كتبت – أسماء حمدي

تشكل الألغام التي زرعتها الجماعة المتطرفة وغيرها من التنظيمات المسلحة في الشمال الشرقي في نيجيريا، تهديدا خطرا كبيرا خاصة على ملايين المدنيين والنازحين داخليا، الذين يكافحون من أجل البقاء.

خلّفت الألغام المزروعة خلال الصراع بين بوكو حرام والجماعات المسلحة الأخرى والجيش النيجيري 408 قتيلاً و 644 جريحًا بين يناير 2016 وحتى أغسطس 2020 م، بحسب ما ذكرته المجموعة الاستشارية للألغام (MAG).

منذ مارس 2018، سجلت البلاد ما معدله خمس ضحايا للألغام الأرضية في الأسبوع، ويُعتقد أن الأرقام الفعلية أعلى بسبب نقص الإبلاغ، وشهدت الأسابيع الخمسة عشر الأولى من عام 2020 ضحية واحدة في اليوم.

وحلت نيجيريا في المركز الخامس عالميا من حيث عدد ضحايا الألغام والعبوات الناسفة من المدنيين، ووقعت معظم الضحايا في ولاية بورنو، حيث كان تأثير تمرد بوكو حرام الجهادي المستمر منذ 11 عامًا محسوسًا بشدة.

غالبا ما يتم زرع الألغام في مناطق نائية وحول قواعد الجيش، ويحاول الجيش النيجيري إزالتها لكنه لا يكشف عن بيانات عن عمله، حتى لمجموعات التطهير في المنطقة.

الألغام لا تنتهي أبدا

في مايدوجوري كبرى مدن ولاية بورنو، يعيش مئات الآلاف من الأشخاص في مخيمات مكتظة تشرف عليها الحكومة أو يتم تجميعهم في ملاجئ هشة في المدينة، هربا من أعمال العنف بين الجيش والجماعات الجهادية.

«يوجد العديد من النيجيريين النازحين في منطقة غير مألوفة ولا يدركون المخاطر، إنهم يخرجون لحرث أراضيهم الزراعية، أو للبحث عن الحطب أو الخردة المعدنية في المناطق الممتلئة بالألغام الأرضية مما يؤدي إلى عواقب وخيمة»، بحسب زينب وزيري من المجموعة الاستشارية للألغام (MAG)، وهي منظمة غير حكومية تساعد الأشخاص المتضررين من الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة والأسلحة الصغيرة والخفيفة.

«كنا نفر ونركض بينما تعرضنا للهجوم في باغا، حيث قام شخص ما بتفجير لغم أرضي وتم تفجيرنا جميعًا، مات الكثيرون، وأصيبت بجروح بالغة»، بحسب ما تروي زارا أبو بكر، وهي أم لثمانية أطفال، تعيش في مايدوغوري، وقُتل زوجها في انفجار لغم أرضي سابق.

وفي حديثها لصحيفة «الجارديان» البريطانية، تشير وزيري إلى أن الألغام تشكل تهديدًا مميتًا بشكل خاص للأطفال، الذين غالبًا ما يخطئون في استخدامها كأدوات منزلية أو ألعاب.

في نوفمبر الماضي، عثرت خمس فتيات تتراوح أعمارهن بين ثماني سنوات و 17 سنة على خاتم معدني على الأرض، تقول:«كان اثنان منهم من بنات أختي، ظنوا أنها قد تكون مجوهرات، حملها أحدهم لكنها كانت مرتبطة بقنبلة، كلهم ماتوا».

في حادثة أخرى، أصيبت مامزة وصديقتها فالماتا بجروح بالغة عندما فجر مصطفى البالغ من العمر تسعة أعوام حفيد فالماتا قنبلة يدوية كان يلعب بها، اعتقد مصطفى وعمه باكورا البالغ من العمر 14 عامًا أن القنبلة كانت جزءًا من مضخة مياه ويمكن بيع القطعة المعدنية كخردة، وأعادوها إلى المخيم حيث كانوا يحتمون في مايدوجوري، لكنها انفجرت، مما أسفر عن مقُتل مصطفى على الفور، وإصابة باكورا وجاره بجروح خطيرة.

بينما يحكي إدريس آدم، الذي يعيش في مخيم مايدوجوري، عن انفجارات الألغام الأرضية التي شاهدها بالقرب من قريته، قائلا: «لقد استخدمنا دائمًا الطريق للذهاب إلى كوندوغا، ذات صباح كان صبي يأخذ عربة تجرها بقرتان تحمل الذرة إلى السوق، لكن العربة انفجرت خارج القرية، وأصيب الصبي وقتلت البقرتان، ثم ذهبت عربة أخرى لإحضار جثث الحيوانات لكنها انفجرت أيضًا، مما أدى إلى مقتل صاحبها هو وأبقاره، وإذا تمكنا من العودة إلى ديارنا، فلن نتمكن من استخدام الطرق مرة أخرى فهذه الألغام الأرضية تدوم إلى الأبد ولا تنتهي أبدا».

في باما شمال شرق نيجيريا، والتي كانت تحت سيطرة بوكو حرام لأكثر من عام وتعرضت لهجمات متكررة، ومنذ أن استعادت الحكومة سيطرتها على المدينة عام 2015، يعيش أكثر من 40 ألف شخص في مخيم للمشردين داخليا، كان يستخدم كمستشفى المقاطعة.

تروي حنوى التي تحمل طفلتها حليمة البالغة من العمر 13 شهرًا والتي تعاني من سوء التغذية: «قُتل زوجها على يد مسلحين في 2018 وتمكنت من الخروج من الهرب من بوكو حرام مع أطفالي الستة الذين كانوا على وشك الموت جوعا».

في مرمى النيران

في بلدة غوزا والتي سيطرت عليها بوكو حرام عام 2014، واستعادتها القوات المسلحة النيجيرية بعد عام، تتجمع النساء بالقرب من مخيم للنازحين في انتظار السماح لهن بعبور الخندق للزراعة في الحقول لمدة ساعتين، حيث يُسمح لهم فقط بالابتعاد لمسافة 500 متر خلف الخندق، تاركين المخيم بأمان، وهم معرضون لخطر الاختطاف والقتل والألغام الأرضية.

يوضح إبراهيم مبايا، رئيس مخيم النازحين داخليًا في غوزا، أنه قبل أسبوعين كان هناك هجوم من قبل بوكو حرام في الليل، وأصبح المخيم في مرمى النيران، مشيرا إلى أن الهجمات تعني وجود قذائف غير منفجرة، نحن ممتنون للمجموعة الاستشارية للألغام (MAG) لمساعدتنا في تعلم كيفية التعرف على التهديد، حيث يعثر الأشخاص على أشياء ويبلغونني بها الآن بدلاً من محاولة التقاطها.

في باما، تزين رسومات بوكو حرام جدران مدخل مبنى احتلته الجماعة المسلحة لمدة عامين، وتم تدمير جزء كبير من المدينة خلال سيطرتهم عليها ولا تزال مناطق واسعة غير مأهولة، وتضم المدينة مخيم للنازحين داخليا يأوي حوالي 43000 شخص.

جهود إنقاذ الأرواح

في العام الماضي، التزمت نيجيريا بأن تصبح خالية من الألغام بحلول عام 2025، وأعلنت أنها ستعيد إنشاء مجموعة عمل وطنية، لكنها لم تفعل ذلك بعد، وإن عدم وجود وكالة لتنسيق العمل يعيق جهود إنقاذ الأرواح.

يجب أن تطمئن العائلات النازحة إلى أن منازلهم وأراضيهم آمنة قبل تشجيعهم على العودة إلى ديارهم، ولذلك يجب دمج مكافحة الألغام في خطط الحكومة للعودة.

كما يظل الوعي بين السكان يمثل تحديًا، حيث وجدت المجموعة الاستشارية للألغام (MAG)، أن 22٪ فقط من الأشخاص في المجتمعات المتضررة من النزاع يمكنهم التعرف على لغم أرضي أو ذخيرة غير منفجرة.

يبدو أن الهجمات المستمرة من قبل بوكو حرام وولاية غرب إفريقيا التابعة لتظيم «داعش»، والتي انفصلت عن الجماعة في عام 2016، تتفاقم حيث قُتل ما لا يقل عن 110 مزارعين أثناء رعايتهم لحقول الأرز في ولاية بورنو الشهر الماضي.

وبحسب وسائل إعلام محلية، يقول السكان إن الجهاديين كانوا يتواجدون بشكل كبير في المدينة، وغالباً ما يطلبون من الناس مساعدتهم في نقل البضائع إلى مخابئهم، وتزايدت التقارير عن إرغام الجهاديين للسكان في المناطق النائية على دفع الضرائب وتوفير الطعام.

وتكررت ادعاءات الحكومة بأنها هزمت الجماعات، وقللت من شأن الهجمات على المدنيين والجيش، وحثت ملايين اللاجئين على العودة إلى مدنهم، لكن استراتيجية تحصين المناطق الحضرية جعلت الريف وطرق العبور عرضة للهجوم.

وتشير التقارير إلى أن أكثر من 10 ملايين شخص في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي، آي أكثر من نصف سكان المنطقة بحاجة إلى مساعدة إنسانية، حيث واحد من كل أربعة منهم دون سن الخامسة.