أماني ربيع

يثير التوسع السريع في استخدام التكنولوجيا الرقمية من قبل المجموعات الدولية في الصومال القلق بشأن المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص الذين يتم جمع بياناتهم، خاصة مع استمرار جائحة فيروس كوفيد 19 التي أدت لتسريع استخدام برامج وتطبيقات الدفع الإلكتروني من قبل المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات والإغاثة.

وبدأ عدد من الموظفين الدوليين في إثارة مشكلة هامة، فمن خلال عملهم مع عدد من المنظمات غير الحكومية، قالوا: إن تلك المنظمات لا تفكر في ما يتعلق بحماية بيانات الأشخاص الذين يقدمون لهم المساعدة، ما يعرضهم للخطر إذا ما تمت سرقة هذه البيانات.

وقال عبدالفتاح حسن -مدير منظمة “المأوى الرقمي” الحكومية في مقديشو- “إنه أمر خطير للغاية إذا فقدت البيانات أو وقعت في اليد الخطأ”.

وأضاف: “رأينا مؤخرًا أشخاصًا قتلوا بعد تسريب معلوماتهم الشخصية، الأمر ليس بسيطًا، هذه مسألة حياة وموت، ويجب على المنظمات غير الحكومية التمسك بالمبدأ الإنساني المتمثل في «عدم إلحاق الضرر» عند تقديم المساعدة للفقراء”.

الموت ثمنا لطلب المساعدة

واضطر الكثيرون ممن يعيشون في مخيمات النازحين من المناطق التي تسيطر عليها جماعة الشباب الإسلامية إلى الفرار، خاصة مع تزايد التهديدات من قبل الجماعة المتطرفة التي تجندهم إجباريا وتطلب منهم عدم طلب المساعدة من “الكفار”، لكنهم هربوا من التجنيد بالجماعة وتحدوا أوامرها، وهو ما يعرض حياتهم للخطر في حال تم تسريب بياناتهم الخاصة؛ مثل الاسم والموقع ورقم الهاتف المحمول، والتي يعطونها لمنظمات الإغاثة لتسهيل التواصل وتقديم المساعدات.

وعلق أحد الموظفين المحليين الذين عملوا في برنامج التحويلات النقدية بالصومال: “أحيانًا يُطلب من قادة المجتمع إعطاء الموافقة نيابة عن المستفيدين الذين يختارونهم بدلاً من إعطاء كل فرد موافقته”.

وأوضح: “بمجرد وضعهم في النظام، لا أحد يعود إليهم بشأن كيفية استخدام بياناتهم.”

وتقوم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الشريكة بجمع كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك معلومات التعريف الشخصية للأشخاص المعرضين للخطر، والتي يتم مشاركتها عبر العديد من المنظمات وشبكات الهاتف المحمول، ما يزيد من مخاطر تعرضهم للانتهاكات، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.

يعمل “الاتحاد النقدي الصومالي” (The Somali Cash Consortium) -وهو مجموعة تضم منظمة إنقاذ الطفولة والمجلس النرويجي للاجئين والمجلس الدنماركي للاجئين وكونسيرن ورلدوايد- على تنسيق نظام الدفع النقدي عبر الهاتف المحمول، ويتبع لائحة الاتحاد الأوروبي العامة الصارمة لحماية البيانات (GDPR)، والتي تحاول فرض مزيد من التحكم في كيفية استخدام البيانات الشخصية لطالبي المساعدات.

وقال أليساندرو بيني، مدير المنظمة: “تعد خصوصية البيانات مجال عمل مهم ومتزايد للوكالات الإنسانية والإنمائية نظرًا لأننا جميعًا بحاجة إلى البيانات لتقديم المساعدة”.

وأضاف: “منح الاتحاد الكثير الجهد والوقت في محاولة معالجة هذه المشكلة بالمستوى المطلوب من الرعاية والاهتمام.”

جهود غير كافية

لكن عمال الإغاثة الصوماليون، الذين يعيشون في الميدان، ويتعرضون للمشكلات الناجمة عن هذا الوضع يوميًّا يقولون: إن الجهود ما زالت غير كافية، ويؤكدون أن ضعف حماية البيانات يعرض الأرواح للخطر، خاصة إذا وقعت في الأيدي الخطأ.

مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين أصبحت المنظمات الحقوقية ومؤسسات الإغاثة غير الحكومية تستخدم نظم الدفع الإلكتروني عبر الهواتف المحمولة لإيصال المساعدات للمتضررين من النزاعات والصراعات في أفريقيا، وهو الأمر الذي أصبح شائعًا في الصومال منذ مجاعة عام 2011، لدعم العائلات النازحة في جميع أنحاء البلاد.

وأصبح هذا النموذج مرحبًا به لفعاليته في عمليات التدخل والإغاثة، ويقال: إن هذا النظام ساعد في تجنب مجاعة أخرى عام 2017.

ولكل منظمة سياساتها الداخلية الخاصة عند التعامل مع المستفيدين، وعادة ما يتم تحويل الأموال من خلال مشغلي شبكات الهاتف المحمول مثلHormuud ، أكبر شبكة في الصومال، ويتم صرفها عبر الهواتف المحمولة.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، وزع “Consortium” نحو 46 مليون دولار، بما يعادل 34 مليون جنيه استرليني إلى 600 ألف شخص.

وقال مسؤول محلي كبير مقيم في مقديشو -طلب عدم ذكر اسمه، بحسب “الجارديان”- “إن شركات الاتصالات تستخدم البيانات التي تم الحصول عليها من المنظمات الإنسانية لتسويقها الخاص، وهو ما لم يسجله المستفيدون”.

وأضاف:  “لسوء الحظ، يبدو أن المنظمات غير الحكومية لا تهتم بهذا الأمر، فهم لا يرون أنها مشكلة لمجرد أن الأشخاص الضعفاء لن يشتكوا أبدًا من انتهاكات البيانات خوفًا من فقدان المساعدة”.

وتابع: «عادة لا يقول الناس “لا” عندما نمنحهم المال، لذا نحاول أن نحصل منهم على موافقة مستنيرة، ويتم استلام الموافقة شفهيا عند جمع البيانات، أو شخصيا من خلال مراكز الاتصال الخاصة بنا، ونقوم بتسجيل المكالمات ومراجعتها لضمان تلقي موافقة المستفيدين بشكل صحيح».

وفي ظل جائحة كوفيد19 تواجه الحكومة الصومالية العديد من التحديات، منها: غزو الجراد، والفيضانات، وبحسب الأمم المتحدة، نحو 5.2 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة.

وعلق زكاري إسماعيل، المسؤول في إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالحكومة، قائلا: “إن الجهود جارية لتطوير التشريعات”.

وأوضح: “حقيقة عدم وجود قوانين لحماية البيانات لدينا في الوقت الحالي لا تعني أننا لا نأخذ الأمر على محمل الجد، نحاول التعاون مع المنظمات الإنسانية لحماية الفئات الضعيفة”.