأهل شاغوس هي منفاهم الإجباري حيث عانوا لعقود من التمييز والفقر والتشرد والأوضاع البائسة.

كان جان جوزيف بيرون، ابن لورنزا،  ينام تحت شجرة جوز الهند عندما وصلت والدته مع زوجها وأطفالها الثلاثة إلى سيشيل عندما كان طفلاً، هذه الشجرة كانت ملاذهم لبعض الوقت.

يقول جان جوزيف، البالغ من العمر 55 عامًا ، والذي كان يبلغ من العمر خمس سنوات عندما وصل إلى الجزيرة: “كنت أذهب إلى المدرسة دون حذاء، والمشي إليها كان يستغرق ساعة، وفي طريقنا كنا نقطف الفاكهة فهذا هو إفطارنا، لأنه لم يكن لدينا المال لشراء ما نأكله.

ويضيف بحزن: “كان التركيز في مذاكرة الدروس مستحيلا على معدة فارغة.”

سخر السكان المحليون في سيشل من الوافدين الجدد، وطلبوا منهم العودة من حيث أتو، كانو يعتبرون الشاجوسيين قادمين من منطقة غير حضارية وقذرة.

كافحت باستمرار الأسرة لتغطية نفقاتها، وجد الزوج عملاً كصياد سمك، وفي النهاية تمكنت الأسرة من بناء منزل صغير في الغابة ، ليس بعيدًا عن أشجار جوز الهند التي ناموا تحتها في البداية.

تقول لورنزا: “لم نفتقر إلى الطعام أبدا في شاغوس، كنا نحضر الأسماك من المحيط إذا أردنا وجبة سمك، لكن هنا الحياة صعبة.. صعبة للغاية، أنا أعاني.”

أما جورجيت جيندرون ، 67 عامًا ، من دييجو غارسيا ، إلى سيشيل في سن 12 عامًا مع والديها وخمسة أشقاء، عاشت العائلة بأكملها في غرفة واحدة ضيقة في قبو منزل أحد الأقارب.

تقول: “لم يكن هناك منزل، ولا طعام ، ولا شيء على الإطلاق، هل يمكنك تخيل أن يُطلب منك الذهاب مع كل هؤلاء الأطفال، بلا مكان.”

وتضيف: “كنا مثل اللاجئين تماما، أمي كانت بائسة وتعاني من مشكلات صحية عديدة، ولم يكن أبي يعمل ليؤمن لنا المال.”

صادف أن سيريل برتراند ، 72 عامًا ، كان في سيشيل لتلقي العلاج الطبي عندما تم إغلاق جزر شاغوس. تم إرسال عائلته – سبعة أشقاء ووالده – إلى موريشيوس.

ويتذكر سيريل برتراند بحزن: ” طارد الجيش عائلتي بالبنادق، لم يرغبوا في مغادرة الجزيرة، إنها قصة حزينة.”

استقر برتراند في سيشيل، وتزوج ووجد وظيفة، وكان من بين القلائل الذين يستطيعون زيارة أسرته في موريشيوس، لكنه يؤكد أن العديد من الشاغوسيين ليسوا محظوظين. مثله.

بلغ برتراند الآن 72، وانفصل بشكل دائم عن عائلته، كان في سيشيل لتلقي العلاج الطبي عندما تم ترحيل بقية أفراد عائلته إلى موريشيوس.

والعديد من الجيل الأول من السكان المنفيين من شاغوس هم من كبار السن يعانون الفقر، ولا يعتقدون أن بإمكانهم رؤية وطنهم أو لقاء عائلتهم مرة أخرى، يقول برتراند: “يموت معظمهم هنا في سيشيل، “لم يستطيعوا الوصول إلى موريشيوس أبدًا رغم من أن لديهم عائلة هناك “.

نفاق أبطال الحديث المزدوج

في عام 2016 ، كشفت الحكومة البريطانية عن حزمة دعم بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني لمشاريع مجتمعية لمواطني شاغوس الذين يعيشون في المملكة المتحدة وموريشيوس وسيشيل، على أن يتم دفعها على مدى عقد من الزمان، وحتى الآن تم توزيع أقل من 2٪ من هذه الأموال، ويعتقد معظم الشاغوسيون أنهم لم يستفيدوا من هذا المال، فالتعويض بالنسبة لهم هو أن يمتعوا بحياة أفضل في منفاهم، أو يعودوا إلى وطنهم ويروا عائلتهم مجددا.

تقع موريشيوس في المحيط الهندي، وأجبرت أهلها على التنازل عن الأرخبيل عام 1966 مقابل الاستقلال، كان أرخبيل شاغوس، الذي تنازلت عنه فرنسا لبريطانيا بعد سقوط نابليون عام 1814 ، جزءًا من المستعمرة البريطانية  التي تضم موريشيوس.

في نوفمبر 1965 ، اشترت المملكة المتحدة الأرخبيل بأكمله من مستعمرة موريشيوس المتمتعة بالحكم الذاتي آنذاك مقابل 3 ملايين جنيه إسترليني وأنشأت إقليم المحيط الهندي البريطاني (BIOT) بعد استحواذ بريطانيا على الأرخبيل، أجرت أكبر جزيرة ، دييغو غارسيا ، لأمريكا عام 1966.

وبين عامي 1968 و1973، أجبر أكثر من 2000 شاغوسي على مغادرة الجزيرة للسماح ببناء قاعدة جوية أمريكية، وتم تمديد عقد الإيجار حتى عام 2036 بعد أن تم تجديده في عام 2016، وانطلقت طائرات أمريكية من القاعدة لتنفيذ مهام قصف في أفغانستان والعراق، كما ورد أن وكالة المخابرات المركزية استخدمت القاعدة لاستجواب بعض المعتقلين.

بعد ثلاثة أشهر من حكم محكمة العدل الدولية ، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا بأغلبية ساحقة بأغلبية 116 مقابل 6 أصوات لصالح تسليم المنطقة إلى حكومة موريشيوس ، وفقًا لتقارير بي بي سي.

على الرغم من ذلك بالإضافة إلى مطالب الاتحاد الأفريقي لبريطانيا بإنهاء “إدارتها الاستعمارية المستمرة” للجزر، إلا أن الدولة الاستعمارية السابقة ظلت مصرة على موقفها.

وقالت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في البلاد في بيان في نوفمبر 2019: “ليس لدى المملكة المتحدة أدنى شك في سيادتنا على إقليم المحيط الهندي البريطاني (BIOT) ، الذي يخضع للسيادة البريطانية المستمرة منذ عام 1814”.

وزعم البيان: “لم تحتفظ موريشيوس مطلقًا بالسيادة على BIOT والمملكة المتحدة لا تعترف بمطالبتها”. جاء الرد بعد أن استنفدت المملكة المتحدة مهلة ستة أشهر منحتها الأمم المتحدة لسحب “إدارتها الاستعمارية” في تشاغوس في نوفمبر 2019.

ووصف رئيس وزراء موريشيوس ، برافيند جوغنوث، في أكتوبر الماضي، المملكة المتحدة والولايات المتحدة بـ “المنافقين” و “أبطال الحديث المزدوج” بسبب رفضهم تسليم جزر شاغوس، وأضاف جوغونث في حديث إلى حشد من الشاغوسيين وأحفادهم قائلا: “إنهم منافقون عار عليهم عندما يتحدثون عن حقوق الإنسان والاحترام”.

ودعا البابا فرانسيس بقداس في سبتمبر 2019 الولايات المتحدة وبريطانيا بإعادة الأرخبيل إلى موريشيوس.